جيش المهمات

زنودهم ستمسح السواد

عملت طوافات القوات الجوية على مواجهة نيران الحرائق التي غزت أحراج لبنان بالعشرات منتصف تشرين الأول الماضي.
وفي موازاة الجهود الجبارة التي بذلها رجال الدفاع المدني يؤازرهم عسكريو الجيش وأهالٍ، نفّذت 13 طوافة عسكرية نحو 70 ساعة طيران فوق مختلف المناطق. قامت الطوافات بعمليات إخماد واستطلاع، علمًا أنّها غير مؤهلة أصلًا لمكافحة الحرائق، وإنما جرى تعديلها لتصبح قادرة على أداء هذه المهمة في ظل عدم توافر بدائل.
إلى ذلك أمّنت قيادة الجيش دخول طائرتين من قبرص وطوافتين أردنيتين إلى الأجواء اللبنانية للمساعدة في السيطرة على النيران، كما أمّنت لطواقمها التغذية والإقامة والتنقلات.
الأزمة التي أعقبت حصول الحرائق الكارثية، حجبت التساؤلات حول إمكان كونها مفتعلة. لكن، وفي أي حال، لا بد أن تُفرَج، وستعود زنود العسكريين التي تخمد النيران في كل مرة، لتشجّر من جديد المساحات التي غطاها السواد.

 

قصة السيكورسكي


طُرحت تساؤلات كثيرة حول عدم مشاركة طوافات السيكورسكي في إخماد الحرائق، وأُثيرت ضجة حول عدم صلاحيتها أصلًا لتنفيذ هذه المهمة في لبنان. فما هي قصة السيكورسكي؟
في العام 2009، بادرت جمعية أخضر دائم بشراء طوافات مخصصة لإطفاء الحرائق بعد أن تمّ جمع مبالغ مالية قدّمتها جمعيات اجتماعية وجهات حكومية، وكان ذلك بعد تحديد المعايير المطلوبة وإجراء مناقصة شفافة واحترافية من قبل مكتب Bureau Veritas الفرنسي، وبالتنسيق مع لجنة فنيّة من القوات الجوية.
بعد دراسة العروض المطابقة للشروط والمقدَّمة من قبل 5 شركات وهي:
- Passport Trading Group
- Eurocopter
- Stolmero Enterprise Ltd
- Ayres Aeroplanes Inc
- Sofema
تم انتقاء العرض الأنسب وفق علامات وضعت على أساس معايير فنية (70% من العلامة) ومالية (30% من العلامة) حيث احتلت طوافات السيكورسكي المركز الثاني وفق المعيار الفني والمركز الأول بعد إضافة المعيار المالي، علمًا أنّه تمّ الإضاءة على نقاط ضعف في هذا النوع من الطوافات في الدراسة الفنية الموضوعة والتي تتلخص بالنقاط الآتية:
1- ارتفاع كلفة تشغيل هذه الطوافات.
2- احتمال تدني توافر قطع غيار لهذه الطوافات خلال فترة الـ 10 سنوات القادمة.
3- صعوبة المناورة نظرًا للحجم الكبير للطوافات.
بعد مضيّ سنوات، برزت الأعطال على هذه الطوافات وهذا أمر طبيعي نتيجة عدم استخدامها، لم يتمّ توفير كامل المبلغ المطلوب لصيانتها، فتوقفت اثنتان عن العمل، الأولى في العام 2011 بعد تعرضها لحادثٍ جوي والثانية في العام2012 بعد تعرض قطعة Free Wheel Unit (التي تصل المحرّكات بالمروحة الرئيسية) لعطلٍ فني. وقد تمّت محاولة تأمين هذه القطعة بالإضافة إلى قطع بدل أخرى من الأسواق العالمية عدة مرات لكن دون جدوى. أمّا الثالثة فأصبحت غير صالحة للطيران بسبب استحقاق تنفيذ كشوفات فنية على أحد محركَيها في الخارج، ولم يكن بالإمكان تحقيق ذلك.
من الناحية العملانية، تعتبر المناورة الجوية لهذه الطوافات في أثناء تنفيذها لمهمات إخماد الحرائق متدنية بالمقارنة مع طوافة الـ UH-II نظرًا لحجمها ووزنها، وبالتالي فإنّ استعمالها في الأودية وبالقرب من الأسلاك والأعمدة الكهربائية أثناء إخماد الحرائق يعتبر من المهمات الأكثر صعوبة، ويفضّل استعمالها في الأماكن السهلة أو الخالية من الأسلاك الكهربائية، إضافة إلى أنّ أنطمة التشغيل الخاصة بهذه الطوافات ليست أوتوماتيكية بالكامل (مثل الطوافات الحديثة) مما يشكل أيضًا عبئًا إضافيًا على الطيارين.
تجدر الإشارة إلى أنّ مفهوم عمليات إخماد الحرائق من الجو ليس واضحًا بالكامل لدى الكثيرين، إذ إنّ هدف التدخل من الجو هو لحصر تمدد الحريق وتبريد المناطق المتاخمة وليس لإخماده، وهذا مفهوم أساسي ومتّبع من قبل دول العالم وبالتالي يأتي دور الطوافات أو الطائرات مكمّلًا لعمل عناصر الدفاع المدني على الأرض، أضف إلى ذلك أن جميع عمليات إخماد الحرائق من الجو بواسطة الطوافات أو الطائرات لا تُنفَّذ إلّا نهارًا ولا يمكن استعمال هذه الطريقة ليلًا نظرًا لارتفاع نسبة الخطورة.
بالعودة إلى الحرائق التي حصلت منتصف الشهر الماضي(14 تشرين الأول)، فقد شاركت طوافات الجيش بعدة طلعات جوية، ففي اليوم الأول نفّذت عدة طلعات بواسطة الطوافات وتمّ إخماد حوالى 90% من الحرائق. لكن اشتداد الرياح ليلًا أدى إلى تمدّد تلك الحرائق بشكلٍ سريع خرج عن سيطرة عناصر الدفاع المدني وبخاصةٍ أنّه لا يمكن الاستعانة بالطوافات ليلًا.
في اليوم التالي، وضعت قيادة الجيش ثماني طوافات نوع UH-II وطوافتين نوع Puma وطائرتي سيسنا (للاستطلاع والقيادة والسيطرة) لصالح مهمات الإطفاء، موزعة على القواعد الثلاث (بيروت، حامات والقليعات) وقد نفّذت حوالى ثلاثين طلعة بمعدل 60 ساعة طيران.
بالخلاصة، إنّ توافر الإمكانات للمساهمة بإطفاء الحرائق جوًا هو أمر ضروري واستراتيجي، إنّما هذه الإمكانات لا يمكنها منع حصول الحرائق وليست الوسيلة الوحيدة والأنسب لإخمادها بل هي الوسيلة الأفضل للحدّ من انتشارها وحصرها ضمن بقعة محدودة في أماكن يصعب الوصول إليها برًا.
من هنا يجب التركيز على كيفية تجنّب حصول الحرائق والعمل على تحسين طرق ووسائل الاتصالات والآليات المتّبعة بهدف تسريع عملية التدخل أرضًا وجوًا.