تراث ومعالم

سرايا الأمراء الشهابيين في حاصبيا ومعرض رشيد كرامي الدولي في طرابلس
إعداد: جان دارك أبي ياغي

معلمان لبنانيان على لائحة "الصندوق الدولي للتراث العالمي"

يدل إدراج سرايا حاصبيا الشهابية ومعرض رشيد كرامي الدولي في طرابلس على لائحة الصندوق الدولي للمواقع التراثية والهندسية العالمية لسنتي 2005 و2006، على أهميتهما التاريخية والهندسية التي جذبت الاهتمام العالمي.
فسرايا حاصبيا الشهابية كانت في الأصل قلعة صليبية احتلها الأمراء الشهابيون في القرن الثاني عشر واستخدمت كمقر لهم خلال 700 سنة. فإضافة الى أهميته الوطنية، وبفضل هندسته المعمارية الغنية يعتبر هذا الصرح مرجعاً في فن العمارة العربية، الصليبية، المملوكية والعثمانية.
أما معرض رشيد كرامي الدولي في طرابلس فهو من تصميم المعمار العالمي أوسكار نيماير أحد أهم رواد فن العمارة الحديثة في العالم، ومن المعروف أن نيماير قد وضع المخطط العام لمدينة برازيليا وصمم العديد من المباني الرئيسية للمدينة وحاز على أرفع وأهم الجوائز العالمية لفن العمارة.
فهل يساهم الاهتمام الدولي بهذين الموقعين وإعادة تأهيلهما، في تنشيط الحياة الثقافية والاجتماعية وإحياء النشاطات السياحية في كل من طرابلس وحاصبيا-


قلعة حاصبيا الشهابية

حاصبيا، عاصمة وادي التيم، بلدة جميلة تقع في الطرف الجنوبي الشرقي من لبنان وهي من أقدم مدن التاريخ. يزخر تاريخها بالأحداث التي وقع معظمها في القلعة الضخمة، هذه القلعة التي أعطت للمنطقة شهرتها، وهي ملك للأمراء الشهابيين، وتشكّل الجزء الرئيسي من المجمّع الشهابي الذي يضمّ مجموعة من المباني المحيطة بساحة مركزية غير معبّدة يبلغ طولها 150 متراً وعرضها 100 متر. وفي هذا المجمع الذي يغطي مساحة 20 ألف متر مربع، بيوت من القرون الوسطى ومسجدٌ.
تاريخ هذه القلعة مشوبٌ بالغموض: فهو يبدأ مع الصليبيين، ولكنّه قد يعود الى زمنٍ أبعد، كأن تكون القلعة حصناً بناه العرب أو مبنى للرومان. وعندما انتصر الشهابيون على الصليبيين سنة 1170 واستولوا على القلعة، أعادوا بناءها. ومنذ تلك الفترة، تعرّضت للعديد من الحرائق، وغالباً ما شهدت صراعات دامية وتساقطت القذائف عليها، منذ فترة قصيرة، في أثناء الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان (1978-2000). هذا بالإضافة الى عوامل الطبيعة التي فعلت فعلها بالقلعة حيث أصبح العديد من أقسامها معرضاً للانهيار بالكامل.
وما يثير الدهشة أنه منذ وقوع هذه القلعة في أيدي الشهابيين، شغلها أعضاء هذه الأسرة دون غيرهم طوال السنين. وتتوزّع ملكيتها حالياً بين ما يوازي خمسين عائلة ولا يسكنها سوى قسم ضئيل منهم.
وقد جرت عدة محاولات لترميم القلعة التي نال منها الزمن الا أن الظروف حالت دون تحقيق هذ الأمر، وهي اليوم إحدى برامج الحملة الوطنية للحفاظ عليها وإعادة ترميمها. وعلى الرغم من أن القلعة ملكية خاصة فقد أدرجتها الهيئة العامة اللبنانية للآثار المسؤولة عن ترميمها على قائمة الأماكن التاريخية.
وفي محاولة للفت النظر والعمل، تمّ إنشاء "المؤسسة اللبنانية للمحافظة على سرايا الأمراء الشهابيين في حاصبيا" برئاسة الأميرة كارلا شهاب، وقد ركّزت نشاطها على أكثر من صعيد، فقامت بدعوة العديد من وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة للاطلاع مباشرة على وضع القلعة وأهميتها من النواحي التاريخية والأثرية والهندسية والسياحية.
وبتمويل من السفارة الاسبانية في لبنان بادرت المؤسسة إلى إخراج فيلم وثائقي عن السراي من إنتاج الفنان بهيج حجيج، كما ساهمت بنشر كتيّب عن حاصبيا بإشراف وزارة السياحة اللبنانية.
على صعيد آخر، وبعد جهود حثيثة قامت بها المؤسسة مع مديرية الآثار، وافقت المديرية على إجراء عملية مسح، ومولت دراسة لوضع القلعة، والأولويات التي يجب تنفيذها. وقد أنجزت المرحلة الأولى من الدراسة سنة 2002 على أن تستكمل سنوياً حسب الوعود!...
في الوقت نفسه، قامت المؤسسة باتصال بالبعثات الدبلوماسية، ومصادر التمويل العالمي، ومنظمة الأونسكو، وبذلت الجهود وكافحت لحماية القلعة. هذه الجهود أدّت الى تبني القلعة من قبل الصندوق الدولي للتراث العالمي "The World Monuments Fund".
وقد أكدت الأميرة كارلا شهاب، خلال المؤتمر الصحافي الذي عُقد للإعلان عن إدراج سراي حاصبيا ومعرض طرابلس الدولي على لائحة الصندوق الدولي للتراث العالمي، أنه في حال تمّ ترميم وتأهيل هذه السراي، تصبح مرجعاً هندسياً هاماً: من الهندسة الصليبية الى العثمانية مروراً بالمملوكية والأيوبية والعربية. وتصبح أيضاً مركزاً سياحياً أساسياً في هذه البقعة من جنوب لبنان مما ينعكس ايجاباً على إنماء منطقة حاصبيا وجوارها، ويساهم في حلّ الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي خلّفها الاحتلال الاسرائيلي طوال عقدين من الزمن.
ومنطقة حاصبيا الواقعة على حدود سوريا واسرائيل هي من أكبر خزانات المياه الجوفية التي تغذيها ثلوج جبل حرمون المقدس، مما يجعلها جديرة باهتمام الدولة.


