توعية

سرطان الثدي: فلنقتله بالكشف المبكر
إعداد: باسكال معوّض بومارون

تشرين الأول شهر التوعية حول سرطان الثدي، ومن شعار «ما تترددي، اعملي الصورة وطمني بالك»، إلى شعار «خمسة وبس» تنتشر حملات في جميع المناطق تدعو للفحص المبكر لإعطاء فرصة أكبر للشفاء... فسرطان الثدي، ما زال يحصد الكثير من الضحايا اللواتي كان يمكن انقاذهن لو تمّ الكشف عن المرض في مرحلة مبكرة.


مؤسس «الجمعية اللبنانية لمكافحة سرطان الثدي» ورئيس قسم أمراض الدم والسرطان ومدير مركز علاج سرطان الثدي في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت البروفسور ناجي الصغير، من الناشطين في التوعية، مع مجموعة من النساء المتطوعات بينهن ناجيات من سرطان الثدي كرّسن وقتهن بهدف زيادة الوعي لدى النساء وتأمين العلاج الأفضل للمرضى. وهو يقول: «لقد انقرضت مقولة «هيداك المرض» أو «كش برّا وبعيد». سوف نذكره ونسمّيه للتغلّب عليه، لئلا يتغلّب هو علينا، حملات التوعية التي ننظمها تهدف إلى تعميم المعرفة بهذا المرض فيبطُل الخوف منه. وبفضل التوعية، تخلصت نساء كثيرات من عامل الخجل؛ كما أنّنا بتنا نكتشف الكثير من الحالات في مرحلة مبكرة، وثلثا الحالات الموجودة اليوم في الجامعة الأميركية هي مبكرة، ما يعني أنّ هناك فرصة كبيرة أمام المريضة للاحتفاظ بالثدي المصاب وتجنّب الجراحة، ما يتيح الفرصة لنجاح العلاج نظرًا لأهمية العامل النفسي».

ويضيف البروفسور الصغير: لقد غيّرت حملات التوعية واقع سرطان الثدي في لبنان، لأنّ الكشف المبكر أسهم بشفاء الكثيرات. وبعد أن كان استئصال الثدي ضرورة للعلاج أصبحت الجراحة الجزئية بأقل ضرر، هي الحل. ونحن نطمح إلى أن تصل نسبة الشفاء الكامل للمصابات بسرطان الثدي إلى ٨٠ بالمئة بعد ٥ سنوات.


أسباب السرطان
في العودة إلى أسباب السرطان يوضح البروفسور الصغير أنّ ارتفاع نسبتها في لبنان يعود لعدة أسباب، من ارتفاع متوسط العمر إلى تغير نمط الحياة والرفاهية والطعام غير الصحي مقابل قلّة الحركة وارتفاع نسبة البدانة.

ومن الأسباب أيضًا التدخين في ثلث حالات الإصابة بالسرطان بمختلف أنواعه. ومع ارتفاع نسبة المدخنين والمدخنات ومدخني النرجيلة، لا سيما بين فئة الشباب والمراهقين، ثمة ما ينذر بالخطر الشديد على المستقبل الصحي لهذه الفئة، ما يعني أنّنا مقبلون على نسبة أعلى من الإصابة بالسرطان. يُضاف إلى ما سبق ذكره تلوث الهواء وأزمة النفايات، في السنوات الأخيرة، ما أسهم في زيادة عدد حالات السرطان محليًا.


الكشف المبكر هو الوقاية
الفحص الذاتي للثدي بعد الدورة الشهرية هو أول خطوة في الوقاية ويجب أن تعتمده كل فتاة أو سيدة بين عمر العشرين والأربعين، كما يجب إجراء فحص عام لدى الطبيب كل ثلاث سنوات. بعد سن الأربعين، على السيدة أن تجري الصورة الشعاعية سنويًا. وتقول الجمعية الأميركية للسرطان إنّه بعد سن الخامسة والخمسين يمكن إجراء تلك الصورة كل سنتين ما لم يكن لديها تاريخ عائلي ما يرفع نسبة الخطورة لديها.


