تحقيق عسكري

سلاح الإشارة إشارة الجهوزية التامة في كل الظروف
إعداد: ريما سليم ضومط

الإشارة عصب الجيش، فالتواصل السلكي واللاسلكي من الضرورات الملحّة في العمل العسكري ولا سيّما في أثناء الحروب، إذ انه الوسيلة الوحيدة لإيصال أوامر القيادة وتوجيهاتها إلى الوحدات والقطع المنتشرة على الجبهات، وللحفاظ على التنسيق في العمليات العسكرية بين القطع المذكورة.
إنطلاقاً من أهمية الإشارة، كان هناك سعي دائم من قبل مديرية الإشارة وفوج الإشارة للحفاظ على الجهوزية التامة والاستعداد الدائم للطوارئ والحالات الإستثنائية.
من بين هذه الحالات، كانت حرب تموز المفاجئة، التي أظهر خلالها سلاح الإشارة في الجيش نجاحاً ملحوظاً على صعيد مواجهة الظروف الاستثنائية، إن من جهة مديرية الإشارة التي قامت بوضع مخطّط عام لعمل الإشارة خلال الحرب، أو لجهة فوج الإشارة الذي قام بتنفيذ المخطط المذكور، أو على صعيد ضباط الإشارة في الجنوب والشمال والبقاع الذين أدّوا دوراً فعّالاً في تأمين الإتصالات ضمن بقعة صلاحياتهم في المراكز التي تعرّضت للعدوان الإسرائيلي.
كيفية التخطيط والتنفيذ لعمل الإشارة في حرب تموز كان موضوع حوار لمجلة «الجيش» مع مدير الإشارة في الجيش العميد الركن إميل سلوم، وقائد فوج الإشارة العميد الركن عصام شهاب، وضابط إشارة منطقة الجنوب الرائد عصام قسطنطين.

 

مدير الإشارة: خطة للتكيف مع الظروف بسرعة
إستهل مدير الإشارة العميد الركن إميل سلّوم حديثه بالتأكيد أن مديرية الإشارة وفوج الإشارة كانا جاهزين لمواجهة الحالات الإستثنائية، فلم يتأثرا سلباً بعنصر المفاجأة في حرب تموز. وأضاف، أنهما منذ البداية وضعا في الحسبان إمكان قيام إسرائيل بتعطيل الإتصالات الهاتفية لا سيما بعد ضربها محطات إرسال الإذاعة اللبنانية في كل من أدما وعمشيت. وانطلاقاً من ذلك، قررت قيادة الجيش بالتنسيق مع مديرية الإشارة إيجاد بدائل مسبقة، فكانت خطة تأمين الإتصالات الهاتفية عبر الأقمار الإصطناعية، ولا سيما ما بين الألوية المنتشرة عملانياً وقيادة الجيش والعمليات.
في الإطار نفسه، وضعت المديرية خطة إتصالات للطوارئ قضت بتأمين مراكز بديلة للوسائط اللاسلكية التي تؤمن عقد الإتصال والربط بين مختلف الوحدات العسكرية وقيادة الجيش من خلال شبكة الموتورولا والشبكة التكتية من الأجهزة اللاسلكية العسكرية (FM).
شملت الخطة المذكورة تأمين شبكة خلوية مقفلة (Closed users Group) لصالح قيادة الجيش، تتيح الإتصال بين جميع الألوية والأفواج العسكرية المنتشرة في مختلف المناطق اللبنانية، وقيادات المناطق، وقوى الدعم والمساندة.
تعمل هذه الشبكة ضمن نظام ترقيم خاص وبرمجة خاصة ويستفيد منها حوالى ثلاثة آلاف مشترك.
ختاماً، أشار العميد الركن سلّوم إلى أن خطة الطوارئ المذكورة ومخطط عمل الإشارة العام قام بتنفيذهما فوج الإشارة ضمن منطقتي بيروت وجبل لبنان، مع تأمين الدعم اللازم لإشارات باقي المناطق، كونه الوحدة التنفيذية الكبرى في تأمين إتصالات الجيش اللاسلكية والثابتة.

 

قائد فوج الإشارة: التنفيذ تم بسرعة متناهية
آلية التنفيذ تحدث عنها قائد فوج الإشارة العميد الركن عصام شهاب متطرقاً إلى كيفية تأمين الشبكة الخلوية المغلقة، فأوضح أن فوج الإشارة قام بتسلّم الأجهزة والخطوط من شركتي الخلوي العاملتين في لبنان (حوالى 3000 خط)، وعمل على توزيعها خلال 48 ساعة على جميع وحدات الجيش بسرعة متناهية، ومن دون أي إرباك في تأمين الإتصال، مع تعميم دليل حول كيفية استخدام الشبكة.
وأضاف أن العملية المذكورة تم إنجازها قبل 48 ساعة من إنتشار الجيش في الجنوب، ما ساهم في تأمين التنسيق بين القيادة والألوية المنتشرة منذ بداية عملية الإنتشار.
في الإطار نفسه، أشار إلى أن الفوج قام بتأمين الأجهزة اللازمة لتحقيق إتصال لاسلكي آمن ودائم بين قيادة الجيش وقيادة الألوية والوحدات العملانية، وذلك عبر الأقمار الإصطناعية.