معرض رشيد كرامي الدولي

في العام 1963، اعتبر معرض رشيد كرامي الدولي في طرابلس جزءاً من حركة الامتداد العمراني الضخم، وقد صمّمه المهندس البرازيلي العصري المشهور أوسكار نيماير (المولود عام 1970).
ولكن مع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 توقفت أعمال البناء فيه. هذا المهندس السبّاق هو المسؤول عن تخطيط مدينة برازيليا وعن تصميم العديد من أبنيتها الرئيسية في أواخر الخمسينيات، فأصبحت بذلك العاصمة العصرية للبرازيل. وقد عُرف نيماير بتصاميمه الهندسية الراقية وبمراعاته التنظيم المدني المعاصر المثالي.
يتميّز معرض طرابلس بشكله البيضوي الممتد على مساحة واسعة، توزّعت فيها أشكال إسمنتيه بسيطة، الى جانب جناح فسيح في الهواء الطلق، ومخطط مستدير يُذكّر بالمخطط العام لمدينة برازيليا.
ويتمتع المعرض بالمواصفات التالية:
- يمتد على مساحة تبلغ مليون م2، وهو مؤلف من عدّة مبانٍ.
- يبلغ طول المدخل Entrance Portico 125م وارتفاعه 10 م.
- تمتد البركة المصممة بشكل مرآة مياه على مساحة تبلغ 30.000 م2.
- صمم السقف ­ الذي يمتد على طول الأجنحة المخصصة للبلدان المختلفة ­ بشكل دائري ويبلغ طوله 700م وعرضه 70م. والمسافة التي تفرّق بين أعمدته تبلغ 46 م، كما يوجد نتوءات بارزة ­ على الجانبين ­ يبلغ عرضها 12 م.
- يقع المبنى المخصص للإدارة خلف الجناح الدولي الدائري الشكل ويبلغ طوله 175 م.
- يبلغ قطر القاعدة المخصصة لطائرة الهليكوبتر 25 م وهو مدعم بعمود واحد.
- يحتوي المسرح على 1240 مقعداً وهو مسقوف بقبة يبلغ قطرها 70 م وارتفاعها 15 م.
- يبلغ علو القنطرة 33 م وعرضها 28 م.
- صمم خزان المياه بشكل أسطواني، وبني على أعلاه مطعم بعرض 9 م وارتفاع 23 م.
وتقترح جمعية "تراث بلا حدود" إنجاز مخطط حماية ودراسة الجدوى الاقتصادية للمعرض، لإبراز الإمكانيات المتوافرة لإعادة إحيائه. كما تشكّلت جمعية حماية معرض طرابلس الدولي، لدعم المحافظة على الموقع. على أمل أن يكون إدراج المعرض على لائحة الصندوق الدولي للمواقع التراثية والهندسية العالمية اWorld Monuments Watch Fund Listب فرصة للتذكير بأن لبنان الذي يرمم ما دمّرته الحرب، يجب أن يهتم بالمواقع التي تتميّز بعراقة معمارية، حديثة كانت أو قديمة.

الصور من:
­ المؤسسة اللبنانية للمحافظة على سرايا حاصبيا الشهابية.
­ مجموعة الدكتور جورج عربيد.

كيف يعمل الصندوق الدولي للمواقع التراثية-

يقوم الصندوق كل سنتين بإعداد لائحة تضمّ 100 موقع موزعة في أنحاء العالم كافة بهدف إبراز أهمية هذه المواقع على الصعيد العالمي والمساعدة على تحصيل الأموال اللازمة لتأهيلها. ويتمّ اختيار هذه المواقع بناءً على ترشيحات تقدمها مؤسسات أهلية أو حكومات وتتمّ دراستها من قبل خبراء الصندوق الدولي بهدف اختيار المواقع الأكثر أهمية والتي تتطلب عناية خاصة للمحافظة عليها وإعادة تأهيلها. وقد سجّل الصندوق على لائحة " World Monuments Watch" لسنتي 2005 و2006 موقعين من لبنان: سرايا حاصبيا الشهابية ومعرض رشيد كرامي الدولي في طرابلس، وذلك من ضمن إثني عشر موقعاً للبلدان العربية كمصر، وسوريا والعراق والسودان والأراضي الفلسطينية...
نأمل أن يساعد هذا التسجيل على المحافظة على هذين الموقعين وإعادة تأهيلهما، وذلك من خلال التعريف عنهما عالمياً وإيجاد وظائف ثقافية واقتصادية واجتماعية تتلاءم مع أهميتهما التراثية والهندسية وتساعد على تنشيط الحياة الثقافية والاجتماعية وتطوير النشاطات السياحية في كل من طرابلس وحاصبيا.