ماذا عن العلاجات الحديثة؟
لقد أعطت العلاجات المتطورة أملًا كبيرًا لمريضات سرطان الثدي، فحوالى ٩٠ بالمئة من الحالات المكتشفة مبكرًا تصل إلى الشفاء التام. من هنا، فإنّ التركيز هو دائمًا على اتّباع وسائل الكشف المبكر.


وسائل المواجهة
عبير كيروز هي إحدى اللواتي واجهن المرض الخبيث بشجاعة وأمل، فانتصرت عليه. في صيف ٢٠١٥ اكتشفت ما يشبه «حبة» صغيرة أسفل ثديها بينما كانت تقوم بالفحص الذاتي. كبرت الكتلة بسرعةٍ، فأجرت صورة شعاعية وتخطيطًا بالصدى، لكنّهما لم يؤكّدا وجود ورم مشبوه. لاحقًا كان دور التصوير بالرنين المغناطيسي، ومن ثم استئصال خزعة من نسيج الثدي تأكّد على أثرها وجود خلايا سرطانية.

تقول عبير: ١٦ جلسة علاجٍ كيميائي، وجلسات علاج بالأشعة، خضعت لها بين تشرين الأول ٢٠١٥ وأيار ٢٠١٦، امتصّت حيويتي ومناعتي وسببت تساقط شعري. واقع قد يكون مدمرًا، لكنّني تجاوزته بإيماني وإرادتي والتفاف عائلتي من حولي، ما رفع معنوياتي وأعطاني حافزًا قويًا للصمود والمواجهة.

قررت محاربة المرض، وبدأت ممارسة الرياضة التي تعزز قوة العضلات والعظام وتسهم في مواجهة الآثار الجانبية للعلاجات الطبية. لم أحاول إخفاء رأسي الخالي من الشعر بل اعتبرته رسالة توعية وتحديًا للمرض، لأقول لجميع النساء «انتبهوا، افحصوا ولا تتهاونوا، وكونوا أقوى منه».

وتضيف: نصف العلاج معنوي ونصفه الآخر طبي. وإضافة إلى دعم الأهل والعائلة، دور الطبيب أساسي لأنّه يختصر الناحيتين الطبية والمعنوية، من خلال الأدوية والعلاجات المناسبة، وتشجيع المريض وإزكاء روح الأمل والنضال في نفسه.


عملتي فحوصاتك؟
طبيبي أمّن لي أجواء الشفاء والتغلّب على هذا المرض. ومن خلاله تعرّفت إلى «الجمعية اللبنانية للتوعية من مرض سرطان الثدي» في مستشفى الجامعة الأميركية التي انتسبت إليها وأصبحت عضوًا في مجلس إدارتها بعد ما رأيت أياديها البيضاء تحتضن المرضى الذين ساعدتهم من دون أي تفرقة. وتنهي السيدة عبير رواية قصتها بفكاهةٍ فتقول: كسيداتٍ ناجيات من المرض نلقي التحية على بعضنا بالقول: «عملتي فحوصاتك؟» هذه الجملة تختصر دعوتي لجميع نساء الوطن للمحافظة على صحتهنّ من خلال الكشف المبكر عن هذا المرض الخبيث.


قاومي باكرًا
كانت الخزعة التي ظهرت بعد الفحص الذاتي والصورة الشعاعية والتخطيط بالصدى المغناطيسي مدعاة للشك والقلق لدى السيدة يارا نصّار التي تقول: تأكدت من وجود خلايا سرطانية في الثدي بعد استئصال خزعة من الكتلة التي كانت تسبّب لي ألمًا. بدأ الأمر في حزيران ٢٠١٧، وبدأت مسيرة مقاومة ومعركة ضد العدو الخبيث.

مراحل علاجي من نوع السرطان الفتاك الذي يفتك ويتطوّر بسرعةٍ كبيرة، كانت على مراحل ثلاث، الأولى جلسات العلاج الكيميائي، ثم خضعت لعملية استئصال للورم السرطاني، بعدها خضعت لجلسات العلاج بالأشعة.

