روسيا والأزمة السورية: مصالح جيو – استراتيجية وتعقيدات مع الغرب

روسيا والأزمة السورية: مصالح جيو – استراتيجية وتعقيدات مع الغرب
إعداد: العميد الركن المتقاعد نزار عبد القادر
باحث في الشؤون الاستراتيجية

المقدمة

منذ اندلاع الإنتفاضة السورية في آذار/مارس 2011، مارست جامعة الدول العربية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مختلف أنواع الضغوط على نظام الرئيس بشار الأسد، عبر مجلس وزراء الخارجية العرب ومجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة. لم تنجح كل هذه الجهود في وقف استمرار حمام الدم، وذلك بسبب الموقف الروسي والصيني «المشترك» الداعم للرئيس الأسد، واستعمال حقّ النقض (الفيتو) تكرارًا من أجل تعطيل عدة قرارات دولية تقضي بإدانة استعمال النظام للقوة العسكرية المفرطة لسحق الانتفاضة.

تعرّضت موسكو بسبب مواقفها الداعمة للنظام السوري لانتقادات لاذعة من الدول الغربية والعربية، وقد ذهبت كل من المملكة العربية السعودية وقطر إلى اتهامها بإصدارها «إجازة» للنظام لقتل المدنيين الأبرياء. ومن ناحية ثانية تدرك موسكو، من دون شك، نتائج الاستمرار في موقفها الداعم للنظام، وبأنه سيؤدّي في نهاية المطاف إلى عزلها على المستويين العربي والدولي[1].

يطرح قرار القيادة الروسية تقديم هذا الدعم الدبلوماسي والعسكري للنظام مجموعة من الاسئلة حول الأسباب والدوافع للاستمرار في هذه السياسة: ما هي الأهداف التي تتوخّى موسكو تحقيقها في سوريا، ومن خلالها؟ إلى متى يمكن أن تستمرّ موسكو في موقفها المتعارض مع الإرادة الدولية والعربية؟ ما هي الدوافع للتعنّت الروسي؟ هل تنبع هذه الدوافع من مصالح استراتيجية واضحة أم أنها وليدة خلافات عميقة مع واشنطن حول قضايا استراتيجية تتعلّق بموازين القوى، وبالدور الذي تطمح روسيا في الاضطلاع به في السياسة الدولية؟ إلى متى يمكن أن تستمرّ موسكو في الاضطلاع بهذا الدور في ميدان الشرعية الدولية؟ وكيف يمكن محاورة موسكو وإقناعها بتغيير موقفها الراهن من النظام؟

سنحاول، من خلال هذا البحث، الإجابة عن كل الاسئلة المتعلّقة بالموقف الروسي من الأزمة السورية، واستشراف إمكان تبدّل هذا الموقف لتنخرط روسيا جديًا في الجهود العربية والدولية لإيجاد المخارج اللازمة لحلّ الأزمة السورية.

 

دور أساس لحماية النظام

تأتي أهمية دور روسيا لحماية نظام الأسد إنطلاقًا من العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية القائمة بين البلدين منذ عقود. صحيح أن هذه العلاقات قد ضعفت وأصيبت بحالٍ من الركود بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ولكنها سرعان ما استعادت حيويتها بعد تسوية قضية الديون التي كانت مترتّبة على سوريا، حيث قرّرت موسكو في كانون الثاني/يناير 2005 شطب 80 % من هذه الديون البالغة عشرة مليارات ونصف مليار يورو[2]. وتشكّل الآن التبادلات التجارية بين سوريا وروسيا 3 % من التجارة الخارجية السورية[3]، ولكنها ترتدي أهمية خاصة حيث أنها تشكّل الجزء الأساس من عملية إعادة تحديث القوّات المسلّحة السورية. يأتي معظم مشتريات الأسلحة المجهّزة بها القوّات المسلّحة السورية من الاتحاد السوفياتي السابق ومن روسيا الاتحادية، ولولا استمرار تدفّق هذه الأسلحة والذخائر اللازمة لها، لما استطاع النظام أن يخوض هذه الحرب الطويلة ضدّ المجموعات المسلّحة المعارضة. وسوف يؤدّي توقّف هذه الشحنات المتواصلة منذ أكثر من سنتين، إلى إضعاف موقع النظام في المواجهة.

ولا تقتصر أهمية الدور الروسي في حماية النظام على تدفّق الأسلحة والذخائر، بل يتعدّى الأمر ذلك ليشمل الحماية السياسية التي توفّرها موسكو لدمشق من خلال استعمالها حقّ النقض ضد كل مشاريع القرارات التي تقدّمت بها الدول الغربية إلى مجلس الأمن لإدانة النظام السوري، واتخاذ إجراءات رادعة ضده تحت الفصل السابع لشرعة الأمم المتحدة.

تصرّ موسكو على أن سياستها الراهنة ليست موجّهة (تحديدًا) لحماية الرئيس الأسد وإبقائه في السلطة، بل هي لخدمة سوريا وللحفاظ على وحدتها، من خلال تهيئة الظروف الملائمة لإجراء حوار بنّاء وهادف بين النظام والمعارضة، من أجل التوصّل إلى حلٍّ داخلي للأزمة[4]. لكن، هذه الحجج التي تقدّمها موسكو في شرحها لمواقفها داخل مجلس الأمن وخارجه تبقى واهية، وهذا ما أظهرته المؤتمرات الدولية التي انعقدت تحت عنوان «أصدقاء سوريا»، وأيضًا إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي خصّصت لبحث الأزمة السورية. هناك قناعة شبه شاملة أنّ ما تقوم به كل من موسكو وطهران يتركّز حول دعم النظام ومنع سقوطه، وذلك انطلاقًا من كونه الحليف الوحيد لهما في المنطقة.

نجحت روسيا باستعمالها تكرارًا لحق النقض في مجلس الأمن في حماية النظام السوري من اتخاذ قرار دولي بتنظيم حملة عسكرية من أجل حماية المدنيين على غرار ما حصل في نزاعات داخلية سابقة، كالبوسنة، وكوسوفو وليبيا. وذهبت موسكو إلى أبعد من معارضة حدوث عملية عسكرية دولية ضد نظام الأسد، حيث عارضت أيضًا إتخاذ قرار دولي بفرض عقوبات إقتصادية «ملزمة» ضد النظام. وكانت فرنسا وبريطانيا وألمانيا والبرتغال قد تقدّمت في 5 تشرين الأول/ديسمبر 2011 بمشروع قرار لمعاقبة النظام السوري، وقد سقط بفعل الفيتو الروسي[5].

ذهبت روسيا إلى أبعد الحدود الممكنة في دعمها للنظام السوري من خلال قيامها تكرارًا بعرض لقوّتها البحرية في أثناء زيارة بعض البوارج البحرية بما فيها حاملة الطائرات «الأميرال كوزناتسوف» لمرفأ طرطوس، أو عند تنفيذ مناورة بحرية شاركت فيها ثماني بوارج روسية قبالة الشواطئ السورية في كانون الثاني/يناير [6]2012.

جاءت آخر مبادرات الدعم الروسي للنظام السوري من خلال الترحيب بالمبادرات الإصلاحية التي أعلن عنها الرئيس السوري، بما فيها عملية الاستفتاء التي نظّمها لإقرار دستور جديد في 26 شباط/فبراير [7]2012.

وهكذا تظهر حيوية الدور الروسي الداعم للرئيس الأسد منذ بدء الأزمة، ويبدو أن هذا الدعم مرشّح للاستمرار طالما أنه يخدم المصالح الحيوية الروسية سواء في الجيوبوليتيك الاقليمي أو في عملية تصحيح العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى.

من أجل إلقاء المزيد من الضوء على حقيقة هذا الموقف الروسي، لا بد من عرض الهواجس والشكوك التي تساور موسكو وتحليلها هي الناتجة عن غياب أجواء الثقة في التعامل مع الغرب أو عن عدم توافر أي ضمانات لمراعاة أي حكم بديل للنظام الأساس للمصالح الروسية في سوريا.

 

الهواجس والشكوك الروسية

في تطوّرٍ مفاجىء في الموقف الروسي من الأزمة التي تشهدها سوريا، قرّرت القيادة الروسية إرسال طائرتين إلى مطار بيروت لإخلاء سبعة وسبعين شخصًا من الرعايا الروس المقيمين في دمشق. وقد أظهرت هذه العملية وفق تحليل بعض المصادر الغربية، أقوى مؤشّر على وجود تحضيرات تقوم بها موسكو لمواجهة إحتمالات سقوط نظام بشار الأسد، على الرغم من الإصرار الروسي على أن هذه العملية لا تشكّل نقطة البداية لعملية كبرى لإخلاء آلاف الرعايا الروس الذين يعيشون في سوريا[8]. واعتبر متحدّث باسم وزارة الطوارئ الروسية التي نظّمت عملية الإخلاء من بيروت إلى موسكو، أنه لا خطط إضافية لإخلاء المزيد من المواطنين الروس، وأن خطة الإخلاء هذه لا تشكّل تبدّلاً في السياسة الروسية تجاه سوريا. لكن لم يُخفِ هذا المتحدّث أن الأمر إلى هذه الوزارة قد صدر عن القيادة العليا في روسيا، التي تركت أمر القرار بمغادرة سوريا للمواطنين الروس أنفسهم. واعترف المتحدّث أن هذه الرحلة قد لا تكون الوحيدة، ويمكن إخلاء المزيد من الرعايا بناءً على طلبهم من القنصلية الروسية في دمشق. هذا وكانت وزارة الخارجية الروسية قد أعلنت سابقًا أن هناك خططًا موضوعة لتنفيذ عملية إخلاء واسعة إذا دعت التطوّرات الأمنية لذلك، مع مشاركة واسعة من قبل البحرية الروسية عبر القاعدة البحرية في طرطوس[9]. لكن عملية الإخلاء الجوي عادت وتكرّرت مرّة ثانية عبر مطار دمشق.

جاءت خطوة إجلاء الرعايا عبر مطار بيروت في وقتٍ أجرت فيه سفن من البحرية الروسية من بحر الشمال والبحر الأسود مناورات قبالة الشاطئ السوري، وذلك في خطوة اعتبرها البعض أنها عرض للقوة، ولاستمرار دعم روسيا لنظام الأسد، بينما رأى فيها آخرون خطوة طبيعية من أجل طمأنة المواطنين الروس الموجودين في سوريا[10].

تأتي هذه التطوّرات المفاجئة بعد إغلاق القنصلية الروسية في مدينة حلب بعد القصف الذي استهدف جامعتها في 15 كانون الثاني/يناير 2013، وفي أعقاب تصريح أدلى به نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف في شباط/فبراير 2013 قال فيه: «لا يمكن استبعاد إنتصار المعارضة السورية»[11]. لكن وعلى الرغم من الحدث المفاجئ لعمليتي الإخلاء فإن الموقف الروسي يبقى داعمًا للنظام السوري، تأكيد معارضة أي تدخّل خارجي في الأزمة، بما فيه تدخّل الشرعية الدولية المتمثّلة بمجلس الأمن الدولي.

على الرغم من كل هذه المؤشّرات التي تدلّ على مدى إدراك موسكو لخطورة الوضع الذي يواجهه نظام الأسد في سوريا، خصوصًا بعد وصول طلائع المواجهات العسكرية إلى بعض أحياء دمشق، تصرّ القيادة الروسية على الظهور بأنها ما زالت تمسك بمفاتيح الحل للأزمة السورية، على الرغم من الفشل الذريع في المباحثات التي أجراها وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف مع الموفد الدولي والعربي الأخضر الابراهيمي في موسكو في الاسبوع الأخير من كانون الأول/ديسمبر 2012، حيث وضعت موسكو نفسها في موقفٍ يعارض رؤية الابراهيمي للحلّ. وتكون بذلك قد صنّفت نفسها أنها لن تكون جزءًا من الحل المطروح من قبل المجتمع الدولي.

كان المسؤولون الروس، وعلى مدى أشهر سابقة، قد أكّدوا وجود رؤية مختلفة لديهم عن طبيعة الحل الذي تحاول الدول العربية والغربية تسويقه، ولكن بعض الأطراف لم يشأ الدولية تصديق حقيقة ما يقوله هؤلاء، معتبرًا أن ذلك لا يعدو كونه مناورة مؤقّتة تهدف إلى كسب الوقت إلى حين توافر الظروف المناسبة للتوافق وقبض الثمن الذي تريده موسكو.

على ضوء الفشل الواضح للمحادثات بين لافروف والابراهيمي بدا أن هناك خلافًا واسعًا بين المقاربة التي تعتمدها موسكو من أجل حل الأزمة السورية وتلك التي يعتمدها المجتمع الدولي. فموسكو لا تريد أن يكون لمجلس الأمن الدولي أي دور في إيجاد حل سياسي يقوم على إقامة حكم مرحلي بديل، لأن ذلك سيؤدّي حكمًا إلى التخلّص من الرئيس الأسد. كما هي لا تقتنع بأن الأسباب التي تحرّك المجتمع الدولي مصدرها المشاعر الانسانية تجاه ما يواجهه الشعب السوري من قصفٍ وتدمير ومجازر، وإنما دوافع أخرى تتعلّق بالجيوبوليتيك الإقليمي، وبأن واشنطن تسعى إلى التخلّص من حكم الأسد المتحالف مع إيران، في محورٍ إقليمي يتعارض مع المصالح الأميركية في هذه المنطقة الاستراتيجية، التي تحتفظ فيها الولايات المتحدة والغرب بمصالح حيوية منذ عقود عديدة.

