كلمات ليست كالكلمات

سرقة غير شرعية وسرقة شرعية!
إعداد: العميد الركن الياس فرحات
مدير التوجيه

الاستيطان هو ذروة الاحتلال وأشد الأعمال عدوانية. إنه طرد السكان من منازلهم وأراضيهم وتهجيرهم في شتات، ثم استقدام جماعات أخرى وبناء مستوطنات لصالحهم، وإسكانهم مكان السكان الأصليين.

لا يمكن أن يكون الاستيطان مطلقاً أو مخففاً، ولا يمكن للمستوطنة أن تكون مقبولة أو غير مقبولة. إنها، وباختصار، عمل عدواني واضح فاضح لا مجال للاجتهاد في تبريره، او الالتباس في حتمية لا أخلاقييته ولا مشروعيته.

والاستيطان، أو العدوان الإسرائيلي على العرب، بدأ عل مرحلتين: المرحلة الأولى منذ بدايات القرن العشرين، وبعد وعد بلفور عام 1917، حيث انشأ المهاجرون اليهود، بتسهيل ودعم من سلطات الانتداب البريطانية، ما سمي بالمستعمرات، أي Colonies، وكان هذا التعبير يتطابق مع التعبير الذي كانت تطلقه كل من فرنسا وبريطانيا على الأراضي التي تحتلانها خارج الوطن، والتي امتدت إلى إخضاع العالم لسطانهما. كان ذلك تبريراً أمام الفرنسيين وأمام البريطانيين الى ان ما يقوم به المهاجرون اليهود، غير الشرعيين طبعاً، مماثل لما يقومون به في المستعمرات، وهي في حسابهم أراضٍ قاحلة جرداء الخالية من البشر، أو تحوي بعض البشر المتخلفين، حيث يجري إعمارها أو استعمارها، من هنا كان هذا العمل العدواني على ارض فلسطين، والشعب الفلسطيني، موضع دعم وتأييد من قبل الدولتين المستعمرتين في العالم، وهما فرنسا وبريطانيا.

تحت ستار المستعمرات توسع الاحتلال الصهيوني في فلسطين وبلغ ذروته حين أعلن إنشاء دولة إسرائيل عام 1948، وتم طرد السكان العرب من أراضيهم، ولجوؤهم إلى الدول العربية المجاورة: لبنان وسوريا والأردن ومصر، وهكذا أدى العدوان والاستعمار إلى طرد السكان من منازلهم وأراضيهم وإحلال مهاجرين مكانهم.

المرحلة الثانية من العدوان الاستيطاني بدأت بعيد عدوان حزيران 1967، لكن التسمية تغيرت هذه المرة، فبدلاً من اعتماد مستعمرة تماشياً مع السياستين الفرنسية والبريطانية، تم اعتماد مستوطنة Settlement، تماشياً مع السياسة الأميركية التي أخذت تبرز في دعم إسرائيل. وفي اللغة والتعبير يتذكر المواطن الأميركي في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، أن أجداده هم مستوطنون جاءوا من أوروبا إلى العالم الجديد، واستوطنوا فيه، وتصادموا مع شعب اقل حضارة منهم، وجرت حروب بين المستوطنين والسكان الأصليين الذين تمت تسميتهم الهنود الحمر، والذين تم تصويرهم في ما بعد في السينما الأميركية على شكل وحوش كاسرة وشعوب جاهلة وغير قابلة للحضارة (وهذا ما دعا الممثل مارلون براندو إلى رفض جائزة أوسكار للسينما بسبب الموقف العنصري للسينما الأميركية من السكان الأصليين). وهكذا سارع الإعلام الصهيوني لمقارنة الشعب الفلسطيني، وهو جزء من الشعب العربي، بالهنود الحمر، متناسياً التاريخ العريق للمنطقة منذ سومر وأكاد وبابل، ومروراً بحضارة الأمويين والعباسيين والفكر والفلسفة... ولا نستغرب كيف أن الأميركيين لا يتعلمون التاريخ في المدارس، ولا يعلمون شيئاً عن تاريخ شعوب العالم، فيكونون بذلك جاهزين لتلقف أية كذبة إعلامية، ولعل اطرف ما قيل عن جهل الأميركيين بتاريخ المنطقة، هو أنه عندما تعرضت إحدى الكنائس في العراق للتفجر، قال أحد كبار المسؤولين الأميركيين: هل أن هناك مسيحيين في العراق!؟ وهكذا استمرت الصهيونية في تأليب الرأي العام الأميركي لمصلحتها انطلاقاً من ثقافة تاريخية منقوصة.

جاء رد الفعل الأميركي في أواخر الستينيات بالرفض الكامل للاستيطان، ثم تدرج هذا الرد نزولاً، فأصبح في أواخر السبعينيات عملاً "غير قانوني"، ثم تحول إلى "عقبة في عملية السلام"، ثم إلى "مسألة متنازع عليها بين أطراف الصراع". أما اليوم فإننا نشهد قمة الوقاحة، إذ تم اعتماد التدرج نزولاً و انحداراً، وجرى تصنيف المستوطنات على أن قسماً منها شرعي، والآخر غير شرعي. وأوقح دعوة صدرت على هذا الصعيد هي تلك التي أطلقها بعض القوى إسرائيلية والدولية لوقف المستوطنات غير الشرعية، وهذا بمعنى آخر، تشريع للمستوطنات التي هي، كما أسلفنا، اشد أنواع العدوان مفاعيل وتأثيراً وعواقب، كائناً ما كان تصنيفها.

مع هذه التفسيرات، أليس من الممكن أن نصل إلى زمن نسمع فيه عن سرقة شرعية، وسرقة أخرى غير شرعية؟