طفولة و تربية

ســــلامتــكــم تــهــمــنـــا
إعداد: الدكتور الياس الشويري
مدير عام ورئيس لجنة النقل البري في منظمة السلامة العالمية وممثل المنظمة لدى الأمم المتحد

الأطفال والصبية هم أكثر المشاة تضرراً في الحوادث داخل المدن

ورد في أحد التقارير الصادرة عن الجمعية الدولية لحوادث الطرق «أن الأطفال والصبية دون الثامنة عشرة من العمر، يمثلون الفئة الأكثر تضرراً من حوادث المشاة داخل نطاق المدن والتجمعات العمرانية».
وتشير التقارير والإحصائيات الى أن «أكثر فئات المشاة خطورة هم الأطفال دون الرابعة عشرة من عمرهم. وتبين أيضاً أن طفلاً من كل ثمانماية طفل، بين الخامسة والتاسعة من العمر، يموت أو يصاب إصابة خطرة جداً من جراء حوادث المشاة، ويشكل البنون النسبة الأكبر وهي ضعف نسبة القتيلات والمصابات من البنات. أما الأولاد دون السادسة عشرة الذين قتلوا أو أصيبوا إصابات بليغة، فكانوا أكثر من البنات بنسبة هي أقل من الضعف بقليل. وقد تبين أنه في نحو 08% من الحوادث التي سُجلت كان الأطفال يعبرون الطريق، وأن الحالات التي كان فيها السائق المخطئ لا تتجاوز الـ8% وأن نحو 58% من إصابات الأطفال وقعت أثناء عبورهم من مدارسهم أو إليها.

 

نصائح الخبراء

لقد أوضحت الدراسات الحديثة حول هذا الموضوع، أن ثمة جملة من الأمور المشتركة في حوادث المشاة، منها «أن الحوادث غالباً ما تقع في حدود مسافة لا تزيد عن 004 متر من منزل الضحية، بينما كانت المسافة دون 0051 متر لجميع الفئات العمرية من الأطفال والبالغين، وإن هذه المسافة متغيرة، فكلما كان سن الطفل أصغر كان وقوع الحادث أقرب الى المنزل»، ومنها أيضاً أنه في نسبة قليلة من الحوادث كان الطريق غير مألوف بالنسبة للمشاة»، و«أن أكثر من ثلث الأطفال الذين هم دون سن المدرسة كانوا يلعبون على الطريق عند إصابتهم».
من المهم التوضيح أن سلوكيات الطفل تكون غير ناضجة، وردود أفعاله تنقصها المهارة والخبرة، مما يجعل مجرد تواجده في الشارع أمراً خطيراً بالنسبة اليه وسبباً لارباك قائدي السيارات والمركبات، فهم يركزون على حركاته (الطفل) على حساب رؤية الطريق! لذلك يوصي خبراء السلامة بضرورة وضع قدرات الطفل الذهنية والسلوكية في الاعتبار عند تصميم الطرق، خصوصاً عند التقاطعات ونقاط العبور، حيث أن التفاصيل المرورية على الطريق تعتبر معقدة بالنسبة للطفل، فالراشد يقدّر حالة العبور وهو في الطريق نحو موقع العبور، إلا ان الطفل يعير اهتماماً بسيطاً لحالة العبور قبل وصوله الى حافة الطريق المراد قطعه، لذا فإنه يكون أقل استعداداً للاستفادة من الفجوات المتاحة بين المركبات العبور. ومما يزيد الأمر خطورة أن الطفل حال وصوله الى حافة الطريق - للعبور - يكون أقل صبراً، فيندفع بشكل غير مدروس، خصوصاً وإنه لا يستطيع ان يقدر الوقت الصحيح للعبور!
كما يوصي الخبراء بوجوب العناية القصوى بتصميم النقاط الخاصة بعبور المشاة، حيث يوضع في الاعتبار خفض زمن انتظار المشاة كي لا يقوموا بعبور الطريق بشكل متسرّع حين يتم تأخيرهم أكثر من اللازم! كما يجب أن يُراعى في تصميم معابر المشاة أيضاً سلامة عبورهم عن طريق وضع اشارات تنبيهية للسائقين المقبلين على تلك المعابر.

