معالم من لبنان

سمار جبيل توقظ قلعتها
إعداد: جان دارك أبي ياغي

مهرجانات الصيف تواكب الترميم وتدعمه


من يزور قلعة سمار جبيل الأثرية في البترون يرى بأم العين العبث الذي لحق بها خلال الحرب اللبنانية حين كانت مركزًا عسكريًا لقوى الأمر الواقع التي سكنتها لسنين طويلة، إلى أن تداعت مجموعة من المثقفين الشباب من أبناء البلدة لرفع الإهمال المشين عن القلعة، لتعود إلى تاريخها المجيد.
مجلة «الجيش» قصدت القلعة خلال المهرجان الصيفي الذي أقيم هذا العام كما في السنوات الأخيرة الماضية، وجالت بين جنباتها بالتزامن مع مشروع ترميمها.

 

قلعة سمار جبيل في التاريخ
عرفت قلعة سمار جبيل، المطلّة على المدفون وصولاً إلى البترون شمالاً ومعاد جنوباً والرابضة على تلة استراتيجية تعلو حوالى 500 متر عن سطح البحر، حضارات عديدة متعاقبة: الفينيقية والأشورية واليونانية والرومانية والصليبية والعربية، مما أعطاها تنوعًا أثريًا نادرًا. الفينيقيون بنوها مصيفًا لملـوك جبيـل، وبعـد هؤلاء تعـدد ساكنـو أرجائها في الحقبات المختلفـة، إلى أن اختارهـا البطريـرك الأول يوحنا مارون، يوم انتخب اسقفًا على أبرشيـة البترون وجبل لبنان (العام 676) مركزًا له، ثم غادرها حين أصبح بطريركًا العام 685، إلى قرية كفرحي.
تتميز القلعة بطابعها العسكري لما فيها من معالم قتالية ودفاعية، كما تتميّز بتنوّع الأبنية في داخلها وبمساحتها الشاسعة. فيها آبار في الصخر (360 بئراً)، ودهاليز عميقة (أحدها يصل الى البحر عند شاطىء المدفون، وآخر الى قلعة جبيل)، وفيها معاصر ونواويس وغرف جنائزية ومسرح روماني، وتماثيل وحمّام ملوكي وخنادق وجسور واسطبلات ومخازن رومانية وأحواض وأجران منقوشة في الصخر وباحات داخلية... باختصار تشكّل القلعة نموذجًا يشهد للحضارات المتعددة التي عرفتها بلادنا.

 

القلعة قبل الحرب وبعدها
 قبل الحرب اللبنانية، كانت قلعة سمار جبيل قبلة أنظار السيّاح وكان عدد الزائرين الذين يقصدونها يضاهي عدد زائري بعلبك وصور وغيرهما من كبريات المدن الأثرية في لبنان. وبعد اندلاع الحرب العام 1975، تراجعت السياحة بشكل عام في كل المناطق وفي منطقة البترون بشكل خاص. وخلال المعارك، أصيبت القلعة، التي كانت مركزًا عسكريًا نظرًا لموقعها الإستراتيجي، ببعض القذائف لكن من دون وقوع أضرار. لكن الضرر الأكبر تأتّى من جراء هدم أجزاء من جدرانها على يد القاطنين فيها لأسباب لا تزال مجهولة (وإلى الآن تبدو حجارة مرمية على الارض في أرجائها).

 