يربط بعض المحلّلين الغربيين قناعة موسكو بوجود نوايا غربية للتخلّص من نظام بشار الأسد بالتصريح الذي صدر عن الرئيس باراك أوباما في 18 آب/أغسطس 2011 ويقول فيه: «حان الوقت للرئيس الأسد للتنحي عن السلطة»[12]. لقد بدّد هذا التصريح أي أمل بإيجاد أرضية مشتركة للتعاون بين واشنطن وموسكو داخل مجلس الأمن، وهذا ما تشير إليه المحاولات الفاشلة والمتتابعة لإقناع موسكو بإظهار قدر من المرونة والإيجابية حول ما طرح من مشاريع قرارات دولية أو ما حمله المندوب الدولي والعربي من مقترحات للحل.

وفي ظل استمرار الدور الروسي في رفض الدخول كشريك في أيّ حلٍّ دولي من أجل إنهاء الأزمة السورية، يبدو أن لدى موسكو هواجس تتعدّى ما يمكن أن تخسره في سوريا من جرّاء سقوط نظام بشار الأسد، وأن القلق الذي تشعر به يتعلّق بعلاقاتها مع واشنطن وبلعبة التوازنات التي تحاول هذه الأخيرة فرضها عليها[13].

من المؤكّد أن روسيا بدأت تشعر بالضيق وبمحدودية قدراتها على دعم النظام لوقف زحف المعارضة باتجاه دمشق، وبأن استمرارها في معارضة الحلّ الدولي يطرح مجموعة واسعة من الأسئلة حول أسباب تمسّكها بسياستها الراهنة. ويفترض البحث عن أجوبة لتفسير السلوكية الروسية الراهنة مراجعة الموقف الروسي وتحليله في إطار العلاقات مع سوريا، والقوى الإقليمية، والمجتمع الدولي وخصوصًا مع الولايات المتحدة. كما يمكن أن تساعد مثل هذه المقاربة الشاملة، في إدراك حقيقة دوافع الرفض الروسي لكل الحلول، وبالتالي في إيجاد المخارج اللازمة من المأزق الدبلوماسي الراهن.

 

تداعيات العلاقات الأميركية–الروسية

من الطبيعي أن يفكّر الرئيس باراك أوباما، مع بداية رئاسته الثانية، كغيره عن الرؤساء الأميركيين الذين سبقوه في ما سيذكُره التاريخ له من إنجازات حقّقها خلال فترة وجوده في البيت الأبيض، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.

من المؤكّد أن الرئيس أوباما يطمح إلى أكثر من ذكر التاريخ له أنه أوّل رئيس أميركي من أصول أفريقية. فلولايته الثانية تبدأ في ظل تجاذبات سياسية داخلية لا سابق لها بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي حول مجموعة من القضايا المالية والاجتماعية، والتي من أبرزها تنامي الدين العام الأميركي إلى مستويات غير مسبوقة، بالإضافة إلى تثبيت برنامج الرعاية الصحية الجديد وتطبيقه، والذي يستمرّ النقاش حول تمويله وعدالته ومدى فعاليته. لكن التحدّي التاريخي الذي يواجهه أوباما يبقى متمحورًا حول قدرته على إخراج أميركا من حال الركود الاقتصادي، وإطلاق عجلة النمو من جديد[14].

في السياسة الخارجية، يبدو أن الرئيس أوباما قد اختار فريقه الجديد من أشخاص يدعمون توجّهاته ومفهومه للدور الجديد الذي يمكن أن تضطلع به الولايات المتحدة في العالم، بعيدًا عن سياسات الهيمنة التي اعتمدتها الإدارة الأميركية في عهد جورج دبليو بوش. وهو يدرك أهمية إجراء تغييرٍ أساسي في السياسة الخارجية، بحيث تتقدّم الدبلوماسية على العمل العسكري، كما أنه يؤمن بالانفتاح والتعاون المتعدّد الأطراف، والذي يمكن أن يساعد أميركا على تحمّل أعباء حلّ النزاعات الدولية، بالإضافة إلى الانفتاح والحوار وصولاً إلى إتفاقات معقولة، مع الدول غير الحليفة[15]. وينطلق أوباما في توجّهاته من إدراكه المصاعب والتعقيدات التي واجهتها السياسة الخارجية الأميركية منذ بداية الألفية الثالثة، وجنوح الإدارة السابقة إلى اعتماد استراتيجيات تقوم على ردّ الفعل، تمامًا كما حدث بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر2001، الأمر الذي دعاه إلى البحث عن حلول دبلوماسية بدل اعتماد استراتيجيات طموحة ومغامرة.

لا يمكن للسياسة الخارجية الأميركية تجاهل الدور القيادي الشامل الذي يفترض أن تضطلع به واشنطن في مواجهة الأزمات والمشاكل الكبرى التي تواجهها دول ومناطق عديدة من العالم. ولكن يبدو أن المقاربة الجديدة ما زالت تعتمد على خفض النفقات وتنفيذ الانسحاب العسكري من أفغانستان العام 2014.

لن تحتلّ العلاقات مع روسيا رأس قائمة أولويات السياسة الخارجية الأميركية الجديدة، على الرغم من التداعيات «السامة» التي شهدتها هذه العلاقات خلال فترة ولاية أوباما الأولى، مع تسجيل فشل محاولة تصحيح مسار العلاقات المتدهورة، التي ورثها عن عهد الرئيس بوش.

باتت الخلافات الأميركية – الروسية واضحة وهي تشمل مختلف الأزمات والمشاكل الدولية الممتدّة من سوريا إلى إيران، ومن أفغانستان إلى كوريا الشمالية. وتدرك الإدارة الأميركية أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يمسك بيده أوراقًا هامة يمكنه استعمالها لعرقلة الجهود الأميركية الساعية إلى معالجة هذه الأزمات[16].

من الصعوبة بمكان سبر غور ما يجري في كواليس البيت الأبيض والكرملين، وبالتالي استشراف ما يمكن أن يجري من تفاهمات مستقبلية، إلا أن الظروف الراهنة توحي بأن أوباما يأمل شخصيًا بإمكان مساعدة بوتين لحلّ بعض الأزمات الضاغطة، ومن بينها الأزمة السورية. وتنطلق آمال أوباما من قناعته بعدم وجود رغبة أو مصلحة لدى الطرفين في تحويل التوتّرات التي شهدتها مرحلة الرئاسة الأولى إلى نزاعٍ مفتوح ودائم[17].

كانت العلاقات الأميركية–الروسية قد شهدت العام 2012 تدهورًا ملحوظًا، بلغ حدّه الأقصى بإصدار قوانين وتشريعات تعاقب فيها إحدى الدولتين الدولة الأخرى. فلقد أصدر الكونغرس الأميركي قانونًا حمل إسم قانون ماغنيتسكي يستهدف روسيا في موضوع حقوق الانسان، وذلك على خلفية موت المحامي الروسي سيرغي ماغنيتسكي العام 2009. ووقّع الرئيس أوباما القانون، مسقطًا التحفّظات التي كان قد عبّر عنها سابقًا في أثناء بحث هذا القانون في الكونغرس. وردّ وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف في تشرين الأول/أكتوبر 2012 على صدور هذا القانون بقوله: «نحن نعرف الأجندة المخفية وراء هذه اللعبة السياسية، والتي يستعملها أولئك الذين لا يريدون تحسّنًا في العلاقات الروسية–الأميركية، وهم يفتّشون عن أي ذريعة لمعاقبة روسيا على سياستها المستقلّة والواضحة في معالجة الشؤون الدولية».

ردّت روسيا بسرعة بتشريع قانون يمنع تبنّي الأسر الأميركية أطفالاً من روسيا، عرف بإسم «قانون ديمتري ياكوفليف»، تيمنًا بطفل تبنّته عائلة أميركية توفي العام 2008 بسبب تركه داخل سيارة مقفلة تحت الشمس. عادت روسيا وخفّفت وقع هذا القانون بتأجيل تنفيذه لعام واحد. وكان بوتين قد استغلّ حال الفوضى والتعثّر التي واجهتها الإدارة الأميركية بعد عملية الهجوم على القنصلية الأميركية في «بنغازي» ومقتل أربعة ديبلوماسيين، من بينهم السفير الأميركي في ليبيا، من أجل توجيه ضربة مؤلمة لإدارة أوباما، وذلك من خلال طرد الوكالة الأميركية للتطوير الديمقراطي، التي تعمل في روسيا منذ بداية التسعينيات. وجاءت هذه الضربة مباشرةً بعد إلغاء بوتين لبرنامج التعاون المعروف بإسم «سي تي آر» أو «نان لوغار» «Nunn-Lugar» (نسبةً إلى إسمي العضوين في مجلس الشيوخ الأميركي اللذين كانا وراءه) والموقّع في 17 حزيران/يونيو 1992 الهادف إلى تدمير أسلحة الدمار الشامل السوفياتية وتأمينها[18].

يرى بعض المحلّلين الأميركيين، ومنهم من سبق وعمل في إدارة بوش، أن قرارات بوتين تعبّر عن ردٍّ «ساخر» على محاولات أوباما إعادة بناء العلاقات مع روسيا، وأنها تأتي لتحمّل واشنطن مسؤولية التدهور الحاصل في العلاقات المشتركة، مع كل ما يعني ذلك من عدم إبداء بوتين أي رغبة للتعاون في مسائل هامة، كمعاهدات السلاح النووي، أو الدرع الصاروخية، أو البرنامج النووي الإيراني أو الأزمة السورية[19]. ويعتبر هؤلاء أن محاولات أوباما للتقرّب من روسيا قد فشلت، وأن نظرته إلى العالم ليست واقعية، وهي تتعارض مع دروس التاريخ، وخصوصًا مع المبادئ التي نادى بها المؤرّخ الاغريقي ثوسيديديس (460 ق.م. - 395 ق.م.) قبل 2300 سنة ومفادها أن الأمم تسعى لتحقيق مصالحها كالأفراد عبر مقاربات عقلانية أحيانًا، أو عبر استعمال القوّة والتسبّب بنتائج دراماتيكية أحيانًا أخرى[20]. ويرى هؤلاء أن موسكو قد ردّت على مبادرة أوباما للتعاون بمجموعة من التحرّكات والمواقف المتعارضة كليًا مع المواقف المعلنة للسياسة الخارجية الأميركية ومن أبرزها: غزو روسيا لأجزاء من جورجيا التي تعتبر صديقًا وحليفًا لواشنطن، وتشغيل محطة «بوشهر» النووية في إيران، وتكثيف شحنات الأسلحة والذخائر الهجومية للنظام السوري، وذلك على الرغم من تحذيرات وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون في حزيران/يونيو 2012 من تسليم سوريا صفقة من الطوافات المسلّحة لدعم معركة النظام السوري ضدّ المعارضة. وبلغ الموقف الروسي حدّه الأقصى من خلال تصريح الجنرال نيقولاي ماكاروف أدان فيه قرار إنشاء الدرع الصاروخية الأميركية، كما هدّد «باتخاذ قرار باستعمال القوة الرادعة المدمّرة إذا ساءت الأوضاع» مع أميركا والغرب[21].

في المقابل يرى الخبراء الروس أن أوباما سيحاول في ولايته الثانية تجديد جهوده لإعادة بناء علاقات مثمرة مع روسيا، إلا أن الظروف المتوافرة الآن غير مؤاتية لتحقيق مثل هذا الهدف، فالإرادة السياسية وحدها لا تكفي لتجاوز العقبات التي يفرضها الإرث الثقيل الناتج عن الولاية الأولى.

يرى المحلّل السياسي الروسي نيقولاي زلوبن أنه «لا تتوافر الفرص المؤاتية لتحسين العلاقات الروسية – الأميركية. وأن مثل هذه الفرص لم تظهر لفترة طويلة، بحيث يصبح من المتوقّع إستمرار تدهور العلاقات الثنائية. ولا توجد أجندة واضحة لتجديد علاقات التعاون، وأن العلاقات ستبقى رهن العواطف المتبادلة (بين القيادتين) والمحمّلة بقدرٍ كبير من الديماغوجية السياسية». ويؤكّد زلوبن أن قانون ماغنيتسكي قد تسبّب بضررٍ فادح في العلاقات المشتركة، وأنه سيشكّل العقبة الأساس في أي مقاربة لتحسين العلاقات بين البلدين. لقد وجد خصوم أوباما في الكونغرس، بتشريع هذا القانون الفرصة المؤاتية لتعكير علاقاته مع بوتين، ومنع أي تفاهمٍ أو تقاربٍ بينهما في المستقبل القريب[22].

