تحيّاتي سيدنا

سيّدات الجرأة والإصرار والالتزام «عميدات» في الجيش اللبناني
إعداد: ريما سليم ضوميط

بعد سنوات من الخدمة والعطاء في المؤسسة العسكرية، تَوَّجت قيادة الجيش مسيرة ضباط إناث برتبة «عميد»، فكنّ أول سيّدات في تاريخ الجيش اللبناني يحملن هذه الرتبة.

 

التقيتهن منذ أكثر من عشرين عامًا، كنّ من عداد الدفعة الأولى من ضباط الاختصاص الإناث اللواتي التحقن بالمؤسسة العسكريّة، وكنت في بداية حياتي المهنيّة يدفعني فضول كبير لاكتشاف كل ما هو جديد وخارج عن المألوف في مجتمعنا. ما زلت أذكر حماستي الشديدة آنذاك للقاء أولئك الشابات الجريئات اللواتي اخترن شق طريقهن في دربٍ عُبّدت أصلًا للرجال، وقرّرن خوض تحدٍّ مع الذات أوّلًا، ومع المجتمع ثانيًا ليبرهنّ أن دور المرأة لا يقلّ شانًا عن دور الرجل في حماية الوطن وصون أهله، وقد دخلن معركتهن تلك حاملات سلاح العلم والمعرفة، زادهن حب الوطن وبركة الأهل... يومها لم يخب ظنّي بأولئك الشابات، فتوسمّت فيهن، بعد لقائنا الصحفي، خيرًا للوطن ولجيشه.
اليوم، وبعد مرور سنوات طوال، ألتقي بهن مجدّدًا: العميد طبيب الأسنان دنيا خوري، العميد طبيب الأسنان راغدة أبو حيدر، العميد طبيب الأسنان ريما أبو حمد، وهذه المرّة لإلقاء الضوء على مسيرتهن العسكرية بعد سنوات من العطاء داخل المؤسسة.
 
 

