قصة قصيرة

سعادة الأستاذ
إعداد: العميد المتقاعد إميل منذر

​فتحت «نعيمة» النافذة، ومدّت رأسها خارجًا ونادت: صبحي، يا صبحي.
​- ما الأمر؟ لماذا تصرخين!؟ هل مات أحد في الضيعة؟ هل خلّفت البقرة؟ قال وهو منهمك في صبّ الاسمنت عند مدخل البيت الترابي.
​- اتّصل الأستاذ «سهيل»، وقال إنه سيأتي بعد قليل لاحتساء فنجان قهوة عندنا.
​- لاحتساء فنجان قهوة ؟... ولكن من أين سيدخل والاسمنت ما زال طريًّا؟!
​ما مضى طويل وقت حتى قدمت سيّارة حديثة الطراز ترجّل الأستاذ من مقعدها الخلفيّ الأيمن بعدما فتح له أحد المرافقَين الباب؛ فخفّ صبحي الخطى لاستقباله مرحّبًا به نافضًا الغبار عن ثيابه بيديه: «كيف أصافحك يا أستاذ ويداي متّسختان!! لا تؤاخذني أرجوك».
​- بوركت الأيدي التي تبني وتحرث وتزرع، وبورك كلّ جبين يروي تراب الوطن بعرَق التعب؛ فهات يدك أصافحها، وقرّبْ جبينك أقبّله. والله، ثم والله، إن حالفني الحظّ في الانتخابات، لأعملَنَّ على استصدار القوانين التي تحمي العمّال من مزاحمة الأيدي الأجنبية، وتحظّر استيراد أيّ سلعة نستطيع إنتاجها في بلادنا. لقد صدق جبران حين قال: ويل لأمّة تأكل ممّا لا تزرع، وتلبس ممّا لا تنسج. والله....
​- صادق من غير قسَم يا أستاذ... كيف سندخل؟!! سأل وابتسم كمَن يسأل نفسه. ثم أردف: ثمّة مدخل من تحت. ولكن...
​- ندخل من أيّ مكان. لا داعي للحرج يا أخي صبحي. نحن أهل وأبناء منطقة واحدة.
​دارَ صبحي حول البيت أمام الرجال هابطًا بهم إلى الأسفل، وخطا أمامهم من باب القبو. وإذ خارت البقرة ونهق الحمار، زجرهما صاحبهما: «اسكتا. إنهم من أهل البيت»، وأضاف: «أرجوك لا تؤاخذني يا أستاذ»؛ فردّ الأخير وهو يجتهد في اختيار مواطئ قدمَيه بين الروث: كلّنا فلاّحون يا أخي. كلّنا فلاّحون.
​في بيتها رحّبت نعيمة بالزوّار أجمل ترحيب، ودعت سهيلًا إلى الجلوس على مقعد لم يتشقّق خشبه ويبُخ لون قماشه كغيره بعد: «مقاعد بيت فقراء، لكنها نظيفة»، قالت وضحكت؛ فابتسم سهيل: «البرَكة والقداسة في مثل هذه البيوت يا ستّ أمّ صلاح... بالمناسبة، أين صلاح؟ ألم يصبح في سنّ الاقتراع بعد؟»، سأل وضحك؟
​- لقد بلغ السادسة والعشرين، أجاب صبحي.
​- لكن يا ولدي، قالت نعيمة. لم يجد وظيفة بعد. بعنا كرْم الزيتون حتى تعلّم وحصّل شهادة بدرجة امتياز في علم الكمبوتر. لكنه لا يعمل.
​- كومبيوتر يا امرأة، لا كمبوتر، قال صبحي ضاحكًا؛ فأضحك الجميع.
​- وما أدراني أنا!!
​- هذه حال البلد: الشهادات كثيرة والوظائف قليلة، علّق أحد مرافقَي الأستاذ.
​- لا تقلقي يا أختي، قال سهيل. إن وفّقني الله ودخلتُ المجلس، فسأتدبّر له وظيفة من تحت الأرض.