بدء مشروع الترميم
بدأ مشروع ترميم قلعة سمار جبيل  في المرحلة الأولى بين العامين 1963و1964 بطلب من أهالي القرية وبمساندة الرئيس الراحل اللواء فؤاد شهاب، ولكنّ الأعمال ما لبثت أن توقّفت.
 بعـد الحرب، كانـت القلعـة في حالة فوضـى وإهمـال إلـى أن عملــت مجمـوعة من المُثقّفين الشباب من البلدة والجوار على تأسيس جمعيّة مهرجانـات قلعة سمار جبيل في منتصف العـام 2006 برئاسـة السيـد عصـام الديـك. عملت الجمعية على تحقيق هدفين، الأول وضع الدراسات العمرانيّة اللازمـة لترميـم هـذه القلعـة وصيانتهــا، والثاني تنشيـط الحركـة السياحيـّة والثقافيّـة عبـر تنظيم المهرجانــات والنـدوات والمعــارض التـي يعـود ريعهـا للمساعـدة في عمليّتـي الترميـم والصيانـة.
المراحل التي قطعتها عملية الترميم لغاية اليوم، يمكن تلخيصها بالآتي:
- إزالة الأعشاب الضارة من الموقع  وتنظيف القلعة من الأوساخ.
- تنظيف حيطان القلعة من الكتابات.
- تحسين مدخل الموقِع وتوسيعه.
- توسيع الطريق التي تصل الموقع بالطريق العام.
- التحصين الطارئ وتدعيم  الأساسات  (قيد الإنجاز بالتنسيق مع مديرية الآثار).
- تدعيم الجدران وترميمها (قيد الإنجاز بالتنسيق مع مديرية الآثار).           
- تدعيم الواجهات عبر سدّ الفراغات واستبدال الـ mortar القديم الذي سُحِق تحت تأثير القوة أو تَلَف المواد، عن طريق حقن خليط مُكوّن من إسمنت أبيض وجير رَطِب وmortar hybrid.
- زيادة التــدابير الوقائيــة عبر تثبــيت حواجــز في الأماكــن المُرتفــعة والخَطِـرة، ووضع قضبان لتسهيل تنقّل الزائرين في أرجاء القلعة.
- إنشاء حمّامات ومشروع صرف صحّي في موقع مدروس خارج الموقع.
- إضاءة القلعة بطريقة جميلة ومدروسة ووفق معايير تتلاءم مع أهميّة الموقع.
- جذب السُيّاح إلى القلعة ولا سيّما عبر الترويج للمهرجانات السنويّة (أو حتى الفصليّة) التي تُقام في محيطها بالتعاون مع شركات راعية  ومع وزارة السياحة.
- تحديد ممر للسُيّاح تسهيلاً لزيارتهم ووضع اللافتات والإشارات الضروريّة (مع الحرص على عدم تشويه الموقع)، ونصب اللوحات التي تقدّم شرحاً تاريخيًا لِمُختلف زوايا الموقع وبِعدّة لغات (قيد الإنجاز).
- إنشاء موقع إلكتروني خاص بالقلعة (قيد الإنجاز).
- طبع كُتيّبات تتضمّن معلومات موجزة وصُورًا وتوزيعها مجانًا بهدف جذب الزائرين والسيّاح.
- إقامة سياج معدني لحماية الموقع.

 

مهرجانات القلعة دعمٌ للترميم
تزامنًا مع مشروع الترميم في قلعة سمار جبيل الأثرية، أطلقت الجمعية مهرجانًا صيفيًا بدأ العام 2008، وأصبح محطة سنوية ينتظرها الناس.
وقد شهد مهرجان هذا العام عرضًا مصورًا عن القلعة ترافق مع شرح شمل تاريخ القلعة والمراحل التي مرت بها.
وأحيا المهرجان، الذي امتدّ على مدى ثلاثة أيام، الفنانون: عبدو منذر، سامي كلارك، الأمير الصغير، محمد إسكندر وفرقته الموسيقية، ورفقا فارس. وكان الختام مع الفنان الكبير وديع الصافي الذي شغل حضوره قيمة مضافة للقلعة ومهرجاناتها.
حفل المهرجان الختامي أرادته الجمعية تكريمًا لوديع الصافي على عطاءاته الفنية  وفي مناسبة بلوغه سن التسعين عامًا. وقد غنّى الفنان الصافي ونجله جورج  مجموعة من الأغاني شارك في غنائها الجمهور الذي هتفَ ورفعَ الأيادي عاليًا في تحية حب وتقدير لصاحب الصوت الإستثنائي. وتخلل المهرجان مفاجأة من الفنان جورج الصافي الذي قدّم أغنية خاصة بعنوان «سمار جبيل أهلِك من جِنس النسور».
وتقديرًا لعطاءاته الفنية، قدّم رئيس الجمعية عصام الديك ومختار البلدة حنا ناصيف لوديع الصافي لوحة من خشب الأرز، كما قدّم له الفنان جوزف عسّاف منحوتة حجرية من أعماله. وألقى الشاعر والصحافي حبيب يونس قصيدة للمناسبة، تَلتها مواويل عَتابا وميجانا بصوت الدكتور سهيل يونس بعنوان «صافي متل زرقة بلادنا» مهداة إلى فنان لبنان الكبير وديع الصافي.
    


الصور من أرشيف الجمعية