كما يرى المحلّل الروسي، رئيس مجلس السياسة الخارجية والدفاعية، فيودور لوكيانوف أن «روسيا لن تحتل، في ظل الظروف الراهنة، موقع الأولوية في سياسة أوباما الخارجية». ويضيف أن «الولايات المتحدة في ممارستها قيادتها الشاملة ستعمل على الابتعاد عن بعض المعضلات الشاملة، وأن أوباما سيكون إنتقائيًا قدر الإمكان، وذلك بهدف تخفيض النفقات المالية، ومن بينها الانسحاب المبكّر من أفغانستان»[23].

من ناحية ثانية تشكّل روسيا، من دون شك، عنصرًا مساعدًا لأميركا في مقاربتها لحلّ عدد من المعضلات وخصوصًا في ما يعود للانسحاب من أفغانستان، وفي المباحثات الثورية مع إيران، وفي البحث عن حلّ للأزمة السورية. وهذه الأزمات منفصلة ولا رابط بينها، وإن معالجتها بصورة متتالية تحت ضغط عامل الوقت سيتطلّب تحسّنًا شاملاً في العلاقات الروسية – الأميركية.

لذا يبدو من الصعب جدًا توفير الظروف الملائمة لتغيير الأجواء المخيّمة على العلاقات بين موسكو وواشنطن في الوقت الراهن، خصوصًا في ظلّ تركيز الرئيس أوباما على أولوية معالجة المشاكل الداخلية الأميركية. ومن هنا فإنه من الصعب، لا بل من شبه المستحيل، توقّع حدوث أي اختراق في جدران المأزق السوري، وذلك على الرغم من المغامرة التي تخوضها القيادة الروسية، والتي قد تتسبّب لها بعزلة دولية، بالإضافة إلى الأضرار الفادحة التي قد يتسبّب بها سقوط نظام بشار الأسد المفاجئ لمصالح روسيا في الشرق الأوسط وشرقي البحر المتوسط.

 

مدى القابلية الروسية للحل

قدّم رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفديف في مقابلة أجرتها معه شبكة «سي.أن.أن.» الأميركية على هامش مشاركته في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس–سويسرا تصوّرًا شاملاً حول رؤيته لمجريات الأزمة السورية، ومستقبل النظام، وإمكان إيجاد مخرج للحرب المدمّرة الجارية بين النظام السوري والمعارضة. واتسمت إجابات ميدفديف عن الاسئلة بقدرٍ عالٍ من الصراحة والواقعية السياسية سواء في توصيفه للأخطاء المتكرّرة التي ارتكبها الرئيس الأسد أو حول مصيره ومستقبله، أو في رؤيته مخاطر استمرار الحرب عقودًا في ظل تمسّك المعارضة بإزاحة النخبة السياسية الحاكمة كليًا عن المسرح السياسي[24].

وكان اللافت في المقابلة تشديد ميدفديف على تحقيق الوحدة الوطنية في سوريا بإشراف المجتمع الدولي على العملية السياسية، وعلى أنه يتوجّب على الولايات المتحدة والقوى الأوروبية والإقليمية إقناع المعارضة بقبول التفاوض على مخرج سلمي للأزمة، وليس مجرّد المطالبة برحيل الأسد.

تشير هذه المقاربة الشاملة والواقعية بالإضافة إلى الانتقادات التي وجّهها ميدفديف للرئيس الأسد لعدم تجاوبه مع مطالبه، عندما كان في موقع رئاسة الدولة، إلى ضرورة الإسراع في إجراء الإصلاحات المطلوبة، وإلى إمكان تعاون روسيا مع الأطراف الدولية والاقليمية من أجل إيجاد حل سياسي يجنّب سوريا حربًا أهلية طويلة الأمد. لكن لا يمكن أن تبدّد مقابلة رئيس الحكومة الروسية كل الشكوك التي تركتها المواقف والسلوكيات التي اتبعتها موسكو تجاه الأزمة السورية، سواء من خلال استعمال حق النقض تكرارًا في مجلس الأمن، أو في الاجتماعات والمؤتمرات الدولية أو المحادثات الثنائية التي شاركت فيها لبحث مجريات الأزمة السورية ومستقبلها، بما فيها اجتماع الرئيسين أوباما وبوتين في قمة مجموعة العشرين في «لوس كابوس» في المكسيك في حزيران/يونيو 2012 [25]. من هنا من واجب موسكو أن تقوم بخطوة عملية لتبديد هذه االشكوك، وقد يتطلّب ذلك قيام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بخطوة دبلوماسية جديدة، تؤكّد جدية موسكو في فتح حوار مع المعارضة السورية لإيجاد مخرج من المأزق الحالي، على أن تتبع ذلك باتصالات متعدّدة الأطراف لدعم مهمة المندوب الدولي الأخضر الابراهيمي، وبالتالي إظهار رغبتها في المشاركة بمؤتمر دولي للسلام في سوريا على غرار المؤتمر الدولي الذي انعقد في «دايتون» من أجل حلّ مشكلة البوسنة.

وفي رأينا إن موسكو ما زالت بعيدة عن اعتماد أي مقاربة عملية للوصول إلى طاولة المفاوضات للبحث جديًا عن مخرج للأزمة، حيث تشكّل الخطوة الأولى في هذا المسار إعلانها قرارًا من جانب واحد بتجميد شحناتها من الأسلحة والذخائر للنظام السوري. من البدهي أن لا ترى المعارضة السورية الممثّلة بالائتلاف السوري أي فائدة من الذهاب إلى موسكو والاجتماع بالمسؤولين الروس، قبل إعلان موسكو عن وقف دعمها اللوجستي للنظام.

في المقابل، من المفترض أن تتحرّك الدبلوماسية الأميركية والأوروبية لاستطلاع إمكان ترجمة تصريحات ميدفديف إلى خطوة جديدة تخطوها موسكو باتجاه دعم المجتمع الدولي لحلّ الأزمة السورية، وذلك انطلاقًا من أهمية الدور الذي يمكن أن تضطلع به موسكو في المرحلة الراهنة، خصوصًا مع اقتراب المواجهة المدمّرة من قلب العاصمة دمشق، مع كل ما يمكن أن يترتّب على ذلك من أخطار على مؤسسات الدولة السورية الرئيسة، والتي سيؤدّي خرابها إلى شيوع حالٍ من الفوضى العارمة، بالإضافة إلى الدفع نحو حرب أهلية قد تطول سنوات.

ولا بدّ أن تتخلّى واشنطن عن تشاؤمها الحاصل نتيجة كل الزيارات التي قام بها مسؤولون ديبلوماسيون كبار إلى موسكو لبحث الأزمة السورية، من دون أن يفضي ذلك إلى أي نتائج إيجابية، وأن تتجاوز أيضًا مشاعر الإحباط التي أنتجتها مباحثات المندوب الدولي والعربي الأخضر الابراهيمي مع الوزير لافروف في كانون الأول/ديسمبر 2012، والذي خرج باستنتاج عام أن موسكو لا تريد أن تكون شريكًا في الحل الدولي[26].

وعلى واشنطن أن تدرك أهمية الإفادة من الملامح الإيجابية التي حملتها تصريحات ميدفديف في تجاوز حال الجمود الدبلوماسي الراهن. لكن، لا بدّ أولاً من استشراف مدى تطابق ما يقوله ميدفديف مع ما يضمره الرئيس بوتين.

ولا بدّ أن تتحرّك واشنطن باتجاه موسكو من جديد من أجل المساعدة على تبديد كل الشكوك الروسية تجاه النوايا الغربية حول إمكان القيام بعمل عسكري غربي لتغيير النظام في سوريا، على غرار ما حدث في كوسوفو وأفغانستان والعراق وليبيا.

واستنادًا إلى التجارب الماضية لم يكن بوسع موسكو الاقتناع بأن المواقف العدائية التي تتخذها واشنطن والعواصم الأوروبية من الرئيس الأسد نابعة من حرصها على أرواح المواطنين السوريين. وسادها شعور واضح بأن وراء هذه المواقف مصالح تتعلّق بالجيوبوليتيك الإقليمي، وبأن واشنطن تسعى للتخلّص من النظام السوري الذي عارض مصالحها لعقود، خصوصًا من خلال تحالفه القوي مع إيران. وبنت موسكو هذه القناعة إنطلاقًا من التصريح الذي أطلقه الرئيس أوباما في 18 آب/أغسطس 2011، حيث قال: «جاء الوقت للرئيس الأسد للتخلّي عن السلطة»[27]، إذ كان من الصعب منذ ذلك التاريخ إقناع القيادة الروسية بإمكان البحث عن حلٍّ دولي من خلال قرار يتّخذه مجلس الأمن.

السؤال المطروح الآن، هل يمكن الاستمرار في تحليل الموقف الروسي تجاه البحث عن حلّ للأزمة السورية من خلال الجدلية الأميركية القائمة على: روسيا لا تريد الحل، أو روسيا غير قادرة على الحل؟

ناقش صاموئيل شاراب المسؤول السابق في الخارجية الأميركية في عهد أوباما في مقال في «الانترناشيونال هيرالد تربيون» فكرة أن موسكو لا تريد الحل، وأنها لن تشارك في دعم أي خطة لإقصاء بشار الأسد، وذلك انطلاقًا من مبدأ عدم موافقة موسكو على التدخّل في سيادة الدول الأخرى، وحرصًا على أن لا يفتح ذلك الباب أمام تدخّلات غربية في الشؤون الروسية الداخلية، أو في شؤون الدول الأخرى المجاورة لها. وكانت موسكو قد أعلنت في مناسبات عديدة أنها لن تضغط على الرئيس الأسد للتنازل عن السلطة، وأن على السوريين أن يقرّروا مستقبل حكومتهم وبلدهم[28].

خلط أصحاب هذه النظرية حول عدم رغبة روسيا بأي حل، وبعضهم من المحافظين الجدد، ما بين عدم رغبة واشنطن الضغط على الرئيس السوري، ورغبة موسكو في المشاركة في البحث عن حل دبلوماسي، وخرجوا باستنتاج أن ذلك سيؤدّي لاحقًا إلى سقوط الرئيس الأسد تحت ضغط التحوّلات الجارية سياسيًا أو على الأرض داخل سوريا. وكانت موسكو تأمل أنه من خلال مثل هذه المقاربة السياسية أن تحافظ على مصالحها في سوريا، من خلال دخولها كفريقٍ أساس في التسوية اللاحقة.

ناقشت صحيفة «واشنطن بوست» في افتتاحيتها في 12 كانون الأول/ديسمبر 2012 فكرة عدم قدرة روسيا على الحل، وذلك انطلاقًا من فرضية وجود قرار نهائي لدى الرئيس الأسد بالقتال حتى «الموت»، وشكّك المقال بقدرة روسيا على إقناعه بتغيير موقفه، والبحث عن حلٍّ سياسي[29]. ويبدو من تصريحات ميدفديف الأخيرة أن الرئيس الأسد لم يكن مستعدًا للتجاوب حتى مع طلب الرئاسة الروسية باعتماد الاصلاح لحكمه.

لقد أثبت الأسد في خطابه في دار الأوبرا في دمشق رفضه المطلق لكل الدعوات له بالتخلّي عن الحكم. لكن، لا يمكن التحجّج بمواقف الأسد المتعنّتة لإعطاء روسيا العذر، فهي تملك الكثير من النفوذ والعلاقات داخل القيادات السورية العسكرية والأمنية والاقتصادية لممارسة ضغطها على الأسد لإقناعه بسلوك طريق الحل.

إنطلاقًا من المؤشّرات الجديدة الصادرة عن موسكو سواء بترحيل بعض الرعايا الروس من سوريا عبر مطار بيروت أو دمشق أو من خلال الواقعية الواضحة في تصريحات ميدفديف، على الدبلوماسية الأميركية أن تأخذ المبادرة للتفاوض مع المسؤولين الروس حول كيفية إنهاء الحرب الدائرة في سوريا، على أساس أن ذلك يشكّل خطوة على طريق تصفية الأجواء بين البلدين، على أن يتبع ذلك بحث معمّق لحل كل المسائل الشائكة العالقة.

بعد استعراض مدى قابلية القيادة الروسية للبحث عن مخارج للأزمة السورية، وبعد تحليل الموقف الروسي من خياري «روسيا لا تريد الحل أو أن روسيا غير قادرة على الحل» بات من الضروري بحث المصالح الروسية في سوريا والمنطقة، تمهيدًا لاستشراف إمكان تطوّر موقفها من موقفٍ داعمٍ للنظام إلى موقفٍ متعاون مع الجهود الدولية والعربية لإيجاد مخرج من الأزمة.