​- صحيح!!! قالت نعيمة وكادت أن تبكي. «ألله يوفّقك يا أستاذ، ألله يوفّقك». هكذا دعت له رافعةً يديها وبصرها إلى العلاء. ثم قامت لتحضر الفاكهة والحلوى وهي تمسح عينيها.
​بعدما غادروا طلبت نعيمة من زوجها أن يحصل على صورة للأستاذ، ويكبّرها، ويعلّقها على سطح البيت.
​- هل علينا أن نفعل هذا؟! ألا يكفي أننا سنمنحه أصواتنا؟!
​- لا. لا يكفي. عليه أن يعرف ذلك منذ اليوم، ويعرف أننا معه «على راس السطح».
​- وإذا خسر، ألا نكون قد جاهرْنا بولائنا له وخسرنا معه؟!
​- يومذاك قد تُسنَد إليه حقيبة وزارية. يصبح وزيرًا. والوزير أقدر من النائب على توظيف الساعين إلى وظائف. الرجُل وعدَنا.
​- كيف تعرفين أنه صادق؟!
​- سيماء الناس في وجوههم.
​حصل صبحي على الصورة من أحد مرافقي الأستاذ، ونزل إلى المدينة وكبّرها. ثم جاء بحدّاد وضع لها مسندًا عند حافة السطح علّقها عليه مواجهةً للطريق العامّ ليراها الرائح والغادي.
​وكان لصبحي جار من أنصار «رفعت» بك، خصم سهيل اللدود في الدائرة. فلمّا رأى الصورة المرفوعة عاليًا، انزعج جدًّا ونادى صبحي: بكم اشتراك صاحبك يا جار؟ عسى الثمن على قدر الصورة.
​- لسنا ممّن يُشرَون ويباعون يا أبا شوقي.
​- إذًا انزعْ صورة هذا الوجه المقيت. وإذا أردتَ أن تمنح صوتك أحدًا، فالشرفاء الصالحين.
​- أمثال رفعت بك صاحبك، أليس كذلك؟
​- أصبت.
​- والأستاذ سهيل؟
​- كلّ الناس تعرف من أين جمع ثروته وكيف. لكنّ القانون، في هذا البلد، هو مصْيَدَة للصوص الصغار فقط. الكبار منهم هم دائمًا فوق القانون.
​- أنت لا تحبّه لأنه ليس في خطّ رفعت.
​- رفعت بك يا صبحي.
​- ليرحم الله مَن اشترى اللقب من الأتراك بالذهب، ثم أورثه أولاده وأحفاده.
​- إسمعْ. أنا لا أستطيع أن أكون على علاقة طيّبة بجار يناصر أعداء الوطن وسارقي مال الشعب. أنزل الصورة واكسر الشرّ وإلا...
​- وإلا ماذا؟ تضربني؟ إن كنتَ رجُلًا تقدّم.
​- لم أكن أعلم أنك عنيد إلى هذا الحدّ، قال والتقط عصًا غليظة واندفع باتّجاه صبحي. وقبل أن يخرج أهل البيتين على الجلبة والصياح، كان صبحي قد انتزع العصا من يد خصمه وضربه بها على رأسه ضربة شجّته وأسالت دماءه، ما استدعى نقل الرجُل إلى المستشفى ترافقه زوجته مستنزلةً على صبحي أشدّ اللعنات وأبشع الأدعية. وقبل أن تغيب الشمس كان رجلان من قوى الأمن يقتادان صبحي إلى المخفر مكبّل اليدين. فكما الدول كذلك الناس: الكبار يتخاصمون والصغار يتذابحون.
​قبع أبو صلاح في السجن أسبوعين كانت زوجته فيهما تقصد الأستاذ في بيته ومكتبه راجية مساعدته. أوّل مرّة قيل لها إنه غير موجود. في الثانية قالوا إنه في اجتماع هامّ. وفي الثالثة حظيت بمواجهته ورجته أن يفعل شيئًا؛ فوعدها خيرًا. وفي اليوم الثاني أوفد الأستاذ إلى المخفر أحد المقرّبين منه طالبًا الإذن برؤية السجين. فلمّا أُخرج إليه مكبّلًا، عانقه بحرارة: «الأستاذ يسلّم عليك، ويقول لك إنه لن يألو جهدًا حتى يُخرجك مرفوع الرأس موفور الكرامة في أسرع وقت».
