مقابلة

سفير استراليا في لبنان عن مهمته المثيرة للاهتمام والحافلة بالتحديات:
إعداد: ريما سليم ضوميط

بقاء لبنان قويًا أشبه بمعجزة

نثمّن عمل الجيش وسنستمر في دعمه

 

بين لبنان وأستراليا علاقات تاريخية متينة بدأت منذ أكثر من مئة عام مع بداية الهجرة اللبنانية إلى بلاد الله الواسعة، واستمرت خلال الحرب العالمية الثانية حين ساهمت القوات الأسترالية للحدٍ من آثار الحرب على لبنان، وهي ما زالت في نمو مطرد حيث يتجاوز عدد اللبنانيين المقيمين في أستراليا حاليًا المئتي ألف شخص، في حين يحضن لبنان حوالى عشرين ألف أسترالي.
العلاقات بين البلدين، ودور الجالية اللبنانية في أستراليا، إضافة إلى التعاون بين الحكومة الأسترالية والجيش اللبناني، كانت محور حديث لمجلة الجيش مع السفير الأسترالي في لبنان السيد غلين مايلز.

 

استمتع بوجودي هنا
• بداية، سعادة السفير نعرب لكم عن سرورنا بهذا اللقاء ونتمنى أن تحدثّونا عن شعوركم حيال المهمة التي تتولونها في لبنان وعن انطباعاتكم عن بلدنا وجيشنا؟
- لقد كان شرفًا عظيمًا لي أن أُعيَّن سفيرًا لأستراليا في لبنان، ولا سيما في ضوء العلاقات القوية والمتينة بين بلدينا. عندما يصل المرء إلى لبنان، سرعان ما يكتشف أنّ هذا البلد يزخر بالكثير، من تاريخه العريق إلى ثقافته المتجذِّرة، فطبيعته الخلابة وطعامه اللذيذ. وكدبلوماسي، أجد العمل فيه مثيرًا للاهتمام وحافلًا بالتحديات.
في الواقع، أستمتع بوجودي هنا، لا سيما وأنني أتجوّل في أماكن يجهلها بعض اللبنانيين. لقد زرت الساحل والجبل وتنقّلت من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب والبقاع. وأينما ذهبت تطالعني طبيعة لبنان الساحرة والخلّابة من سهل البقاع إلى جبال لبنان الشاهقة التي نفتقر إليها في أستراليا. أما بيروت، فهي واحدة من المدن الأكثر نبضًا بالحياة. أنا محظوظ بالعيش فيها لما تحتضنه من مساحة فنية وموسيقية تذكِّرني كثيرًا بموطني.

 

قدرة لبنان على الصمود استثنائية
ما يميِّز  لبنان أيضًا هو  قدرته الاستثنائية على الصمود في خضم الاضطراب الإقليمي الذي يعصف بالمنطقة، ولا سيما في سوريا. وبقاء لبنان قويًا على الرغم من العبء الهائل الذي يرزح تحته أشبه بمعجزة: إنّه اليوم جزيرة هادئة في عين الإعصار، وهذا ما أقوله للأستراليين. وسبق لوزيرة خارجيتنا جولي بيشوب أن أشادت بكرم اللبنانيّين وصلابتهم، وأنا في هذه المناسبة أضمّ صوتي إلى صوتها.
في ما يتعلّق بالجيش اللبناني، أراه بصورة عامة مؤسّسة على درجة عالية من الحرفية والمهنية والانضباط، تضطلع بدور حيوي وقوي جدًا في ضمان استقرار لبنان وأمنه. وما أراه أيضًا أنّ الجيش يمثِّل المؤسّسة التي يضع فيها اللبنانيون وأبناء الجالية في أستراليا ثقتهم. فقبل قدومي إلى لبنان، التقيتُ أبناء الجالية في أستراليا الذين أبدوا ثقتهم بالجيش. والفضل في ذلك يعود إلى عناصر الجيش وضباطه. كما زرتُ في لبنان وحدات من الجيش كان آخرها فوجا الحدود البري الأول والثاني، ولمستُ مشقة العمل الذي يقوم به العسكريون في حماية لبنان.

