شعراؤنا

شاعر الخطيئة الثائر أسعد جوان
إعداد: الجندي أمير هليّل

التقدم هو السمك الذي تجلبه أنت إلى البحر...

 

خطيئة ألاّ تحبّ شِعر أسعد جوان. هذا ما قاله فيه سعيد عقل. وربمّا خطيئة أيضًا أن تحبّ شِعر أسعد جوان فتُدمنه وتستلذّه. بين اللاخطيئة والخطيئة، تحفُّ عيناك على قصائده الغزلية، فيعلّمك كيف تسرّح شَعر حبيبتك بالكلمات الأصابع، ويجعل منك طفلاً يلعب بالتراب، تراب بلدته «زان» الشمالية، التي ربّته ثائرًا، يكتُب رهافة الشِعر، وحيويّة النثر. نسمع نايه المبحوح ونبيذه المعتّق، فيتكحّل القصب، ويلهث القرميد وراء لونه الخمري، في جرار صاحب «صالون العشرين»، الشاعر أسعد جوان إبن بلدة زان البترونية.


• كيف بدأت فكرة تأسيس «صالون العشرين»؟
- بدأ صالون العشرين تحت إسم «حركة البحث عن المواهب» في سبعينيات القرن الماضي، وكانت تبحث عن الشباب الموهوبين شِعرًا ورسمًا وإلقاءً للشِعر في المدارس. هذا البحث الثلاثي، قادته صداقات كثيرة، من سعيد عقل وموريس عواد وأنطوان جبارة وميّ مرّ. بعدها اخترنا اسم «صالون العشرين» عن اقتناع بعدد معيّن من الشعراء، حسب مفهومنا لكتابة القصيدة وقتذاك، بحيث لا يتعدّى عددهم العشرين. وكان سعيد عقل إلى جانبنا دائمًا، وأصرّ على كتابة بنود الوثيقة التي صدرت عن هذا الصالون وعملنا وفق قانونها إلى فترة معيّنة. بعدها أخذ الصالون المنحى الشعري البحت، فاهتمَّ بالشعراء الشباب والشعراء الكبار؛ الشباب لتشجيعهم والوقوف إلى جانبهم قدر المستطاع، طبعًا مع الانتباه إلى نوعيّة الموهبة، والشعراء الكبار لمساعدتهم في أيامهم الأخيرة من النواحي المعنوية والماديّة، وتكريم الشعراء المنسيين، بإصدار كتب ودراسات عنهم وتجميع أعمالهم المفقودة. «صالون العشرين» هو الوحيد في لبنان الذي لم يقبل بعلم وخبر من المؤسسات الرسمية للمحافظة على حريّة عمله الإبداعي واستقلاله.

 

• أنت من أنصار «الثقافة الثورية»، ما هي هذه الثقافة وكيف تعمل؟
- لا تقدّم من دون ثورة. وعدم التقدم يعني الخمول، يعني البحر الذي لا موج فيه، هادىء لا يقترب من الشاطىء ولا من الصخور، التقدّم هو الماء المتكسّر، هو السمك الذي تجلبه أنت إلى البحر ليحبك الصيَّادون. الثورة أساس كل تغيير في الأرض، وخلق كل جديد، لنبتعد فيه عن الموت. في حالة الركود، يرمى فيك حجر صغير فتتحرّك، الثورة هي هذا الحجر الصغير. بدأت ثورتي عندما أهديت ضيعتي قصائدي الأولى، حيث كل الشعراء عندنا يكتبون الزجل، فأتت قصائدي جديدة لا تشبه الزجل، ما خلق نفورًا معيّنًا تجاهي وأدى إلى اتهامي بخربطة الزجل والقصيدة. وأنشأت مجلّة صغيرة في المدرسة كنّا ننشرها على اللوح وحسب، وأسميتها «المقصّ»، وهكذا بدأت الثورة في حياتي. بعدها نزلت إلى بيروت، إلى الوسط الثقافي والشعري، وتبلورت الأفكار الجديدة، وكبرت في داخلي الثورة وكبرت في داخلها. وكان لي عدد من التصرّفات الثورية أصبحت معروفة في لبنان وفي دول المنطقة.

