قضايا معاصرة

سرقة المعلومات: فوضى عارمة تهدد المواقع الإلكترونية
إعداد: د. تراز منصور

يقول القاضي غسان رباح «من تُسرق نقوده أو موجوداته فقدَ بعض الشيء، أما من تُسرق أفكاره فقد فقدَ كل شيء».

في خضمّ تدفق المعلومات الهائل عبر المنصّات والمواقع الإلكترونية المختلفة، تُطرح بقوة قضية الملكية الفكرية، إذ ينشط الانتحال العلمي (السرقة) عبر هذه المنصات، ويشمل المنتجات الفكرية، وخصوصًا الإعلامية منها التي تُعتبر ثروة مثل المعلومات والصور والفيديو والأفكار.

فهل تُطبّق في لبنان أحكام الملكية الفكرية الصادرة بخصوص سرقة المعلومات عبر هذه المواقع؟ وكيف يحمي أصحاب الحقوق حقوقهم؟ 

 

يوضح الدكتور نادر عبد العزيز شافي (محامٍ بالاستئناف) أنّ قانون حماية الملكية الأدبية والفنية اللبناني (رقم ٧٥/٩٩ تاريخ ٣/٤/١٩٩٩) يشمل الحقوق المتعلقة بالمؤلفات المعلوماتية والإلكترونية. كما أنّ قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي (رقم ٨١/٢٠١٨ ) أعطى الكتابة والتوقيع الإلكتروني المفاعيل القانونية ذاتها التي تتمتع بها الكتابة والتوقيع على دعامة ورقية أو أي دعامة من نوع آخر، محددًا الشروط لذلك. كما أنّ لبنان انضم إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية تاريخ ١٨/١٢/٢٠٠١ والتي من شأنها الإسهام في مكافحة هكذا جرائم على الصعيد الدولي.

ويشير شافي إلى أنّ قانون حماية الملكية الأدبية والفنية اللبناني يجيز لصاحب الحقوق الأدبية والفنية اتخاذ جميع الإجراءات التحفظية لمنع وقوع الاعتداء على تلك الحقوق، وذلك بموجب قرار من قاضي الأمور المستعجلة المختص. كما يجوز لقاضي الأمور المستعجلة ولرئيس محكمة البداية أو للنائب العام أن يضبط بشكل مؤقت المواد التي تشكل أدلة على الاعتداء الحاصل أو إجراء جردة وتعيين حارس قضائي عليها. إضافة إلى ذلك، يمكن تقديم الدعاوى القضائية لدى الضابطة العدلية أو النيابات العامة أو المحاكم وفق الأصول القانونية.

ومن الممكن تطبيق بعض نصوص قانون العقوبات اللبناني وغيره من النصوص القانونية المرعية الإجراء لتجريم سرقة المعلومات عبر المواقع الإلكترونية وسواها، سواء كانت السرقة بهدف التجسس أو تحقيق الربح. 

إضافة إلى ما سبق ذكره، عدّل قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي بعض مواد قانون العقوبات وقانون حماية المستهلك، من أجل معاقبة الجرائم المتعلقة بالأنظمة والبيانات المعلوماتية والبطاقات المصرفية. 

لكن على الرغم من أنّ بعض الجرائم الإلكترونية يمكن المعاقبة عليها بموجب النصوص مرعية الإجراء في القانون اللبناني، فإنّ القسم الأكبر من تلك الأفعال يمكن أن يبقى دون عقاب لعدم وجود النصوص القانونية لتجريمه، ما يستدعي تدخّل المشترع اللبناني لسَنّ القوانين اللازمة ومنع وقوع الأفعال الجرمية ذات الصلة بالأنظمة المعلوماتية، وبخاصة أنّ استعمال المواقع الإلكترونية والاعتماد عليها في ازدياد مستمر. وقد نشأ اعتراف متزايد بضرورة وضع تشريعات دولية لمحاربة هذه الجرائم الحديثة، التي تتخطى الحدود الوطنية، تبعًا لإمكان القيام بالولوج إلى المواقع الإلكترونية من أي مكان في العالم.

 

فوضى تُطيح بحقوق المواقع الإلكترونية 

‎ الواقع القانوني والإجراءات المتخَذة شيء، وواقع عمليات الانتحال العلمي أو سرقة الابتكارات الإعلامية شيء آخر. فهي تتم بصورة متواصلة عبر المواقع الإلكترونية على الرغم من وجود قانون يحاسب ويصدر الأحكام الإجرائية. فماذا يقول مدراء المواقع الإلكترونية عمّا تتعرّض له مواقعهم من سرقة للمعلومات والفيديوهات وسواها ؟ وكيف تتم حمايتها من السرقة؟ وما هي أساليب المعالجة التي تتبعها؟

في ظل انتشار الفوضى التي تسيطر على جميع القطاعات في لبنان، تضّرر القطاع الاعلامي أيضًا من تخطي جميع القوانين، خصوصًا وأنّ لا قانون يحمي المواقع الإلكترونية، على الرغم من أن هذه المسألة مطروحة على بساط البحث منذ أكثر من عشر سنوات وفق ما أكده مدير موقع المؤسـسة اللبنانية للإرسال LBCI طوني كساب. (فكلما تمّ تعيين وزير إعلام جديد يأتي متحمسًا لوضع قانون يحمي المواقع الإلكترونية وينظم عملها ويحفظ حقوقها، غير أنّ الحديث سرعان ما يعود إلى نقطة الصفر.)

