في ثكناتنا

سريتا القتال الجبلي
إعداد: ندين البلعة - كارلا حداد

في تحدي القمم ...هناك ننسى التعب


يواصل فوج المغاوير تدريباته على الرغم من انشغاله بالمهام العملانية. فتحقيق أعلى درجات الجهوزية وتطوير قدرات العسكريين من أبرز أولويات هذا الفوج.
وفي هذا السياق تابعت سريتا القتال الجبلي دورة قتال في المناطق الجبلية المرتفعة والمغطاة بالثلوج.
امتدت هذه الدورة من 31 آذار الى 22 نيسان الماضي، إستفاد خلالها العسكريون من خبرات مدرّبيهم الفرنسيين واللبنانيين.


قائد الفوج
قائد فوج المغاوير، العقيد الركن شامل روكز، يضع هذه الدورة في إطار البروتوكول الثابت بين الجيش اللبناني والجيش الفرنسي، منذ تأسيس سريتي القتال الجبلي العام 1998. فمنذ ذلك الحين تقام دورتان سنوياً، الأولى في الشتاء، والثانية في الصيف، ويتم خلالهما تبادل الخبرات بين الجيشين، فاللبناني يملك المهارات القتالية والعملانية، والفرنسي خبير من الناحية التقنية والتدريب.
عن الأجواء العامة للدورة الشتوية هذه، يقول قائد الفوج:
الدورة التي نحن بصددها هي الدورة الشتوية وقد استمرت أربعة أسابيع، اضطر خلالها المتدرّبون الى مغادرة ميادين التدريب لتنفيذ مهمات عملانية، أهمها في البقاع، إذ كُلّف الفوج بضبط الوضع الشاذ الذي أعقب الإعتداء على دورية للجيش واستشهاد أربعة عسكريين.
ويوضح قائد الفوج: قطعنا التدريب، ونفّذنا أوامر القيادة. ومن ثم ثابر المتدرّبون على النشاطات التدريبية بجد وعزم واستطاعوا إنهاء دورتهم بنجاح.
في أي حال يتميز فوج المغاوير بكثافة المهمات العملانية التي ينفّذها وهي تشكّل بحد ذاتها تدريباً للعناصر وخبرة لهم.
ورداً على سؤال قال: في التدريب يتعلّم العسكريون كيفية التحرك وتأدية المهمات داخل الحضيرة، وينفّذون الرمايات بكثافة، فالتدريب هو العنصر الأساسي للقتال.
الى ذلك يمارس المتدرّبون نشاطات خاصة باللياقة البدنية، ويتابعون دروساً توجيهية. فالعسكري يجب أن يتحلّى بالضوابط المعنوية والأخلاقية وأن يتعلّم كيف يضبط الحماسة الزائدة ويتلافى السلوك المتهوّر الذي تؤدي اليه أحياناً الثقة المفرطة بالنفس.

 

مدير الدورة
مدير الدورة، الرائد عيّاد طيّ أبو ضرغم يقدّم لنا مزيداً من التفاصيل، يقول:
«تُنظّم الدورات حسب حاجات الفوج، مع التقيّد بمستويات محددة: أولاً دورة مبتدئين (Débutants)، مخصّصة للعسكريين الجدد القادمين الى الفوج يتبعها دورة (Brevet skieur militaire) «BSM»  شتاءً، و(Brevet Alpinisme militaire) «BAM» صيفاً. بالإضافة الى دورات آمر مجموعة (Chef d׳équipe).
ويأتي الشقّ القتالي، وهو ما ركّزنا عليه مع الفريق الفرنسي في هذه الدورة، التي تضمّنت عدة مجموعات تدريبية تتطلّب تقنيات خاصة على الثلج.
- رئيس فريق قتال جبلي شتوي (Chef d׳équipe Hiver)، قتال، هاون (mortier 81 mm)، قنّاص، تزلج مبتدئ (Débutant ski) ومدرّب تزلّج.