​- بحياتك لا تنسوني. دمي فداء الأستاذ. هكذا قال وكاد يبكي.
​- الأستاذ لا ينسى الأوفياء. يومان ثلاثة وتخرج بإذن الله.
​لكنّ الأيّام الثلاثة مرّت، ومرّ غيرها مثلها ولم يتمّ الإفراج عن صبحي؛ فالأستاذ لم يهتمّ، ثم نسي الأمر. وأخيرًا أُفرج عنه لقاء كفالة مالية غير قليلة. وفي صبيحة اليوم الثاني حلق ذقنه، وارتدى بزّته الجديدة التي لا تخرج من عتمة الخزانة إلا في الأعياد الكبيرة والمناسبات الرسمية، وقصد المدينة، وابتاع للأستاذ هدية ثمينة، وزاره في بيته، وقدّمها إليه شاكرًا ممتنًّا: «ليقدّرْنا الله على ردّ بعض جميلك يا أستاذ. لولاك لما زلت قابعًا في السجن إلى جانب اللصوص وقطّاع الطرق»؛ فردّ الأستاذ: «أنا لا أتخلّى عن الأصدقاء الأوفياء ما دام في عروقي دم يجري». هكذا أجاب، واعتذر من ضيفه لضيق وقته؛ فغادر أبو صلاح من غير أن يحظى بفنجان قهوة حتى، وفي نفسه تصميم على قتال العالم من أجل الأستاذ الذي «أخرجه من الحبس».
​أيّام قليلة انقضت، وكان لقاء في ملعب أكبر نادٍ رياضيّ في القضاء بين أعضاء اللائحة التي ينتمي الأستاذ إليها، والشعب. وكان الأستاذ آخر الخطباء؛ فوقف وحيّا الجمهور، وقال: «أيها الرفاق. أيها الأوفياء. أيها الشرفاء». وللوقت علا التصفيق والصفير وهتافات الفداء بالروح والدم. ولما هدأ كلّ هذا، عاد الخطيب ليقول: أنصاري وأحبّائي. مثلما نحن اليوم معًا، هكذا أعاهدكم أن نبقى دائمًا. أعدكم بأن أكون صوتكم، وحامل قضاياكم، والمدافع العنيد عن حقوقكم. أعدكم بالعمل على تعرية كلّ فاسد ومارق ومتطاول على القانون. أعدكم بأن أكون نصير كلّ صاحب حقّ ومظلوم. أعدكم....
​عندئذٍ قاطع الجمهور مرشّحه مجدّدًا بالتصفيق والهتاف وقرع الطبول. وإذ بلغت الحماسة من صبحي كلّ مبلغ، اعتلى جدار الملعب العالي وصرخ: «يعيش زعيمنا، يعيش»؛ فردّ الشعب بصوت واحد: «يعيش يعيش». ثم قفز صبحي وركض نحو المنصّة، وانحنى خلف الأستاذ داسًّا رأسه بين فخذَيه ونهض به؛ ففتح الأستاذ ذراعَيه يحيّي مناصريه والبسمة ملء شدقَيه. ولمّا كان الرجُل من أصحاب الوزن الثقيل، فإنّ أبا صلاح ناءَ تحته، إلا أنه جالدَ وجاهدَ وكابرَ؛ فلم يُنزله عن كتفَيه إلا بعدما رقص به ودار. لكن عندما حطّه، لم يستطع رفع رأسه لإحساسه بألم شديد يمزّق ظهره.
​تلك الليلة لم ينفع فَرْكُ نعيمة ظهرَ زوجها بالزيت الساخن، ولا المسكّنات نفعت، ذلك أن الألم استمرّ يشتدّ حينًا ويسكن أحيانًا حتى طلع الصباح. ساعتذاك انزلق صبحي عن السرير كلوح خشب يابس، وبدّل ملابسه بمعونة زوجته، وقصد الطبيب في مستشفى المدينة؛ ففحصه، وأمر له بصورة شعاعية تبيّن بنتيجتها أنه مصاب بتمزّق عضليّ مع التواء في فقرات ثلاث. وهكذا مكث في المستشفى أسبوعًا كاملًا كلّفه كلّ ما كان قد ادّخره من قروش بيض للأيّام السود. لكن ما الهمّ؟! غدًا يجد الأستاذ لصلاح ابنه وظيفة مرموقة بمرتّب محترم يعوّضه كلّ ما أنفق.
