تربية وطفولة

سلطة الأهل ضرورية لتوازن الطفل
إعداد: ماري الاشقر
اختصاصية في علم النفس

يجمع علماء النفس على القول إن سلطة الأهل ضرورية لنمو الطفل. لذلك لا تتردي عزيزتي القارئة في فرض قيود على تصرّفات طفلك، بما يتلاءم مع سنّه وأولوياتك. والأهم من ذلك، أن تشعريه بأن هذه القيود ضرورية لحياته، فيستوعبها ويفهمها، ويطبّقها تلقائيًا لا خوفًا من العقاب.

 

حدود وقواعد
طفلك بين يديك، إنه فرح سعيد وباله مرتاح. وأنت طالما حلمت بطفلٍ تمنحينه التربية الصالحة. فجأة تتغير الصورة، وتصبحين مضطرة كل يوم إلى ترداد مئات الكلمات لإنهاء طفلك عن تصرفات معينة.
إن وضع حدود للتصرّف وفرض احترامها على الطفل، هو في الوقت نفسه، مسألة سلطة، وأساس تربية سليمة قائمة على توازن الأهل والطفل، لكن يجب أيضًا مراعاة عمر الطفل عند وضع الحدود والقواعد.
وفق علم النفس، تظهر السلطة مع أول الممنوعات التي تفرض على الطفل في بداية مشيه، ويجب أن تطبّق على كل أمر قد يشكّل خطرًا عليه، كما يجب تنظيم البيت ومحتوياته بما يتلاءم مع رغبة الانطلاق والاكتشاف عند الأطفال. على الأم مثلًا، إقفال صيدلية المنزل بإحكام وإبعاد الزجاجيات عن متناول طفلها. فمن المعلوم أن الطفل يحتاج إلى الاكتشاف وإلى مساحة للّعب، لينمو فكريًا وجسديًا، ويجب منحه هذه الحرية لأن كثرة الممنوعات تلجمه وتولد لديه مركّبات نقص.
تقول إحدى الأمهات: قبل ولادة طفلتي شادية التي صار عمرها خمس سنوات، وضعت في ذهني قواعد وأصولاً مسبقة لتصرّفاتها: لن أسمح لها بالّلعب خارج غرفتها أو تخريب ديكور المنزل الذي أمضيت وقتًا طويلًا في إعداده. ولن أسمح لها بأن تتصرّف مثل أولاد الجيران الذين يقاطعون أهلهم ويصرخون أو يرفضون الذهاب إلى النوم عندما يوجد ضيوف في المنزل. لكنّ شادية، تضيف أمها، لم تكن أبدًا تلك الطفلة التي تخيّلتها، فقد أصبحت غير مطيعة، تعبث بمحتويات الأدراج، وتصرخ عند الذهاب إلى النوم...
باختصار صرت أمضي النهار كلّه في الصراخ وهي في البكاء. وذات يوم لفتتني إحدى الصديقات التي حضرت جانبًا من شجاري مع شادية إلى خطورة هذا الوضع، خصوصًا أنني كنت منهارة. لاحظت صديقتي أنني صارمة جدًا مع ابنتي وأصرخ في وجهها باستمرار، وأمنعها، لا شعوريًا، من الانطلاق كبقية الأطفال. قررت اعتماد طريقة جديدة في تربية شادية، فأبعدت عن متناولها كل الأغراض الثمينة أو السريعة العطب وتركتها تتصرّف بحرّية، وصرت أحادثها وألعب معها. وسرعان ما استعادت طفلتي ثقتها بنفسها وصارت تجرؤ على التصرّف بلا خوف من توبيخي.
هذه القصة توضح صعوبة الدور التربوي للأهل، وضرورة مراجعتهم لطريقة تعاملهم مع أطفالهم، على أن لا يؤدي ذلك إلى تغيير القواعد الأساسية، فالطفل لا يفهم مثلًا كيف نمنعه اليوم من القيام بعمل ما ونسمح له بالقيام به في اليوم التالي. وفي المطلق يجب أن يكون احترام الطفل قاعدة ثابتة في التعامل معه.