• كيف يتم إختيار المشاركين في هذه الدورات؟
- نختار المشتركين حسب الدورات التي سبق وخضعوا لها، والأساس أن يتمتّعوا بلياقة بدنية عالية. فالتنقل في الجبال خصوصاً خلال الشتاء، يتطلّب قوة وقدرة على التحمّل والمتابعة. وأشير هنا الى أنه ينتسب الى الفوج عسكريون جدد، عددهم الأخير وصل الى 35 عسكرياً (يخضعون الى دورة تزلّج مبتدئ).
شارك في الدورة 106 عسكريين من سريتي القتال الجبلي، كل في المستوى المناسب لقدراته، علماً أن التركيز يتم على اكتساب الجميع المهارات ومتابعة كل الدورات بالتتابع.
الشرط الأساسي للمشاركة أن يكون المتدرّب رتيباً أو ضابطاً ولديه أساس «BAM» أو «BSM» ليقوم بالدورات المتقدمة الأخرى.


• بماذا يتميّز الخاضعون لهذه الدورات؟
- إنهم يكتسبون مهارات قتالية وقيادية تخوّلهم قيادة مجموعات وتحمّل مسؤوليات الإمرة. الفريق يجب أن يتميّز بالمستوى التقني والقدرات الجسدية ليكون قدوة لمرؤوسيه. لذلك نختار المشاركين من النخب والمفضّل أن يكونوا رتباء أو ضباطاً لأنهم يخضعون لدورات خارجية في المراحل المتقدمة.


• ما الصعوبات التي واجهتموها كمدرّبين ومتدرّبين؟
- بالنسبة الى المدرّبين، لم يجدوا أي صعوبات. فقد إعتادوا كيفية التعامل مع الفرنسيين (بالتنسيق مع قيادة الفوج) وكل حاجاتهم تؤمَّن قبل قدومهم، من منامة وتغذية وتنقلات وزيارات وعتاد...
أما على صعيد المتدرّبين، فالصعوبة الأبرز أننا كجيش لبناني، ننفّذ مهمات عملانية مفاجئة تقاطع التدريبات. فالعسكري قد يلاقي صعوبة في التنسيق بين تدريبه ومهامه العملانية. لقد اخترناهم من النخبة يتمتّعون بالقدرة على التأقلم مع جميع المتغيرات، ولكن ذلك لا يمنع إنسحاب بعض العناصر نتيجة إصابات أو حوادث، (بمعدل أربعة أو خمسة أفراد من أصل 106).
بشكل عام، نفّذ العناصر كل المطلوب وأدّوا الدورة بشكل جدّي، فكانوا مثابرين واتّصفوا بالإرادة والقدرة على التحمّل.

 

التدريب تقنياً وعملياً
الرائد سميح خليل، آمر سرية القتال الجبلي الأولى في العاقورة، خضع لدورة رئيس فريق، ومن ثم أشرف على باقي الدورات. وانطلاقاً من خبرته في هذا المجال يقول:
من الناحية التقنية، يتعلّم العناصر كيفية مواجهة مختلف الحوادث التي قد تقع في الجبال، كالإنهيار الثلجي، وكيفية البحث عن مفقودين...
أما من الناحية العملية، فيتدربون على: المشي في الإرتفاعات، التنقل والقتال في الجبال وهم يحملون عتادهم، مواجهة فارق الإرتفاع وقلة الأوكسيجين والظروف الطبيعية القاسية كالعواصف أو الشمس الحادة.
ويوضح الرائد خليل أن دورة رئيس فريق تؤهل العنصر ليكون آمر مجموعة في الجبل، يستطيع معالجة كل الظروف التي تعترضه وتخطّيها أياً كانت صعوبتها، وإيصال مجموعته الى الهدف المرجو.
من المهارات التي يكتسبها العسكريون خلال هذه الدورة، تركيب ممر جبلي لتسهيل مرور العسكريين بأمان، وتركيب حبال لسحب المُصاب من دون تعريض الآخرين للخطر في حال وقوع حادث.
التدريب على تقنيات القتال في الجبال، يتم بمجموعات صغيرة، والهدف منه تمكين آمر الحضيرة (في معظم الأحيان يكون رتيباً لا يرافقه ضابط) من التأقلم في الجبال والقيام بمناورات مع حضيرته، ما يعزز ثقته بنفسه.
ويشرح الرائد خليل طبيعة المهمات في الجبال، من كمائن للعدو وإغارة على بقع بعيدة لتدميرها، بالإضافة الى الإستطلاع، المراقبة، تأمين الحماية والتغطية لعمل الوحدات الصديقة، مراقبة المسالك والدهم...


