وجهة نظر

زار بيروت وسط «الأزمات المستمرة» وحاضر في الألسنية وجبروت القوة
إعداد: الهام نصر تابت

المفكر والباحث العالمي المشاكس نعوم تشومسكي
الدعاية للديموقراطية كما الهراوة للفاشية

«للديموقراطية وظيفتان: الوظيفة التنفيذية التي يقوم بها مسؤولون من طبقة متخصصة، أي انهم يفكرون ويخططون ويفهمون المصالح العامة. ووظيفة الرعاع، وهي مشاهدة ما يجري من دون المشاركة فيه، بيد ان لهم وظيفة أكثر من ذلك بفضل وجودهم في إطار ديمقراطي، اذ يتاح لهم بين الفينة والأخرى أن يلقوا بثقلهم إلى جانب عضو أو آخر من أعضاء الطبقة المتخصصة».
صاحب هذا الكلام هو المفكر والباحث الاميركي اليهودي الأصل نعوم تشومسكي، والذي يعتبر بين الشخصيات العشر الاكثر تأثيراً في العالم منذ خمسينيات القرن العشرين.
تشومسكي زار بيروت أخيراً حيث القى محاضرتين في الجامعة الاميركية وثالثة في مسرح المدينة، وتخللت زيارته جولة في الجنوب معايناً بعض الأماكن التي ارتكبت فيها اسرائيل «مآثرها».

 

الأكاديمي اللامع

حضور تشومسكي في لبنان شكّل حدثاً استثنائياً على أكثر من مستوى.
أكاديمياً هو عالم الألسنية الذي ساهمت أبحاثه في إعادة تأسيس هذا العلم وتأطيره. له مئات المؤلفات كتباً ومقالات ومحاضرات، وكتاباته هي بين المصادر الجامعية الأكثر اعتماداً في العالم. تركت أبحاثه أثراً عميقاً في مجالات علمية مختلفة، من علم النفس السلوكي الى المعلوماتية والطب... وهو أستاذ الألسنية في جامعة مساتشوتس، وعضو الأكاديمية الاميركية للفنون والعلوم، والأكاديمية الوطنية للعلوم والكثير من الجمعيات الأكاديمية.
فكرياً هو ذلك المفكر الخلاق المشاكس صاحب الكتابات النارية المناهضة للسياسة الاميركية ومنطق الجبروت والقوة، والديموقراطية المزيفة. وهو الساعي بجهد وحماس منقطعي النظير الى كشف وتعرية دور الدعاية في «صناعة القبول»، و«هندسة الرأي»، على نحو يطيح بحقوق الانسان وقيم الديموقراطية، ففي نظره: «الدعاية لدى الديموقراطية كالهراوة لدى الفاشية».

 

المناضل الانساني

انسانياً هو مناضل عنيد في دفاعه عن القضايا الانسانية وفي مواجهته الصلبة للاستبداد والقهر وجبروت القوة.
في العالم العربي ينظر إلى هذا الرجل على انه نموذج اليهودي الاميركي المناهض لاسرائيل والولايات المتحدة، أو كمنشقّ أميركي متنكر لليهودية. والواقع ان كتابات هذا الرجل خصوصاً في السنوات الأخيرة وبعد أحداث 11 أيلول 2001 تحديداً، جعلت التركيز قوياً على فكره ونشاطه السياسيين. ومن مؤلفاته في هذا السياق: «الحرب سياسة خارجية للولايات المتحدة»، «تصنيع الاجماع» (مع ادوارد هيرمان)، «الهيمنة أم البقاء؟ السعي الاميركي للسيطرة على العالم»، «القوة والارهاب وجذورهما في عمق الثقافة الاميركية»، «الدول المارقة، حكم القوة في الشؤون الدولية»، «الديموقراطية الرادعة»، «الانسانية العسكرية الجديدة»، «هيمنة الاعلام» وعناوين أخرى كثيرة، وقد صدرت ترجمات للعديد من أعماله في بيروت ودمشق والقاهرة.
ولد افرام نعوم تشومسكي العام 1928 في بنسلفانيا في شبه غيتو يهودي، اختبر الايديولوجيا الصهيونية شاباً وما لبث أن أصبح احد أشرس نقاد السياسة الاسرائيلية.
خصص للصراع العربي الاسرائيلي حيزاً مهماً في أعماله وركّز على كشف دور اللوبي اليهودي في رسم مسار السياسة الاميركية. كما ركز على دور وسائل الاعلام والمثقفين العاملين في خدمة «السلطة المتجبرة»، في خداع الجمهور وتصوير المزاعم على انها حقائق، وجعل الشعب يوافق على أمور يرفضها باستخدام تقنيات الدعاية الحديثة وصناعة «الاجماع الكاذب». وفي هذا المجال غاص في بحث نماذج الدعاية في الغرب وفي الأساليب التي اعتمدتها منذ الحرب العالمية الأولى إلى يومنا هذا.