 

المصالح الروسية في سوريا والمنطقة

يشير تصريح وزير الخارجية الروسي لافروف عشية اجتماع نائب الرئيس الأميركي جو بايدن مع الموفد الدولي والعربي الأخضر الابراهيمي مع رئيس الائتلاف السوري المعارض أحمد معاذ الخطيب في ميونيخ، والذي نفى فيه انضمامه للاجتماع المذكور لبحث الأزمة السورية، وإمكان إطلاق مبادرة حوارية بين المعارضة وبين بعض الممثلين عن النظام، إلى أمرين أساسيين[30]:

 

الأول: إن موسكو مستمرّة في دعمها وحمايتها للرئيس الأسد ونظامه وهي غير جاهزة للمشاركة (حتى الآن) في أي اجتماعات أو مناورات تؤدّي إلى إضعافه وإسقاطه، خصوصًا بعدما اتضح لها أن المرونة التي أبداها رئيس الائتلاف المعارض أحمد معاذ الخطيب لجهة القبول بمحاورة أطراف من النظام كمدخل لحلّ سياسي للأزمة، كانت مشروطة بإقصاء الرئيس الأسد عن المشاركة بأي حل، بالإضافة إلى شروط أخرى.

 

الثاني: إن موسكو غير مستعدة للمشاركة بأي مبادرة سياسية تقودها الولايات المتحدة وتبحث في إيجاد المخارج الممكنة للجمود الذي وصلت إليه مهمة المبعوث الدولي، والتي اصطدمت بالرفض الروسي بعد اجتماع الابراهيمي مع لافروف في موسكو في آذار/مارس 2013، وعلى أساس أنها لا تحترم توافقات جنيف التي تتمسك بها الدبلوماسية الروسية كأساس للبدء بأي حوار سياسي، من دون استبعاد الرئيس الأسد. إن مسارعة لافروف إلى إعلان عدم مشاركته في حوار ميونيخ، على الرغم من وجوده في المكان يؤكّد على عدم وجود مبادرة دبلوماسية مشتركة ما بين واشنطن وموسكو، وأن الخلافات القائمة بين العاصمتين مستمرّة وتشمل إلى جانب اختلاف رؤيتهما للحلّ في سوريا، مشاكل وقضايا حيوية تتعلّق بدور الدولتين وموقعهما في السياسة الدولية، بالإضافة إلى الضغوط الداخلية المتبادلة حول قضايا تتعلّق بالحريات وحقوق الانسان.

من المؤكّد أن المخارج الدبلوماسية الكفيلة باحتواء إستمرار موسكو في سياسة التعنّت التي اتبعتها منذ بداية الأزمة السورية ستتطلّب مباحثات تؤدّي إلى توافق على مختلف القضايا المعلّقة مع الولايات المتحدة، بالإضافة إلى احترام المصالح الروسية الحيوية ومراعاتها في سوريا. ولا يمكن التوصّل إلى مثل هذه التوافقات من خلال اجتماع في ميونيخ، فالأمر يتطلّب قمّة أميركية–روسية، يتفق خلالها الرئيسان باراك أوباما وفلاديمير بوتين على حلول للقضايا المعلّقة كما يتفقان على الدعوة لمؤتمر دولي – إقليمي يقدّم الحل الشامل للأزمة السورية على غرار مؤتمر «دايتون» الذي وضع إطار الحل التفصيلي لأزمة البوسنة في التسعينيات من القرن الماضي.

ترتبط موافقة موسكو على الانخراط جديًا في البحث عن حلّ للأزمة السورية بإمكان حصولها على ضمانات الحفاظ على مصالحها في سوريا، والتي تعني ضمان موسكو استمرار العلاقات القائمة مع سوريا حاليًا في ظل حكم النظام البديل، مع تعهّدات بالحفاظ على كل المعاهدات والاتفاقات المعقودة بين البلدين[31].

لا بدّ في هذا الاطار من استطلاع المصالح الروسية في سوريا، بالإضافة إلى تحليل الدوافع السياسية التي تدفع موسكو لاعتماد مواقف متصلّبة في تعاملها الراهن مع الدول العربية والغربية في كل ما يعود للأزمة السورية.

 

أولاً: مبيعات السلاح لسوريا

عندما نتحدث عن المصالح الحيوية بين روسيا وسوريا فإن أول ما يمكن أن يتبادر إلى الذهن العلاقات التجارية القائمة بين البلدين، ومن ضمنها مشتريات سوريا من السلاح الروسي. تبلغ التبادلات التجارية بين البلدين ما يقارب مليار ومئة مليون دولار، وفق إحصاءات العام 2010، وتتخلّف عن التبادلات الروسية مع تركيا وإيران وإسرائيل ومصر. ولكنها ترتدي مع سوريا أهمية خاصة، نظرًا إلى العقود المبرمة مع الشركات الروسية المتخصّصة بصناعة الأسلحة، حيث تعتبر سوريا شريكًا أساسًيا لروسيا في مضمار استيراد السلاح الروسي، سواء في زمن الاتحاد السوفياتي أو مع روسيا الاتحادية بعد تفكّك الاتحاد[32].

تجدّدت مبيعات الأسلحة الروسية لسوريا بعدما توصّلت الدولتان إلى إتفاقات حول الديون المترتّبة من الفترة السوفياتية العام 2005، وبقرار من الرئيس بوتين قضى بشطب ما يقارب 80 % من الديون التي تجاوزت 13 مليار دولار أميركي[33].

تجدّدت عقود صفقات الأسلحة الروسية لسوريا، وخصوصًا مع الشركات الروسية التي تأثّرت بعملية شطب الديون السابقة. بلغت الواردات السورية من السلاح الروسي 8 % من مجموع الصادرات الروسية، وهي في المرتبة الرابعة بعد الهند والجزائر وفيتنام، ولكنها عادت وتقدّمت إلى المرتبة الثانية العام 2011، حيث بلغت وارداتها 15 %، أي أنها حلّت مباشرةً بعد الصين التي استوردت 39 % من مجمل صادرات الأسلحة الروسية خلال العام المذكور[34].

تستورد سوريا من روسيا طائرات «ميغ 29» المقاتلة وطائرات التدريب «ياك 130»، وصواريخ دفاع جو من طراز «بانتسير» و«بوك-م2» أو ما يعرف غربيًا بـ«سام17-»، بالإضافة إلى دبابات «ت72-» وصواريخ جوالة للدفاع البحري من طرازي «جوخنت وباستيون». وقدّرت قيمة هذه الصفقات بما يقارب ستة مليارات دولار. وكانت موسكو تتوقّع ارتفاع قيمة العقود الجديدة مع سوريا، بنسبة تعوّض فيها ما خسرته من توقّف عقودها مع ليبيا بعد الثورة[35].

تدرك روسيا مدى الخسائر التي ستلحق بها في حال سقوط النظام في سوريا، الأمر الذي يفسّر دوافع تمسّكها بالنظام، وبالتالي عدم إظهار أي مرونة في مجلس الأمن، بانتظار التوصّل إلى توافق مع الولايات المتحدة على إطار حلّ يؤمّن لها استمرار احترام مصالحها في سوريا، وعلى رأسها تجارة السلاح.

لكن، ليس هناك من خطر على المشتريات السورية من روسيا في المديين القريب والمتوسط، حيث تستمر حاجة سوريا إلى شراء المعدّات العسكرية وقطع البدل والصيانة لمختلف المنظومات الدفاعية التي تملكها منذ عقود.

ثمة مؤشرات أن لروسيا مجموعة من المصالح والضمانات التي تريد تحقيقها قبل تغيير مواقفها وبالتالي الانخراط في حل الأزمة السورية وأبرزها:

1- الحصول على ضمانات من المعارضة السورية بالتزام هذه الأخيرة تنفيذ كل العقود والبروتوكولات المعقودة، ومنها استمرار شراء السلاح الروسي.

2- تتطلّع موسكو إلى الحصول على مكافأة كبيرة لقاء تبديل موقفها من النظام ومن الرئيس الأسد، من خلال توقيع عقود جديدة لشراء الأسلحة الروسية من قبل دولتي الكويت والامارات، حيث سبق لهاتين الدولتين أن استوردتا السلاح الروسي.

3- تصمّم موسكو أن تحصل على «الجزرة الكبرى» كمكافأة على انخراطها في الحل من خلال فتح «السوق السعودية» أمام صادراتها من الأسلحة.

يمكن أن يشكّل انفتاح هذه الأسواق الكبيرة أمام تجارة السلاح الروسي، مع الأخذ بعين الاعتبار قدرات الدول الخليجية على تسديد قيمة العقود مباشرةً، المكافأة التي تبحث عنها موسكو للانخراط في حل دولي ينهي المأساة السورية.

 

ثانيًا: قاعدة طرطوس البحرية

عندما نتحدّث عن المصالح الاستراتيجية والعسكرية الروسية في سوريا، فإن القاعدة البحرية في طرطوس تأتي في رأس قائمة هذه المصالح، حيث أنها تشكّل القاعدة البحرية الوحيدة التي ورثتها روسيا من الفترة السوفياتية في البحر المتوسط والتي لا تعترف روسيا بها كقاعدة بحرية لأسطولها بل تصفها بأنها نقطة دعم لوجستي وتقني. وبالفعل فإن روسيا تستعملها كالقاعدة الوحيدة المتوافرة لها لإصلاح سفنها وتموينها في المتوسط.

جرى بناء هذه القاعدة بموجب اتفاق مع النظام السوري العام 1971. ويمكنها بعدما تمّ تحديثها أن تخدم أربعة مراكب متوسّطة الحجم من خلال رصيفين عائمين بطول مئة متر[36]. كان لدى السوفيات في السبعينيات قواعد بحرية في مصر وأثيوبيا وفيتنام، ولكن لم يبق منها سوى قاعدة طرطوس، وهذا ما يعطيها أهمية خاصة لا بل استراتيجية بالنسبة للمراكب البحرية الروسية العاملة في البحر المتوسط، وما تؤكّده 12 عملية إصلاح إلى المراكب الروسية جرت في هذا المرفأ خلال السنتين الماضيتين، والتي شملت مراكب من أسطول البحر الأسود ومراكب من أسطول البلطيق والتي انتشرت عملانيًا في المتوسط أو في البحر الأحمر والقرن الإفريقي في مهمّات لمكافحة القرصنة البحرية في هذه المناطق[37].

تستعمل قاعدة طرطوس البحرية كذلك لمهمّات أخرى من أبرزها شحن الأسلحة والذخائر الروسية للقوات المسلّحة السورية، وهي ترتدي أهمية خاصة بالنسبة إلى روسيا في ظلّ الأحداث الراهنة سواء لاستمرار عمليات شحن المعدّات الروسية إلى سوريا أو لتسهيل إجراء عمليات إخلاء الرعايا الروس من سوريا عندما تدعو الظروف والتطوّرات إلى ذلك[38].

تحدّث بعض التقارير الصحافية عن قيام روسيا في الفترة التي سبقت أحداث الربيع العربي، ببذل أقصى جهودها لعقد اتفاقات مع كل من ليبيا واليمن من أجل استئجار قاعدة بحرية تصلح كقاعدة لوجستية لدعم عمليات «المارينز» الروسي، ولكن من دون أي نتيجة. من هنا تظهر أهمية قاعدة طرطوس لعمليات البحرية الروسية في البحر المتوسط والبحر الأحمر ومنطقة القرن الإفريقي بحيث لا يمكن لموسكو الاستغناء عنها طالما لا تتوافر لها أي قاعدة أخرى بديلة في المناطق المذكورة. بالمقابل تفترض الطموحات الروسية إلى الاضطلاع بدور القوة العظمى والوصول إلى المياه الدافئة وجود قواعد لها في المناطق المذكورة أعلاه.

لكن يجب عدم إعطاء قاعدة طرطوس وحصول الأسطول الروسي على التسهيلات المطلوبة نسبة عالية من الأهمية من أجل تبرير الموقف الروسي الداعم سياسيًا وعسكريًا لنظام الرئيس الأسد. ويمكن للدبلوماسية الروسية الانفتاح على المعارضة السورية والتوافق معها على الحفاظ على التسهيلات المعطاة للأسطول الروسي في طرطوس بعد سقوط النظام. ويبدو أن التوصّل لضمانات من هذا النوع ليس بالأمر الصعب أو المستحيل في مقابل تغيير روسيا لموقفها الراهن الداعم للنظام.

لا بدّ من ربط أهمية قاعدة طرطوس بعلاقة التحالف القائم بين روسيا وسوريا، والتي تحرص موسكو على الحفاظ عليها بعدما خسرت كل التحالفات التي كانت قائمة مع عدد من الدول الأخرى في حوض المتوسط والشرق الأوسط مع انفراط الاتحاد السوفياتي ما أضعف موقفها وتأثيرها في الجيوبوليتيك الاقليمي والمتوسطي. وكانت العلاقات الروسية–السورية قد تدهورت في عهد الرئيس بوريس يلتسن، حيث اتهمته سوريا بالانحياز ضد المصالح العربية وبرفضه إجراء أي تسوية للديون السورية العالقة من زمن الاتحاد السوفياتي[39].

بدأت العلاقات بالتحسّن بعد وصول الرئيس بشار الأسد إلى الحكم في بداية القرن الحالي، وخصوصًا بعد إتفاقية تخفيض الديون بنسبة 80 % التي عقدها الرئيس فلاديمير بوتين مع النظام السوري العام 2005، وإن ما يدلّ على تنامي علاقات التعاون والصداقة بين القيادتين يتمثّل بالزيارات الثلاث التي قام بها الرئيس الأسد إلى موسكو في الأعوام 2005 و2006 و2008، بالإضافة إلى الزيارة التي قام بها الرئيس ميدفيديف إلى دمشق العام 2012، والتي كانت أول زيارة يقوم بها رئيس روسي إلى سوريا[40]. وكان من النتائج السياسية البارزة لهذا التحسّن الذي طرأ على العلاقات أن دعمت سوريا بقوة الموقف الروسي في حربي الشيشان وجنوب أوسيتيا.

