البطولة ملء الساحات

سرية المدرعات الخامسة
إعداد: ريما سليم ضومط

أهلاً بكم في ميدان البسالة والاحتراف
على دوي المدافع وأصداء القصف المركّز، عبرنا المدخل الشرقي لمخيم نهر البارد من مستديرة العبده بإتجاه مراكز الجيش في الداخل.
ما أن اجتزنا منطقة الخان حتى بدأت صورة المعارك تتوضح أمامنا: أبنية مهدمة وجرافات عسكرية تزيل الركام من وسط الطريق، وسيارة إسعاف خاصة بالجيش تنقل عسكرياً جريحاً إلى خارج المخيم.
على جانب الطريق لجهة البحر كان عناصر من الجيش يقومون بمهمة مراقبة وإستطلاع ضمن الواجهة البحرية للمخيم. إذ واصلنا تقدمنا, أشار أحد العسكريين إلى سيارة ليموزين بيضاء تقف في كاراج مبنى مهدم «هذه سيارة شاكر العبسي».
تابعنا سيرنا بإتجاه بقعة عمل سرية المدرعات الخامسة، وإنتظرنا طويلاً إلى أن تمكن قائد السرية المقدم عمر مراد من التحدث إلينا بعد أن أنجز عملية قصف مركّز لموقع صامد.
بادرناه بالإطمئنان على حال العسكريين مشيدين بالإندفاع الظاهر على وجوههم وفي تحركاتهم، فأكد لنا أن «الحماسة مطلوبة أما التهوّر فمرفوض».
عبارة قد تبدو مجرد كلام بالنسبة إلى القارئ الذي لم يزر المخيم ويفهم طبيعة العمل العسكري على الأرض، لكن العكس صحيح بالنسبة إلى الأشخاص الذين إطلعوا على سير الأحداث وتبيّن لهم مدى أهمية المزج بين الشجاعة الفائقة والعمل المحترف بعيداً عن التهور في المعركة التي يخوضها الجيش ضد الإرهابيين.


تدمير الدشم والتحصينات والقضاء على القناصين
عن مهمة سرية المدرعات الخامسة أشار المقدم مراد إلى أنها تقسم إلى قسمين، الأول هو تدمير الدشم والتحصينات الخاصة بالإرهابيين، والثاني تدمير مراكز القناصة التي تعرقل العمل العسكري، موضحاً أن هاتين المهمتين تساهمان في تسهيل عملية التنظيف التي يقوم بها المشاة بعد تدمير المباني.
وأضاف، أن السرية تعمل كدعم للفوج المجوقل حيث أنها تضع الدبابات في تصرّف وحداته وتنسّق معه في عملية تدمير مراكز القناصة، إذ تحدد غرفة العمليات الخاصة بالفوج رمز المبنى الذي يتعرضون منه للقنص، لتتولى السرية من بعدها قصفه وتدميره. وتطرق المقدم مراد في حديثه إلى أهمية الإستطلاع الأولي قبل المباشرة بعمليات القصف، وذلك لاختيار المسلك المناسب لاقتراب الدبابة من هدفها قدر الإمكان والرمي بإتجاهه بارتياح. وأوضح أن معظم المسالك هي عبارة عن أزقة ضيقة مغلقة جزئياً بسبب الركام، مما يعيق عمل الدبابة، ولذلك فإن الإستطلاع الأولي مهم للغاية لكي لا يصل العسكريون إلى طريق غير نافذ لا سيما عندما يضطرون إلى الإبتعاد عن قطاع الفوج.


طواقم وتنسيق
عن توزيع العمل أشار المقدم مراد إلى أن السرية مقسّمة إلى طواقم قتال ميداني تتبادل الأدوار على الدبابات، إضافة إلى قسم مخصص لتعبئة الذخيرة في الدبابات وإرسالها إلى الخطوط المتقدمة بالتنسيق مع الضباط المسؤولين عن طواقم القتال. كما أن هناك قسماً مخصصاً لحراسة أماكن التمركز ومراقبة الجهة البحرية منعاً للتسلّل.
أما على صعيد صيانة الآليات، فأوضح المقدم مراد أن هناك مفرزة لوجستية تتمركز في منطقة العبده بصورة دائمة مهمتها تعهّد الآليات وإصلاح ما هو بحاجة لذلك ضمن أرض المعركة.
وتحدث قائد سرية المدرعات الخامسة عن الدور العسكري الذي تقوم به سريته على أرض المعركة فقال إن «الرماية اليوم (عند إجراء التحقيق) مركّزة على موقع صامد بمدخليه الشمالي والجنوبي، بالإضافة إلى قصف مساند وتغطية نارية بإتجاه مباني الأونروا».
لدى سؤالنا عن الوضع المعنوي للعسكريين، أكد المقدم مراد أن «الشباب معنوياتهم مرتفعة جداً، والضغط النفسي الناتج عن هول المعارك وعن إستشهاد عسكريين من مختلف الوحدات لم يزدهم سوى شجاعة وحماساً للقضاء على الإرهابيين وفاءً لرفاقهم الذين قدموا حياتهم ثمناً لذلك». وأضاف: «الجميع هنا يدرك أن الأرض تحتاج إلى دم لتحريرها، وقد قدمت سريتنا شهيدين فداءً للوطن، وخمس إصابات، وعندما أذنت قيادة الفوج بالتبديل للعناصر لم يرغب أي منهم المغادرة وأصروا على متابعة مسيرة الشهيدين حتى القضاء على الإرهابيين».
وختم قائد سرية المدرعات الخامسة بتطمين الأهالي إلى وضع العسكريين مؤكداً أن «جميع حاجاتهم يتم تأمينها بإستمرار من غذاء ولباس وكل ما يحتاجونه في حياتهم اليومية».

