قضايا إقليمية

زلزال مصر ورعـب اسرائيل
إعداد: إحسان مرتضى
باحث في الشؤون الاسرائيلية

«الأشخاص الوحيدون في مصر الملتزمون السلام معنا هم أولئك الأشخاص في دائرة الرئيس مبارك الداخلية. وإذا لم يكن الرئيس المقبل واحدًا منهم فنكون في ورطة»، هذا ما قاله الدبلوماسي الإسرائيلي إيلي شاكيد في صحيفة نيويورك تايمز مختصرًا بذلك أهمّ تداعيات الزلزال المصري على الكيان الصهيوني. والصحف الإسرائيلية الكبرى من جهتها دارت عناوينها الأساسية حول محور «الشرق الأوسط الجديد» في إشارة ساخرة إلى ما كان قد بشّر به منذ التسعينيات الرئيس الإسرائيلي الحالي شمعون بيريس ومن بعده قيادات أميركية مختلفة، لاسيما إدارة الرئيس بوش الإبن والمحافظين الجدد، في حين أن التحولات والتطورات الإقليمية كانت تسير بعكس الخط الذي رسمته هذه القوى. فالانتخابات الفلسطينية أفرزت سيطرة حماس على قطاع غزة، وحرب العام 2006 أدت إلى زيادة قوة المقاومة وثباتها في لبنان، والنفوذ الايراني تزايد في العراق، وتركيا تحوَّلت استراتيجيًا نحو سوريا وإيران، الأمر الذي انعكس في اسرائيل تزايداً في انحراف القوى السياسية نحو اليمين الشوفيني المتطرِّف في خطوة وقائية واحترازية مما قد يحمله المستقبل من تحولات ليست في صالح المشروعين الأميركي والإسرائيلي في المنطقة.
بالإضافة إلى ما تقدّم يخشى الإسرائيليون عدم استقرار الأوضاع في الأردن في حال نجاح الثورة في مصر بتحقيق كامل مطالبها التغييرية على الصعيدَين الداخلي والإقليمي. ومثل هذا الأمر قد يؤدّي على الأرجح إلى تراجع المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، بل إلى إلغائها نهائيًا. ومثل هذه التطوُّرات سيعني في نظر كبار العسكريين الإسرائيليين ضرورة إحداث تحولات استراتيجية في التخطيط لأمن إسرائيل القومي في المستقبل، لاسيما في حال المسّ باتفاقية كامب ديفيد الموقعة مع مصر منذ العام 1979. علمًا بأن هذه المعاهدة كانت قد جعلت إسرائيل تُقْبِل على خفض ميزانية دفاعها من 23% من إجمالي الناتج القومي لديها منذ تلك الحقبة إلى 9% فقط حاليًا، بالإضافة إلى خفض عديد جيشها، ما يوفّر طاقات بشرية إضافية إلى الطاقة الإنتاجية.
هذا الانقلاب السلبي في المعادلة الاستراتيجية الإقليمية يتفاقم أكثر فأكثر على ضوء تقدّم إيران في تطوير صناعاتها العسكرية التقليدية والنووية. كما وتجلّى هذا الانقلاب أيضًا في تزايد الحديث عن تقديم الدعم الإسرائيلي السري والعلني ضدّ انتفاضة الشعب المصري، حيث كان لافتًا موافقة إسرائيل على أن ينشر الجانب المصري 800 جندي في منطقة سيناء المحاذية لقطاع غزة وذلك خلافًا لبنود اتفاقية كامب ديفيد التي أقرّت نزع سلاح سيناء بشكل كامل تقريبًا.
في هذا السياق تبرز جملة من القضايا الاستراتيجية البالغة الأهمية التي تجعل إسرائيل تعيش أيامًا حالكة ومخيفة من تاريخها أبرزها:
• الخوف من تكرار سيناريو شاه إيران في مصر ما يشكّل كارثة إقليمية لإسرائيل، خصوصاً إثر خسارتها تركيا التي كانت تشكل مع إيران الشاه وأثيوبيا المثلث القاتل المحيط بالدول العربية.
• الخوف من القوى المرشحة لخلافة نظام مبارك وهي قوى قومية ناصرية وإسلامية ويسارية وديموقراطية، وهي كلها تقف في الموقع المعادي لإسرائيل.
• الخوف من ضغط المعادلة الجديدة على واقع القضية الفلسطينية والاستيطان الصهيوني، وما يرتبط به من مشاريع توسعية في فلسطين وسائر أنحاء المنطقة.