لا تقتصر الحسابات الروسية لدعم نظام بشار الأسد على أهمية قاعدة طرطوس أو على نموّ العلاقات الثنائية، بل هي تستند أيضًا إلى قراءات وحسابات جيو–استراتيجية، حيث ترى موسكو أن إسقاط نظام الأسد يعتبر مقدّمة لإسقاط النظام الايراني، ويشكّل ذلك خسارة استراتيجية كبرى لروسيا، بحيث تفقد حليفيها الوحيدين في منطقة الشرق الأوسط. كما سيؤثّر حتمًا على الدور الذي تطمح روسيا إلى الاضطلاع به من جديد كقوة رئيسة في التوازنات الدولية الجديدة، خصوصًا في ظلّ تراجع مستوى الوجود العسكري الأميركي بعد الانسحاب من العراق، ومع اقتراب موعد الانسحاب من أفغانستان.

لكن على موسكو ألا تتجاهل الأثمان التي ستترتّب عليها في حال استمرار دعمها النظام السوري في الحرب، حيث سيؤدّي ذلك حتمًا إلى عزلتها. ويبدو الآن أن هناك نافذة مفتوحة لكي تبدأ موسكو باعتماد مقاربة متوازنة حيال ما يجري في سوريا وذلك من خلال استغلالها لتطوّرين بارزين: إجتماع الوزير لافروف مع رئيس التحالف السوري المعارض أحمد معاذ الخطيب في ميونيخ بداية شباط/ فبراير 2013، وتولّي جون كيري مهماته كوزير جديد للخارجية في ولاية أوباما الثانية[41]. إن الكرة الآن هي في الملعب الروسي، وعلى الدبلوماسية الروسية تلقّفها وإثبات قدرتها على المشاركة في البحث عن مخرج للأزمة وجدارتها بالقيام بذلك.

 

الموقف الروسي بأبعاده الاقليمية

من المفارقات الكبرى في السياسة الخارجية الروسية هذا الإصرار الروسي المستمرّ على دعم وجود الرئيس بشّار الأسد في السلطة. السؤال المطروح هو: كيف يمكن للقيادة الروسية تبرير سياستها الخارجية للشعب الروسي والذي اعتبر على مدى عقود طويلة أنه صديق للشعب السوري ولمعظم الشعوب العربية؟

لم تقتصر العلاقات بين الشعبين الروسي والسوري على الفترة الزمنية للحرب الباردة، وما نتج عنها من فرزٍ سياسي على المستوى الدولي، كما أنه لا يمكن ربطها واقتصارها على توريد السلاح الروسي إلى سوريا منذ نهاية خمسينيات القرن الماضي، فالعلاقات قديمة بين البلدين والشعبين، وهي تعود إلى القرن التاسع عشر وذلك انطلاقًا من العلاقة الخاصة بين الكنيسة الارثوذكسية في البلدين، وإلى استقرار جالية شركسية أتت من شمال القوقاز الروسي في سوريا في القرن التاسع عشر أيضًا[42].

وهناك مفارقة أخرى، إذ في الوقت الذي صوّتت فيه روسيا مع الصين مستعملةً حق النقض ضد ثلاثة قرارات في مجلس الأمن تدين عمليات القتل في سوريا، نرى القيادة الروسية توجّه الدعوات إلى بعض قيادات المعارضة السورية إلى موسكو والتي كانت آخرها دعوة رئيس الائتلاف المعارض أحمد معاذ الخطيب، للتباحث معها حول المخارج الممكنة من الحرب الدائرة في مختلف أنحاء سوريا[43]. واللافت أيضًا أن روسيا لم توافق على أي من الدعوات التي وجّهت للرئيس الأسد، عربيًا ودوليًا، للتخلّي عن السلطة. كما استمرّت في تصدير الأسلحة والذخائر للنظام السوري. لكن، ليس هناك أي إثباتٍ قاطعٍ حول نيّة موسكو لوقف عمليات توريد السلاح والذخائر أو إبطائها في المستقبل المنظور.

لا يمكن ربط هذا الإصرار الروسي على دعم الرئيس الأسد بمبيعات السلاح الروسي للجيش السوري. هناك، من دون شك، مجموعة من الاعتبارات والمصالح ذات البعد الدولي والإقليمي، تبرّر هذا الإصرار، خصوصًا في ظل إدراك القيادة الروسية الأضرار المترتّبة على هذا الموقف على المستويين العربي والدولي.

ولعل من أهم الأسباب السياسية التي أوردتها الخارجية الروسية في تبريرها لاستعمال حق النقض ضد مشاريع القرارات الخاصة بسوريا في مجلس الأمن كان اعتراضها على التفسيرات «الخاطئة» التي اعتمدتها الدول الغربية للقرار الخاص بليبيا، من أجل تبرير تدخّلها العسكري المباشر لقلب نظام القذافي[44].

كما تبدي القيادة الروسية حرصًا شديدًا على ربط مواقفها تجاه الأزمة السورية ولجوئها إلى استعمال حق النقض بموضوع الحفاظ على مفهوم الدول وحقّها وسيادتها، والذي لا يجيز بالمطلق للدول الأخرى التدخّل في الشؤون الداخلية لدولةٍ ما. وهذا الأمر لا يشمل التدخّل العسكري فحسب بل يتجاوزه إلى رفض نظام العقوبات الاقتصادية. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن موسكو تدرك الآن مدى التراجع الحاصل على مستوى «الشرعية الدولية» في احترام حق سيادة الدول، وأن روسيا والدول التي كانت عضوًا في الاتحاد السوفياتي باتت معرّضة لتدخّلات خارجية في أمورها الداخلية.

ولا يمكن ربط موقف فلاديمير بوتين المتصلّب بالطريقة التي حصل فيها التدخّل الغربي في ليبيا[45]، فهناك إرث ثقيل من التدخّل الغربي الخارجي في شؤون بعض الدول القريبة جدًا من روسيا، ومنها في جورجيا في أثناء «ثورة الورود» التي شهدتها، وفي أوكرانيا خلال الثورة البرتقالية حيث قامت الجمعيات والمؤسسات غير الحكومية المموّلة من الدول الغربية بدعم الانتفاضتين والمساعدة على إقامة سلطة جديدة موالية للغرب. حدث هذا التدخّل الغربي ما بين العامين 2003 و2004، ومن ثم عاد وتكرّر في جمهورية قرغيزستان العام 2005 في عملية خلع الرئيس عسكر أكاياف عن السلطة. وهناك خشية لدى بعض المستشارين في الكرملين من أن ينتقل «الفيروس البرتقالي» للثورة الأوكرانية إلى روسيا نفسها من أجل العمل على قلب السلطة، لذا اتخذت القيادة الروسية احتياطاتها المسبقة لمواجهته من خلال إيجاد منظّمة شبابية روسية مرتبطة بالنظام يمكن دعوتها للنزول إلى الشارع لمواجهة أي انتفاضة ثوروية ضد الحكم. وطلبت السلطات الروسية، ومن باب الحيطة والاستدراك، إلى جميع الجمعيات والمنظمات غير الحكومية التي تتلقّى مساعدات من الخارج ضرورة تسجيل نفسها لدى دوائر وزارة الداخلية «كعميل أجنبي»[46].

في مراجعة سريعة للمواقف الروسية التي أعلنها السفير الروسي في الأمم المتحدة فيتالي تشوركين نجد أن هناك حججًا متدرّجة من أجل تبرير استعمال روسيا حقّ النقض ضدّ مشاريع القرارات التي تقدّمت بها الدول العربية والغربية لمعالجة الأزمة السورية.

ربط تشوركين «الفيتو» الروسي في تشرين الأول/أكتوبر2011 ضدّ مشروع قرار يطلب فرض عقوبات على سوريا، بكونه يتعلّق بحق سيادة الدولة وأن على مجلس الأمن إحترام «مبدأ السيادة وعدم التدخّل». وجاء مشروع القرار الدولي الثاني في شباط/فبراير 2012 ليعبّر مجلس الأمن من خلاله عن مخاوفه وهواجسه العميقة من مقتل آلاف المدنيين، طالبًا من الجميع وقف العنف، من دون التهديد باستعمال أي إجراءات تدخّل. واستعملت روسيا مجدّدًا حق النقض بحجة عدم وجود توازن في الدعوة لمختلف الأطراف بوقف العنف وأن القرار لا يحمّل المعارضين النظام مسؤولية واضحة عن العنف. وجاءت المحاولة الثالثة لاستصدار قرار من مجلس الأمن في تموز/يوليو 2012 يهدّد سوريا بلجوء المجلس إلى اتخاذ تدابير تحت الفصل السابع إذا لم تنفّذ القرارات الدولية السابقة. وقد واجهته روسيا باستعمال حق النقض وذلك على خلفية أنه يفتح الطريق أمام فرض عقوبات وتدخّل عسكري ضد النظام وأنه سيخرّب كل ما اتفق عليه من مبادئ في اجتماع جنيف الخاص بسوريا[47].

وفي معرض تحليل الموقف لا بدّ من ربط الموقف الروسي الداعم للنظام السوري برؤية روسيا للتطوّرات في منطقة الشرق الأوسط، ومن بينها العلاقات الخاصة والمتينة التي تربطها بإيران، والتي تعتبرها الصديق الأقرب لسوريا وروسيا على حد سواء. فالعلاقات الروسية–الإيرانية كانت دائمًا حميمة ومتينة منذ تفكّك الاتحاد السوفياتي سواء في مجال التعاون الاستراتيجي في بحر قزوين أو في المجال النووي والعسكري أو في مجال المساعدة على ضبط الأوضاع في جنوب القوقاز وشمالها، وخصوصًا الحركات ذات الخلفية الإسلامية[48].

ولا بدّ هنا من الاشارة إلى التلاقي الحاصل بين بوتين والقيادات الإيرانية حول الكراهية التي يكنّها كل منهما للولايات المتحدة، ولضرورة طردها من منطقة الخليج وإسقاط الأنظمة العربية المتحالفة معها. وهناك أيضًا المخاوف الروسية–الإيرانية من انتشار إرهاب «القاعدة»، حيث يمكن لإيران وروسيا التعاون لضبط الوضع في سوريا والعراق وأفغانستان بعد انسحاب قوات حلف الأطلسي.

تعتقد الدبلوماسية الروسية أن مواقفها تجاه سوريا ودول الربيع العربي الأخرى كانت وما زالت تتّسم بالواقعية السياسية والمدعومة برؤية مستقبلية حول الإرهاب وسرعة انتشاره ومخاطره بعد سقوط الأنظمة التي تمثّل «الستاتيكو» السياسي والأمني الإقليمي القائم منذ عقود. وتعتقد موسكو أن الوصول المبكّر للجماعات الإرهابية إلى سوريا، ومقتل السفير الأميركي في ليبيا يدعمان وجهة نظرها وقرارها لحماية النظام السوري من السقوط تحت ضغط التدخّل العسكري والاقتصادي الغربي[49].

لكن، هل يمكن لروسيا الاستمرار في اعتماد هذه السياسات الداعمة لكل من سوريا وإيران في ظل التطوّرات الراهنة التي يشهدها البلدان؟

يبدو بوضوح أن نظام الأسد بات مهدّدًا بالسقوط عسكريًا وإقتصاديًا، حيث استنزفت الأحداث الجارية القسم الأكبر من احتياطه المالي والأمني، وإن المساعدات التي يتلقّاها من حلفائه في طهران لا تكفي للاستمرار طويلاً في المعركة الراهنة. ولا تبدو الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية داخل إيران مريحة في ظلّ الإنهيار الحاصل لقيمة النقد، وستؤدّي مفاعيل العقوبات الغربية إلى مزيدٍ من التدهور خلال الأشهر المقبلة، وقد ينعكس ذلك على الوضع الأمني والسياسي، وبشكلٍ دراماتيكي، بحيث أنه لا يمكن التنبؤ بنتائجهما.

وهنا لا بدّ من طرح السؤال: هل لدى روسيا خطّة بديلة تعتمدها لدعم خياراتها تجاه سوريا والمنطقة في حال سقوط الأسد وإضعاف الحليف الإيراني أو سقوطه؟

في رأينا إن الخيار الوحيد لمواجهة تطوّرات كهذه يبقى في البحث عن مخارج لائقة لبوتين لتصحيح علاقاته مع الغرب ومع الدول العربية والشعب السوري، وذلك من خلال دفعه إلى تغيير حساباته وفق ما جاء في تصريح وزير الخارجية الأميركي الأخير من باريس في 27 شباط/فبراير (2013) في مؤتمره الصحافي المشترك مع نظيره الفرنسي لوران فابيوس.