 

• ما هي هذه «التصرّفات الثورية»؟
- إنّها كثيرة، وأذكر منها البيان الذي أعلنته يوم سجن المرحوم غسان تويني الذي كان وزيرًا للتربية أيام الرئيس الراحل سليمان فرنجية. قلت في البيان: «شاعر يحرق نفسه بكتبه في شارع الحمرا إعتراضًا على سجن غسان تويني وسجن الحرية». ونشرته جريدة النهار التي كانت تعتبر في حينه وزارة للثقافة في المنطقة العربية كلها. وكان بهيج تقي الدين وزيرًا للداخلية. وعند الموعد المحدَّد، وعند توجهي إلى شارع الحمرا، وجدته محاطًا بالعسكر خوفًا من إحراق الشارع كله، الذي كان شارع الثورات، حيث أن كل الأفكار الثورية كانت تطبخ في مقاهيه مع محمود درويش، محمد الماغوط، شوقي أبو شقرا، أنسي الحاج... المهم أنه تم اخراجي من الشارع ومررنا أمام الوزير بهيج تقي الدين الذي كان أمره واضحًا بمنعي من إحراق نفسي، وتوجَّهنا إلى قصر الأونيسكو حيث أحرقت كميّة كبيرة من الكتب. وفي اليوم التالي نشرت الصحف خبر إحراق الكتب، وفي اليوم الثالث أفرج عن غسان تويني... وعندما سجن الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم في أيام السادات، أعلنت الإضراب عن الطعام حتى الموت، وعند نشر الخبر تلقّيت العديد من الاتصالات، فأضربت عن الكلام أيضًا، واستمر هذا الإضراب أسبوعين أطلق بعدهما سراح أحمد فؤاد نجم. وثمة أمر ثالث، عندما سقط الاتحاد السوفياتي، بقي في السجن حوالى خمسمئة كاتب ومثقف لم يتم إطلاقهم. فقمت بإحراق خمسمئة كتاب احتجاجًا على ذلك في إنطلياس أمام المعرض اللبناني للكتاب، ولم ينقضِ شهر حتى أفرج عن المعتقلين جميعهم.

 

• تكتب باللغتين، اللبنانية والفصحى، في ايّهما أسعد جوان شاعر أكثر؟
- أنا لا أكتب باللغتين، اللغتان تكتبان بي. أجد نفسي شاعرًا في اللغتين، الكتابة عملية وَحي، ينزل عليك الوحي كعاصفة أو كنسيم أو كثلج كانون. قوة الكتابة يحدِّدها الوحي. انا ككاتب أتسلَّم هذا الوحي فتبدأ لعبتي الفنيّة على الورق، وهذا يعتمد على الخبرة الكتابية، من نحت ومعرفة لغة وعلم بالجمال، وقدرة على التحمل، إذ أن القصيدة تجبرك على الكتابة إلى أن تعرق.

 

• في قصائدك الغزلية، نحبّ المرأة أكثر. ماذا حصل لتصبح من مناهضي المرأة ومهاجميها الكبار؟
- هل تصدّق أنني مناهض للمرأة؟ جزء مني امرأة، وأنا معجون فيها، ولدت على صدرها، وسأموت على صدرها. ولكني غضبت عليها، فهل الغضب ممنوع؟! وغضبي عليها نقي هدفه التغيير، هدفه تعليمها، وثمة صعوبة كبيرة في إقناعها، إذ أن تركبيتها البيولوجية معقّدة جدًا. لا شاعرة مهمّة في الأرض، المرأة ليست لكتابة الشِعر، المرأة للوحي. كل اكتشافات العالم أتت من وحي أوجدته النساء، فلماذا لا تستمر في الاضطلاع بهذا الدور؟! الحب والحنان والصفاء والطمأنينة لا نجدهم إلاّ على صدور أمهاتنا وحبيباتنا. الأرض بحاجة إلى نساء تؤدين أدوارهن بشكل صحيح. فقدنا كل شيء عندما فقدنا التربية. الرجل لا يجيد تربية الأولاد، الأم بلى. أنا نقمتي كبيرة على نساء العالم لأننا نخسر كل يوم دور الأم، ودور المرأة الأنثوي بشكل كبير. خطر على الوجود أن تتحوَّل المرأة إلى حديدية، إنها تتجه إلى الرجل.