هناك ننسى التعب
صعوبة التدريبات ناجمة عن طبيعة المهمات الجبلية التي تتطلّب اللياقة البدنية العالية، كما يوضح الرائد خليل، ويعرض تمريناً نموذجياً:
نفترض تمركز عناصر إرهابيين في جرود العاقورة مثلاً. علينا في هذا الوضع أخذ عتادنا كاملاً والتنقّل بطريقة التزلّج، إنطلاقاً من الأرز نحو العاقورة (مسافة 30 كلم أو أكثر). هذا الأمر يتطلّب قوة بدنية، ولكن في المقابل، يشعرنا بلذة التحدي والإرادة والتصميم للوصول الى الهدف، وهناك ننسى تعبنا.

 

المدرّبون الفرنسيون
هذا من ناحية المدرّبين اللبنانيين، فماذا عن وجهة نظر فريق التدريب الفرنسي؟
يتألف فريق التدريب الفرنسي، من ثمانية مدرّبين يدرّبون ست فرق في أماكن مختلفة (الأرز، عيون السيمان، العاقورة، حريصا، ...).
النقيب Manuel Simon، مسؤول مجموعة التدريب الفرنسية، يرى في العسكريين اللبنانيين، القوة والمعرفة التامة بكيفية التأقلم مع الطبيعة وفي الجبال بكل عزم وإرادة.
ويشير في المقابل الى المشكلة ذاتها التي يعانيها الجيش الفرنسي، بالتقدم في التدريبات سنة بعد سنة. فكل عام ينتسب ما بين 25 و30٪ من العناصر الجدد، ما يعرقل التقدّم ويتطلب البدء من جديد بالتدريبات. وهذا ما يسمى «مرحلة بسرعتين» «Stage à 2 vitesses».
يشيد النقيب Simon بقوة الإرادة لدى العسكريين اللبنانيين، وبالقيم العائلية وحسن الإستقبال والضيافة لدى اللبنانيين عموماًَ، آملاً خروج لبنان من أزماته.
من ناحيته يشير النقيب Hovasse Nicolas، مسؤول دورة القتال في الجبال والهاون في اللقلوق، الى أن التدريبات تركز على اللياقة البدنية، نظراً الى أهميتها في القتال الجبلي. أما دورة الهاون فهي دورة تكتيكية حول تنفيذ القطع وتركيبها، ورماية الهاون... وقد تمّت في سهل البقاع. ويؤكد النقيب Nicolas أهمية تعزيز ثقة المقاتل الجبلي بنفسه ويشير الى أنهم لمسوا كمدرّبين خلال هذه الدورة، تحسناً على جميع المستويات لدى المتدرّبين، فتمّت المهمة بنجاح.
هو كفرنسي، يكون للمرة الأولى في لبنان وقد تأثر كباقي زملائه بالشعب اللبناني وأحب طبيعة لبنان وجباله الرائعة.


متدرّبون
يرى الملازم الأول هادي حسن أن «مَن يشارك في هذه الدورة، لا يكفيه أن يتمتّع باللياقة البدنية فحسب، بل يجب أن يتمتّع بسرعة البديهة ايضاً. فأي خطأ قد يكون مميتاً». ويقول رفيقه الملازم حسن عميرة: «هذه الدورة عرّفتنا على أصول القتال الجبلي وتفاصيله، وزادت من لياقتنا البدنية». من ناحيته، يؤكد الملازم الأول عطية أبو حيدر أن هذه الدورة كانت مهمة من ناحية تعزيز القدرة على «تحمّل المسؤولية»؛ ويشاركه الرأي الملازم الأول جان داغر مضيفاً: «المنافسة كانت في أساس التدريبات، ما أكسبنا إحترافاً على مستوى الرماية والنشاطات القتالية».