​ودارت عجلات الزمن دوراتها، وأزِفَ الموعد المنتظَر في السادس من أيّار. في هذا اليوم وقف أهل الضيعة أمام قلم الاقتراع طابورًا طويلًا. وكانت الأقدام لا تتزحزح، كلّ بضع دقائق، إلا قليلًا. ثم كان أن توقّفت عند أسفل الدرج على الطريق العامّ سيّارة يقودها صلاح وإلى جانبه أمّه. وسرعان ما ترجّلَ من مقعدها الخلفيّ صبحي، وفتح الباب الأيمن، وأمسك بذراع أمّه العجوز وهمَّ بإنزالها؛ فسارع صلاح إلى مساعدته. صوت واحد قد يغيّر كلّ النتيجة كما قال صبحي عندما طلبت منه أمّه الطاعنة في السنّ تركها في البيت. وإذ رأى أنصار سهيل المرأة تكاد لا تقوى على نقل قدمَيها بين ابنها وحفيدها، هبطوا بلمح البصر، وحملوها إلى فوق: «بأهداب الجفون نحملك يا ستّ أمّ صبحي». ثم تركوها بعهدة كنّتها وبعض النساء النصيرات. أما صلاح وأبوه فوقفا في طابور الرجال. والمضحك المبكي أنه لمّا أدلت العجوز بصوتها وأسقطت ورقتها في الصندوق، تركنها كلّهن؛ فراحت ونعيمة تستنجدان بمَن يعينهما ولا مِن معين. هذا المشهد أضحك الناس جميعًا. وأكثر مَن ضحك كانوا أنصار المرشّح رفعت بك.
​عندما حلّ المساء وهبط الليل وبدأت النتائج الأولية بالظهور، تسمّر صبحي أمام التلفاز، وشخصت عيناه إلى الشاشة لا ترفّ لهما أجفان. وكلّما أعلن مراسل المحطّة عن تقدّم للأستاذ سهيل، قفز صبحي عن الأرض مهلّلًا فاتلًا شاربَيه. وكلّما أذاع تقدّمًا لرفعت بك، لعنه، وهمَّ بضربه بالكرسيّ. لا، لم يكن يهمّ صبحي أن يربح الأستاذ سهيل بقدر ما كان يهمّه أن يخسر رفعت بك وينكسر رأس أبي شوقي.
​- البقرة تخور. انزل اطعمْها، قالت نعيمة.
​- لتصبرْ قليلًا بعد. مَن أهمّ أهي أم الأستاذ سهيل؟!!
​كانت عقارب الساعة تشير إلى الواحدة بعد منتصف الليل عندما أُعلنت النتائج بشكل شبه رسميّ؛ فدخل صبحي غرفة النوم، وهزّ زوجته من كتفها: «نعيمة، يا نعيمة. أنائمة أنتِ؟».
​- ما بك؟ ما الأمر؟ سألت وهي بين غافية ومستيقظة.
​- لقد فاز الأستاذ.
​- أحقًّا؟! قالت واستقامت جالسةً تفرك عينيها، وأضافت: لا أراك متحمّسًا. ما الحكاية؟!
​- لقد فاز رفعت الزفت أيضًا. كم كان بودّي أن يخسر!!
​منذ ساعات الصباح الأولى بدأ الناس يتقاطرون إلى دار الأستاذ للتهنئة زرافات ووحدانا، وكان صبحي ممّن تولّوا استقبالهم ووداعهم، وحتى تقديم القهوة والحلوى إليهم. ولمّا هدأت الرِجْل بعد عدّة أيّام، قصد صبحي سعادة النائب المنتخَب ليطلب منه ألا ينسى الوظيفة التي وعده بها لابنه، فاستوقفه الحاجب عند الباب مستوضحًا عن اسمه وطلبه.