 

تعقيدات أبعد من الأزمة السورية

لم تحمل تصريحات الرئيس فلاديمير بوتين ووزير خارجيته لافروف الأخيرة أي تبدّلٍ أساس في الموقف الروسي الداعم للرئيس بشّار الأسد ونظامه، حيث يمكن لهذا الأخير أن يطمئن إلى استمرار الدعم الروسي الدبلوماسي والعسكري له، وبالتالي مدّه بجميع القدرات اللازمة للصمود في وجه كل الضغوط الداخلية والخارجية.

يؤكّد ثبات الموقف الروسي الداعم للنظام السوري التقليد الروسي الدبلوماسي في دعم الأنظمة الصديقة والحليفة حتى الرمق الأخير. الأمر الذي يفسّر استمرار الدعم السوفياتي أولاً، ومنذ العام 1970 للرئيس حافظ الأسد، والذي حصلت موسكو مقابله على حقّ استعمال قاعدة بحرية في طرطوس جرى إهمالها بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي، حيث قرّر الرئيس بوتين العام 2008 إعادة تجهيزها واستعمالها من قبل الأسطول الروسي المبحر في المتوسط.

لم تكتفِ القيادة الروسية باستعمال حق النقض بالإشتراك مع الصين في مجلس الأمن ضدّ ثلاثة قرارات تدين النظام السوري، بل دعمت هذا النظام في كل المحافل الدولية والإعلامية، حيث لم يفوّت أي من القادة الروس أي مناسبة إلا وعبّروا عن استمرار تمسّكهم بدعم بقاء الرئيس الأسد في الحكم. وكانت موسكو قد أفهمت جميع وفود المعارضة السورية التي زارتها سابقًا عن تمسّكها وتشجيعها لاعتماد طريق الحوار السياسي بين المعارضة والنظام لإيجاد حلّ للأزمة، وهذا ما أصرّت عليه موسكو في اجتماع جنيف الخاص بسوريا. وجرى مجدّدًا تأكيد هذا الدعم على لسان وزيري الخارجية والدفاع الروسيين في تصريحين لهما في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر2012 [50].

في الوقت الذي يجري فيه ربط الموقف الروسي الداعم للرئيس الأسد برغبةٍ من موسكو في الحفاظ على القاعدة البحرية في طرطوس، يرى العديد من الخبراء أن هناك أسبابًا أخرى لاستمرار الموقف الروسي على حاله من الصرامة والعناد. ويستعيد هؤلاء الخبراء المواقف التي عارضت فيها موسكو خلال العقدين الماضيين التدخّل الدولي في الشؤون الداخلية للدول، ومحاولات إجراء تغييرات في بنية الحكم في عدد من الدول من خلال الضغط السياسي أو التدخّل العسكري، كما حصل في كوسوفو العام 1996 أو في ليبيا مؤخّرًا. ويربطون هذا الموقف الروسي بالهواجس والمخاوف التي تؤرق القادة الروس من إمكان تطبيق مثل هذه المقاربات التي يعتمدها الغرب في قلب نظام الحكم في بعض الدول السوفياتية السابقة أو في داخل بعض الكيانات التي هي جزء من الاتحاد الروسي. ويطرح أصحاب هذا الرأي تساؤلات حول حقّ الدول الغربية وبعض الدول العربية وتركيا في قلب نظام الأسد وفرض حاكم جديد في دمشق، وعن إمكان تطبيق الإجراءات نفسها مستقبلاً من أجل تغيير النظام الحليف لروسيا بقيادة ألكسندر لوكاشانكا في بيلاّروسيا[51].

يبدو أن القيادة الروسية الراهنة تتجاهل عن عمد سجل الاتحاد السوفياتي أو روسيا الاتحادية نفسها باللجوء إلى الوسائل نفسها التي تتّهم الدول الغربية باعتمادها من أجل القيام بعمليات تدخّل لقلب أنظمة الحكم أو دعمها في دول تعتبرها صديقة أو إنها تشكّل منطقة نفوذ حيوي لها، وذلك على غرار الغزو السوفياتي لأفغانستان، أو احتلال قسم من مولدوفا أو التدخّل الروسي المباشر في أوسيتيا وأبخازيا[52].

تحاول الدبلوماسية الروسية الآن التملّص من الخضوع للحقّ الذي أعطاه مجلس الأمن العام 2005 لنفسه بإجازة التدخّل بشكل «جماعي» من أجل حماية الشعوب ضد الجرائم الجماعية، وجرائم الحرب والتنظيف العرقي، وعلى أساس اعتبارها جرائم ضد الانسانية[53].

ويحاول وزير الخارجية سيرغي لافروف تبرير رفض روسيا إدانة النظام السوري أو دعوة الرئيس الأسد للتنحي عن الحكم بأنه يأتي في سياق ردّ الفعل على تجاوز مضمون القرار الدولي الذي اتخذه مجلس الأمن في شأن ليبيا، حيث أجازت الدول الغربية لنفسها حقّ استعمال القوّة العسكرية من أجل قلب نظام القذافي بالقوة، تحقيقًا لأهدافٍ ومكاسب استراتيجية واقتصادية. واعتبر لافروف بأن تعميم هذا الأمر على دول ومناطق أخرى «سيؤدّي إلى دفع نظام العلاقات الدولية نحو حال من الفوضى»[54].

ولا بدّ هنا من إعادة التذكير بالأهمية التي تنظر فيها روسيا إلى التحالف الاستراتيجي الذي يربط بين إيران وسوريا، والذي يشكّل في نظرها ثقلاً ضروريًا لموازنة سلوكية الهيمنة التي تعتمدها الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط. ويراود موسكو بعض الهواجس حول إمكان حصول توافق وتنسيق أميركي–إسرائيلي في مجال ممارسة المزيد من الضغوط الأمنية والعسكرية ضد إيران.

ويرى العديد من الخبراء الروس في المجالين الأمني والشرق أوسطي أن تهديد إيران بعد سوريا لن يكون في مصلحة روسيا، وإنه سيؤثّر على الحضور الروسي في الجيوبوليتيك الإقليمي، كما أنه يتعارض مع الرغبة والخطط الروسية لاستعادة موسكو دورها في المنطقة، كشريكٍ أساسي لا يمكن تجاهله.

 

مواجهة مخاطر العزلة

من المؤكد أن المنطق الذي يستعمله القادة الروس لتبرير استمرار دعمهم السياسي والعسكري للنظام السوري في وجه الدول الغربية، من ضمن سياسة توازن القوى وتقاسم النفوذ على المستوى الدولي، هو غير مقبول بالنسبة إلى معظم الدول العربية، وخصوصًا منها التي شهدت إنتفاضات شعبية مثل تونس وليبيا ومصر واليمن. وترفض جميع الشعوب العربية التبريرات الروسية المدافعة عن النظام السوري في ظل استمرار عمليات القتل والتدمير بواسطة الأسلحة والقنابل الروسية. وجاءت تصريحات الرئيس المصري الأخيرة المطالبة بإنهاء حكم الرئيس الأسد في أقرب وقت ممكن، سواء في قمة عدم الانحياز في طهران أو في اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب الأخير في القاهرة بمنزلة ردّ عربي صارم على المواقف الروسية «الداعمة» لاستمرار عمليات القتل الجماعي الجارية في سوريا منذ ما يقارب السنتين.

تتجاهل القيادة الروسية بشكل كامل كل النداءات العربية لها للتخلّي عن النظام السوري، ويبدو أنها غير عابئة بالأضرار التي يمكن أن يتسبّب بها موقفها المتعنّت على مستوى علاقاتها مع الشعوب العربية، وتحديدًا مع الشعب السوري، وذلك على الرغم من وجود قناعة دولية شبه كاملة أن النظام السوري ساقط لا محالة، وأن المسألة باتت مسألة وقت.

لن ينفع تسويق روسيا لفكرة إندلاع حرب عربية–إيرانية على أثر سقوط نظام الأسد في تخفيف المسؤولية التي تحمّلها الشعوب والحكومات العربية لروسيا على دورها في قتل آلاف المدنيين السوريين.

يمكن تشبيه الموقف الدبلوماسي الروسي بعملية السير على حبلٍ مشدود وقد يترتّب على ذلك وقوع روسيا في حالٍ من العزلة على غرار العزلة المفروضة عربيًا ودوليًا على النظام السوري. على موسكو أن تدرك أن 13 دولة أعضاء في مجلس الأمن تؤيّد اتخاذ قرار ضد نظام الأسد تحت الفصل السابع، وكانت أبرز محاولة في هذا السياق مشروع القرار الذي جرى التصويت عليه في 4 شباط/فبراير 2012 حيث صوّتت روسيا والصين وحدهما ضده[55]. وإذا استمرّت موسكو في موقفها المتعنّت لتعطيل الشرعية الدولية فإن ذلك سيعرّضها لخسارة نفوذها تدريجًا في السياسة الدولية، وذلك من خلال تشكيل تحالف دولي (من خارج مجلس الأمن) لاتخاذ خطوات وتدابير قاسية ضد النظام السوري، بما فيها إمكان التدخّل عسكريًا كما حدث في كوسوفو. ولا بدّ أن تأخذ الدبلوماسية الروسية بعين الاعتبار إجتماع 60 دولة في أكثر من مؤتمر (بدءًا من اجتماع تونس في 24 شباط/فبراير 2012) من أجل تقديم المساعدات الإنسانية للشعب السوري، وتشديد العقوبات ضد النظام، بالإضافة إلى عدد كبير من دول العالم التي اجتمعت في مؤتمر الدوحة في تشرين الثاني/نوفمبر 2012 من أجل دعم الائتلاف الذي تشكّل من المعارضة السورية بقيادة أحمد معاذ الخطيب وتأييده. ومن الملاحظ أن روسيا والصين قد قاطعتا هذا المؤتمر، حيث اعتبرت موسكو أن هذا المنهج يتعارض مع رؤيتها لحل الأزمة. لكن يبدو أن لافروف قد غيّر موقفه تجاه الائتلاف السوري بعد اجتماعه بأحمد معاذ الخطيب على هامش مؤتمر في ميونيخ، حيث دعاه لزيارة موسكو لإجراء مباحثات حول الأزمة في مطلع شهر آذار/مارس 2013، لكن الزيارة إلى موسكو تأجّلت لأسباب سياسية وبقرار من الائتلاف المعارض.

تدرك موسكو أن جامعة الدول العربية، ومجلس التعاون الخليجي، وأيضًا تركيا، قد فرضت جميعها حصارًا على النظام، ويمكن لهذه الدول أن تلجأ إلى فرض عزلة على روسيا إذا استمرّ الموقف الروسي في دعمه للمحور الإيراني–السوري، وفي تقديم كل أنواع الأسلحة والذخائر للنظام. ويبدو أن الإصرار الروسي على الموقف الداعم مرشّح للإستمرار، ما سيؤدّي إلى خسارة موسكو علاقاتها الجيّدة مع جميع الدول العربية وتركيا، بحيث لا يبقى لها من صديق في المنطقة سوى طهران.

جرى مؤخّرًا إجتماع بين الجامعة العربية برئاسة أمينها العام نبيل العربي وعضوية عدد من وزراء الخارجية وغياب وزيري خارجية السعودية وقطر، مع وزير الخارجية الروسي لافروف، في إطار «المنتدى الروسي–العربي» الذي تشكّل العام 2009 ولم يجتمع مرة واحدة بعد ذلك بسبب أحداث الربيع العربي[56]. وعبّر العربي ولافروف في نهاية الاجتماع عن تفاؤلهما بإمكان بدء حوار بين النظام السوري والمعارضة. ووعدت موسكو بتهيئة أرضية ملائمة للحوار بين المعارضة وممثّلين عن النظام في موسكو. ويؤكّد موعد انعقاد المنتدى والأجواء التي سادته على وجود رغبة لدى موسكو في إظهار موقفٍ مرن تجاه المعارضة السورية، محاولةً بذلك استغلال المبادرة التي أطلقها رئيس الائتلاف السوري أحمد معاذ الخطيب، والتي قال فيها أنه على استعداد للقاء أطراف من النظام (أمثال نائب الرئيس فاروق الشرع) للبحث عن تسوية سلمية للأزمة من خلال تشكيل حكومة إنتقالية تملك كل الصلاحيات لنقل البلاد من حال الحرب إلى السلم[57]. ويبدو أن العقدة ما زالت تتمثّل برفض الرئيس الأسد تسليم صلاحياته لنائب الرئيس كشرطٍ أساس لبدء الحوار. وكان لافروف قد اعتبر أن الرهان على حل عسكري يشكّل وسيلة لتدمير الطرفين، مضيفًا «آن الأوان لوقف هذا النزاع المستمرّ منذ سنتين»[58].

