تحقيق عسكري

سلاحنا يعود إلى ثلاثين عامًا وأكثر
إعداد: باسكال معوض بو مارون


فما الذي يحتاجه الجيش وما الذي تؤمّنه خطة التسليح؟
العميد الركن مانويل كرجيان:
«عندما تصبح واقعًا على الأرض نحقق قفزة نوعية»


«بحسب الجنرال أيزنهاور «لا تكتية بدون لوجستية» وإذا قالت اللوجستية لا، فينبغي تغيير خطة العمليات». في الواقع كادت اللوجستية في لبنان أن تقول دومًا لا لولا تدارك الجهات المسؤولة في قيادة الجيش واقع التسليح في الجيش وواقع المهمات المطلوبة منه، ولولا المحاولات الحثيثة على مختلف المستويات في المؤسسة العسكرية لبلوغ الأداء الأفضل، ولو بالنذر اليسير من الإمكانات...
هل يتغيّر هذا الواقع بفضل خطة التسليح الخمسيّة التي رفدتها أخيرًا المساعدة السعودية وقبلها المساعدات الأميركية؟ وهل تؤدي المباحثات التي قامت بها القيادة (وما زالت) إلى تسليح الجيش اللبناني على نحو مغاير لما هو سائد منذ سنوات طويلة، بينما هو ينفّذ مهمات ليس أقلّها مواجهة عصابات الإرهاب وإخماد الحرائق الأمنية المختلفة وملاحقة الجرائم المنظّمة؟
هذا ما حاولنا معرفته من خلال مقابلة مع نائب رئيس الأركان للتجهيز العميد الركن مانويل كراجيان الذي أوضح بداية أن اللوجستية هي فن تحريك الجيوش وإمدادها باستمرار بالتموين والتسليح، وأن استخدام هذه الكلمة يأتي أيضًا للدلالة على التزوّد بالإمدادات خلال تحرك الوحدات المقاتلة من قواعدها إلى المواقع القتالية.

 

اللوجستية أساس كل العمليات
من المعروف أن اللوجستية في الجيش هي أساس كل العمليات وتتضمّن العديد من النشاطات المنفصلة والمنظّمة حيث يحدد الخبراء نوعيّة وتوقيت نقل الموارد إلى الأماكن التي تحتاجها الوحدات؛ فالتحكّم في إيصال هذه الموارد هو أمر حاسم في استراتيجية المعركة بما أن القوات المسلحة لا تستطيع الصمود بدون طعام ووقود وذخيرة. وتكبر الحاجات في أثناء الحرب لذا يبرز دور اللوجستية الحيويّ والمحوري في تأمين المطلوب لبدء تنفيذ العمليات.
أركان الجيش للتجهيز هي الجهة المسؤولة مباشرة عن تجهيز الجيش من جميع النواحي (أعتدة، تغذية، إنشاءات، أموال...) وذلك من خلال القطع المختصّة وهي: اللواء اللوجستي، فوج الأشغال المستقل، وثلاثة مكاتب تشمل الشؤون التقنيّة، والإداريّة، والعقاريّة، إلى أربع مديريات: العتاد، القوّامة، الهندسة، والشؤون الجغرافيّة، إضافة لأمانة سر عامّة تنسّق أعمال المكاتب والمديريات وتوزّع العمل عليها.


• ما هو وضع الجيش حاليًا من ناحية التجهيز؟
- يستعمل الجيش أسلحة وعتادًا قديمين منذ الثمانينيات ولا زال يحافظ عليهما ويهتم بصيانتهما لأن الإمكانات لم تكن تسمح بتغيير هذه الأسلحة أو تطويرها. وخلال هذه السنوات الطويلة لم نستطع اللحاق بركب العصر حيث جرى تطوّر كبير في عالم الأسلحة التي أصبحت تعتمد بشكل أكبر على التكنولوجيا والبرمجة. فقد كنا نواكب العصر ضمن إمكاناتنا وضمن الموازنة المرصودة للتسليح والتي كانت محدودة خلال فترة طويلة. ورغم ذلك حافظنا على مستوى معيّن من التدريب والجهوزيّة ونفّذنا مهماتنا بكل مناقبيّة ومهنيّة.