 

حرب الولايات المتحدة على الارهاب

في موضوع «الارهاب» يعتبر تشومسكي ان الولايات المتحدة تدير الارهاب الدولي بذريعة الحرب على الارهاب. وإذ يقدم الكثير من الاستشهادات التاريخية في هذا المجال، يتوقف عند العديد من المحطات التي سبقت 11 أيلول 2001 بسنوات طويلة. فالحرب على الارهاب لم تعلن في الحادي عشر من أيلول 2001، بل أعيد اعلانها باستخدام منطق الاعلان الأول عنها قبل نحو عقدين. ويؤكد تشومسكي ان إدارة ريغن تسلمت السلطة وهي تعلم ان الحرب على الارهاب ستكون لبّ السياسة الاميركية الخارجية، وقد دانت هذه الادارة ما أسماه الرئيس «بلاء الارهاب الشرير». وكان التركيز الرئيس على الارهاب الدولي المدعم من قبل الدولة في العالم الاسلامي واميركا الوسطى في ذلك الحين، والذي وصف بأنه وباء انتشر عن طريق «أعداء الحضارة الفاسدين». ويلاحظ تشومسكي تلك «الاستمرارية المذهلة»، فالاشخاص أنفسهم ما زالوا في مواقع القيادة. رامسفيلد يدير الجانب العسكري من المرحلة الثانية للحرب على الارهاب، بما في ذلك سنة الذروة 1985. أما الشخص الذي عين مسؤولاً عن الموقف السياسي من الحرب في الأمم المتحدة، فهو جون نيغروبونت الذي كان في المرحلة الأولى مشرفاً على العمليات في هندوراس (القاعدة الرئيسة لحرب الولايات المتحدة ضد الارهاب في المرحلة الأولى).

 

معاناة الفلسطينيين والصراع في الشرق الأوسط

في حديث لصحيفة «النهار» (9 أيار 2006) غداة وصوله إلى بيروت، قال تشومسكي: «اهتمامي الأول هو محنة الفلسطينيين ومعاناتهم وطردهم من فلسطين... والحل يجب أن ينتهي إلى نوع من تسوية بين أمتين... إن كل شريك في هذا الصراع لديه ادعاءات وحقوق وسوى ذلك، وأعتقد انه يمكن ان يرضى بشكل ما من أشكال الفيديرالية...».
وإذ يرفض أن يطلق عليه وصف «عدو اميركا» يقول: هذا تعبير يتخذ معنى الاستبداد البعيد عن قيم الديموقراطية.
وفي محاضرته الأولى في الجامعة الاميركية التي أرادها تحية لادوارد سعيد، تحدث تشومسكي عن «جبروت السلطة»، مركزاً على «الثقافة الامبريالية» و«مسؤولية السلطة». وانتقد مثقفي الدول المتجبرة لخضوعهم لرموز السلطة وسعيهم إلى تجميلها، لافتاً إلى انتهاكات حقوق الانسان التي ارتكبتها، باسم هذه الحقوق، دول تدّعي الدفاع عنها. واعتبر ان سلوك الولايات المتحدة واسرائيل ازاء الفلسطينيين وسعيهما إلى معاقبة هذا الشعب بسبب انتخابه «حماس»، هو في جوهره مماثل لطروحات اسامة بن لادن الذي نُسب إليه القول: إن الشعب الاميركي مسؤول عن كل أفعال حكومته وشرورها ما دام قد انتخبها.


ثلاث محاضرات ولقاء

ألقى تشومسكي محاضرتين في الجامعة الاميركية، الأولى عنوانها «جبروت القوة» والثانية «استكشاف الألسنية الحيوية»، كما القى محاضرة ثالثة في مسرح المدينة تحت عنوان «أزمات مستمرة»، وعقد في مقر المجلس الثقافي للبنان الجنوبي (النبطية) لقاء حوارياً عقب جولة جنوبية زار في خلالها قانا ومعتقل الخيام، اضافة الى زيارته مخيمي صبرا وشاتيلا في أثناء وجوده في بيروت.


يؤيد احتفاظ «حزب الله» بسلاحه

في اطار زيارته للبنان، زار تشومسكي الأمين العام ل«حزب الله» السيد حسن نصرالله. وقال انه مقتنع بالأسباب التي تدعو الحزب إلى الاحتفاظ بسلاحه.