إلى الأرض

زراعة منزلية لتأمين الاكتفاء الذاتي
إعداد: روجينا خليل الشختورة

في إطار تشجيع المواطنين على استصلاح أراضيهم وزراعتها، انطلقت مجموعة حملات، بعضها توعوية والبعض الآخر تنفيذية تقوم على تأمين البذور والشتول والخدمات الزراعية للمواطنين. من هذه المبادرات حملة «زريعة قلبي» التي انطلقت من خلال أغنية مصورة للمخرجة نادين لبكي.

 

استعانت لبكي بموسيقى أغنية أحد أفلامها «حشيشة قلبي»، فعدّلت في كلماتها، بالتعاون مع زوجها خالد مزنر (واضع موسيقى الأغنية) والمسرحي جورج خباز. وشارك في غنائها شخصيات إعلامية وفنية ومواطنون يهتمون بزراعة أراضيهم. «انكشها وافلحها وازرعها واسقيها واقطفها وقصقصها واطبخها...» كلمات تأخذنا إلى عالم الأمل والفرح الذي يزرع في داخلنا حب الأرض، والعودة إلى الجذور، لا سيما في زمن كورونا والحجر الصحي المنزلي من جهة، والوضع الاقتصادي المتردي في لبنان من جهة ثانية.

اعتمدت هذه المبادرة على أغنية مصورة كأداةٍ لتشجيع المواطن اللبناني على الزراعة والرجوع إلى الأرض لتحقيق الاكتفاء الذاتي، أو على الأقل إنتاج جزء مما يحتاجه من خضار وفواكه بعد عقود من الاعتماد على شراء كل شيء، وإهمال الزراعة التي كانت في الماضي المورد الأساسي لمعيشة اللبنانيين. حتى لو اقتصر الأمر، تمامًا كما تقول كلمات الأغنية، «عالسطح أو الجنينة أو الشرفة»، يستطيع كل منا أن يؤمّن وبمجهودٍ بسيط كمية لا بأس بها من المنتوجات الزراعية.

العودة إلى الطبيعة والأرض تيار بدأ يتنامى منذ سنوات، إذ أثبتت الدراسات أهمية هذه العودة للإنسان الذي تُغرقه الحياة المعاصرة في كم هائل من الضغوط، وفي لبنان بات هذا الأمر ضرورة ملحة وجزءًا أساسيًا من إعادة بناء اقتصاد منتج. وقد اكتشف الناس في ظل إجراءات التعبئة العامة أنّ الاهتمام بالزراعة كان متنفسًا لهم ولأولادهم، ما أدى إلى تفعيل عدة مبادرات كانت تشجع على الزراعة وإن في مساحات صغيرة وإلى تجاوب واسع معها.

 

تجاوب واسع

يوضح قيّمون على حملة «زريعة قلبي» أنّ تجاوب المواطنين مع الحملة كان كبيرًا منذ انطلاقها، وشمل الطرفَين المعنيَين: الراغبون في تقديم المساعدة من خلال وضع خبرتهم في الزراعة بتصرف المحتاجين إليها أو من خلال توفير الشتول والبذور، والراغبون في الزراعة لكنهم يحتاجون إلى مساعدة.

رقم الحملة المخصص للتواصل يتلقى آلاف الاتصالات للحصول على الشتول والبذور والإرشادات للزراعة في المساحات الصغيرة في المدن (على الشرفات أو الأسطح)، كما للزراعة في مساحات كبيرة. ويضم فريق «زريعة قلبي» مجموعة من أهل الاختصاص الذين لديهم خبرة طويلة في هذا المجال، إذ جمعت الحملة أكبر عدد ممكن من المبادرات والجمعيات التي تعنى بالعمل الزراعي المستدام، والتي كانت تعمل على هذا الأمر منذ وقت طويل، وعملت على جمع القوى وشبك الجهود للوصول إلى أكبر عدد من المواطنين في المناطق اللبنانية كافة.

من المبادرات المشاركة في الحملة، «أرضي أرضك» المتعاونة مع الجامعة الأميركية AUB Faculty of Agriculture وAUB ESDU،Regenerate Lebanon Agronote، «إزرع»، «بيت البركة»، «بذورنا جذورنا»، «سكة» وغيرها.

