موضوع الغلاف

سكّة التسليح سالكة احتفال بوصول الدفعة الأولى
إعداد: باسكال معوض بو مارون

في انتظار السلاح الحديث، لم يقصّر جيشنا في أي من معاركه، فهمم الرجال ودماؤهم تكفّلت بسدّ الثغرات...
الآن انطلقت فعليًا مسيرة التسلّح، وسلك قطارها السكّة، مع وصول الدفعة الأولى من الأسلحة الفرنسية بموجب الهبة التي قدّمتها المملكة العربية السعودية. 


احتفال بالمناسبة
بمناسبة تسلّم الجيش كميّة من الأسلحة الفرنسية المضادة للدروع في إطار الهبة السعودية، أقيم في مقر قيادة القوات الجويّة في بيروت احتفال تخللته كلمة لكل من وزيري الدفاع اللبناني والفرنسي.
حضر الاحتفال إلى نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الوطني الاستاذ سمير مقبل، وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان، وسفيرا السعودية وفرنسا في لبنان السيدان علي عواض العسيري وباتريك باولي، وقائد الجيش العماد جان قهوجي. كما حضر رئيس الأركان اللواء وليد سلمان وعدد من كبار الضباط اللبنانيين وضباط من القوة الفرنسية المشاركة في قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان وأركان السفارة الفرنسية، إلى جانب حشد من الشخصيات الرسمية والدبلوماسية.
 

الوزير مقبل
استهل الحفل بعزف الأناشيد الوطنية السعودي والفرنسي واللبناني، ثم تعاقب على الكلام كل من وزيري الدفاع اللبناني والفرنسي فقائد الفوج المضاد للدروع في الجيش اللبناني.
وزير الدفاع الوطني شكر في كلمته باسم الحكومة اللبنانية سلطات المملكة العربية السعودية والسلطات الفرنسية على تحقيق هذه الهبة؛ كما شكر جميع الدول التي تقدّم الدعم للجيش اللبناني.
ونوّه الوزير مقبل «بأهمية زيارة معالي الوزير الصديق وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان إلى لبنان، والتي ترتدي أهمية خاصة وتعبّر عن مدى عمق الصداقة والعلاقة الوطيدة بين بلدينا وتبرز اهتمام الجمهورية الفرنسية بلبنان خصوصًا في هذه المرحلة التي نمرّ بها».
وأضاف: «إن هذه الزيارة تواكب بدايةً تسليم أولى شحنات الأسلحة الفرنسية من الهبة السعودية والتي يحتاجها جيشنا الباسل في مواجهته للهجمات الإرهابية والتكفيرية ولتشديد المراقبة وحماية الحدود، ولا بدّ من توجيه كلمة شكر إلى المملكة العربية السعودية لهذه الهبة القيّمة والبالغة 3 مليارات دولار رصدت لتأمين الأسلحة الفرنسية الحديثة اللازمة للجيش اللبناني».
وقال: «في هذا السياق نحن نقدّر ونشكر جميع الدول الصديقة التي قدمت وتقدم مساعدات عسكرية عينية وتدريبية تساهم في صمود الجيش والحفاظ على حدود لبنان وحماية السلم الأهلي؛ ونخصّ بالشكر الولايات المتحدة الأميركية التي كانت في طليعة المبادرين لتسليح الجيش ودعمه إلى جانب عدد من الدول الأوروبية والعربية».
وأشار إلى أن «انتصار لبنان في مواجهة الإرهاب يعتبر انتصارًا أيضًا لجميع الدول القريبة والبعيدة المهددة بهذا الإرهاب الذي لا يرتبط بدين أو بجنسية».
وختم بالقول: «مرة جديدة شكرًا لكلّ من ساهم ويساهم في دعم لبنان وجيشه والشكر الخاص للدولة الفرنسية عامةً وللزميل جان إيف لودريان ولزيارته الوديّة وللفهم العميق للمخاطر التي تهدّد لبنان سواء من الناحية العسكرية عند الحدود، أو في الداخل من جرّاء تدفّق اللاجئين السوريين الذي يهدد أسس الاستقرار عامة.
وفقنا الله وإياكم في التمكّن من تحقيق ما نصبو إليه من أمن واستقرار لخدمة الشعوب المحبة للسلام والتقدّم نحو مستقبل أفضل».
 