 العميد طبيب الأسنان دنيا الخوري
ارتداء البزّة العسكرية، حلم راودها منذ كانت تلميذة في المرحلة الثانوية، ولطالما أكّدت لرفاقها في الصف أنّه بعد التحاقها بالجامعة وتخرّجها منها، سوف تنخرط في صفوف الجيش.
عن تلك الحقبة تقول العميد طبيب الأسنان دنيا خوري: «في أوائل الثمانينات، كنت تلميذة في الصف الثانوي الثالث، ولم يكن يربطني بالمؤسسة العسكرية أي صلة مباشرة، إذ لم يكن أي من أفراد عائلتي ينتمي إلى السلك العسكري، ومع ذلك، كان يمتلكني شعور غريب تجاه تلك المؤسّسة، وكنت أخبر رفاقي دائمًا أنني سأنضمّ يومًا إلى الجيش، علمًا أنّه في تلك الفترة لم تكن قد طُرحت بعد فكرة تطويع ضباط إناث في المؤسسة العسكرية. ولم يكد يمضي عام على تخرجي من كلية طب الأسنان، حتى أعلنت قيادة الجيش عن تطويع ضباط اختصاص- إناث، فلم أتردد لحظة في تلبية النداء».
الأنثى المندفعة لخدمة الوطن لم تكن تعلم ما تخبئ الحياة العسكرية من صعوبات لامرأةٍ تشق طريقها في عالم الذّكور، فكان التحدّي الأوّل اجتياز دورة التنشئة العسكريّة التي استمرت ثلاثة أشهر وكان على الشابات في أثنائها خلع ثوب الأنوثة لمواجهة خشونة التدريبات العسكرية والصمود حتى نهاية الدورة!
«بدأت الصعوبات منذ الأيام الأولى لالتحاقي بدورة التنشئة. فالتدريب العسكري كان مكثّفًا ومرهقًا، وكانت ساعاته تمتد من الصّباح الباكر حتى الخامسة مساءً. وكم من مرّةٍ بلغ بي التعب أشدّه فهممت بالتراجع عن هذه الخطوة، غير أن المدرّبين كانوا دائمًا يشدّون من عزيمتي مؤكّدين لي أنّني سأتخطى هذه المرحلة بنجاح، وسأنسى ما عانيته خلالها، فأعود وأتحلّى بالصبر.
ظلّت معركة الكرّ والفرّ إلى أن أنهيت دورة التنشئة وتخرّجت برتبة ملازم مع أقدميّة سنتين. عندئذٍ، بدأت مرحلة جديدة، تحمل تحديًا مختلفًا وهو أن أكون على قدر المسؤوليّات التي سأكلّف بها. تم تعييني أوّلًا في مستوصف شكري غانم حيث قضيت معظم سنوات خدمتي العسكريّة أمارس مهمّتي كطبيبة أسنان، وكنت في الوقت نفسه أتولى مهمّات إدارية وأخرى تعليميّة في بعض الأحيان كإعطاء دروس لتلامذة المدرسة الحربية. حين بلغت رتبة مقدّم، تم تعييني رئيسة لمستوصف قاعدة جونيه البحرية بالإضافة إلى مهمتي كطبيبة أسنان. ومنذ حوالى السنتين، شُكّلت إلى المستشفى العسكري المركزي حيث اتولّى حاليًّا مهمّة مساعد رئيس جهاز المراقبة الطبيّة، ورئيسة قسم المستفيدين، ورئيسة قسم المراقبة الطبيّة».
أمّا كيف استقبل العسكريون في فترة التسعينيّات «السيّدة» الملازم، فتقول العميد الطبيب: في البداية كان مظهر الضابط الأنثى غير مألوف في الجيش، فكان البعض يبتسم سرًّا لدى رؤيتنا، والبعض الآخر يرمقنا بنظرات تعجّبٍ. ومن الأمور الطريفة التي واجهتني في إحدى المرّات، أن رجلًا كبير السنّ دخل مكتبي كي أوقّع له على وصفة طبيّة، وحين لم يجد سواي أمامه، نظر في أرجاء المكتب وسألني مستغربًا: «أين الضابط المسؤول؟».

 

رتبة عميد
ما بين رتبة ملازم ورتبة عميد، سنوات من التجارب والخبرات تصقل شخصيّة الإنسان وربّما تبدّل نظرته إلى الأمور وطريقة تعاطيه معها. بالنسبة إلى العميد خوري، فإن هذه السنوات مدّتها بالمرونة التي كانت تنقصها في بداية حياتها العسكريّة وزوّدتها الحكمة والتروّي في مواجهة الصعوبات. وهي تقول في هذا الإطار إنّ «الحياة العسكرية قد صقلت الكثير من الصفات التي كنت اتمتع بها أصلًا، كاحترام النظام والصراحة والوضوح، وقد سهّلت لي التعامل مع الرؤساء والمرؤوسين. كذلك، فإن الخبرة التي اكتسبتها زادتني حكمة ونضوجًا. ففي بداية خدمتي العسكرية، كانت ضغوطات العمل كثيرة بسبب الكم الهائل من المرضى في عيادات طبّ الأسنان، وكنت أصاب بالتوتّر والقلق بسبب سباقي الدائم مع الوقت كي أستطيع تلبية حاجات المرضى جميعهم من دون أن يؤثّر ذلك على نوعية الخدمة. مع مرور الوقت، اعتدت هذا النمط المتسارع في العمل، واليوم صرت أكثر مرونة وحكمة في تقدير الأمور، فلم يعد ضغط العمل يقلقني وأصبحت واثقة من أن المريض سينال حقّه في العلاج ولن يكون هناك أي تقصير تجاهه».