• هل من مساعدات تصل للجيش من مصادر أجنبيّة؟
- كان الجيش يتلقّى دعمًا من الولايات المتحدة الأميركية التي أسّست برنامج مساعدات يقدّر بحوالى 100 مليون دولار سنويًا. هذه المساعدات بدأت منذ العام 2006، وبواسطتها نشتري عتادًا أميركيًا وآليات وذخائر وبعض الأسلحة الخفيفة وقطع الغيار وفق احتياجاتنا وبأسعار خاصة؛ كما نستخدم قسمًا منها للتدريب على الأسلحة المتطوّرة لمواكبة التكنولوجيا العسكرية.

 

الخطة الخمسيّة
• ذكرت جهات متابعة أن خطة تسليح الجيش وتطوير وحداته ودفاعاته الأرضيّة والجويّة، تحتاج مبالغ كبيرة، ما هي هذه الخطة وكيف تم تحضيرها؟
- إن الوثيقة المتعلّقة بخطة تسليح الجيش تلخّص نتيجة المناقشات التي أجريت داخل الجيش اللبناني على جميع المستويات القياديّة والعملانيّة واللوجستيّة لتحديد أهداف الجيش للسنوات الخمس المقبلة، وتأمين الحد الأدنى من الإمكانات المطلوبة لتنفيذ المهمات الموكلة إليه، وبهذا تمّ تحديد الأولويات والأهداف الواقعية والعتاد العسكري المطلوب مع أخذ التعقيدات المحليّة والإقليمية بعين الإعتبار.
ولقد حددت الخطة بوضوح أهداف الجيش الأساسيّة وتمّ تحديد الخطوات اللازمة بغية تطوير إمكاناته وأوّلها الدفاع عن لبنان وحفظ أمن حدوده، والحفاظ على الأمن الداخلي والاستقرار من خلال دعم قوى الأمن الداخلي في مهماتها، بالإضافة إلى مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله، وتطبيق قرارات الحكومة اللبنانية وتنفيذ تعهداتها الدولية خصوصًا القرار 1701، وأخيرًا دعم المهمات الإنسانية ومهمات الإغاثة عند الضرورة.


إن ما طلبناه من عتاد وعمليات ضمن الخطة الخمسيّة يتطابق مع الأهداف المذكورة  ويشمل الآتي:
1. تطوير المنشآت والبنى التحتية.
2. تعزيز إمكانات القوات البرية في المجالات الآتية: القوة النارية، هندسة القتال، سلاح المضاد للدروع والمدفعية والمدرعات.
3. الدعم الجوي القريب والنقل الجوي.
4. ضبط أمن الحدود البحريّة والنقل البحري.
5. ضبط الحدود البرية.
6. تطوير قدرات القوات الخاصة.
7. زيادة حركية القوّات البريّة.
8. فعالية الإتصالات بجميع أنواعها.
9. رفع مستوى معاهد ومراكز التدريب العسكري.


تتضمن الخطة أربعة فصول يشرح أوّلها أهداف الجيش اللبناني على المدى الطويل والتعقيدات المحليّة والإقليميّة.
أما الثاني فيلخص المساعدات المقدمة من الدول منذ العام 2007 ولغاية تاريخه، كما يشرح الدروس المستقاة خلال الفترة السابقة وخصوصًا خلال معركة نهر البارد.
ويعطي الفصل الثالث فكرة عامة عن هيكلية الجيش اللبناني وإنجازاته خلال الفترة السابقة بالإضافة إلى إعطاء فكرة واضحة عن أنواع العتاد والإمكانات التي يعتريها نقص حاد، كما يتضمّن أيضًا ملخّصًا عن كيفية إدارة المخاطر الناتجة عن عدم تطبيق الخطة الموضوعة.
ويركّز الفصل الرابع والأخير على تمويل الخطة ودعوة المجتمع الدولي للمشاركة في دعمها بغية المساعدة على تطبيق قراري مجلس الأمن 1701 و1884.
عرضت الخطة على مجلس الوزراء اللبناني وتمّ أقرارها في أيلول 2012 تحت عنوان خطة خمسيّة لدعم المؤسسة العسكرية وإعادة تسليح الجيش وتحديثه، ورصدت لهذه الخطة اعتمادات ماليّة بنحو مليار و600 مليون دولار.