​- أنا صبحي. أريد أن أسلّم على الأستاذ.
​- اعتبرْ سلامك قد وصل. سأدوّن اسمك في السجلّ يا عمّ.
​- أريد أن أراه دقيقتين لو سمحت.
​- أخشى أنك لا تستطيع. الأستاذ في اجتماع عمل هامّ بعدد من رجال الدولة الكبار.
​- ونحن، العمّال الفقراء، ألسنا من رجال الدولة!! ادخلْ وأبلغْ سعادته من فضلك أنني أريد مقابلته. قلْ له فقط: صبحي في الباب.
​- حسنًا، انتظرْ. هكذا قال ودخل. فلمّا فتح الباب، لمح صبحي الأستاذ ورفعت بك جالسَين وجهًا لوجه يشربان نخب النصر ويضحكان؛ فصُدم أيّما صدمة، وهمَّ بأن يعود أدراجه لولا أنّ الأستاذ خرج إليه وسأله عمّا به من غير أن يمدّ يده لمصافحته. في تلك اللحظة تذكّر صبحي عبارة الأستاذ: «هاتِ يدك أصافحها، وقرّبْ جبينك أقبّله»، تلك التي قالها له في بيته يوم كان يريد صوته.
​- ما حاجتك يا صبحي؟
​- لا شيء يا أستاذ، لا شيء.
​- أنا لست بناسٍ موضوع ابنك، لكن...
​- لكن ماذا؟
​- أحوال البلاد ليست على ما يُرام. الرئيس الأميركي ألغى الاتّفاق النوويّ مع إيران، والمنطقة كلّها على كفّ عفريت. ثم إني لا أُخفيك أن اقتصاد العالم في تراجع. ثمّة مصانع كبيرة كثيرة ستصرف عمّالها وتقفل أبوابها إذا قرّرت الدول الصناعية العظمى التخفيف من حدّة الاحتباس الحراريّ الذي يهدّد الأرض.
​- حدّة ماذا يا أستاذ؟... تركتُك بعافية. عُدْ إلى رفعت بك ضيفك، ولْيوفّقْكما الله إلى إيجاد الحلول الناجعة لأزمات الوطن والمنطقة والمخاطر التي تهدّد العالَم.
​وعاد صبحي جارًّا قدمَيه وأذيال خيبته، ودخل بيته بطيء الخطوة، مطأطئ الرأس، متفحّم القلب. ولمّا سألته زوجته عمّا به، أجابها: «صلّي لتنفرج بين أميركا وإيران، ولئلا يصيب كوكب الأرض مكروه». هكذا قال، وخرج قاصدًا بيت جاره. ولمّا فُتح له، وقف في الباب حزين المحيّا: «أتسامحني على ما آذيتك به يا جار؟».
​- لقد سامحتك يوم تنازلت عن الدعوى في مخفر الدرك.
​- ماذا!!! ألم يفرجوا عني بسبب توسُّط الأستاذ...!؟ هكذا قال وتوقّف عند كلمة «أستاذ» كأنه كره أن يلفظ الاسم.
​- الأستاذ!!! قال أبو شوقي يبتسم ويهزّ رأسه إنكارًا... على أيّ حال دعْنا من كلّ هذا الآن. الحمد لله على سلامتك. ادخُل ادخل.
​- يا لنا، نحن الشعب، من حمقى مغفّلين! ألسنا نحن مَن أركبناهم على أعناقنا وظهورنا! فلمَ نشكو ونتذمّر!!
​- أتريد أن تدخل أم أن تبقى واقفًا في الباب؟! سأل بدعابة.
​- لا. لديّ عمل أقوم به. هل لديك منشار حديد يا جار؟
​- بالتأكيد. تعال معي.
​نزل الرجلان إلى الطابق السفليّ حيث العدّة؛ فاستعار أبو صلاح المنشار، وصعد إلى السطح، ونشر القضبان التي تحمل صورة الأستاذ سهيل، وقذف بها والصورة من على السطح إلى تحت.