 

ثلاثة محاور
من جهة أخرى، تحدث قائد فوج الإشارة عن كيفية توزيع العمل في الفوج خلال حرب تموز، مشيراً إلى أنه قُسِّم إلى ثلاثة محاور، الأول هو العمل على صعيد مراكز الإتصالات، والثاني على صعيد الاتصالات العسكرية، أما الثالث فهو مؤازرة بعض المؤسسات الحكومية والهيئات الانسانية. وقد شرح تفصيلاً هذه الاعمال على الشكل الآتي:
أولاً، على صعيد مراكز الإتصالات، تمّ تأمين الجهوزية التامة في جميع المراكز الوسيطة، ومن بينها مركز جبل صافي الذي حافظ على ديمومة الاتصالات طوال فترة الحرب، على الرغم من تعرّضه لقصف إسرائيلي عنيف.
وفي إطار الإستعداد للحالات الطارئة، جهّز الفوج مركزي إتصالات، بديلاً وتكتياً لصالح قيادة الجيش، ومركزاً بديلاً لقيادة منطقة بيروت وقيادة منطقة جبل لبنان، تم تزويدها جميعاً بمختلف وسائل الاتصال اللازمة السلكية منها واللاسلكية. كما استحدثت محطات عملانية بديلة للمحطات الوسيطة الأساسية في عدد من المناطق، تمّ تجهيزها مع بداية الحرب بحيث أصبحت قادرة  على العمل فور ضرب أي محطة، وذلك حفاظاً على ديمومة الاتصالات وعدم الوقوع في الفراغ ولو لفترة قصيرة.
ثانياً، على صعيد الاتصالات العسكرية، قام الفوج بتأمين الاتصالات الهاتفية لصالح الوحدات التي انتشرت في الجنوب عبر مختلف الوسائل السلكية واللاسلكية. كما أنجز المهمة نفسها لصالح جهاز الإرتباط حيث تولّى تأمين الاتصالات السلكية واللاسلكية بين الجهاز والقيادة من جهة، والجهاز وقوات اليونيفيل من جهة أخرى.
كذلك أدّى الفوج دوراً فعّالاً في تأمين إتصالات بديلة في المراكز العسكرية التي تعرضت للإعتداء الإسرائيلي، كفوج الأشغال المستقل الذي انتقل في اثناء العدوان من مركزه في الجمهور إلى اليرزه.
أما في المركز الوسيط في تربل، حيث أدّت الإعتداءات الإسرائيلية إلى تعطيل المحطة، فقد قام الفوج بسحبها على الرغم من ظروف الإنتقال الصعبة حينذاك، وعمل على تجهيز محطة بديلة في اليوم نفسه مع تأمين مولّدين للكهرباء ونقلهما إلى المركز المذكور، حيث تم تأمين الاتصالات الهاتفية بين جميع الوحدات العسكرية في المنطقة.
كذلك قام الفوج بمساندة هيئة «أوجيرو» ومؤازرتها في إعادة تأمين شبكة الإتصالات في منطقة بعبدا-اليرزه، بعد انقطاعها على أثر قصف جسر بعبدا.
في الإطار نفسه، تم فصل عناصر من الفوج إلى مركز إشارة الجنوب للمساعدة في تركيب خطوط هاتفية عائدة للجيش ونقل البعض منها واصلاحها، كما جرى تركيب عدد من الشبكات الصوتية في أماكن تدشين الجسور الحديدية المؤقتة. وتم في أثناء حرب تموز أيضاً ربط موزّع وزارة الدفاع بالشبكة الخلوية المقفلة عبر تركيب التجهيزات المطلوبة وإجراء عمليات البرمجة اللازمة لهذه الغاية.
ثالثاً، على صعيد أعمال المساندة والمؤازرة، أرسل الفوج عدداً من عناصره إلى مراكز الاتصالات الدولية في وزارة الاتصالات للحلول مكان الموظفين الذين اضطروا إلى التغيّب عن مراكز عملهم بسبب الأحداث الأمنية. وساهم الفوج من خلال هذه الخطوة بالحفاظ على إستمرارية الإتصالات الدولية طوال فترة الحرب.
كذلك قام فوج الإشارة بتأمين الإتصالات الهاتفية اللازمة للمستشفيين الميدانيين الأردني والسعودي.
من جهة أخرى، ساعد الفوج الهيئة العاليا للإغاثة في عملية توزيع المساعدات على المدنيين المتضررين من جراء العدوان الإسرائيلي.
إضافة إلى المهمات التي ورد ذكرها، واصل الفوج طوال فترة الحرب مهامه اليومية والدورات التدريبية بشكل طبيعي، ومن بينها مكاتب الدراسة - إختصاص إشارة التي استمرت في الفوج على الرغم من الظروف الأمنية الصعبة.