 

الهبة السعوديّة
• ماذا عن الهبة التي قدّمتها الحكومة السعودية للجيش من خلال الحكومة اللبنانية؟

- جاءت المبادرة السعودية نتيجة مشاورات مطوّلة وأثمرت دعمًا ماليًا للجيش اللبناني بلغ 3 مليارات دولار ستسمح له بإبرام اتفاق مع الدولة الفرنسية، ما يتيح له شراء أسلحة حديثة ومتطوّرة. وقد عقدت «هيئة التسليح» المؤلّفة من أركان وضباط القيادة من جميع الإختصاصات اجتماعات متتالية لمدة أسبوعين في اليرزة إثر إقرار الهبة وحددت حاجات الجيش إنطلاقًا من الخطة الخمسيّة والموازنة التي أقرّتها الحكومة في وقت سابق.
وأضاف: عند وصول لائحة طلبات الجيش إلى الدولة الفرنسية بدأت التحضير لتجهيز السلاح المطلوب من المخازن أو لتصنيعه أو شحن الجاهز منه، لكن الأمر سيتطلّب وقتًا طويلاً نظرًا للكميات الكبيرة المطلوبة. والجدير بالذكر أن الدولة الفرنسية تعهّدت تقديم التدريبات التي يحتاجها التعامل مع الأسلحة المتطورة الجديدة بشكل مجانيّ، وبهذا نستطيع التعامل معها بشكل فعّال وبأسرع وقت ممكن وبالتزامن مع وصولها إلينا.


• هل وضعت أي شروط لتقديم الهبة (أسلحة معينة، دعم ألوية أو أفواج محددة...)؟
- هذه الأموال ليست مشروطة بأي شكل من الأشكال بل سنستطيع بواسطتها شراء كل ما يحتاجه الجيش لمواكبة عصر الأسلحة الجديد ومواجهة التحدّيات التي يقابلها يوميًا في صراعه مع الإرهاب والصراعات الداخلية على الساحة اللبنانية، إضافة إلى مواجهة العدو الإسرائيلي. لقد قررت الهيئة كل ما نحتاجه من دون أي ضغوط بل أن احتياجات الجيش الضروريّة واللازمة وضعت كلها على طاولة البحث، وصدرت الوعود بتأمينها من خلال المبالغ التي رصدتها الدولة اللبنانية أو تلك التي أتاحتها الهبة السعودية.
في ما يخصّ طلبات ألوية الجيش وقطعه وأفواجه، فسوف يتم تأمينها وفق احتياجات كل منها، وبالتساوي بين الجميع، ولن يشعر أي فريق أنه مغبون في أي ناحية على حساب آخر، وبهذا يتطوّر الجيش كله بشكل متوازٍ كما ينبغي له أن يكون.

 

أسلحة خاصة بمكافحة الإرهاب
• هل هناك من طلب لأسلحة خاصة تعنى بمكافحة الإرهاب؟

- الإرهاب هو حرب العصر وهو يخطط ويطوّر نفسه بشكل سريع جدًا، وسلاحاه القوة النارية والتكنولوجيا. وفي هذا الإطار فإن احتياجات الجيش ضمن الخطة الخمسيّة لا تشمل إقامة التحصينات الكبيرة عند الحدود والمسائل اللوجستية المتعلّقة بالنقل والطبابة والاتصالات والآليات والمدفعية الثقيلة والخفيفة والطائرات المروحيّة فقط، بل أيضًا السلاح الحديث والنوعي ذا التكنولوجيا العالية؛ وكل هذه الأعتدة والأسلحة الفتّاكة تصبّ في خانة مكافحة الإرهاب والتصدّي له ولأسلحته المتطوّرة تكنولوجيًا، بأعلى جهوزية ممكنة، ووفق خبراتنا من المعارك التي خضناها ضدّه في وقت سابق.


• كيف ترى وضع الجيش بعد صرف الأموال من الجهات الداعمة؟
- عندما تتحقق المساعدات وفق روزنامة معينة وتصبح واقعًا على الأرض، سيحقق الجيش نقلة نوعيّة في تاريخه من حيث حصوله على جيل جديد من الأعتدة التي سوف تخدمه أقلّه خلال السنوات العشر القادمة.
يأمل الجيش اللبناني من خلال تمويل هذه الخطّة من قبل الحكومة اللبنانية والمجتمع الدولي أن يتمكّن من التعامل مع الوضع المتدهور في المنطقة وخصوصًا على الحدود الشمالية والشرقية مع سوريا، ومن القيام بالمهمات الموكلة إليه في قطاع جنوبي الليطاني، على أمل أن يتولّى بشكل تدريجّي مهمات القوات الدولية في هذا القطاع، بالإضافة إلى حفظ الأمن في الداخل.