 

خدمة العائلة والوطن
تشعر المرأة العاملة بشكلٍ عام بالتقصير تجاه عائلتها، فما بالك بالمرأة في المؤسسة العسكرية حيث تخضع لشروط الحجز والخدمة والمهمّات المفاجئة؟ في هذا الإطار تقول العميد الطبيب خوري: «عانيت الكثير من الصعوبات كي أتمكّن من التوفيق ما بين واجبي العسكري و دوري كأم، لا سيّما وأنّني أسكن بعيدًا عن عائلتي وعائلة زوجي، وكان الأخير سندي الوحيد حين كان أولادنا في مرحلة الطفولة». وتضيف: «لطالما شعرت بالتقصير تجاه عائلتي إذ كثيرًا ما كنت اضطر إلى البقاء في عملي لساعات متأخّرة، ناهيك عن الحجز داخل الثكنات الذي كان يُفرض علينا بسبب الظروف الأمنية وفي أثناء المعارك التي خاضها الجيش ضد الإرهاب. هذا بالإضافة إلى الخدمة الدوريّة حيث كنّا نضطر إلى المبيت داخل المراكز العسكريّة، كما كنّا نُكلَّف أحيانًا بمهمّات مفاجئة نضطر بسببها إلى تعديل برنامجنا العائلي. اليوم، حين أنظر إلى تلك المرحلة، أدرك أهمية الصبر والمثابرة في الحياة العسكرية لأنه من خلالهما يتمكّن المرء من التأقلم مع مختلف الظروف كي يصل إلى إثبات ذاته وتحقيق النجاح والتقدّم».
 

العميد طبيب الأسنان راغدة أبو حيدر
 في أوائل التسعينيّات انضمت الشّابة راغدة أبو حيدر إلى الدفعة الأولى من الضبّاط الإناث. يدفعها حب المغامرة وطموحٍ لا يعرف المستحيل. لم يرهبها ما سمعته عن خشونة الحياة العسكرية، هي التي تهوى البحث عن التحديات ومواجهة مخاوفها.
العميد طبيب الأسنان راغدة أبو حيدر، هي اليوم رئيسة لجنة التطويع الدائمة في الطبابة العسكرية. عُيّنت لدى تطوّعها، في العام 1992، في المستشفى العسكري المركزي-قسم الأسنان، حيث خدمت ضمن اختصاصها لمدّة ثمانية عشر عامًا، بعدها تولّت رئاسة فرع الأشعة والمعاينات، ثم رئاسة مختبر الأسنان في طبابة الأسنان. كما ترأست لبعض الوقت مستوصف بعبدا ومن بعده مستوصف قاعدة جونيه البحرية، ففرع الإدارة الطبيّة في قسم المعنويات- أركان الجيش للعديد، إلى رئاسة قسم غرفة الاستشفاء فالعمليات في الطبابة العسكرية.
بنشاط واندفاع للعمل شاركت في عدة لجان من ضمنها لجان أدوية، تفتيش، مستشفيات، تغذية، وتطويع. كما انضمّت إلى عدّة ورش عمل من بينها ورشة في سويسرا حول النزاع المسلّح بين الدول، ومثّلت وزارة الدفاع بصفة ضابط ارتكاز في هيئة شؤون المرأة اللبنانيّة.
رافق اندفاعها العملي حشريّة علميّة دفعتها إلى البحث عن المعرفة وتطوير الذات، فعادت غير مرّة إلى مقاعد الدراسة حيث حازت شهادة دراسات عليا في علم الأحياء، وماجستير في إدارة المؤسسات الطبيّة، بالإضافة إلى دبلوم في الجودة في المؤسسات. وقد جنّدت شهاداتها في خدمة وظيفتها، فاستفادت من خبراتها في تحسين أدائها الوظيفي، كما أعدّت بحوثًا ودراسات حول مواضيع طبيّة، من بينها دراسة الجدوى لإقامة قسم جراحة اليوم الواحد في منطقة جبل لبنان والتي تشمل خطّة متكاملة للمشروع، بالإضافة إلى أطروحة استراتيجيّة للطبابة العسكريّة.