 

روابط قوية
• تعود العلاقات بين بلدَيْنا إلى زمن بعيد. كيف تنظرون إلى هذه العلاقات؟
- عادةً ما تقوم العلاقات الثنائية، أيًّا كانت، على عمق الروابط بين الشعبين ومداها. وهذا ما ينطبق، لحسن الحظ، على أستراليا ولبنان. في أستراليا اليوم جالية قوامها ما لا يقلّ عن 200 ألف شخص متحدِّرٍ من أصل لبناني، علمًا أنّ أبناء الجالية يقدِّرون هذا الرقم بـ400 ألف. هذا بالإضافة إلى 20 ألف أسترالي يعيشون هنا في لبنان. وهذه الروابط بين الشعبين هي المحرِّك للعلاقة. أما دور الحكومات والسفارات فيقتصر على منحها القلب والقالب. وهذا بالضبط ما نقوم به في السفارة، ولا سيما على مستوى بناء العلاقات التجارية والاستثمارات وتوسيعها. ففي العام 2014، وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 58 مليون دولار، وهو رقم لا يفي العلاقات الثنائية بين لبنان وأستراليا حقّها، لأنّ معظم عمليات إعادة التصدير تتم عبر الخليج، وبالتالي لا تشملها الأرقام. أعرف أنّ مطاعم كثيرة تقدم أجود أنواع اللحوم المستوردة من أستراليا. كما قيل لي إنّ القمح الذي يُستعمل في صنع المنقوشة مستورد أيضًا من أستراليا، ما يعني أنّ كثرًا يشترون المنتجات الأسترالية من دون علمهم.
ولبنان يزخر هو الآخر بالكثير من فرص العمل على الرغم من المصاعب السياسية التي يواجهها. والدليل على ذلك أنّ عدّة شركاتٍ أسترالية بدأت تقتنص هذه الفرص.
مع ذلك، لا يعي كثرٌ من اللبنانيّين ما يمكن لأستراليا أن تقدِّمه لهم. فأستراليا رائدة عالميًا في مجال الأعمال التجارية، والزراعية، والتعليم، والسياحة، والتعدين، وإدارة الثروات. كما أنها حققت نموًا غير منقطع على مدى 24 عامًا، لتكون بذلك الدولة الوحيدة ضمن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تسجِّل مثل هذا الأداء. وفي العام 2014، احتلت أستراليا المرتبة الخامسة عالميًا من حيث الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد، في حين أنّ اقتصادها هو في المرتبة الثانية عشرة عالميًا. نتطلّع إلى مزيدٍ من هذه الاستثمارات ومن هنا يأتي تعاوننا مع غرفة التجارة والزراعة في لبنان وغرفة التجارة اللبنانية الأسترالية.

 

بناء العلاقات وتطويرها
• هل من تعاون زراعي محتمل بين لبنان وأستراليا في المدى القريب؟
- لا علاقة مباشرة على مستوى الأعمال التجارية الزراعية. فهذه الصناعة كبيرة في أستراليا وممكننة. نحن نتحدث هنا عن مزارع بحجم لبنان في شمال أستراليا. إذًا، حجم هذه الصناعة كبير. مع ذلك، يمكننا أن نقدِّم الدعم وهذا ما نتطلّع إليه مع السلطات اللبنانية. لقد التقيتُ وزير الزراعة مرارًا لمناقشة الاستثمارات المحتملة، سواء من جانب شركات أسترالية في لبنان أو لبنانية في أستراليا. فهذا مهم لبناء العلاقات وتطويرها على أساس تبادل الأفكار والتدريب والمعرفة.

 

اللبنانيون في أستراليا
• بدأت هجرة اللبنانيّين إلى أستراليا في أواخر القرن التاسع عشر وتواصلت خلال مراحل مختلفة من القرن العشرين. كيف تنظرون إلى الجالية اللبنانية في بلادكم؟
- الجالية الأسترالية- اللبنانية عريقة ومتنوِّعة. وقد وصل أوّل لبناني إلى أستراليا منذ 150 عامًا، ما يعني أنّ الوجود اللبناني في أستراليا قديم العهد ويعود إلى فترة طويلة من الزمن. والجالية اللبنانية مُمثَّلة أفضل تمثيل في القطاعات والمجالات كلِّها، من التعليم إلى الأعمال فالطب والرياضة والثقافة ولها إسهاماتها المتعدِّدة في المجتمع الأسترالي، وقد ساعدت في بناء أستراليا التي نعرفها اليوم.
ومن الأسماء البارزة التي كانت خير ممثِّل للجالية اللبنانية الأسترالية، أذكر ماري بشير التي تبوأت منصب حاكمة ولاية نيو ساوث ويلز لأربعة عشر عامًا حتى العام 2014، لتكون بذلك أوّل من تبوأً هذا المنصب لهذه الفترة. كما أذكر مايكل شيخا مدرّب فريق والابيز في بطولة الركبي الوطنية، والبروفسورة فاديا غصين التي فازت للتو بجائزة إمرأة العام 2016 في ولاية نيو ساوث ويلز عن عملها في إطلاق المؤسسة الأسترالية- اللبنانية التي تقدِّم منحا للطلاب.
هذه مجرد عيّنة عن أمثلة أخرى ساطعة من لبنانيّين- أستراليّين عادت خدماتهم لمجتمعهم بمنافع على بلدينا.