 

إشارة منطقة الجنوب: إستمرارية الاتصالات وسط جحيم الاعتداءات
ضابط إشارة منطقة الجنوب الرائد عصام قسطنطين تحدّث عن الدور الذي اضطلعت به إشارة المنطقة في أثناء حرب تموز، فأوضح بداية أن الجيش في الجنوب إعتمد بشكل خاص على الاتصال السلكي لأن الاتصالات اللاسلكية كانت عرضة للتشويش من قبل إسرائيل بصورة دائمة. وأضاف أن عناصر منطقة الجنوب كانوا في حالة تأهب دائمة  للتدخل فور انقطاع أي شبكة خطوط من جراء العدوان الإسرائيلي وذلك بغية الحفاظ على ديمومة الإتصالات الهاتفية.
وأوضح الرائد قسطنطين أن عناصر إشارة منطقة الجنوب كانوا موزعين في السنترالات المدنية في كل من صور والنبطية وصيدا، إضافة إلى مركز الإشارة في الثكنة. وأشار إلى كيفية توزيع المهام على كل منهم، حيث قام عناصر مركز صور بتأمين إتصالات اللواء الثاني عشر بالتنسيق مع إشارة اللواء، وذلك عبر مد كوابل جديدة بديلة لتأمين إستمرارية الإتصال. وأضاف أن العملية نفسها قام بها عناصر مركز النبطية لتزويد اللواء الثاني الخطوط الهاتفية بالتنسيق مع إشارة اللواء.
وتابع متحدثاً عن استهداف جسر الزهراني الذي أدّى إلى انقطاع الخطوط الهاتفية، فقام عناصر مركز صيدا بتأمين إتصالات بديلة من سنترال الغازية بالتنسيق مع المخابرات. كما قامت إشارة الجنوب بتأمين إتصالات لاسلكية لمنطقة مرجعيون التي تضررت بدورها من تدمير جسر الزهراني.
وتطرق الرائد قسطنطين إلى الاعتداءات الإسرائيلية على مختلف الجسور في منطقة الجنوب، فأشار إلى ان قصف جسر الأولي أدى إلى انقطاع خطوط عدد كبير من المناطق من بينها شحيم، وبرجا، والزعرورية، ووادي الزينة، والسعديات، حيث تم إصلاحها من قبل عناصر إشارة الجنوب وشركة أوجيرو، وأعيد تشغيل الخطوط المدنية والعسكرية.
أما الضربة التي تلقاها مركز الصبّاح، المجهّز لتأمين إتصال هوائي بديل لمنطقة جزين وإقليم الخروب، فقد أدت إلى قطع الاتصالات عن المنطقتين المذكورتين، بحسب ما أشار الرائد قسطنطين، فكان الحل بمد خط هاتفي عبر جسر الأولي بالتعاون مع أوجيرو لتعذّر تأمين هوائي بديل.
وتحدث ضابط إشارة منطقة الجنوب أيضاً عن الضربة الموجعة التي تعرّض لها جسر القاسمية بحيث انقطعت الاتصالات عن تسع قرى جنوبية، فجنّدت إشارة المنطقة جميع إمكاناتها لإعادة الإتصالات على الصعيد العسكري، في حين تعذّر إصلاح جميع الخطوط المدنية.
وأضاف ان إشارة الجنوب ساهمت في تأمين الإتصالات والخطوط الهاتفية للألوية والأفواج المنتشرة في الجنوب، من بينها سرايا فوج المغاوير، ومغاوير البحر، وأفواج التدخل. كما عمل عناصر الإشارة على نقل خطوط اللواء السادس الذي قام بتبديل غرفة عملياته من منطقة إلى أخرى. في الإطار نفسه، نقل عناصر الإشارة إتصالات عمليات الصليب الأحمر لدى انتقاله من تبنين إلى لبعا. كما ساهموا من جهة أخرى في الحفاظ على استمرارية عمل السنترالات المدنية.
ختاماً، أشار الرائد قسطنطين إلى أن هدف إشارة منطقة الجنوب خلال حرب تموز، كان عدم عزل قيادة القطع عن السرايا، والحفاظ على استمرارية الإتصال ما بين القيادة ومختلف الرعائل، مؤكداً نجاح الإشارة في تحقيق هذا الهدف.
في حوارنا مع كل من مدير الإشارة، وقائد فوج الإشارة، وضابط إشارة منطقة الجنوب، تحدثوا جميعاً عن المهام التي نفذها سلاح الإشارة في الجيش، غير ان تواضعهم حال دون الإشارة إلى الشجاعة الفائقة التي تحلّى بها عناصر هذا السلاح خلال تنفيذ المهام الموكلة إليهم، وحافظوا مع ذلك على جودة عملهم، وأبوا إلا أن يقدموا الأفضل ولو على حساب سلامتهم الشخصية.