أما السؤال المطروح فيتركّز على مدى استعداد روسيا للاستمرار في التعاطي مع الأزمة بالمرونة التي أظهرتها بعد الاجتماع بين لافروف وأحمد معاذ الخطيب أو في أثناء انعقاد «المنتدى الروسي–العربي» في موسكو. وإذا لم تؤدّ المساعي إلى انعقاد مؤتمر الحوار الذي تدعو إليه موسكو بسبب تعنّت الرئيس الأسد ورفض تنازله عن صلاحياته لنائبه، هل تعود موسكو إلى مواقفها المتصلّبة الداعمة للنظام السوري؟

وكان سبق أن زارت موسكو ثلاثة وفود من المعارضة السورية، واجتمعت مع مسؤولين روس ومن بينهم لافروف، ولكن موسكو استمرت في موقفها الداعم للنظام. ويبدو مجدّدًا أن القيادة الروسية ما زالت غير متحمّسة لفكرة الضغط على الرئيس الأسد للتنازل عن صلاحياته لنائبه الشرع. وفي حال عدم حدوث ذلك، فإن على موسكو أن تتوقّع المزيد من التدهور في موقعها لدى الشعوب العربية. وستعبّر الجماهير عن غضبها من استمرار الدعم الروسي للنظام من خلال تنظيم المزيد من مظاهرات الاحتجاج والإدانة الشعبية أمام السفارات الروسية في مختلف العواصم العربية.

وهناك قناعة لدى الدول العربية وشعوبها أن موسكو ما زالت قادرة على الاضطلاع بدور إيجابي من أجل البحث عن حل سياسي للأزمة، وأنها قادرة على ممارسة كل أنواع الضغوط على الرئيس الأسد لإقناعه بالتنازل عن صلاحياته لنائبه، ولكنها لم ولن تفعل ذلك لأسباب تتعلّق بعلاقاتها مع الغرب ولاعتبارات تتعلّق بطموحاتها الجيو-استراتيجية في المنطقة.

 

تجاوز إشكالية الموقف الروسي

وضعت الأزمة السورية العالم أمام حال انقسام، كان قد طواها منذ عقود ومنذ انتهاء الحرب الباردة. وما نشهده اليوم من خلافات بين الدول الغربية وروسيا والصين حول المقاربة التي يجب اعتمادها لحل الأزمة السورية يتعدّى أطر الاختلاف في الرأي حول طبيعة الحل المنشود، ليظهر أنه خلاف في العمق، وأن هناك استحالة لردم الفجوة القائمة بين المعسكرين. الأمر الذي يثير تساؤلات عديدة حول مستقبل النظام الدولي، وحول جدوى مجلس الأمن في حلّ الخلافات الدولية.

لقد أظهر فشل الجهود التي بذلها الموفد الدولي والعربي الأخضر الابراهيمي وقبله كوفي أنان، وعدم تجاوب النظام مع المبادرة التي أطلقها رئيس التحالف السوري المعارض أحمد معاذ الخطيب في شهر آذار/مارس 2013 أن ظروف التوافق على بدء حوار بين النظام والمعارضة لم تنضج بعد. وتؤكّد المواقف الروسية والأميركية الأخيرة استمرار الخلافات القائمة بين موسكو وواشنطن التي تدرك أن معارضة موسكو لكل الحلول التي تؤدّي إلى سقوط النظام السوري هي مرشّحة للاستمرار، وإنها تنطلق من مجموعة من الاعتبارات الجيو–استراتيجية الهامة (من وجهة النظر الروسية) وأن الأمر يتجاوز مسألة التدخّل العسكري الغربي في ليبيا وإسقاط نظام العقيد القذافي. ويعدّد الأميركيون عددًا من المسائل العالقة مع موسكو، ومنها أن الأمر لم يعد مقتصرًا على الموقف الروسي من الأزمة الليبية أو الأزمة السورية، بل إن الأمور تتعدّاهما إلى حاجة موسكو لإعادة تأكيد دورها «كقوة عظمى» خصوصًا بعد عودة بوتين إلى رئاسة الدولة، واعتماده نزعة سلطوية، تطمح إلى تصحيح العلاقات مع أميركا، وخصوصًا في ما يعود لمناطق البلقان وشمال أفريقيا والشرق الأوسط[59].

ولا بدّ في هذا السياق من الإشارة إلى رغبة بوتين في التعامل مع الولايات المتحدة على قاعدة المساواة في تبادل المصالح، مع وجود قناعة لديه أن تغيير النظام السوري في الوقت الراهن لن يكون في مصلحة روسيا في المدى المتوسط أو البعيد.

في رأينا يضاف إلى تعقيدات العلاقات الروسية–الأميركية هواجس موسكو من قيام نظام إسلامي متشدّد في سوريا على أنقاض النظام العلماني الراهن، وذلك بعدما شهدت الثورات العربية الأخرى صعود الأحزاب الإسلامية إلى الحكم. ويمكن ربط هذه الهواجس الروسية بالتجارب القاسية التي واجهتها موسكو في مواجهة الحركات الإسلامية والانفصالية في الشيشان وبعض جمهوريات القوقاز ذات الأكثرية الإسلامية[60].

لم تنجح الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في تطوير صيغة دبلوماسية مقنعة لاحتواء الرفض الروسي لكل مشاريع القرارات الدولية الخاصة بالوضع السوري. ويبدو أن هذا المأزق مرشّح للاستمرار في المدى المنظور.

إنطلاقًا من هذا الواقع لم يبق أمام القوى الغربية والدول العربية من خيار سوى تقديم المزيد من الدعم السياسي والمالي والعسكري للمعارضة السورية، على أن يشمل الدعم العسكري الأسلحة النوعية المطلوبة من أجل تصحيح الخلل الحاصل في موازين القوى بين النظام والمعارضة.

كما يمكن أن يؤدّي مثل هذا الدعم النوعي إلى تغيير المعادلة الميدانية لمصلحة المعارضة في ريف دمشق وبعض أحيائها، وأن يدفع ذلك القيادة الروسية لإعادة حساباتها تجاه مساندتها للنظام، وبالتالي الشروع بالبحث عن خطة بديلة لإنهاء النزاع، من دون التمسك بالرئيس الأسد كشريك في الحل.

من الصعب جدًا التكهّن بالمسار الذي يمكن أن تسلكه الأحداث في سوريا خلال الأشهر المقبلة، ولا تقتصر الأسباب على الإشكالية المترتّبة على الموقف الروسي المتصلّب، بل تشمل أيضًا التردّد الأميركي في اتخاذ موقف سياسي وعسكري بدعم الثورة، من أجل تسريع عملية إسقاط النظام عسكريًا أو من خلال إجباره على الحوار من أجل نقل كامل الصلاحيات إلى حكومة إنتقالية، تتشكّل من المعارضة، ومن النظام، ومن أشخاص لم تتلطّخ أياديهم بدم المدنيين الأبرياء.

لا ينتظر حدوث تبدّل في الموقف الروسي من أجل تسهيل حدوث اختراق ديبلوماسي في جدار الأزمة، ولذلك لا بدّ من توقّع حدوث تطوّر إيجابي في الموقف الأميركي، خصوصًا بعد انتشار خبر الاقتراح الذي تقدّمت به الوزيرة السابقة هيلاري كلينتون قبل مغادرتها وزارة الخارجية، والذي حظي بدعم وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان، والمخابرات المركزية، والذي أسقطه قرار الرئيس أوباما الشخصي[61].

لا يمكن أن يستمر الرئيس أوباما في موقفه المتردّد تجاه دعم المعارضة السورية بالسلاح، لأنه سيدرك، عاجلاً أم آجلاً، مخاطر تداعيات استمرار الأزمة السورية، بما في ذلك تدفّق مئات الألوف من اللاجئين، هربًا من الحرب. في ظلّ هذه الظروف المأسوية لا بدّ من توقّع حصول تحرّك دولي جدّي وفاعل خلال العام الجاري من أجل احتواء تداعيات الأزمة المتفاقمة داخل سوريا على دول الجوار.

هل ينجح جون كيري في تحقيق ما فشلت هيلاري كلينتون في تحقيقه، من خلال اعتماد دبلوماسية فاعلة باتجاه روسيا تفضي إلى دفع الكرملين إلى اعتماد موقف «إيجابي» يسهّل انعقاد مباحثات سياسية بين الحكومة السورية والمعارضة من أجل التوافق على تشكيل حكومة إنتقالية.

بعد إجتماع كيري مع لافروف في برلين في 26 شباط/فبراير2013، أعلن هذا الأخير أنه اتفق مع نظيره على بذل كل من موسكو وواشنطن «كل ما في وسعهما لتهيئة الظروف لإطلاق الحوار بين المعارضة والنظام السوري بأسرع ما يمكن»[62]. وقالت فيكتوريا نولان الناطقة بإسم الخارجية الأميركية أن الجلسة كانت ناجحة حيث بحث الوزيران في كيفية تطبيق «إتفاق جنيف الصادر في 30 حزيران/يونيو 2012» والذي يدعو الحكومة والمعارضة إلى الحوار وتأليف حكومة إنتقالية واسعة الصلاحيات. وكان اللافت في تصريح لافروف قوله «أكّدنا تفاهمنا بشأن عدم القبول باستمرار العنف، وانطلاقًا من هذا التفاهم أكّدنا عزمنا على عمل كل ما بوسعنا لإطلاق الحوار بأسرع وقت»[63].

وكان قد سبق لجون كيري أن أكّد أن واشنطن «متفائلة بإمكان إيجاد أرضية مشتركة مع روسيا في التفاوض مع سوريا»، وأضاف كيري أن سياسة الرئيس أوباما حيال سوريا تنطلق من تفضيله الحل السياسي عبر التفاوض، إنما بما يؤدّي إلى رحيل الأسد. وأثنى على مبادرة أحمد معاذ الخطيب والتي ستساهم في المسعى «إلى تقارب إنهيار الدولة السورية»[64].

لكن تبقى المعضلة الأساسية في كيفية ترجمة هذه الأجواء الواعدة إلى مواقف فعلية على الأرض توقف سفك الدم السوري. لا يمكن الاعتداد بالأجواء «الإيجابية» التي صدرت بعد اجتماع كيري مع لافروف في برلين، حيث كان قد سبقها بأيام إعلان روسيا أنها «تزوّد سوريا معدّات عسكرية وأسلحة»، قال أناتومي إيسابكين مدير الوكالة الروسية لتصدير الأسلحة «إن روسيا سلّمت أسلحة لسوريا بما فيها أنظمة دفاعات جوية». وأضاف «نواصل الوفاء بالتزاماتنا وعقودنا لتسليم معدات عسكرية» كما نقلت عنه وكالة أنترفاكس[65].

وعلى الرغم من كل ما قيل بعد اجتماع كيري ولافروف أو بعد اجتماع الرئيس الفرنسي هولاند مع بوتين في موسكو، أو بعد ما انتهى إليه مؤتمر أصدقاء سوريا الذي انعقد في روما في 28/2/2013، إن سلوك طريق الحل السياسي ما زال بعيدًا، ومع امتداد المعارك في الداخل السوري ودخول قوى إقليمية على خط العملية العسكرية فإن سوريا مهدّدة بالتفتّت.

إنتهى مؤتمر روما بنتائج مخيّبة للآمال بعد أن رفضت الولايات المتحدة تزويد المعارضة السورية أسلحة نوعية، حيث اكتفت بزيادة مساعداتها الطبية والغذائية وغيرها، ولكن الأمل يبقى معلّقًا على الدول الأخرى التي شاركت في المؤتمر والتي وعدت في بيانها الختامي «بتنسيق جهودها من أجل مساعدة الشعب السوري ودعم القيادة العسكرية العليا للثوار وللجيش السوري الحر من أجل تمكينهم من الدفاع عن أنفسهم»[66]. ومن الممكن أن تؤدّي هذه الجهود المبذولة لتصحيح الميزان العسكري بالتوازي مع الجهود لعقد حوار بين النظام والمعارضة إلى إقناع روسيا بالتعاون مع الشرعية الدولية لإيجاد مخرج من الأزمة.

 

الاستنتاجات

على الرغم من أهمية العلاقات التجارية والسياسية بين روسيا وسوريا وعلى الرغم من أهمية قاعدة طرطوس البحرية بالنسبة إلى الأسطول الروسي المبحر في المتوسط، فإن الموقف الروسي «المتصلّب» تجاه الأزمة السورية يرتبط إلى حد بعيد بتعقيدات العلاقات القائمة بين روسيا والدول الأوروبية والولايات المتحدة، ومن أبرزها: الدرع الصاروخية، ونزع السلاح، وقضايا حقوق الانسان والقضية النووية الإيرانية، بالإضافة إلى إرث التدخّلات الأميركية في الدول القريبة من روسيا.

يضاف إلى كل السجل الحافل بالخلافات مع الغرب وجود رغبة لدى الرئيس بوتين لاستعادة دور روسيا كلاعبٍ أساس في الجيوبوليتيك الشرق أوسطي والدولي، وهو يحاول أن يستغلّ نقاط ضعف الرئيس أوباما وخصوصًا رفضه إستعمال أي شكل من أشكال القوة العسكرية من أجل حل النزاعات الإقليمية، والتركيز فحسب على المقاربة الدبلوماسية للمساعدة على إيجاد الحلول، والتي تبقى، وفق عقيدة أوباما، من مسؤولية القوى الإقليمية.