الوزير لودريان
من جهته ألقى وزير الدفاع الفرنسي كلمة أشار فيها إلى أن هذه الدفعة الأولى من الأسلحة المضادة للدروع، ستليها دفعة أخرى خلال شهر وذلك من ضمن برنامج تسليح الجيش بالآليات المدرعة والمدافع والطوافات والطائرات وغيرها من الأعتدة، على أن يترافق ذلك مع تدريب الضباط والعسكريين اللبنانيين داخل لبنان وفي الكلّيات والمدارس العسكرية الفرنسية.
وجاء في كلمته: «إنه لشرف وسرور كبيران لي أن أكون معكم اليوم بمناسبة تسليم الشحنة الأولى من المعدّات إلى الجيش اللبناني. تربط فرنسا بلبنان علاقة أخوية منذ فترة طويلة جدًا والجميع على علم بهذا الأمر. وفي ظلّ تدهور أمني كبير وخطر وجودي تعانيه دول المنطقة، تعيد فرنسا تأكيد إرادتها ورغبتها في أن يبقى لبنان عامل استقرار في هذه المنطقة التي تتّسم بالفوضى».
وأضاف: «يتعرّض لبنان اليوم لضغوط من تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة» لم يسبق لها مثيل وهو ما جعل من مراقبة حدوده والتحكم بها تحديًا حيويًا لأمنه. وما أحداث عرسال إلاّ خير دليل على ذلك، فالجيش اللبناني دفع ثمنًا باهظًا في هذه المعركة، ولا يغيب عن أذهاننا موضوع العسكريين الرهائن وأسرهم. يرفض لبنان، هذا البلد الذي يعرف جيّدًا ثمن الحرب أن ينجرّ، مرة أخرى، إلى هذه الفوضى المحيطة به، وفرنسا بقيت وستبقى إلى جانبه للحؤول دون حصول ذلك. في هذه الظروف الحرجة، كان لا بد لأصدقاء لبنان وحلفائه أن يجنّدوا قواهم للمساهمة في أمنه واستقراره. والراحل الملك عبدالله وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان الذي هو صديقي وصديق لفرنسا في الوقت عينه، قد جمعتهما مع الجمهورية الفرنسية الرغبة  في المساهمة في هذا المجهود. منذ العام 2013 قررنا أن نقود معًا برنامجًا ضخمًا لتحديث الجيش اللبناني الذي يؤدي دورًا متميّزًا يتجاوز حدّ الدفاع عسكريًا عن البلاد. وهو إذ يقف بكلّ شجاعة وعزم وتصميم أمام عدو إرهابي قرر أن يزرع بذور الفتنة في لبنان، فإنّ قواه تضمن أيضًا لحمة المجتمع المدني اللبناني. ومن باب الحرص على تنفيذ مهماتها الأساسية، كان لا بدّ لقوى الجيش اللبناني من الحصول بأسرع وقت على مواد وتجهيزات عصرية لزيادة قدراتها العسكرية وتعزيزها، ولتتمكن كذلك من الدخول في عصر جديد من حيث قيادة العمليات».
وقال أيضًا: «إن التحديث والهيكلة هما الهدفان اللذان استرشدنا بهما في هذا المشروع وقد عملنا بسرعة وتمكنّا من الارتقاء إلى المستوى المطلوب لتنفيذ مشروع تتجاوز انعكاساته مجرّد تقديم المعدات العسكرية. إن وصول هذه الشحنة الأولى، سبب اجتماعنا اليوم، هو بداية لحقبة أو مرحلة جديدة تُدخل لبنان وعلاقاتنا الدفاعية الثنائية في بعد جديد، يمنحنا كلّ الحقّ بالاحتفال. إن هذا المشروع يكتسب حجمًا لم يسبق له مثيل وهو جاء بتوجيه من الجيش اللبناني وبدعم من الأركان الفرنسية والقيادة والإدارة العامة للتسلّح، وفرنسا سترافق هذا المشروع طوال عشر سنوات.
أمّا من حيث المعدات أو التجهيزات فسيتضمّن هذا المشروع أولًا، تسليم عشرات من العربات المدرّعة للقتال والمناورة و6 طائرات مروحية للنقل المسلّح، إضافة إلى مدفعية حربية حديثة مثل مدافع Caesar. كما سيسمح هذا المشروع بتحديث لم يسبق له مثيل للامكانات البحرية اللبنانية، وبتحسين القدرات الدقيقة لمراقبة الحدود وأمنها. وهو يتضمن أخيرًا شقًا يتعلّق بمكافحة الإرهاب وتعزيز الاستخبارات، يستجيب لحاجات هندسة أمنية متكاملة ترقى إلى مستوى التحديات التي يواجههـا لبنان اليـوم.
تتجانس هذه الخطة للتجهيز تمامًا مع تلك التي كان الجيش اللبناني قد تبنّاها في العام 2013 لفترة 5 سنوات، وتستجيب للتحديات الأمنية التي يواجهها لبنان. ويسعدني أن أرى اليوم إلى جانبنا إحدى الوحدات اللبنانية التي ستستفيد من هذا المشروع إن كان من حيث التجهيز أو التدريب. ذلك أنّ القدرات الجديدة التي تقدم إلى لبنان في هذا الإطار تتجاوز تقديم تجهيزات. وأنا هنا أقصد على نحوٍ خاصّ ما يشكل صلب هذه الشراكة التي ستجمع بين وزارتينا على مدى السنوات المقبلة مع ركيزتين هما: التدريب والتكوين من جهة، والدعم من أجل إعادة هيكلة قوى الجيش اللبناني من جهة أخرى. إن أحد الأهداف الرئيسة في هذا المشروع يتمثّل في تدريب مئات من الضباط، وضباط الصف والجنود اللبنانيين، على تقنيات عملية مطلوبة لاستخدام هذه الأسلحة والمعدات. ولذلك سترسل فرنسا مدرّبين إلى لبنان، وستقوم الكليّات الفرنسية البرية والبحرية والجوّية باستقبال عسكريين لبنانيين في دورات تدريبية تنقل إليهم خبرات الجيش الفرنسي ومعرفته...».
وأضاف: «إنّ الدعم لإعادة هيكلة قوى الجيش اللبناني هو المحور الثاني، فإدخال قدرات عسكرية جديدة يتطلّب إعادة التفكير في ظروف استخدامها وبنظريات عسكرية خصوصًا، كما ستتمّ مساعدة الجيش اللبناني على تعزيز التعاون بين مختلف مكوّناته. وهذا العمل قد بدأ بين الأركان الفرنسية واللبنانية لكي يكون الجيش اللبناني حاضرًا عند وصول التجهيزات الجديدة».
وختم بالقول: «أودّ أن أعبّر عن ارتياحي وسروري لوصول هذه الشحنة الأولى التي تشكّل منعطفًا في علاقاتنا الدفاعية الثنائية، وتعزّز الصداقة بين بلدينا، في وقت يواجه فيه بلدانا تحدّيات أمنية غير مسبوقة».
 