 

«أكثر من بطيخة»
حملت «أكثر من بطيخة»، كي ترضي الأوجه المتعدّدة لشخصيّتها. فهذه المرأة الصلبة والقوية، هي في الوقت نفسه، رقيقة القلب، تكره العنف، وتزخر بالمشاعر الإنسانية. فهي تارة تتحدّى العواصف والرياح لتشارك في سباق للتزلج، وطورًا تسابق الوقت لخدمة مريض تأبى ان تراه ينتظر أمام باب عيادتها «احترامًا لشعوره الإنساني ولظروف خدمته»، كما تؤكد.
عن المراحل المختلفة في مسيرتها العسكرية تقول: بالنسبة إلي، لكل مرحلة في حياتي العسكرية ميزتها الخاصة. المرحلة الأولى حملت زخم الشباب واندفاعه، بالإضافة إلى الرغبة في إثبات الذات، فكنت أجاري الضبّاط الذكور في الخدمة الليلية والمهمّات الصعبة. وكنت دائمًا أقول في نفسي أن الفارق ما بيننا كإناث وبينهم لا يتعدّى البنية الجسدية، وربّما نتميّز عنهم بالإحساس المرهف، أما في ما خص الأداء الطبّي والمستوى الفكري فنحن متساوون في قدراتنا على العطاء.

 

مخاوف وتحديات
خلال هذه المرحلة، خضت عدّة تحدّيات واجهت فيها مخاوفي، كان أوّلها التغلّب على خوفي من السلاح. فالبندقية كانت بالنسبة إلي وسيلة قتل ودمار، ومن شدّة خوفي منها، نلت صفرًا في أوّل امتحان للرماية في المدرسة الحربية، لكن إصراري على النجاح بدّد خوفي وسرعان ما تعلّمت كيفية التسديد والتصويب بدقّة، حتى إنني أصبت هدفي بتفوّق في ثاني رماية لي. خلال هذه الفترة أيضًا، أدركت أهميّة الرياضة في الحياة العسكرية، فتعلّمت اولًا السباحة، ثم تقدّمت بطلبٍ إلى مدرسة التزلج لتعلّم هذه الرياضة. في البداية، تملّكني خوف ورهبة من مواجهة المنحدرات العميقة، ثم فكّرت في نفسي طالما أنّه هناك من هو قادر على خوض هذه المغامرة، فما الذي يمنعني أنا أيضًا من المضي بها. وبالفعل، فقد تمكنت من التغلّب على مخاوفي، وشاركت بعدها طوال ثلاث سنوات في بطولة الجيش في التزلج.
على صعيد آخر، تؤكّد العميد الطبيب أن الحياة العسكرية كانت مدرسة بالنسبة إليها. فكل عمل كلّفت به زادها معرفة وخبرة في مجال ما. «خلال عملي الإداري في قسم العمليّات، تعلّمت الكثير عن المراسلات العسكرية وكيفية إعدادها ودورتها في مختلف الأجهزة. أدركت أيضًا أن المريض لا يدخل المستشفى «بكبسة زر» وإنّما هناك طاقم يعمل بكثير من الجهد لإعداد ملفات المرضى ودراسة كل حالة بمفردها. ومن خلال مشاركتي ضمن المفارز الطبية في مناورات مع القوات الجوية والبحرية واليونيفيل نما في داخلي حس المغامرة وتمرّست على الاستعداد للتدخل السريع في الحالات الطارئة. أمّا مشاركتي في المفارز الطبية ضمن غرفة عمليات العرض العسكري، فشعرت من خلالها برهبة المسؤولية عن سلامة آلاف الأشخاص. كذلك، زادني الجيش خبرة في مجالات بعيدًا من اختصاصي الطبي، كالتحقيق العدلي الذي تابعت فيه دورة اختصاص ومارست دوري فيه لفترة داخل الطبابة العسكرية إلى جانب مهامي الأخرى».
من خلال خبرتها المكثّفة في الحياة العسكرية تنصح العميد الطبيب الفتيات اللواتي تطوّعن حديثًا في الجيش بأن يثقن بقدراتهن وتنصحهن بتنمية هذه القدرات على مختلف الأصعدة، وتقول في هذا الإطار: من الضروري أن يهتم كل عسكري ببناء فكره كاهتمامه ببنيته الجسدية لذلك على العسكريين إغناء ثقافتهم العامة لأن الوطن بحاجة إلى عناصر أكفاء لبنائه. كذلك، يجب الاهتمام باللياقة البدنية عن طريق ممارسة الرياضة بصورة دائمة، كما يجب على كل عسكري الاهتمام بنظافته الشخصية وبالنظافة العامة. ويبقى الأساس، بالطبع، التحلّي بصفات الشرف، التضحية، والوفاء، فالخدمة العسكرية ليست وظيفة وإنما شرف وواجب.
 