 

من دون مقابل

باشرت «زريعة قلبي» توزيع الشتول على المواطنين في بيروت وصيدا والشوف… ويكفي أن يتواصل أي مواطن يرغب بزراعة بعض الشتول في حديقته الصغيرة أو على شرفة منزله مع الحملة، وعقب توفر طلبه، يتلقى اتصالًا لاستلام ما طلبه. والأهم وجود فريق من المهندسين الزراعيين الذين يقدّمون المشورة اللازمة بدءًا من تحضير المكان للزراعة والاعتناء بالمزروعات وصولًا إلى جني المحصول، وكل ذلك من دون أي مقابل.

 

«جنينتي ع البلكون»

«عنجد كتير بدي إشكركن إنكن حمّستوني إزرع». تقول سميرة (مواطنة لبنانية) «أنا ما بحياتي زارعة شي وياما بالغلط قاتلة هدايا زرع لأنو ما كنت أعرف كيف إهتم فيهن ولا كنت عارفة قيمتهن أساسًا... ومن وراكن هاي بلّشت إزرع صرلي أسبوعين ونص تقريبًا عالبلكون المسكر. عايشين ومبسوطين وعم يكبروا كتير بسرعة.. وكل شوي بقوم بطل عليهن إتنقوز إزا ماشي حالهن… والسعادة المطلقة لما إقطف نعنع أو ورق عطر وإستعملهن... الحبقة بعدها زغيرة بس ما تعطلو هم مدللة كتير... حرام ما نكون عم نتعلم الزراعة بالمدارس (متلها متل أي حصة) لنعرف قيمتها ونحس بفرحها ونربى عليها وعلى أهميتها حتى لو ما كان عنا أرض أو كنا عايشين ببيروت...وهاي جنينتي المتواضعة»…

 

ندين لبكي: ما نحتاج إليه أبسط مما نعتقد

على هامش إطلاقها لمبادرة «زرّيعة قلبي» لتشجيع الزراعة المستدامة، تحدّثت المخرجة اللبنانية نادين لبكي لقناة سكاي نيوز عربية في لقاء مع الإعلامي سعيد الحريري عن فوائد هذه المبادرة مؤكدة على دور الأغنية البسيطة التي تم تصويرها على طريقة الفيديو كليب لإيصال أهمية فكرة الزراعة المستدامة، وخصوصًا في ظل الأوضاع الصعبة التي يمرّ بها لبنان، وأضافت أنّها لا تطرح حلًا للأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد، وإنّما قد تخفّف هذه الفكرة عن شريحة كبيرة من الناس شعور الإحباط، وتمنحهم الإحساس بالإنتاج. 

 وعمّا إذا كانت المبادرة ستتضمّن دورات تدريبية لتعليم الناس أصول الزراعة قالت: «هذا ما نسعى لتنظيمه كي نوفّر للراغبين بالزراعة الاستناد إلى مراجع مفيدة تدعمهم وتقدّم لهم النصح في هذا المجال». 

ومن جانب آخر تحدّثت لبكي عن الأمثولة الأهم التي يجب ان نتعلّمها من جائحة كورونا، ألا وهي أنّنا بحاجةٍ لأمورٍ بسيطة أكثر بكثيرٍ ممّا كنا نعتقد، وأضافت: «أعتبر نفسي محظوظة بأنّي أعيش في هذه الفترة التاريخية من حياة أرضنا وعالمنا، وبالنسبة لي سأتأقلم مع كل ما يمكن أن يحدث، ولكن يبقى الخوف من فكرة التباعد، وعدم استطاعتك احتضان شخص تحبّه، أو حتى الاقتراب منه».  

 

أبرز الإرشادات التي يقدّمها المهندسون الزراعيون في مبادرة «إزرع» (إحدى المبادرات المشاركة في حملة «زريعة قلبي») للزراعة على السطوح والشرفات هي:

١- معرفة ماذا نريد أن نزرع، فهناك فرق بين الحشائش والخضار، فالحشائش تُزرع على شكل مساكب بذور، أما الخضار فتزرع شتولًا في مستوعبات Pots.

٢- للاستفادة من المكان الضيّق يكفي ترك مسافة ١٥ إلى ٢٠ سم بين الشتول.

٣- ريّ الخضار في الأسبوع الأول من الزرع كل يوم مرة، بعدها مرة كل يومين، وذلك عند الشروق أو المغيب.

٤- معاينة الشتول ومراقبتها ولدى وجود أي مشكلة العودة إلى الاختصاصيين بالموضوع لمعرفة الحلول.