متقاعد يتذكر

سائق عربة مدفع براتب 25 ليرة
إعداد: باسكال معوض بو مارون

الجندي المتقاعد يوسف منصور كانت ايام خير وبركة...

صفحة الذكريات هذه يكتبها كل عدد فرد متقاعد من المؤسسة العسكرية، لم يتقاعد حبه المخزوه للوطن وللبذلة المرقطة. صفحة تحاول اختزال حياة من الشرف والتضحية والوفاء، وضغطها في مقابلة اهم ما فيها انها صورة وضيئة لرتباء وافراد رهنوا حياتهم وعرقهم ودمهم للجيش، وكسبوا الرهان.

هو في السبعينيات من عمره، أما قلبه فيحمل عمراً آخر... من شغفه بالحياة يستمد زاداً للايام المقبلة ومن ذكريات الماضي ينسج حكاية هنا بعض سطورها...

«تطوعت في الجيش وكان لي من العمر 20 عاماً. حصل ذلك في يوم خريفي بارد، توجهت إلى ثكنة هنري شهاب وتقدمت بالأوراق المطلوبة. حين اجتزت بنجاح الاختبارات كلها واصبحت جندياً، شعرت ان الدنيا تغيرت من حولي لشدة فرحي. ومع ان مسيرتي في هذه الموسسة لم تجرِ وفقاً لطموحاتي وآمالي. غير ان ما خبرته خلالها يظل بالنسبة الي العنوان الاساسي لحياتي».
هكذا استهل الجندي المتقاعد يوسف منصور حديثه الى «الجيش». ويتابع حديثه متناولاً ابرز المحطات في حياته كجندي فيقول:
بعدما تخرجت من دورة الاغرار في ثكنة طرابلس، شُكلت إلى فوج الهندسة وكان مركزه في ثكنة محمد زغيب صيدا. كان الفوج في طور التشكيل، عملت في عدة مهام اوكلت إليّ، وتعلّمت اموراً كثيرة.
المحطة الثانية كانت الفوج الخامس في ابلح، هناك اصبحت سائق مدفع 106. وكما بقية الافواج خدمنا لفترة في المنطقة الحدودية جنوب لبنان، بعدها انتقلنا إلى بعلبك.
كانت دورياتنا تجوب الجبال المحيطة بالمنطقة، بحثاً عن المسلحين والخارجين عن القانون. وفي احد الايام، وبينما كنا في دورية تعرضنا لإطلاق نار من مسلحين، واصبت اصابة بليغة في ساقي.وبينما أنا في فترة النقاهة، زارني اصدقائي وعلمت انّ قوات من فوجنا داهمت في اليوم التالي للحادث مركزاً للمسلحين واعتقلتهم.
بعد ثلاث سنوات من النقاهة، عدت وكلّي رغبة بالعمل مجدداً في صفوف الجيش، إلاّ ان خيبة أملي كانت كبيرة عندما ارتأى الطبيب عدم صلاحيتي للخدمة العسكرية بسبب الاصابة في ساقي، فتم تسريحي وتقاعدت وانا برتبة جندي.
ويضيف:
حُرمت بسبب هذا الحادث من إكمال مسيرتي في الجيش والترقي بشكل طبيعي، غير ان ما اكتسبته في هذه المؤسسة كان عظيماً. كان راتبي الشهري 25 ليرة لبنانية، لكنها كانت تكفيني واهلي، فايام زمان كانت كلها خير وبركة. وكنت اعيش ورفاقي داخل الثكنة بشكل دائم لأنني كنت عازباً في تلك الأثناء، عشنا قلباً واحداً، اخوة في السلاح وفي المحبة والوطنية، لا يفرقنا عن بعضنا شيء بل تجمعنا مؤسسة حاضنة. كنا نتقاسم طعامنا كما نتقاسم الاوقات الجميلة والاوقات الصعبة. العائد من مأذونيته خارج الثكنة، يحضر معه «الاطايب» مدخلاً في حسابه رفاقه العسكريين. والجدير بالذكر ان المأذونية كانت تعطى لنا بحسب كفاءتنا واجتهادنا ونشاطنا، وكنت احصل كجندي منضبط على مأذونيتي 36 ساعة في كل شهر. كانت اياماً لا تنسى فعلى الرغم من قساوة النظام العسكري وصرامته كانت روح الالفة والتآخي تطغى على ما عداها.
وختم منصور بالقول:
الحياة العسكرية نعمة كبيرة لا يقدّرها إلاّ من عاشها وترعرع في كنفها.
الجيش بالنسبة إلي خط احمر، فأنا اغار عليه من أية ملاحظة او كلمة قد تطاله، واحرص عليه حرصي على حياة اولادي...