نبض الحقيقة

زهرة واشنطن في تراب فلسطين

راشيل كوري, فتاة عمرها 23 عاماً, قدمت من مدينة أولمبيا في ولاية واشنطن على الساحل الغربي للولايات المتحدة الى فلسطين, لتدافع عن السكان المظلومين المقهورين الذين يتعرضون يومياً لإرهاب قوات الإحتلال الإسرائيلية.
راشيل في آخر سنيّ دراستها في الجامعة, دفعتها الروح الإنسانية ومبادئ الحرية الأميركية والإعتراف بحقوق الإنسان, والأخلاقية الأصيلة في المجتمع الأميركي التي تنبذ الإرهاب والظلم, الى القدوم الى فلسطين لتدافع عن الحرية. جاءت راشيل الى فلسطين, وفي غزة حاولت أن تقف بوجه بلدوزر يريد أن يجرف منزلاً لعائلة فلسطينية, فجرفها البلدوزر الإسرائيلي وقتلها.
قُتلت راشيل مرتين! مرة عندما جرفها بلدوزر العنصرية والإرهاب الإسرائيلي غير آبه بقيم أخلاقية وبالشرائع والقوانين, ومرة أخرى عندما تجاهلتها وسائل الإعلام الأميركية المتصهينة التي بدا وأنها أُحرجت, إذ أن الصديق الإسرائيلي الذي تجمع له مليارات الدولارات سنوياً بحجة الدفاع عن نفسه, ظهر أنه وحش كاسر قتل فتاة أميركية.
وقد يفتح هذا الخبر أذهان الأميركيين الواقعين تحت سلطة الإرهاب الإعلامي الصهيوني ليطرحوا أسئلة: لماذا ندفع لإسرائيل؟ لقد قتلت راشيل, ثم تكر السبحة... لقد قتلت في قانا وقتلت في بحر البقر وقتلت في جنين وقتلت في دير ياسين وكفر قاسم وباقي المجازر الأخرى.
من الممنوعات في الإعلام الأميركي المتصهين, ذكر أي شيء عن هذه الصبية الوادعة, والتي حملت اللواء الحقيقي للحرية الأميركية, الحرية التي جعلت من أميركا دولة عظيمة ومتقدمة والتي تحاول عصابة الإجرام الصهيونية أن تحولها الى وحش كاسر بدلاً من صديق محب وودود.
راشيل, أنت الرمز, أنت المثل, أنت باقية في خاطر كل إنسان محب على وجه البسيطة.
راشيل, أنت حية نابضة في أذهاننا, فتحية لك.

م.ت

 

الواقع الأليم
في رسائل راشيل كوري

أفضل ما يكتب عن راشيل هو ما كتبته هي بنفسها. هنا مقتطفات من بريد الكتروني أرسلته راشيل الى ذويها في ولاية واشنطن:
لقد مضى على وجـودي في فلسـطين أسبوعان وساعة حتى الآن, ولا تزال لدي بضع كلمات لوصف ما أرى هنا.
إني أجـد صعوبة في التفكير بمـا يجري هنا عندما أكتـب الى الولايـات المتحـدة لأرى المدخـل الى التـرف.
لا أدري إذا كان يوجد أطفال هنا ولدت ولم يكن هنالك آثار قذائف على حيطان منازلهم, أو أبراج مراقبة تراقبهم في الأفق.
وإني على يقين حتى أن أصغرهم سناً يعرف أن الحياة في أماكن أخرى تختلف عن حياتهم هنا.
قبل يومين من مجيئي الى هنا, قتلت دبابة إسرائيلية صبياً في الثامنة من عمره, كان رفاقه يهمسون لي اسمه “علي”, ويشيرون الى صورته المعلقة على الحائط. وكان الأطفال يحبون عندما يسألونني “كيف شارون” وأنا أجيبهم بلغتي العربية الضعيفة “شارون مجنون”.
الأطفال هنا يعلمون أن الأولاد في الولايات المتحدة لا يفقدون أهلهم قتلاً, كما أنه يتسنى لهم أن يروا المحيط أحياناً.
فأنتم عندما ترون المحيط وتعيشون في مكان آمن حيث الماء متوفر لكم ولا يُسرق منكم في الليل من قبل الجرافات, وحين تجلسون في مكان لا تتساءلون فيه إن كانت حيطان منزلكم ستتهدم عليكم وتوقظكم من نومكم, وحين تقابلون أشخاصاً لم يفقدوا أحداً, وعندما تعيشون في عالم لا تحيط به الأبراج القاتلة, الدبابات, “المستوطنات المسلحة” والآن حائط معدني كبير... فإني أتساءل إذا كان يمكنكم ان تسامحوا العالم على كل سنوات طفولتكم التي أمضيتموها ساعين فقط الى المحافظة على وجودكم, ومقاومة القبضة الخانقة التي تفرضها عليكم رابع قوة عسكرية في العالم, مدعومة من القوة العظمى الوحيدة في العالم, في محاولة منهم لمحوكم من بيوتكم؛ إني أسأل ما قد يحصل لو عرف هؤلاء الأطفال العيش بطريقة مختلفة.
كتفسير لهذا التشتت, أنا الآن في مدينة رفح, مدينة يبلغ عدد سكانها حوالى 000.140 نسمة, حيث 60% من سكانها هم من اللاجئين الذين هجّروا عدة مرات ومن عدة أماكن.
إن مدينة رفح موجودة منذ ما قبل 1948, لكنّ معظم سكانها هم لاجئون أو أبناء لاجئين طردوا من منازلهم في فلسطين (إسرائيل حالياً). قسمت رفح الى قسمين عندما أعيدت صحراء سيناء الى مصر.
حالياً, الجيش الإسرائيلي يبني حائطاً يبلغ علوه 14 متراً يقسم بين رفح الفلسطينية والحدود المصرية بحيث حوّلوا أقساماً من المدينة الى مناطق غير آهلة.
وحسب مصادر اللجنة الشعبية للاجئين في رفح فإن 602 منزلاً هدموا بالكامل, كما أن عدد البيوت التي تضررت جزئياً تزيد عن هذا العدد.
اليوم عندما كنت أمشي على أنقاض منازل كانت قائمة في الماضي, أنذرني جنود مصريون من الجهة المقابلة للحدود بقدوم دبابة إسرائيلية, وطلبوا مني المغادرة بعد أن سألوني عن اسمي. وكان هنالك شيء يعكر هذا الإهتمام, وتذكرت كيف أننا لحدّ ما, جميعنا أولاد ونحب الإطلاع على أفعال الأولاد الآخرين:
أولاد مصريون يصيحون على نساء يتجولون على طريق الدبابات.
أولاد فلسطينيون يقتلون وهم يحاولون أن يسترقوا النظر من وراء الجدران ليروا ماذا يحصل.
أولاد من جميع أنحاء العالم يقفون أمام الدبابات الإسرائيلية, بينما الأولاد الإسرائيليون يلوحون ويصيحون بهم من داخل الدبابات, وأحياناً غير عابئين بهم. بعضهم مجبرون أن يكونوا هنا وآخرون عدائيون؛ وبينما نبتعد هائمين, نراهم يطلقون النار على المنازل.