العميد الركن جانو الحداد
قائد الفوج المضاد للدروع العميد الركن جانو الحداد قدّم إيجازًا عن السلاح المضاد للدروع، موضّحًا أن مختلف الجيوش في العالم تعتمد بشكل أساسي على هذا السلاح لما له من تأثير وفاعلية في تدمير التدريعات والتحصينات.
وقال إن الجيش اللبناني بدأ باستخدام السلاح المضاد للدروع «ميلان» (الفرنسي الصنع) منذ العام 1980 وهو ما زال يستخدمه بفاعلية، موضحًا أنّ «ميلان» يعتبر سلاحًا أساسيًا ضمن منظومة الأسلحة المضادة للدروع، وأنّ وحدات عسكرية فرنسية متخصصّة تساهم في تدريب عناصر الفوج المضاد للدروع على طريقة استخدام هذا السلاح وتعهده وصيانته.
وتابع قائلًا: تتوافر في الفوج مزاحف «ميلان» بالإضافة إلى صواريخ «ميلان» وأجهزة فحص من الرعيلين الثاني والثالث، ونوعان مختلفان من مشبّهات الرمي ومعدّات التصفير، جميعهــا جاهــزة وتعمــل بصــورة ممتازة. وبموجــب الهبــة السعوديــة نتسلّــم الآن عددًا من صواريخ «ميلان» حديثة الصنــع والمزاحف الخاصة بها، وهذا من شأنــه تحقيــق نقلــة نوعيّــة في أداء الجيش في الظروف القتالية المختلفة.
أعقب ذلك شرح لخصائص هذا السلاح ومميزاته قدّمه للحضور ضبّاط تقنيون.
 

