قضايا استراتيجية

روسيا في عقيدتها العسكرية الجديدة
إعداد: كمال مساعد
باحث في الشؤون الإستراتيجية

تطوير الثالوث النووي وتحديد المخاطر الخارجية

صادق الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف على «عقيدة عسكرية جديدة» لروسيا الاتحادية تصنّف حلف شمال الأطلسي ناتو «أكبر المخاطر» المحدقة بأمن روسيا التي تحتفظ بحقها في استخدام القوة النووية دفاعاً عن نفسها. وكانت وكالة «نوفوستي» قد كشفت أن «الرئيس ميدفيديف أبلغ أعضاء مجلس الأمن القومي الروسي، أنه صادق على وثيقتين هما العقيدة العسكرية، وأسس سياسة الدولة في الردع النووي حتى العام 2020»، حيث تحتفظ روسيا بحقها في استخدام قوتها النووية للرد على أي هجوم نووي أو أي هجوم على هذا القدر من الخطر. حيث أن «العقيدة الجديدة» تلزم روسيا تعزيز الدفاعات الصاروخية ضد أي عدو محتمل، وتطوير ثالوثها النووي، الذي يضم أنظمة الصواريخ، والغواصات النووية المزوّدة صواريخ بالستية، وقاذفات إستراتيجية.  

 

المخاطر العسكرية الخارجية
الوثيقة التي كشف عنها الكرملين صنّفت، ضمن المرتبة الأولى لـ«المخاطر العسكرية الخارجية الأساسية»، سعي «الناتو» الى «عولمة مهماته العسكرية، منتهكاً بذلك معايير القانون الدولي». كما أشارت الوثيقة الى اقتراب «البنى التحتية العسكرية لدول الحلف الأطلسي» من الحدود الروسية، خصوصاً عبر توسيع الحلف. ومن المخاطر الأخرى التي تواجه روسيا، تطور محتمل «للنظام الإستراتيجي المضاد للصواريخ» بعدما كانت موسكو انتقدت مشروع الدرع الصاروخية، التي كانت واشنطن تعتزم نشرها في شرق أوروبا. وأشارت الوثيقة ايضاً الى خطر «الأسلحة الإستراتيجية التقليدية عالية الدقة»، حيث ترى موسكو أن على واشنطن أن تفرض على الأسلحة الإستراتيجية التقليدية القيود نفسها المفروضة على الأسلحة النووية. وتهدف العقيدة الجديدة الى تحويل القوات المسلحة قوات أكثر فاعلية وحركة، ودمج هياكلها لتنفيذ أفضل للمهمات، عبر استخدام وحدات مسلحة مشتركة.
وكشف سيرغي كورتونوف رئيس مجلس تخطيط السياسة الخارجية، أن تطور الوضع العسكري في العالم يفرض تعزيز القوات الإستراتيجية النووية مع حلول العام 2012 بنحو 600 صاروخ مرابط على الأرض و12 غواصة إستراتيجية و50 قاذفة إستراتيجية مجهزة لاستخدام السلاح النووي أو التقليدي، وما بين 1000 الى 1200 رأس نووي محمّل على الصواريخ العابرة للقارات والغواصات النووية.
يجدر بالإشارة أن روسيا أقرت عقيدتها العسكرية العام 2000 مستندة الى التغيّرات التي طرأت على العالم خلال السنوات التي أعقبت إنهيار الإتحاد السوفياتي، لكن التطورات المتلاحقة منذ ذلك العام أجبرتها على إعادة النظر في أولوياتها. وفي حين كان الكرملين يشدّد خلال السنوات الأربع الأولى من القرن الجديد على أن روسيا لا تواجه خطر الدخول في نزاعات مسلحة مع أي طرف أو بلد في العالم، يشهد العامان الأخيران، خصوصاً بعد المتغيرات الدولية، مراجعة لذلك، لكن مع المحافظة على إستراتيجية «عدم الدخول في صراعات أو الإنحياز الى طرف إقليمي ضد طرف آخر». إلا أن الخبراء العسكريين يؤكدون ضرورة الإستعداد لمواجهة أي تهديد للأمن الإستراتيجي، وقد برزت للمرة الأولى «مسألة جهوزية القوات الروسية لتوجيه ضربات إستباقية ضد أعداء محتملين، أو إمكان استخدام أطراف القوة لحل النزاعات»، ما يعتبر تهديداً مباشراً للأمن الروسي وسبباً لتحديث العقيدة العسكرية في مواجهة الإحتمالات العسكرية وغيرها.
لقد كانت العقيدة العسكرية الروسية أقرب الى العقيدة الدفاعية منها الى العقيدة الهجومية، فقد كان الخوف من المتربصين بالدولة، ومحاولات تشويه صورة روسيا والتدخل في شؤونها الداخلية، الشغل الشاغل للقادة العسكريين والسياسيين الروس، إضافة الى الحاجة الى تعزيز الأمن على الحدود الجنوبية لروسيا مع آسيا الوسطى والصين. ومن جهة أخرى، كان الجيش الروسي (وما يزال) يعتبر حلف الناتو تهديداً، ما يستلزم تقوية الجيش والإحتفاظ بقدرته النووية.
إن طبيعة التهديدات التي واجهتها روسيا، وتلك المحتمل مواجهتها فرضت تبني رؤية جديدة للعقيدة العسكرية الروسية. والحقيقة أن روسيا واجهت العديد من التهديدات الجيوسياسية العالمية، كان أخطرها على الإطلاق التهميش المتزايد من قبل الدول الغربية وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية للدولة الروسية، وبالطبع ما يزال مستمراً التهديد الذي يمثله حلف «الناتو» على الأطراف الغربية لروسيا، والمحاولات المستمرة لتوسيعه ليشمل بعض دول الإتحاد السوفياتي السابق.