 العميد طبيب الأسنان ريما أبو حمد
ولدت ونشأت في كنف عائلة عسكريّة، فوالدها مؤهّل في الطبابة، وعمّها عميد في الجيش. تربّت منذ نعومة أظافرها على مبادىء التضحية الشرف، والوفاء، فكان من البديهي أن تطمح للانضمام إلى المؤسسة التي تجلّ وتحترم، وهو ما قامت به فور تخرّجها من كليّة طب الأسنان. هي العميد طبيب الأسنان ريما أبو حمد، مساعد رئيس الطبابة في جبل لبنان، ورئيسة اللجان الطبية في جبل لبنان، ورئيسة مستوصف صربا.
بعد تخرّجها كملازم طبيب أسنان في آب 1992، بدأت خدمتها العسكرية في المستشفى العسكري المركزي، ثم تنقلّت بين عدّة مراكز من بينها مستوصف يسوع الملك، ومنه انتقلت إلى مستوصف صربا حيث قضت معظم خدمتها في الجيش، فتولّت رئاسته في العام 2008، ثم غادرته مرتين لعدّة أشهر فقط، الأولى حين تولّت رئاسة قسم المعاينات في جهاز طبابة الأسنان في المستشفى العسكري المركزي، والثانية حين تسلّمت رئاسة مستوصف البحرية.
كانت من ضمن الدفعة الأولى من الضباط الإناث اللواتي التحقن بالمؤسسة العسكريّة، وبالتالي فقد عانت المشقّات نفسها التي واجهت زميلاتها وخاضت التحدّي نفسه لإثبات ذاتها.
تؤكّد العميد أبو حمد «أنّ قدر المرأة في مجتمعنا أن تشعر دائمًا بالتحدّي لأنها تعيش في مجتمع ذكوري. وقد تشعر أيضًا ببعض الظلم، إذ عليها أن تعمل دائمًا بجد كي تثبت للآخرين أنّها موجودة وأنّها عنصر فاعل في المجتمع، في حين أن الرجل ليس مجبرًا على أن يثبت أي شيْ لمجتمعه! وتوضح أنه لا يجوز الاستمرار بتصنيف الأشخاص كإناث وذكور، بل يجب تصنيفهم بحسب إنتاجيتهم ونجاحهم في تأدية المطلوب منهم».
وتضيف: أولى التحديّات التي واجهتني وزميلاتي الضباط، كانت أن نثبت للآخرين أننا على قدر الثقة التي منحتنا إياها قيادة الجيش، وقد حققنا أول نجاح باجتيازنا دورة التنشئة على الرغم من أنها كانت بالغة الصعوبة، وقد تابعنا خلالها نفس التدريبات العسكرية والتمارين الرياضية التي يقوم بها الرجال. وبعد التحاقنا بالقطع والوحدات، كانت الصعوبة الأكبر في مواجهة المجتمع الذكوري وإثبات أنفسنا تجاه مرؤوسينا ورؤسائنا. فالمرؤوسون لم يكونوا معتادين على تلقي الأوامر من أنثى، أما الرؤساء فكان علينا أن نثبت لهم أننا على قدر المسؤولية الموكلة إلينا.