 

الخطر غير بعيد

لا يمكن لأحد، خصوصاً الأهل، الاعتقاد بأن الخـطر بعيد عن أبنائهم! فالحادث يمكـن أن يخـطف بلحـظة ما حرصنا عليه خلال سنوات، فالطفل لا يعي ما يقوم به عـند الاندفـاع نحـو الشارع، ولا يمكن لا بل من المستحيل أن نُعلّم طفلاً عمره سنتان أو ثلاث سنوات أن يتجنب المخاطر أثـناء اندفاعـه هذا! من هنا، فإن المسؤولية تقع على عاتق الآباء والأمهات المفترض بهم أن يكونوا على علم تام بخطورة هذا الأمر، وأن يشددوا مراقبتهم لحركات أطفالهم أثناء السير في الشارع، فالتدابير الوقائية المدروسة هي أنسب الوسائل التي يمكنهم من خلالها تفادي حوادث الطرق التي تُلحق الضرر بأطفالهم.
كذلك، يجب على الأهل أن يحرصوا كل الحرص على تواجدهم مع أطفالهم، أو تعيين مرافق لهم أثناء اللعب، فالقاعدة الأساسية تؤكد «أن ترك الطفل، في مرحلة ما قبل الذهاب الى المدرسة، يسير وحده خارج البيت، خصوصاً إذا كانت هناك حركة سير حول المنزل، يُعرضه الى خطر جسيم، لأنه ببساطة في هذه المرحلة يكون كثـير الفـضول، ومن وجهة النظر النفسية، هو لا يستطيع أن يفهم سوى الإشارات الواضحة والمحددة، وليس بقادر على التـركيز سوى على أمر واحد كل مرة».
وينصح الخبراء الأهل بألا يعتبروا أطفالهم ناضجين كفاية لكي يسمحوا لهم بالتنقل وحدهم على الدراجة في طريق عام قبل بلوغ الثالثة عشرة من العمر، خصوصاً وأن الأطفال في هذه المرحلة يقعون ضمن دائرة «التقلّب المزاجي/ الانفعالي العنيف» حيث تتصف انفعالاتهم بـ:
- قصر مداها، فهي تظهر بسرعة وتختفي بسرعة أيضاً.
- كثرة عددها، وتحوّل مظاهرها، فهي غير مستقرة، وكثيراً ما نرى أطفالاً يخافون من الشيء ويقدمون عليه في الوقت نفسه.
- الحدة في شدتها.

 

كيف نبعد الأذىعن أطفالنا؟

لا بد أخيراً من القول بأن البحث عن حلول وقائية لظاهرة تعرّض الأطفال المشاة لحوادث الطرق يفرض وبشدة تسليط الضوء على «المدرسة» التي بإمكانها القيام بدور فعّال للحد من هذه الحـوادث، وذلك عن طريق اكساب التلاميذ المهـارات والمفاهيم والقيم التي يحتاجون إليها للتعامل السليم مع الطرق ونظم المـرور، وذلك باعتماد منهج علمي تربوي للسلامة المرورية تتواصل دراسته منذ السـنة الاولى لالتحاق الطفل بالمدرسة الى سـنة متأخرة من اكتمال نموه النفسي الفـكري والانفعالي، على أن يتعلم الطفل في بدايـة هذا المنـهج مبادئ السـير وأهمها كيـف ومتـى يعـبر الشـارع بأمان، واحتياطات السلامة أثناء تعامله مـع وسـائل النـقل عند الصعود والنزول، كذلك يجـب تنمـية وعيه بالجـهود التي تبذل لبناء الطـرق واصلاحها ووضع الشاخصات وأهمية وجود هذه الأخيرة وضـرورة الحفاظ عليها، والى غرس الآداب العامة للمرور في نفسه، خصوصاً التعوّد على التحلي بالصبر واحترام حق الآخرين في العبور...
ويبقى الأمل... بأن يكون المستقبل أجمل لأولادنا. ولتحقيق ذلك، علينا أن نكون من أهل البصيرة للقيام بكل ما من شأنه إبعاد الأذى عنهم!