لم يثنني كل ذلك عن ممارسة عملي بشكلٍ طبيعي رغم أنّني مررت بمراحل سوداوية عديدة، لكن عائلتي وأهلي وصمودي أمامهم جعلني أقوى، وحفّزني على المقاومة أكثر فأكثر.
هذه المرحلة من حياتي قرّبتني من الله وجعلتني أشكره على كل ما لدي وخصوصًا عائلتي. أدعو كل سيدة إلى التزام فحوصات الكشف المبكر بحذافيرها لأنّ الندم لن ينفعها لاحقًا.
وأقول لجميع السيدات: «لا تترددي ولا تؤجّلي ولا تؤخري لأنّ الوقت يعمل ضدك وأي تأخير يؤخر تجاوبك مع العلاج».


توجيهات وإرشارات
التغيرات أو العوارض التي يجب أن تتنبّه لها كل سيدة هي:
- تورّم أو سماكة في الثدي أو تغير في شكله أو جلده.
- تغيّر في شكل الحلمة وإفراز سائل غير طبيعي أو يحتوي على دم.
- تورّم تحت الإبط.
- تقرّح على الجلد أو على الحلمة.
عندما تظهر أي من هذه العوارض يجب التوجّه فورًا إلى الطبيب لاستشارته.

في معظم الأحيان، قد يكون التغيّر أو الالتهاب من النوع الحميد مثل كيس ماء أو حليب أو دهن، أو التهاب ميكروبي، أو تليّف.
ولكن، في حالات أخرى قد تكون هذه العوارض أو التغيرات بداية لنمو ورمٍ سرطاني. لذلك يجب التوجه، بكل روية ومن دون هلع، إلى الطبيب لكي يفحص السيدة، ويرشدها إلى ما يجب أن تفعله.


حقائق وأرقام
- ١ من ٨ نساء يصيبهنّ سرطان الثدي.
- ٢٢ بالمئة من إصابات السرطان هي في الثدي، فهو واحد من أكثر أنواع السرطانات انتشارًا بين النساء على مستوى العالم.
- في لبنان، يشكّل سرطان الثدي ٣٥ بالمئة من نسبة السرطانات.


لا تتردّدي
تحت شعار: «ما تترددي، اعملي الصورة وطمني بالك»، تقام الحملة الصحية الوطنية الأكبر في لبنان للتوعية من سرطان الثدي، وهي تبدأ في تشرين الأول وتستمر حتى نهاية شهر كانون الثاني. وتقدم خلالها تخفيضات على إجراء الصورة الشعاعية والفحوصات الدورية اللازمة في المستشفيات الخاصة والحكومية والمراكز الطبية.
وقد اتخذت الجمعية اللبنانية لمكافحة سرطان الثدي شعارًا لحملتها في هذا العام «الخمسة وبس»: «خمس دقايق وبس» هو الوقت الذي تستغرقه الصورة الشعاعية للثدي، وخمسة آلاف ليرة تسهم في علاج المصابات بسرطان الثدي للشفاء منه.


نسبة عالية في لبنان
تزداد مخاطر الإصابة بسرطان الثدي مع التقدم في السن، ولكن الدراسات في لبنان تظهر أنّ هناك نسبة عالية من النساء يُصبن بالمرض قبل بلوغ الـ٥٠ سنة، وأحيانًا الـ٤٠ سنة، يتمّ تشخيص ٤٩ بالمئة من الحالات الجديدة بين النساء اللواتي هن تحت سن الخمسين، وتسجّل ١٠ و١٢ ألف حالة سرطان جديدة كل عام بين الجنسين، وهنالك حوالى ٢٥٠٠ حالة سرطان ثدي تحت سن الخمسين.


الزهري يشع في المعالم الأثرية
منذ انطلاقتها حرصت الجمعية اللبنانية لمكافحة سرطان الثدي على إضاءة أحد الأماكن السياحية اللبنانية باللون الزهري. فأضاءت صخرة الروشة في العام ٢٠١٢، وقلعة صيدا في العام ٢٠١٤، أما وفي هذا العام أضاءت قلعة جبيل بالتعاون مع بلديتها ومديرية الآثار وفعاليات نيابية وروحية واجتماعية. وقد تعمّدت اختيار آثار صمدت عبر العصور رغم تعرّضها لأنواعٍ شتى من الأضرار، لتشبيهها بالمرأة اللبنانية التي تبقى جميلة وصامدة تواجه عدوان المرض بقوةٍ وصلابة.