 

المرأة في الجيش
تعتبر العميد أبو حمد أن المرأة بشكل عام قد نجحت في الحياة العسكرية بدليل استمراريتها التي هي حصيلة مثابرتها وإخلاصها لعملها. وعلى الصعيد الشخصي، وفي عملية تقييم للذات، تؤكّد أنها راضية عن أدائها، موضحة أنها لم تقصّر يومًا في عملها بل كانت دائمًا مخلصة للمؤسسة العسكرية. وتتابع: دخلت المؤسسة بطموح كبير، وأخذت عهدًا على نفسي منذ البداية أن لا أترك الجيش أو أنسحب منه أو أستسلم مهما واجهت من صعوبات، وأعتقد أنني نجحت في ذلك.
وعن أهميّة رتبة «عميد» التي توّجت بها مسيرتها العسكرية، تقول: أعتزّ كثيرًا بهذه الرتبة، لأن وصولي إليها هو تقدير لعملي وجهودي من قبل قيادة الجيش، وهو أيضًا يعني أنني لم أستسلم ولم أتراجع أمام الصعوبات. ويكفيني فخرًا أنني عملت ولا أزال بضمير حيّ، وقدمت للمؤسسة العسكرية أفضل ما في وسعي، فأنا لم أعتبر يومًا أنني أقوم بوظيفة تنتهي بمجرد خروجي من المكتب، بل حاولت في كل مركز تولّيت مسؤوليته أن أتركه لمن يخلفني بصورة أفضل مما كان عليه يوم استلمته.

 

تحسين وضع الطبابة
عن الطموحات والأمنيات التي تسعى إلى تحقيقها في المرحلة المقبلة تقول العميد طبيب الأسنان:
ليس لدي أمنيات على الصعيد الشخصي، وإنّما على صعيد الجيش والطبابة بشكل خاص. فعلى الرغم من التطور الذي شهدته الطبابة على صعيد المعدات الطبية، وإغناء الطاقم الطبي باختصاصات جديدة، لكن المشكلة التي يواجهها المستفيد ما زالت نفسها منذ سنوات، وهي تقسم إلى شقين، الأول هو أن غالبية الأعمال الطبيّة مرتبطة بالمستشفى العسكري المركزي، ما يفرض على العسكريين وعائلاتهم الانتقال من مناطق بعيدة للحصول على الخدمة الطبيّة، ومن ناحية أخرى، فإن أعداد المستفيدين في طبابة المناطق في ازدياد، وبالتالي فإن التحسينات التي تشهدها هذه المراكز تبقى غير كافية في ظل هذا الازدياد المضطرد. وبناء عليه، فإننا نطمح إلى اللامركزية في الخدمات الطبية، وهذا يقضي أولًا بتعزيز الطبابة في المناطق بالطاقم الطبي والمعدات اللازمة كي تصبح قادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من المستفيدين. من جهة أخرى، نطمح إلى بناء مستشفى عسكري جديد مزوّد التجهيزات والمعدات الطبيّة الحديثة وقادر على استيعاب عددٍ أكبر من المرضى. الحلم الأكبر أن يكون هناك أكثر من مستشفى عسكري واحد في لبنان، وقد يصبح هذا المشروع ممكنًا في المدى البعيد.
وفي إطار تعزيز المستوصفات، تذكر العميد الطبيب الأصداء الإيجابية للتطوّر الذي شهده مستوصف جبل لبنان بعد استحداث أقسام جديدة فيه وتزويده أطباء من مختلف الاختصاصات، مبدية أملها في أن يتم تحديث وتطوير جميع المستوصفات والمؤسسات الطبية في الجيش بما يسهّل أمور المستفيدين ويخدم مصلحة العسكريين.