لقاء

شخصية فنية غنية بالأفكار كلود عبيد: كلود عبيد:
إعداد: جان دارك أبي ياغي

طموحي أن تكون كلمتي لوحة ولوحتي كلمة...

 

في منزلها في منطقة الحازمية, تحتل عشرات اللوحات مساحات الجدران من المدخل إلى البهو وصولاً إلى غرف المنامة. شخصية فنية غنية بالأفكار، همّها الإبداع. نجحت في تخطّي الكثير من المفاهيم التقليدية لتثبت أنّ المرأة قادرة على تشكيل مستقبلها بامتياز... محدّثة لبقة، لا تفارق الإبتسامة محيّاها، تعرف كيف تستدرج محدّثها ليكون منحازًا إلى أفكارها وريشتها.
إنّها الباحثة والناقدة ونقيبة الفنانين التشكيليين كلود عبيد، ومعها كان هذا اللقاء.


القلم والريشة... حتى العشق
هي ريفية من بلدة عكار، تزوّجت وكوّنت أسرة، لكنّ طموحها أن تجعل الإنسانية بكاملها أسرة لها عن طريق الفن والكتابة. منذ نشأتها اختارت رفيقين لأيامها: القلم والريشة وقد أحبّت كليهما حتى العشق.
أيهما أحب إلى قلبها؟ وكأنّك تسألها أيهما أهم السمع أم البصر! في اللوحة «أرسم العالم بالريشة، وبالكتابة أرسمه بالكلمة. مدى اللوحة لا يقلّ اتساعًا عن مدى الكلمة. ومن حسن حظي أني أملك وسيلتين للتعبير. وما أطمح إليه هو أن تكون كلمتي لوحة ولوحتي كلمة».
ما تأثير المكان والزمان في تشكيل لوحة ما؟ تقول: «لا يستطيع الإنسان أن يبدع آثاره بمعزل عن محيطه وعن عصره، فالرسم يتصل بالإنفعالات. بالنسبة الّي، اللون ليس مقياسًا لحالة أو حدث، قد أعبّر عن الحزن باللون الأحمر أو الأبيض، بينما يعبّر فنان آخر بهما عن الفرح. الحزن والفرح قد يظهران من خلال تركيبة اللوحة أيضًا... في السابق كنت أعتمد الألوان الداكنة بالرغم من فرحي الدائم، وأخيرًا إنتقلت إلى الألوان الزاهية.  
ترى كلود عبيد في الفن كشفًا للواقع ومحاولة تحسينه عبر إصلاح أشياء وتنظيم أشياء أخرى: لوحة بيكاسو «غارنيكا» ما زالت حتى الآن تصرخ في وجه الظلم وتقول لا للحرب.
من ينابيع بلادنا
لا تنتمي عبيد إلى مدرسة فنية معينة. الفنانة التي نحت صوب التجريد تقول: «اليوم لم يعد من مدرسة نبتدعها، وأنا أنهل فني من ينابيع بلادنا تحديدًا. لا شك أن الفن الحديث والعولمة قد أسهما في نهضة الفن التشكيلي، فالفنان الذي يقيم في آخر ضيعة في هذا الوطن، أو خارجه، يمكنه الإطّلاع على الأعمال الفنية في مختلف أنحاء العالم ومواكبة التطوّر والإتجاهات الحديثة، لكنّ المشاهدات الطبيعية لا شك أجمل بكثير، والفنان المبدع هو الذي تصل لوحته إلى العالمية من خلال مقاربتها تراثه وخصوصيته».

 

إصدارات
للفنانة كلود عبيد مجموعة من الكتب النقدية والبحثية، أبرزها ثلاثة بعنوان: «جمالية الصورة»، «الفن التشكيلي نقد الإبداع وإبداع النقد»، و«التصوير وتجلياته في التراث الإسلامي». وهي الآن في صدد التحضير لإصدار كتاب جديد حول «علاقة الرسم بالشعر».
في جمالية الصورة، هناك جدلية في العلاقة بين الفن التشكيلي والشعر. المرحلة الحالية هي مرحلة الصورة على مستوى الفنون خصوصًا، والصورة من أبرز مكونات الفن. فالصورة الفنية هي نفسها في الرسم كما في الشعر. في الشعر تظهر الرموز والمعاني من خلال طريقة التعبير، والشعر نوع من الرسم بالكلمات. باختصار، «القصيدة يمكن أن تكون لوحة، واللوحة قصيدة»، تقول عبيد.    
استطاعت بجدها ومثابرتها الجمع بين فن الكلمة، وفن الرسم، فجاء كتابها «الفن التشكيلي نقد الإبداع وإبداع النقد» تاجًا تضعه على رأس كل أميرة من لوحاتها الكثيرة المتنوّعة، وتقدّمه دليلاً ومرشدًا لكل مثقّف ينشد معرفة مبسّطة عميقة، عن الفن التشكيلي، ونقده، وكيفية التعامل مع اللوحة إدراكًا ونقدًا وتقويمًا.

 

في العمل النقابي
كنقيبة للفنانين التشكيليين، تعتبر عبيد أنّ انتقال النقابة من رعاية وزارة العمل إلى رعاية وزارة الثقافة وما رافقه من خطوات، وضع الأمور على السكة السليمة لينال الفنان حقه الطبيعي الذي طال انتظاره. فدور النقابة هو حماية حق الفنان ودعم مستواه المهني والإجتماعي والمعنوي والمادي، والدفاع عن مصالحه وتحسين ظروف معيشته والتوصل إلى حلّ النزاعات مع أصحاب الأعمال وصالات العرض، وتأمين الضمان الصحي ومعاش تقاعدي من خلال صندوق التعاضد.
صناديق التعاضد تحتاج تمويـلاً جديًـا، الأمر الذي حلّ عبر القـانون. ففي 19 حزيران 2009، تمّ إنشاء صندوق التعاضد المشترك بين جميع النقابات الفنية، ويدير هذا الصندوق مجلس إدارة مؤلف من ممثل عن كل نقابة ومفوض من وزارة الثقافة. أما التمويل فمصدره رسم اشتراك على كل عضو ورسم مالي نسبته 10% على عقود الفنانين الأجانب، إلى 2% من قيمة بطاقات الحفلات والنشاطات الفنية، وهذان الرسمان تستوفيهما وزارة المالية وتحوّلهما شهريًا إلى الصندوق، بالإضافة إلى مساهمة مالية من وزارة الثقافة، وأيضًا من الهبات والتبرعات.
في ختام اللقاء، خلصت الفنانة كلود عبيد إلى القول بأنّ «الريشة في أغلب الأحيان هي من تختزل أحاسيسي وشعوري. حتى الآن كتاباتي هي نتيجة ما بدأته مع الريشة، والتقسيم بينهما وهمي. الريشة هي قلم اللوحة، والقلم هو ريشة الورقة. ولكن أعتقد أنّ قلبي مع الريشة وعقلي مع القلم».