لا يمكن تجاهل الهواجس الروسية التي ولّدها التدخّل العسكري الغربي في ليبيا، إذ أن تعميم هذا التدخّل سيشمل سوريا، ما سوف يفتح الباب لتدخّلات عسكرية غربية في المحيط الجغرافي القريب من روسيا. كما يفتح احتمال أن تكون إيران مستهدفة بعد سوريا، لا سيما أن روسيا ترتبط معها بعلاقات ومصالح استراتيجية، لذا لا يمكن أن تقبل بأن تخسر حليفيها في الشرق الأوسط: إيران وسوريا.

تدرك روسيا أن نجاحها في منع حصول أي تدخّل عسكري غربي في داخل سوريا لاعتبارات إنسانية أنه سيطيل عمر نظام الأسد، ولكن ذلك لن يحميه من التفتيت والسقوط في المستقبل، كما تدرك تمامًا أن الجيوبوليتيك الإقليمي والدولي لن يسمح لأن يكون للرئيس الأسد أي دور في قيادة سوريا في المستقبل. من هنا التصلّب الروسي في دعم النظام ليس سوى وسيلة لكسب الوقت بالنسبة إلى موسكو إلى حين التوصّل إلى حوار سياسي يؤمّن المصالح الروسية في سوريا وفي المنطقة.

صدرت عن بعض القيادات الروسية تصريحات تؤكّد عدم تمسّك موسكو بشخص الأسد، كما تحدّثت مصادر روسية رفيعة عن قرب موعد رحيل الأسد عن السلطة، ولكن لم يمنع مثل هذا التقويم لضعف النظام من متابعة شحن الأسلحة والذخائر الروسية للنظام، بحجة تنفيذ عقود قائمة بين الدولتين.

كما لا يمكن لروسيا أن توقف دعمها للنظام السوري بشكلٍ قاطع لأن مثل هذه الخطوة ستعرّض إيران لمزيد من الضغوط والمخاطر، وخصوصًا لجهة تهديد نفوذها في العراق ولبنان ومنطقة الخليج. إن دفع إيران إلى وضع دفاعي سيكون لمصلحة الولايات المتحدة وحلفائها الاقليميين.

بدأت الدبلوماسية الروسية تشعر بأنها قد وصلت إلى أبعد ما يمكن أن تفعله من خلال دبلوماسية الممانعة التي اعتمدتها لمنع حصول تدخّل غربي في سوريا، وبأنه لا يمكنها الاستمرار في هذه السياسة المتصلّبة وأن هناك إمكانًا لمواجهة خطر عزلة عربية ودولية. وهذا ما يرسّخ الاعتقاد أن روسيا تريد الآن وبقوة إيجاد أرضية للحوار بين الحكومة السورية والمعارضة. وهذا ما يشير إليه دعوتها أحمد معاذ الخطيب لزيارة موسكو، وإظهار استعدادها لاستضافة الحوار، وكانت جولة المباحثات بين لافروف وجون كيري إيجابية، ويمكن البناء عليها من أجل إيجاد أرضية مشتركة تسهّل التعاون في المستقبل.

في النهاية ستكون روسيا من الخاسرين الكبار (مع إيران) عندما يسقط حكم الأسد. وتواجه السياسة الخارجية الروسية منذ اندلاع الأزمة السورية مصاعب كبيرة، خصوصًا بعدما ظهرت بمظهر المعطّل للشرعية الدولية.

 


[1]-    Margaret Klein, «Ways out of Russia's Isolation on Syria», The Moscow Times, 30 March 2012.

 

[2]-    Wikipedia Encyclopedia, «Economy of Syria-Foreign debt»,

[3]-    Ibid

 

[4]-    BBC News, «Why Russia is standing by Syria's Assad», June 15, 2012

[5]-    The Guardian, «Russia and China Veto UN Resolution against Syrian Regime», 5 October, 2011.

[6]-    USNI News, «Russian Ships to Syria Don't Mean Much», February 21, 2013.

[7]-    Syrian Constitutional referendum, 2012.

[8]-    «Relieved Russians Return Home after Fleeing Syria Violence»,

[9]-    «Russia sends worships toward Syria for possible evacuation»,

[10]-  Kattie Stallard, Sky News, «The Russian Evacuation that officially isn’t»,

[11]-  BBC News, «Syria Government losing control-Russian official»

[12]-  «Obama Calls on Syria's Assad to step aside»

[13]-  Alexander Shumilin, «Russia and the Syria problem», The Russian International Affairs Council.

[14]-  «Washington and Moscow still hope for Reset», 2. Jan 21, 2013

[15]-  Ibid

 

[16]-  «Sour U.S. – Russia Relations Theater Obama's Foreign policy agenda»,

      www.article.washington.com/ 2013-01-13/world/36323155-1-putin-and-obama-missile-defense.

[17]-    Ibid

 

[18]-  The New York Times, «Russia Won't Renew Pact on Weapons with U.S.», October 10, 2012.

[19]-  Foreign Policy, «How the Russians «Reset» Explains Obama's Foreign Policy» by Douglas J. Feith and Seth Cropsey, October16, 2012.

[20]-  Ibid

 

[21]-  Ibid to reference «18 »

 

[22]-  Russia Beyond the Headlines, «Will Russia be Obama's Foreign policy priority?» by Nikolai Zlobin and Fyoder Lukyanov. Jan. 20, 2013, Interfax.

[23]-  Ibid

 

[24]-  «Medvedev: Assad Made Fundamental Mistake», March 1, 2013. Interview with CNN in Davos, Switzerland.

[25]-  The Guardian, «Obama and Putin call for End to Violence in Syria», June 18, 2012.

[26]-  Al-Hayat Newspaper, «Librahimi and the Keys to the Doors of  the Syrian Hell», Jan. 3, 2013. By George Semaan,

      www.syriaobserver.com/commetary/ all_commentary/ brahini=and=the-keys=to=the=doors.

 

[27]-  National Post, «U.S. agrees to work with Russia on Syria, but insists President Assad Must «Go», Dec. 7, 2012.

 

 

[28]-  The National Interest, «How to Work with Russia on Syria», By Paul J. Saunders. Jan. 7, 2013

[29]-  Ibid.

 

[30]-  Lavrov speech at 49th Munich Security conference. Feb. 2, 2013

[31]-  Stratfor Global Intelligence, «Consequences of the fall of the Syrian Regime», July 24, 2012.

      www.stratfor.com/weekly/ consequences-fall-syrian-regime

[32]-  The New York Times, «For Syrian, Reliant on Russia for weapons»,

      www.nytimes.com/ 2012/02/19/ world/middleast/for-russia-and-syria...

[33]-  See annotation 2.

 

[34]-  See annotation 2 and annotation 32.

 

[35]-  Ibid.

 

[36]-  «Naval facility in Tartus». en.wikipedia,org/ wiki/ Russia_naval_facility_in_tartus

[37]-  «Russia may use Tartus naval base for anti-piracy mission»,

[38]-  Institute for the study of war, «Russian naval base Tartus», July 31, 2012.

[39]-  Mark Katz, «Putin's foreign policy toward Syria».

[40]-  Margaret Klein, «Russian's policy: on the way to Isolation».

[41]-  Ibid.

 

[42]-  «Syria's civil war destabilizing the Caucasus» www.wsws.org/ en/articles/2013/02/18/lauc-f18.html.

 

[43]-  BBC news – «Syria opposition chief invited to Moscow», Feb 2, 2013.

[44]-  Lavrov: «Russia will not allow Libyan’s scenario in Syria»

[45]-  Reuters, Feb 26, 2012, «Russian Putin warns west not to meddle»

[46]-  «Russian NGOS receiving foreign funding greet new law to register as foreign agents»

[47]-  «Russia and China veto Syria sanctions resolution at UN Security Council», the New York Times.

[48]-  «Russia, Iran sign agreement to form strategic partnership»

[49]-  Russia beyond the Headlines, «Russia continues pragmatic stance on Syria», January 10, 2013.

[50]-  «Russia says supplying Assad with «Defense» Arms under soviet-era deals», Nov 5, 2012.

[51]-  See annotation 44.

 

[52]-  Margaret Klein - see annotation 40.

 

[53]-  Wikipedia encyclopedia-Humanitarian Intervention, see also global research for western military aggression.

[54]-  «The UN charter, the responsibility to protect, and the Syria issue»

[55]-  «Patriot missiles in Turkey: targeting Syria or Iran?»

[56]-  Margaret Klein, «Russia's policy on Syria: on the way to isolation» See annotation 40.

 

[57]-    صحيفة السفير، «لقاء روسي وعربي: فرصة للحل السوري» 2013-2-21.

 

[58]-    المصدر نفسه.

 

[59]-  Margaret Klein – see annotation 40.

 

[60]-  «Fear of Islamist expansion prompt Russian support for Assad»

[61]-  «Leon Panetta the former secretary of defense, along with General Martin Dempsey talked about such proposals to support the Syrian opposition in with arms to one of the senate committees».

 

[62]-    صحيفة السفير، «لافروف وكيري اتفاق على تهيئة ظروف الحوار السوري». 2013-2-13

 

[63]-    المصدر نفسه.

 

[64]-    صحيفة الحياة، «كيري متفائلون بإمكان إيجاد أرضية مشتركة مع روسيا حول سوريا» عدد الأربعاء 13 شباط/فبراير 2013.

 

[65]-    صحيفة الحياة، «روسيا: نحن نزوّد سوريا الأسلحة ضد المعارضة». الأربعاء 13 شباط/فبراير 2013 – نقلاً عن وكالة أ.ف.ب. من موسكو.

 

[66]-  www.reuters.com/assets/ print?aid=USBRE91R0KM20130228.

 

Russia and the Syrian crisis – Geo-strategic interests and complications with the West

 

Since the outbreak of the Syrian Intifada in March 2011, the Arab League, the United States and the European Union have exercised all sorts of pressures against the regime of President of Bashar el-Assad through the council of Arab Foreign Ministers, the Security Council and the United Nations General Assembly. All of these efforts did not succeed in putting and end to the war due to the joint Russian – Chinese stance which is supporting President Assad through the repeated vetoes to block any international resolutions condemning the use of extreme military force by the regime to crush the Intifada.
Moscow was slammed by Arab and Western countries because of its stances that supported the Syrian Regime.
Moscow realizes without any doubt the results of its continuous support to the regime will eventually lead to its isolation on the International and Arab Level.
The Russian diplomatic and military support to the regime poses a series of questions regarding the reasons and motives behind this policy: what are the objectives which Moscow aims to achieve in Syria and through Syria? For how long can Syria keep on opposing the International and Arab will? Are these motives based on clear strategic interests or due to deep differences with Washington over strategic issues related to the balance of power and the role which Moscow aspire to play in International Policy? For how long can Syria keep on playing this role in the field of International legitimacy?  How can Moscow be reasoned with and convinced to change its current stance from the Regime?
Through this research, we will attempt to answer all the questions related to the Russian stance from the Syrian crisis and we will consider the possible change in this stance so that Russia may get involved in the Arab and International efforts aimed at finding the necessary ways to solve the Syrian crisis.

La Russie et la crise syrienne: des intérêts géostratégiques et des complications avec l’Occident

 

Depuis le déclenchement de l’Intifada syrienne en mars 2011, la Ligue Arabe, les Etats-Unis et l’Union Européenne ont exercé toutes sortes de pression sur le régime du Président Bashar el-Assad, à travers le Conseil des ministres arabes pour les affaires étrangères, le Conseil de sécurité et l’Assemblée générale des Nations Unie. Tous ces efforts n’ont pas réussi à arrêter la guerre, et cela à cause de la position russe et chinoise «commune» offrant le support au Président Assad et le droit de Veto plusieurs fois afin de bloquer plusieurs résolutions internationales condamnant l’excès au niveau de l’usage de force militaire par le régime.
Suite à ses positions soutenant le régime syrien, Moscou a été durement critiquée par les pays de l’Ouest et les pays arabes. Moscou réalise sans aucun doute, les résultats de sa position continue en offrant le support au régime, et elle sait très bien que cela aboutira à la fin à l’isoler aux niveaux arabe et mondial.
La résolution du commandement russe visant à offrir ce support diplomatique et militaire au régime, pose une série de questions sur les raisons qui le pousse à continuer à suivre cette politique: quels sont les buts envisagés par Moscou en Syrie? Jusqu’à quand Moscou pourra-t-elle continuer à adopter une position s’opposant à la volonté internationale et arabe? Quelles sont les motivations de cette position? Est-ce que ces motivations émanent d’intérêts stratégiques clairs ou sont-elles le fruit de différends profonds avec Washington sur des questions stratégiques liées aux balances des forces, et au rôle auquel la Russie aspire à jouer au niveau de la politique mondiale? Jusqu’à quand Moscou pourra-t-elle continuer de jouer ce rôle dans le terrain de la légitimité mondiale? Comment est-il possible de dialoguer avec Moscou et la convaincre de modifier sa position actuelle envers le régime?
On va essayer, à travers cette recherche, de répondre à toutes les questions liées à la position russe de la crise syrienne, et voir la possibilité de modifier cette position pour que la Russie se lance sérieusement dans les efforts arabes et internationaux visant à trouver des échappatoires pour la crise syrienne.