 

التهديدات الجيوسياسية العالمية
تشكّلت العقيدة العسكرية الروسية الثانية (2005 - 2010) بناء على العوامل الجيوسياسية، وبالتالي فقد كانت التوجهات الإستراتيجية لتلك العقيدة أقرب ما تكون الى الإستنفار والمواجهة مع الغرب منها الى الموقف الدفاعي المتفرج، ومن أهم ما يمكن أن يشار اليه في هذا السياق، الإجراءات التالية: تجهيز القوات الروسية بالعتاد الإستراتيجي القادر على مواجهة التهديدات العابرة للقارات وعلى رأسها الأسلحة النووية، والوقوف بحزم وقوة في مواجهة محاولات التمرد والعصيان وانتهاك سيادة الدولة الروسية أو تلك الدويلات التي تستظل جناح روسيا كما حدث مع جورجيا، والوقوف بالجدية والحزم عينهما إزاء محاولات توسع حلف الناتو، بل واستخدام القوة اللازمة إن اقتضى الأمر.
في مرحلة تأكيد مكانتها العالمية تعتمد روسيا «عقيدة التوازن الإستراتيجي» (العقيدة الثالثة التي تتبناها روسيا في تاريخها الحديث)، وسيبدأ تطبيقها عملياً اعتباراً من العام 2011 وهي لم تأتِ من فراغ بل جاءت رد فعل على إستراتيجية الأمن القومي الأميركي المعلن عنها والتي استبعدت روسيا من قائمة حلفاء أميركا وأصدقائها في حربها ضد الإرهاب، على الرغم من أن روسيا كانت ضمن هذه القائمة. فالاستراتيجية الأميركية التي اعتمدت بعد 11 أيلول 2001، تعاملت مع روسيا بشكل سلبي ووضعتها ضمن الدول التي لا تطبق المعايير الديمقراطية الصحيحة واتهمتها بالتدخل في شؤون جيرانها ودعم أنظمة مارقة ومتطرفة مثل نظام الرئيس هوغو شافيز في فنزويلا. في المقابل تبنّت الإستراتيجية العسكرية الروسية بعض الخيارات العسكرية الإستثنائية كخيار إقدام روسيا على توجيه ضربات نووية إستباقية، وإمكان استخدام القوات العسكرية الروسية خارج الدولة، وتوسيع المناطق الحدودية لروسيا من مسافة خمسة كيلومترات الى خمسة عشر كلم خصوصاً في الجهات الغربية لروسيا. وبهذا تعود المنطقة الحدودية الروسية الى ما كانت عليه في زمن الإتحاد السوفياتي، وقد أحدث هذا القرار ردود فعل لدى واشنطن ولدى دول أوروبا الشرقية المجاورة لروسيا. ويدور النقاش ايضاً حول البند الذي يجيز استخدام الأسلحة النووية في النزاعات المحلية في حال وجود تهديد بالغ الخطورة على الأمن القومي الروسي.
وبالإضافة الى العقيدة العسكرية يجري التداول حالياً في الأوساط السياسية والعسكرية الروسية بما يعرف بالعقيدة السياسية، وهي تتمحور حول الدور الذي يمكن أن تؤديه روسيا على المستويين الإقليمي والعالمي، ولو اقتضى الأمر استعمال القوة العسكرية لحماية ثروتها الإقتصادية والإجتماعية. فموسكو تطمح الى استعادة موقعها على الساحة الدولية وذلك باستعادة قدراتها على الردع وإعادة التوازن من دون العودة الى الحرب الباردة.

 

المراجع:
• جريدة الحياة - روسيا تناقش تعديل عقيدتها العسكرية، 9/10/2009.
• وكالة «نوفوستي» الروسية، إستراتيجية الأمن القومي الروسي حتى 2020، 6/2/2010.
• جريدة قاسيون - العقيدة العسكرية الروسية الجديدة وكالة «RIA» الروسية، 3/2/2010.
• مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والإستراتيجية، 3/2/2010.
• وكالة «انترفاكس» الروسية، 2/2/2010.