ويضيف كساب: « تعتمد المواقع التي تنمو كالفطريات على سرقة المعلومات ومضمون الأخبار من المواقع التي تعمل وفق الأصول. فبينما ترتكز الأخيرة في عملها الموضوعي على شبكة مندوبين منتشرين في مختلف المناطق اللبنانية وخارج لبنان، تعتمد الأولى أسلوب النسخ copy & paste، وتنسب أحيانًا المعلومة إلى مصادرها.

ويؤكد في المقابل: «منذ انطلاقة موقع المؤسـسة اللبنانية للإرسال الإلكتروني اعتمدنا على الأصول والقانون ودرّبنا فريق عملنا على احترام الملكية الفكرية والأدبية. فعلى سبيل المثال، في فقرة صحف اليوم لا ننقل أكثر من ٢٠ في المئة من مضمون الخبر ونشدّد على ضرورة إرفاق النص الصغير بالرابط الذي يقود إلى المقال الأساس الذي نشرته الصحيفة مع ذكر اسمها. ونشدّد في نهاية كل خبر ننشره على ضرورة عدم السماح بنقل أكثر من ٢٠ في المئة من مضمون أي خبر مع ضرورة ذكر اسم موقعنا. كما أنّنا اعتمدنا على نشر تقاريرنا المتلفزة عبر الـ server الخاص بالمحطة، وبذلك يمكن للذين يودّون استخدامها اعتماد الرابط الخاص بموقعنا الإلكتروني بدل تحميله وقرصنته، علمًا أنّ مضمون موقعنا في جزء منه بحاجة لاشتراك شهري مدفوع وهذا ما يحتّم علينا حمايته».

وعن كيفية التصرف عند حصول سرقة، قال: «معلوماتنا ومضمون تقاريرنا التي تتعرض للسرقة والقرصنة هي محط متابعة من محامي الشركة من جهة، ومن مواقع التواصل الاجتماعي كموقعَي يوتيوب وفيسبوك من جهة أخرى. فكما هو معلوم أنّه يمكن لـ يوتيوب أو فيسبوك على سبيل المثال حذف مضمون أي تقرير سرقه المقرصن من موقعنا حماية للملكية الفكرية والأدبية. ولكنّنا نعتمد أيضًا على الاتصال المباشر بناشر الموقع والطلب منه التوقّف عن نسخ الأخبار والفيديوهات المصوّرة، وضرورة تطبيق قانون حماية الملكية الفكرية. أما في حال عدم الالتزام وتكرار عمليات الانتحال العلمي فعندها نحتكم إلى السبل القانونية».

 

ربّ ضارّةٍ نافعة!

نظرة تلفزيون NBN تختلف عن نظرة غيره من المؤسسات الإعلامية حول قضية الانتحال العلمي. فالصناعة الإعلامية فيه هي عبارة عن تحقيقات إخبارية ينتجها مراسلو المؤسـسة بأصواتهم وتكون مدموغة بشعار Logo التلفزيون، الأمر الذي يحول دون سرقتها حسب مدير منصات مواقع التواصل الاجتماعي في التلفزيون الدكتور فؤاد خريس الذي يوضح: « نحن نعتبر أنّ كل من يعيد نشر هذه المادة بشكل إيجابي، يُسهم في نشر المحتوى - الرسالة التي نسعى لإيصالها إلى أكبر عدد ممكن من المتلقين .

ولكن في المقابل، ثمّة مواثيق أخلاقية يعتمدها محرّرو الموقع في نشر المواد على المنصّة، كالإشارة إلى المصدر بشكل واضح، وعدم اقتباس المادة كاملة، والتزام ما هو مسموح نشره على مستوى الاقتباس مع الإشارة إلى اسم معدّ المادة والوسيلة التي يعمل لديها. قد تحصل أحيانًا خروقات غير مقصودة، وتتمّ معالجتها عبر التواصل بين مدراء المواقع من دون الحاجة إلى اعتماد أي إجراء آخر».

 

يوتيوب وفيسبوك الحكم 

مديرة موقع إذاعة صوت لبنان الإلكتروني يارا متى أوضحت بدورها أنّه مع الثورة التكنولوجية وتدفّق المعلومات عبر المنصات الإلكترونية، نشهد الكثير من عمليات الانتحال العلمي أو سرقة المعلومات المؤلفة من نصوص إخبارية، صور وفيديوهات تُدرج على مواقع أخرى من دون ذكر المصدر، كما يتمّ إزالة الشعار اللوغو logo عن الفيديو. ولقد نشطت هذه العملية في الفترة الأخيرة. 