الرمايات
تمّ تدريب دورة القنّاصة في الأرز والقرنة السوداء، واللقلوق والعاقورة. تعلّم العسكريون خلال هذه الدورة الرماية بالـ«دراغدنوف»، الـ«12.7 ملم» والـ«م16»، في حقول يتم الوصول اليها بواسطة الزلاجات. وقد دُرّبوا على رماية النخبة حيث يجب إصابة الهدف من الطلقة الأولى، بينما يحملون عتادهم كاملاً.
نفّذت مجموعتا القتال الجبلي رمايات بالذخيرة الحيّة، في البقاع الأوسط - حقل الطيبة، ضمن برنامج شمل ايضاً تدريبات على القتال والتنقّل في الجبال وسط إطلاق الرصاص، وكيفية مواجهة كمائن أو عبوات...
طبيعة الأرض الوعرة وصعوبة التنقّل فيها، مثّلت تحدياً لقدرات المتدرّبين، لكن العريف الأول نقولا فجلون يرى أن «هذه التدريبات والصعوبات أكسبت العناصر المزيد من الثقة بالنفس والخبرة، خصوصاً أنها تحتاج الى قوة جسدية ونفسية وقدرة تحمّل».

 

دورة التزلّج
جرت تمارين التزلج في فاريا، واللقلوق والأرز. تمّ التركيز فيها على تقنيات التزلّج والمشي والقتال في الجبال. بالإضافة الى تمارين سير في القرنة السوداء وفي ضهر القضيب. وتمّ تعريف العناصر على الحركات البدائية في التزلج كالتوازن على الزلاجات والتعامل مع العتاد الخاص بهذه الرياضة.
وفي هذا الإطار، يشرح الرقيب شربل بشراوي وهو آمر مجموعة، أن «بعض العناصر جدي د ولا يملك أدنى فكرة عن التزلّج. فكان من الصعب عليهم التأقلم مع الطبيعة الجبلية ووعورة أماكن التدريب».
إلاّ أن المؤهل محمد كبة يرى أن «العنصر الذي يتّصف بالوعي والتركيز والمسؤولية، يمكنه تخطّي كل هذه الصعوبات، حتى ولو كان مبتدئاً».

 

الهاون
الهاون سلاح أساسي في الجبال، فكل وحدة مقاتلة في الجبل يجب أن تملك مجموعات هاون. مجموعة أو حضيرة الهاون تتألف من ثمانية عناصر، والفرنسيون درّبوا مجموعتين من 16 عنصراً على كل ما يختص بهذا السلاح من إرباض وتركيب وتحضير وتجهيز للرمي وتوجيه للرماية.
تدريبات الهاون 81، تمّت في العاقورة واللقلوق وفي بعض الجبال والجرود المحيطة. تمرّن خلالها العسكريون على حمل الهاون والمشي به، وربضه والرمي به، كما نفّذوا رمايات نهارية وليلية في البقاع. ويعتبر الرقيب الأول شادي مكرزل أن «ما يميّز هذه المجموعة، أنها هي التي تؤمّن حماية باقي العناصر والمجموعات، وبالتالي تحتاج الى القوة والتركيز واكتساب الخبرة اللازمة في هذا المجال».
ويبقى فوج المغاويـر، بقيادتـه وعسـكرييه، على أتمّ إستـعــداد لأي مهمـة عملانية طارئة تستوجب تدخّله، وتبـقى التدريبات والدورات المخـتلفـة الأســاس الصلب لجهوزيـتـه الدائمـة، ولاستحقـاقه تسـميـة فوج النخبـة فـي الجيـش اللبناني.

 

حفل التخرّج

في ختام الدورة (22 نيسان 2009) جرى حفل تسليم شهادات للعسكريين المتخرّجين.
أقيم الحفل في ثكنة الفوج برئاسة العقيد الركن شامل روكز قائد الفوج، الذي ألقى بالمناسبة كلمة شدّد فيها على أهمية مواصلة التدريب والعمل على رفع اللياقة البدنية للعناصر الجبليين بشكل خاص، وللفوج بشكل عام. كما نوّه بجهود المتدرّبين على الرغم من المهمات العملانية المتواصلة للفوج.
وشكر أخيراً العقيد الركن روكز، فريق التدريب الفرنسي متمنياً إستمرار التعاون بين الجيشين.
وبعدها تمّ تبادل الدروع والهدايا في حفل كوكتيل في نادي ضباط الفوج.