 

• ماذا عن نشاطات «صالون العشرين» للعام 2012؟
- لدينا عمل كثير، أذكر منه:
- تنفيذ قاعدة وتمثال عملاق لأمير الزجل اللبناني حنّا موسي في ساحة بلدته زان البترون، وافتتاح صالة شِعر تحيّة لمؤسس مجلة «شِعر» يوسف الخال بمناسبة مرور 25 سنة على غيابه.
- الاعلان عن اطلاق مهرجان الاخطل الصغير الشعري السنوي ابتداءًا من العام 2012 مع جامعة سيدة اللويزة واقامة تمثال للشاعر في ضبيه مقابل قصر المؤتمرات.
- اطلاق احتفالات مئوية سعيد عقل في الثالث من تموز 2012.
- احتفالات بالنحات العالمي يوسف الحويك ابتداءًا من 28 ايلول 2012 بمناسبة مرور 50 سنة على غيابه.
- مهرجان زجلي كبير حول عملاق الزجل خليل روكز بمناسبة مرور 50 سنة على غيابه.
- تكريم الشاعر يونس الابن.
- الاحتفال بمرور سبع سنوات على غياب ألفرد مرّ وخمس سنوات على غياب ميّ مرّ.

 

أسعد جوان في موسوعة غينيس
دخل الشاعر اللبناني أسعد جوان موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية بعد انجازه في سنة «بيروت عاصمة عالمية للكتاب» عشرة كتب في فترة امتدت من 23 نيسان 2009 إلى 23 نيسان 2010، كاسرًا بذلك الرقم الذي حقَّقه الروائي الياباني شينيشي كوبا ياشي الذي كتب ستة كتب حين كانت طوكيو عاصمة عالمية للكتاب (من 2007 الى 2008). والكتب هي: «أوتوكار السماء»، «أبانا الذي في التراب: عاصي الرحباني»، «لا يعجبني أحد»، «الحرديني إيدين الصخر»، «مرا من ورق، ضيعة ممحية: أسعد السبعلي»، «ديوان الشاعر سليم الخوري من عصبة الشعر اللبناني»، «ملوك الوروار»، «النثر إن بكى الشعر»، «شربل ضو المي» «رجل من سنديان».
والجدير بالذكر أنه من أوائل الذين أطلقوا أوّل مكتبة شعرية «جوّالة» في العالم العربي.
وَهب مكتبته الشخصية المؤلّفة من 6000 كتاب لجامعة اللويزة.

 

قصائد صغيرة لأسعد جوان
قلال:
قلال نحنا بسّ منّا قلال
عنّا كرامي قد ما عنّا جبال
مطرح البيموت منّا شي بطل
كل ما منزرع قمح
بيفرّخ رجال

 

• سرّاق:
متل الحرامي الما إلو ولا إيد
قلبي أنا سرّاق
شالِك من الناس
حطِّك عالوراق
حبِّك من بعيد
سرقِك متل ما بيسرق التفّاح
لونو عن القرميد..!

 

من مؤلفاته
«طلة صدر» (1970)، «مريول» (1971)، «آخر سني منموت» (1985)، طمرا من ورق» (2001)، «كحل القصب» (2001)، «الديانة الرابعة المرأة» (1997)، «ما غاب عن بال الانبياء» (2001)، «حبيبتي السماء» (2006)، «يعيش الموت» (2008)، «النثر ان بكى الشعر» (2009)، و«أوتوكار السما» (2010).