• الخوف من حلول الديموقراطية في العالم العربي، ما يجعل إسرائيل تواجه مزيدًا من التحديات.
• الخوف من الدعوات الأميركية والأوروبية إلى عدم قمع المظاهرات المدنية السلمية، ما يشكّل إحراجًا للنظام الحاكم الذي تراهن عليه إسرائيل بشكل كبير لتأمين مصالحها الأمنية والاقتصادية والاستراتيجية.
• الخوف من حملات ضغط عالمية على إسرائيل لحملها على إقرار السلام مع الفلسطينيين بالشروط الدولية غير المتطابقة مع شروط اليمين الصهيوني المتطرّف، وليس ذلك من منطلق محبة الفلسطينيين والعرب، وإنما من منطلق الإقرار بضرورة حلّ هذا الصراع المتقيح، على نحو يحفظ ماء وجه الوجود الأميركي في العالمين العربي والإسلامي، خصوصًا على ضوء ما كان قد أعلنه الرئيس أوباما في جامعة القاهرة قبل نحو عام ونصف، وعلى ضوء التملّص الإسرائيلي المستمر من موجبات الشرعية الدولية، حتى قيل أن إدارة أوباما عاجزة عن الوقوف بوجه العناد الإسرائيلي.
يُضاف إلى ما تقدّم أن نظرة الشعب المصري بأغلبيته الساحقة لم تخرج عن اعتبار إسرائيل دولة محتلّة وعدائية، خصوصًا على ضوء ما ارتكبته إسرائيل في حربَي العامين 1967 و1973 من جرائم ضد الأسرى المصريين، وعلى ضوء ما يدلي به رئيس الدبلوماسية الإسرائيلية الإرهابي ليبرمان من تصريحات هوجاء تنذر بقصف السدّ العالي وإغراق القاهرة بمياه النيل، بالإضافة إلى شبكات التخريب والتجسّس التي تعيث فسادًا في مصر وتكشف النوايا الصهيونية الخبيثة نحو هذا البلد العربي الكبير.
مهما كان الأمر فأحداث تونس ومصر قد غيَّرت وجه المنطقة، وشكّلت معلمًا انقلابيًا جذريًا في المشهد الاستراتيجي الإسرائيلي العام في حالتي الحرب والسلم على مختلف الجبهات وخصوصًا الجبهات الفلسطينية والسورية واللبنانية وثم المصرية حيث شكّل تفجير أنبوب الغاز في العريش واحدًا من أولى المؤشرات السلبية على المصالح الإسرائيلية.
على الصعيد السياسي أشار الكاتب الإسرائيلي تسفي بارئيل إلى أن مصر برئاسة الرئيس حسني مبارك كانت بمنزلة عامل استقرار وتوازن في الشرق الأوسط, وبالتالي فإن تخلّي واشنطن عن الرئيس يعتبر رسالة سيئة ومخيفة إلى الحلفاء الآخرين في المنطقة. ويضيف الكاتب أن الثورة بحد ذاتها أمر رومانسي, لكن ما يحدث في مصر يجب أن يثير الخوف لدى قراءة هذه التطورات على خلفية الخارطة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط. ويضيف بارئيل أن انشغال مصر بأوضاعها الداخلية لمدة طويلة قد يفسح المجال لدول أخرى مثل السعودية أو سوريا بالتعاون مع تركيا وإيران، للحلول محلها في قيادة الحركة السياسية الإقليمية الأمر الذي يعني تلقي ضربة موجعة للمصالح الأميركية والإسرائيلية على حدّ سواء.
أما الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي فيختلف مع هذه الرؤية ويسخر من «الذعر الصامت»، على حدّ قوله، الذي يعتري تل أبيب وواشنطن، معتبرًا أن نهاية الاستبداد في الشرق الأوسط ليست أمرًا سيئاً إلى هذا الحدّ، لاسيما أنه على مرمى حجر، ثمة متظاهرون فلسطينيون تطلق عليهم السلطات الإسرائيلية النار القاتلة ويدهسهم المستوطنون في الضفة الغربية. ويتفق الكاتب الإسرائيلي روعيه تشيكي مع ليفي إذ يقول: لا خوف من تحوّل مصر إلى الديموقراطية حتى لو انضمّ الأخوان المسلمون إلى العملية السياسية، ففي إسرائيل أيضًا نظام علماني يضمّ  في تركيبته أيضًا حزبًا دينيًا متطرّفًا مثل شاس وشخصية متشدّدة مثل ليبرمان.