السفير السعودي
في حديث مع الصحافيين، أعرب السفير السعودي عن سعادته في هذه المناسبة، وقال: «نحن سعداء بدعم الجيش اللبناني درع الوطن الذي يحمي سيادة لبنان واستقراره، فالمملكة تدعم استقرار لبنان وسلامته».
وقال إن «الهبة السعودية للبنان هي رسالة صدق ومحبة للشعب اللبناني وللحكومة اللبنانية وللشرعية اللبنانية...».
 

توقيع البروتوكول
كان سبق الاحتفال لقاء بين قائد الجيش العماد جان قهوجي والسفير الفرنسي في لبنان السيد Patrice Paoli، ومسؤول شركة «ODAS» الفرنسية الأميرال Edouard Guillaud على رأس وفد من الشركة وعدد من ممثلي شركات فرنسية عاملة في مجال تصدير الصناعة العسكرية، بهدف إطلاق تنفيذ برنامج الهبة السعودية.
كذلك، وفي حضـور قائد الجيـش، وقّع عدد من كبار ضباط القيــادة ووفد من شــركة «ODAS» برئاسة الأميرال Edouard Guillaud، على البروتوكول التقني الإضافي المتعلّق باتفاقية الهبة.
 

صاروخ ميلان الفرنسي
ميلان هو صاروخ فرنسي موجّه مضاد للدروع متوسط المدى, وهو من الجيل الثاني تمّ تصميمه في نهاية ستينيات القرن الماضي بموجب اتفاق فرنسي- ألماني للتصنيع العسكري وتبادل الخبرات.
الإسم الكامل للنظام باللغة الفرنسية هو: Missile d’infanterie léger antichar أي صاروخ المشاة الخفيف المضاد للدبابات، ويشار إليه اختصارًا بالأحرف الأولى (MILAN). وهو معدّ للاستعمال في وحدات المشاة, ويمكن إطلاقه ضد أهداف أرضية من مسافات قصيرة وضد الطوّافات المحلّقة على ارتفاع منخفض. يوجّه «ميلان» بواسطة الأشعة ما دون الحمراء وبواسطة سلك معدني يصل الصاروخ بقاعدة الإطلاق، ويمكن تركيزه، إما على الأرض وإما على آلية عسكرية (جيب, ناقلة جند...)، ويستخدمه جنديان: رامٍ يحمل قاعدة الإطلاق, وملقّم يحمل صاروخين.
استخدم هذا الصاروخ في معظم الحروب والعمليات العسكرية من القرن المنصرم والقرن الحالي، وذلك خلال الحرب العراقية-الإيرانية, وحرب الخليج الثانية وحرب الفولكلاند والنزاع الليبي-التشادي وحتى في غزو أفغانستان.
من مميزاته أنّه سلاح خفيف الوزن (6.65 كلغ) وطوله 77 سنتم، وزن الرأس الحربي 2.9 كلغ وهو حشوة جوفاء شديدة الانفجار من نوع High Explosive Anti-Tank) HEAT)، قدرة اختراقه تبلغ 650 ملم من الدروع المتجانسة. يراوح مدى الصاروخ ما بين 300 و2000 متر، أما سرعة طيرانه فهي ما بين 75 مترًا في الثانية (عند الإنطلاق) و210 أمتار في الثانية (عند اقترابه النهائي من الهدف).