 

السلطة وليس التسلّط
يجب أن تكون الأصول الموضوعة للتصرف متساهلة قليلًا، علمًا أن الأمر منوط بشخصية الأهل وبقدرتهم على الصبر. فبعض الأمهات يتركن لأطفالهن حريّة اختيار وقت النوم، من دون أن يشعرن بالإنزعاج.
ويلفت علماء النفس إلى ضرورة أن تحدّد الأم، منذ البداية، الممنوعات والبدائل المناسبة. وعندما يبدأ الطفل بالكلام، تصبح الأمور أكثر سهولة كونه يصبح قادرًا على فهم الممنوعات الخطيرة، على نحو أفضل. إن وضع حدود للتصرّف يجب أن لا يؤدي إلى الدمج بين السلطة والتسلّط، ففرض السلطة من خلال العنف والقسوة ليس بالتصرف السليم، وأحيانًا تكون الكلمة الرقيقة فعّالة أكثر من التهديد والتوبيخ.
الاعتدال في التصرّف هو السلوك الأفضل، فالتساهل الزائد، كما التسلّط، يؤدي إلى انعكاسات سلبية. الطفل الذي ترعرع في كنف عائلة شديدة التسامح قد يتحول إلى مراهق عنيف، ذي تصرفات لا تطاق. هذه التصرّفات يعتبرها علماء النفس نداءً لأهله كي يفرضوا سلطتهم عليه. في المقابل هناك أهل يخشون فقدان محبة أطفالهم في حال فرضوا عليهم إرادتهم، وهذا الاعتقاد خاطئ لأن الأطفال بحاجة إلى الشعور بالأمان، والثقة مع أم وأب يعرفان ماذا يفعلان. والولد بحاجة إلى أهل أقوياء ليقلدهم في بادئ الأمر، ثم يثور عليهم في مراحل أخرى، وبنتيجة ذلك تتكون شخصيته المستقلة والفريدة.

 

اعتماد أنماط ثابتة لا يمنع المرونة
في علاقاته مع أهله، يحتاج الطفل إلى علامات وإشارات. لذا من الضروري، أن يثبت الأهل نمط تصرّف معيّن. فالأم التي تترك طفلها يوسخ ثيابه بالأكل، ستجد نفسها أمام كومة من الغسيل، فتعمد إلى توبيخ طفلها، وهذا خطأ كبير، عليها منذ البداية أن تعوّده على كيفية المحافظة على ثيابه نظيفة. عندما يبلغ الطفل سن الثالثة يمكن للأم أن تبدأ باعتماد المنطق في التعاطي معه، فهذا هو عمر التفاوض. يمكنها مثلاً أن تقول له، لا تريد أن تتناول طعامك، لكن خذ ملعقتين فقط. هنا يشار إلى أنه من الصعب على الطفل أن يرفض طلب أمه التي تصل بسهولة إلى غايتها، حتى من دون صراخ.
مع تقدم الطفل في العمر يصبح ضروريًا تطوير القواعد والأصول المتّبعة. فلا بأس من السماح له أحيانًا بمشاهدة التلفزيون قبل النوم، أو البقاء مع أهله في أثناء استقبال الضيوف. فالقواعد ليست جامدة، ويجب أن يتأقلم معها الطفل والأهل براحة تامة. وفي هذا المجال يقول علماء النفس إن السلطة الحقيقية لا تنبع أبدًا من الضرب أو العنف أو الصراخ. فالشخص الواثق من نفسه ليس بحاجة إلى اللجوء للضرب لفرض احترامه على طفل ليس قادرًا على الدفاع عن نفسه. والصفعة يجب أن تكون فقط لإفهام الطفل بسرعة أن تصرّفه ليس مقبولًا. وفي أي حال يجب أن لا تكون الصفعة مؤلمة. وبعد أن يتجاوز الطفل الأربع سنوات، يجب الاستعاضة عنها بعقاب آخر.
 
 

نصيحة فرويد
نختم برواية عن الطبيب النفسي المشهور سيغموند فرويد: جاءت أم تسأله عن الطريقة الأفضل لتربية أولادها، فقال لها: «أيًا كانت الطريقة، وفي كل الحالات، سيكون الأمر سيّئًا». وكان فرويد يقصد بكلامه أنه لا يوجد أهل مثاليون، لأن الأخطاء ستحصل دائمًا، ولكن الأقل سوءًا هو من يتصرف كما يحسّ، ويعطي طفله صورة الإنسان الناضج المنسجـم مـع نفسه.