وأكدت متى أنّ إذاعة صوت لبنان هي إذاعة عريقة وباتت تبث اليوم بالصوت والصورة عبر موقعها الإلكتروني وتستضيف الكثير من الضيوف، وبالتالي، أصبحت نصوصها وصورها والفيديوهات المدرجة على منصتها هدفًا مغريًا للمقرصنين والسارقين». 

وفي إطار حماية منتجات الإذاعة عبر الموقع أكّدت متى «أنّ إذاعة صوت لبنان تلجأ أولًا الطلب من الموقع المُنتحل إزالة المنتجات المسروقة عن موقعه، وفي حال لم يتجاوب، نتقدم بشكوى أمام شركتي فيسبوك Facebook ويوتيوب YouTube للمعالجة، مع ربط الشكوى بالخبر أو الفيديو الأصلي، بحيث توجّهان انذارًا، وفي حال لم يتجاوب تُقفل منصّته الإلكترونية.

وفي غياب أي تشريع قانوني ينظّم عمل المواقع الإلكترونية طالبت متى بضرورة وضع آلية واضحة لإدارة هذه المواقع وحماية منتجاتها. 

 

فوضى في الإعلام الإلكتروني

كانت مؤسـسة النهار ولا  تزال مصدرًا مهمًا وموثوقًا للأخبار والتحليلات وتعتمدها المواقع لبنانية كانت أم عربية مرجعًا لها، ونجد البعض منها يشير إلى «النهار» أو «النهار العربي» عندما ينقل الأخبار أو المقالات عنهما، وهذا ما تفعله الكثير من وسائل الإعلام العالمية عندما تستعين بخبر من وسيلة أخرى، وفق مديرة موقع «النهار العربي» موناليزا فريحة.

وتضيف فريحة: «للأسف ثمّة منصات أخرى تنقل المعلومات والفيديوهات من دون الإشارة إلى المصدر، أو حتى أحيانًا تنسب هذه المواد إليها، وقد باتت هذه المشكلة منتشرة مع الفلتان الكبيرة في الإعلام الإلكتروني وتعدّد المواقع الإلكترونية، التي لا تنبّه إعلامييها إلى خطورة مثل هذه الممارسات.

كثيرًا ما نرى أخبارنا الخاصة وفيديوهاتنا منتشرة في مواقع أخرى من دون الإشارة إلى مصدرها. أحيانًا، نعمد إلى التواصل مع المؤسسة «المنتحلة»، وهو ما حصل أخيرًا بشأن فيديو خاص بنا رأيناه متداولًا على منصة أخرى من دون أي إشارة إلى «النهار العربي»، ولسنا واثقين من أنّ الأمر لن يتكرّر ما دام لا قوانين واضحة تُنظّم هذا القطاع».

لا توجد وسيلة لحماية المعلومات بشكل مطلق وفق فريحة، وهذه المشكلة يعانيها الإعلام عالميًا وليس عندنا فقط، وإن تكن الأزمة الأخيرة التي يمرّ بها لبنان قد دفعت الكثير من المؤسسات إلى تقليص عدد موظفيها، وبالتالي الاعتماد على أخبار المواقع الأخرى للاستمرار.

 

...من دون جدوى

تنمو المواقع الإلكترونية الإخبارية كالفطريات في غياب أي قانون تنظيمي لها، باستثاء وجوب الحصول على علم وخبر من المجلس الوطني للإعلام. وبالتالي فإنّ واقع عمل هذه المؤسسات صعب جدًا وفق ما أكده ناشر موقع «ليبانون فايل» Lebanon File ربيع الهبر، بحيث أنّ الموقع الإلكتروني يتعرّض لسرقة محتواه بشكل مستمرّ من قبل مواقع أخرى. 

وأكّد الهبر أنهم كموقع، تقدموا بعدّة شكاوى إلى القضاء المختصّ ولكن من دون أي جدوى، مشيرًا إلى أنّه حتى شركة Microsoft تتعرض لعملية القرصنة ولم تتمكن من إيقافها. واعتبر أنّ العلاج الناجع لهذه الآفة يكمن في التوعية والتثقيف حول قضية الانتحال العلمي والملكية الفكرية، لناحية اعتبار هذه السرقة جرمًا يعاقب عليه القانون.

إنّ المعلومة هي من السلع الأغلى في الاقتصاد الجديد أو اقتصاد المعرفة المبني على الإبداع والابتكار،

وبالتالي من الضروري حمايتها ومعاقبة سارقيها، ليس فقط عبر سَنّ التشريعات المناسبة، وإنما عبر التشدّد في تطبيقها.