 

عملية بحث
بعد إنتهاء حديثنا مع المقدم مراد، باشرنا «حملة بحث» عن عسكريين غير منشغلين بغية إستطلاع رأيهم حول المعركة، إلا أن حملتنا باءت بالفشل، فالجميع منهمك في عمله من جمع الذخيرة والتلقيم والرمي في عملية قصف متواصل، ما اضطرنا إلى الإنتظار مجدداً لحين حصول عملية تبديل للرماة والملقمين على الدبابة للحصول على أحاديث مختصرة من بعضهم.
الرقيب الأول محمد بزال قال: نقوم حالياً بتدمير مواقع الإرهابيين عبر القصف المركز والعنيف. وأضاف: عملنا يتطلب الكثير من الدقة لأن قذيفة الدبابة تخترق أكثر من جدار، لذا فالإحتراف مطلوب بغية قصف الأهداف وفقاً لما هو محدد لنا تماماً.
لـدى سـؤالنـا عـن معنـويـات العسـكـرييـن أجــاب: «أنا أب لسبعة أولاد، وها قد رأيتموني أقاتل مع رفاقي باندفاع شديد ومن دون أي تردد، فهل من داعٍ لأن أشرح المزيد عن معنويات العسكريين؟».


عهد للشهداء
المجنــد الممــددة خدمــاتــه حسـن خليل قال:
«إخترت بنفسي القدوم إلى الجبهة، وأقوم حالياً بمهمة ملقم للمدفع. في بداية التحاقي شعرت ببعض التوتر والقلق لا سيما أنها المرة الأولى التي أشارك في معركة فعلية. ولكنني تأقلمت سريعاً بفضل دعم الرفاق ووجود الضباط إلى جانبنا على الجبهة». وأضاف: الأمر الوحيد الذي يكدرنا هو إستشهاد رفاقنا الذين صرنا وإياهم عائلة واحدة. وتابع: في هذه البقعة بالذات إستشهد لنا رفيقان، وقد عاهدنا بعضنا على متابعة مسيرتهم لتحقيق الهدف الذي إستشهدوا من أجله.
الجندي عادل السغبيني قال: «نحن أقوياء وشجعان لأننا متماسكون ومتحدون، وأنا أؤكد أن هذه المعركة التي يخوضها الجيش ضد الإرهاب لو خاضها أي جيش آخر غير الجيش اللبناني لكان عدد الشهداء أضعاف ما شهدناه».

 

نحسن الفعل لا الكلام
في أثناء حديثنا صادف مرور آلية عسكرية تنقل عسكريين إلى الجبهة، فتوجهنا إلى سائقها بالسؤال عن الأوضاع في ساحة المعركة، وكان الجواب «نحن رجال فعل لا نحسن الوصف وكثرة الكلام، أنتم الصحافيون فانقلوا ما شاهدتموه لا أكثر ولا أقل»!
معك حق يا صديقي، لمَ الأسئلة طالما أننا شاهدنا بأم أعيننا ما يقتضي واجبنا الإعلامي نقله بصدق وصراحة. فإليك ما شاهدناه وشهدناه:
ما شهدناه في مخيم نهر البارد كان أكثر من حماسة وأقل من تهور، هو إقدام الشجعان الذين يطلّون على الموت برؤوس مرفوعة لكي تظل راية الوطن مرفوعة فوق كل الرايات.
هو عزّة الشرفاء الذين يضحّون بساق أو يد، لقطع يد الإرهاب التي تحاول التطاول على كرامة الوطن وجيشه.
هو غيرة أبناء الوطن على الوطن وشعبه، هذه الغيرة التي تدفعهم إلى الإستشهاد بفرح ولسان  حالهم يقول «ما تضحوا نحنا منضحي عنكن».
هو الإندفاع الذي يولده الحب الصادق للوطن والأرض، الحب الذي لم تلوثه المصلحة الفردية أو الأطماع الشخصية.
هو إلتزام الأوفياء عهداً قطعوه لرفاق لهم بمتابعة مسيرة الحق الذي إستشهدوا من أجله.
إلى أبطالنا في مخيم نهر البارد نقول: ما شهدناه هو ما عهدناه دوماً من جيشنا الأبي في وقت الشدة وعند كل إستحقاق مصيري للوطن، ونختصره بكلمات «الشرف، التضحية، والوفاء».
وإلى شهدائنا الذين سقطوا في مخيم نهر البارد نقول: إستشهادكم هو حبة قمح في أرض خصبة، دفنت في التراب لتمنح القيامة للبنان.

 

تصوير: العريف يحيى خضر
روبير مرقص