 

ست محطات
في منطقة إقليم التفاح، وتحديداً في جبل صافي الذي يرتفع 1400م عن سطح البحر، أنشأ فوج الإشارة محطة وسيطة للإتصال منذ العام 2000 تؤمن حالياً الإتصالات ما بين الباروك والقطع المنتشرة في الجنوب وقيادة الجيش.
المحطة هي أحد المراكز الوسيطة الستة التي تؤمن الإتصال بين الجيش والوحدات المنتشرة عملانياً في مختلف المناطق خارج بيروت، وذلك كما أشار آمر سرية الإتصالات العملانية في فوج الإشارة المقدم حسن الشيخ علي. وقد عدّد باقي المحطات الوسيطة على الشكل الآتي:
محطة الباروك وتؤمن إتصالات منطقة البقاع، محطات بيت مري وغوسطا ودير معاد المكلّفة بتأمين إتصالات جبل لبنان، محطة حامات - دير سيدة النورية وتؤمن إتصالات منطقة الشمال.

 

على الرغم من كل شيء...
خلال حرب تموز 2006، تعرّض مركز جبل صافي لقصف عنيف من قبل الطيران الإسرائيلي أدى إلى تعطيل الهوائيات الخاصة بأجهزة الإتصال، إلا أن العناصر المكلّفين بحماية المركز وتسيير أعماله تمكّنوا بفضل رباطة جأشهم وشجاعتهم، وروح المسؤولية التي يتحلّون بها، من الحفاظ على استمرارية الإتصالات في المنطقة، وإصلاح الأعطال عند كل تعطيل يصيبها غير آبهين بالأخطار المحدقة بهم.
مجلة «الجيش» زارت مركز جبل صافي، واطلعت على تفاصيل الإعتداء  الإسرائيلي.
أمام المحطة حيث لا تزال آثار القصف الإسرائيلي واضحة، إلتقينا عدداً من العسكريين الذين شهدوا الإعتداء الإسرائيلي على المركز.
الرقيب الأول محمد سالم تحدث عن القصف العنيف الذي استهدف محطة جبل صافي محدثاً أضراراً فادحة في خزانات المياه والمازوت والهوائيات الخاصة بتأمين الإتصال بين وحدات الجيش المنتشرة في الجنوب، إضافة إلى الفجوات في جوار المبنى. وأكد سالم أن الحصار الذي فُرض على المبنى لمدة 15 يوماً، بسبب القصف الإسرائيلي، لم يضعف عزم العسكريين الذين واصلوا تنفيذ التعليمات، وتبديل الهوائيات المتضررة خلال الفترات التي يتوقف فيها القصف، فحافظوا بذلك على إستمرارية الإتصالات ليلاً ونهاراً.
العريف وفيق فرح أكد ان القصف الإسرائيلي لم يؤثر على معنويات العسكريين، الذين واصلوا مهامهم بشكل طبيعي غير آبهين بالعدوان والخطر الذي يشكله. وأكد ان إصلاح الأعطال كان يتم بسرعة ودقة في الوقت نفسه، ولم يكن ثمة مشكلة في التنفيذ بالنسبة إلى العسكريين، فجميعهم تقنيون ويمتلكون المعدات اللازمة، وأضاف أن ما ساعد في انجاح عمليات الاتصال، سلامة المحطات الموجودة في المبنى والتي ظلت في منأى عن القصف.
الجندي الأول بولس عون أكد أن «إيماننا بالله والوطن دفعنا إلى الإستمرار والصمود، فكنا ننفذ التعليمات بحذافيرها غير مكترثين بالخطر الإسرائيلي».
وأضاف: على الرغم من عزلتنا لعدة أيام بسبب العدوان، استطعنا تأمين الوسائل الضرورية للعيش من مياه وكهرباء وطعام. فالكهرباء تأمنت بفضل المولدات الكهربائية الموجودة في المحطة، أما طعامنا فكنا نحصل عليه من احتياط المركز من الوجبات المعلبة.