 

مساعدات للجيش اللبناني
• بفضل علاقات الصداقة والتعاون بين بلدينا وجيشينا، قدمت أستراليا مشكورة مساعدات للبنان. هل لكم أن تحدثونا بالتفصيل عن هذه المساعدات، بما في ذلك مشاركة قوات أسترالية في حفظ السلام في جنوب لبنان، تقديم هبات للجيش اللبناني، وتوفير فرص تدريب لعناصره في استراليا؟
- سررتُ في كانون الثاني من العام الجاري بتسليم الجيش اللبناني، وبالنيابة عن أستراليا، رزمة مساعدات عسكرية قوامها قطع غيار لطوافات من طراز UH-1H بقيمة ناهزت 1.6 مليون دولار أسترالي.
من المتوقع أن تساعد قطع الغيار هذه الطوافات، التي تشكِّل جزءًا أساسيًا من قدرة لبنان على ضمان أمن حدوده. وفي حفل التسليم، قلتُ إنّه من المهم للجندي الذي يكون في أوضاع صعبة وفي معركة دائمة مع الإرهابيين في الجانب الآخر من الحدود، أن يعرف أنّه سُينقل إلى المستشفى سريعًا في حال إصابته. وهذا ما لا يتحقق إلاّ بواسطة طوافة، ومن هنا تأتــي أهميــة المساعــدة التــي قدّمناهــا. نحـن نفخــر بدعمنــا الجيــش وقواتــه.
إلى ذلك، توفّر العلاقة الدفاعية القائمة بين أستراليا ولبنان، تدريب ضباط من الجيش اللبناني في أستراليا. ففي العام 2015، درّبت أستراليا أربعة ضباط لبنانيّين في مجال البحث والتحليل العسكري وسلامــة الطيــران والقانــون العسكــري. هــذا مــع العلــم أنّنــا نسعــى جاهديــن إلى اقتنــاص أيّ فرص أخــرى متاحــة لتبــادل المعلومــات والتدريــب المشتــرك.
وعلى نطاق أشمل، تنشر أستراليا حاليًا 12 عنصرًا من قوات الدفاع الأسترالية في هضبة الجولان وجنوب لبنان ضمن قوات هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة (أنتسو)، ما يؤشِّر إلى التزامنا السلام والاستقــرار في منطقــة الشــرق الأوســط.
كما نتعاون عن كثب مع لبنان في مجالات أخرى، منها الدفاع، وإنفاذ القانون، ومكافحة الإرهاب.

 

التفاعل بين أستراليا ولبنان
• هل من كلمة أخيرة تحبون توجيهها إلى اللبنانيين عمومًا وإلى الجيش اللبناني خصوصًا؟
- أودُّ بداية الإشارة إلى أنّ العلاقة الدفاعية التي بنتها أستراليا مع الجيش اللبناني في الماضي، هي التي مهّدت الأرضية للعلاقة الأشمل التي تربط بلدينا اليوم. قليلون يعرفون أنّ انخراطنا العسكري في لبنان يعود إلى الحربين العالميتين الأولى والثانية. ففي الحرب العالمية الثانية، كانت قواتنا في عداد تلك التي حرّرت بيروت وساهمت في وضع حدٍ لتورط لبنان في الحرب، الأمر الذي أفضى إلى الاعتراف باستقلاله في العام 1943.
تحتضن السفارة في أرجائها صورًا للجنود الأستراليين تعود إلى الحرب العالمية الثانية. واللافت أنّ 99% من هذه الصور يجسِّد التفاعل بين الجنود الأستراليين والشعب اللبناني والعلاقة الجيدة التي جمعتهم، وهذا مهم. فوجود الجنود الأستراليّين هنا والروابط التي نسجوها مع اللبنانيّين، هي التي دفعت كثرًا من أبناء هذا الوطن إلى الهجرة إلى أستراليا في سنوات ما بعد الحرب. وعلى هذه الأسس بالذات قامت العلاقة بيننا.
كما أنّ خط سكة الحديد بين بيروت وطرابلس الذي ما زال موجودًا مع أنّه مُهمل، قد بنته القوات الأسترالية. هذا دليل آخر على أنّ صدى هذه الروابط لا يزال يدوي ويتردد في أيامنا هذه.
وإلى الجيش اللبناني، أقول: زيارتي إلى مكاتب الجيش وجنوده الذين يحمون لبنان تترك فيّ أثرًا طيبًا. فعمل الجنود المرابطين على الحدود في حماية لبنان ينعكس على أستراليا وعلى مواطنيها في هذا البلد. فمن خلال حمايتكم لبنان، أنتم تحمون المنطقة وأستراليا لما لهــا مــن مواطنــين هنــا. وهـذا ما نثمِّنه وسنستمــر في دعــم الجيــش اللبنانــي.