جيشنا

شراكة أكاديمية لمواجهة التحديات

الجهود الجبارة التي بذلها فوج الأشغال المستقل لمعالجة آثار انفجار مرفأ بيروت وتداعياته حوّلت الكارثة إلى فرصة. فأمام الدمار الهائل، وفي ظل شح الموارد، كان لا بد من اجتراح الحلول وإن بدا ذلك مستحيلًا. الكارثة دفعت الفوج إلى المبادرة عبر خطوات جبارة ليس فقط لمعالجة الركام والأنقاض، وإنما لإعادة البناء بأقل كلفة ممكنة، وللاضطلاع في ترميم مبان تراثية وأثرية. وهكذا تنامت قدرات هذا الفوج واكتسب خبرات ميدانية في مجالات تخصصية جديدة، كما أقام معامل لإنتاج المواد التي تستخدم في أشغال البناء والأعمال الإنمائية.


استثمار هذا التطور كان حافزًا لتوقيع بروتوكول تعاون أكاديمي بين فوج الأشغال المستقل وجامعة الروح القدس في الكسليك USEK وذلك في إطار سعي قيادة الجيش إلى التعاون المثمر مع الجامعات في لبنان. وقّع البروتوكول كل من قائد الفوج العقيد الركن يوسف حيدر ممثلًا قيادة الجيش، ورئيس الجامعة الأب الدكتور طلال الهاشم، في حضور عميد كلية الهندسة الدكتور جوزف أسد وعدد من رؤساء أقسام الهندسة والكيمياء في الجامعة وضباط الفوج.
تم التوقيع في مقر الفوج في ثكنة نجيب واكيم - حارة الست، وأعقبه إيجاز قدمه العقيد الركن يوسف حيدر عن المهمات التي ينفذها الفوج لوحدات الجيش، وعمله المستمر في إطار مهمة مرفأ بيروت (داخل المرفأ وخارجه)، ولا سيما عملية تدعيم المبنى الأثري لوزارة الخارجية والمغتربين. وقد فتحت هذه العملية أمام الفوج أفقًا جديدًا، ما دفعه للقيام بتدريبات وورش عمل مع جمعيّة بلادي للتراث، في مجال حماية الممتلكات الثقافيّة وخلق قدرات تتمكن من الاستجابة لحالات الطوارئ.
وجال وفد جامعة الروح القدس داخل الثكنة واطّلع عن قرب على أقسامها ومشاغلها المتنوعة (تصنيع الحجارة والبلاط والمنجور المعدني والخشبي، ومعمل الدهانات ومواد العزل المختلفة). وأعرب الوفد الزائر عن عميق تأثره بما رآه وبالأخص التزام الفوج إعادة التدوير واستخدام ناتج الردميات لتصنيع منتجاته وتوفير الأموال على خزينة الدولة. الأب الهاشم عبّر عن هذا التأثر منوهًا بروح المبادرة في الفوج، وبحسن التدبير الذي يتجلى بإيجاد الحلول للمشكلات الكثيرة في ظل الانهيار والشح في الموارد، وبالاستفادة القصوى منها وإن كانت ضئيلة.
 

أهمية البروتوكول
يهدف توقيع هذا البروتوكول إلى التعاون الأكاديمي بين الفوج والجامعة ما يعود بالفائدة على الطرفين، ولكليهما رسالته الإنسانية وفق رئيس جامعة الروح القدس، الذي يوضح أنّ الجامعة ستضع «بكل فخر ومحبة جميع إمكاناتها (الكادر التعليمي والمواد التعليمية، ومركز الأبحاث، والمختبر والخبرات المتوافرة) في متناول الفوج. وفي المقابل يؤمن الفوج التدريب العملي والتمرس لطلاب الجامعة (خصوصًا في اختصاصَي الهندسة والكيمياء) الذين ينفذون لديه أبحاثهم ومشاريع تخرجهم، وبذلك يجنون الفائدة على الصعيد المهني، ويتعرفون عن قرب على مناقبية الجيش وإصراره على الصمود في مواجهة الظروف الصعبة، وهذا بحد ذاته مكسب مهم لشبابنا ولوطننا» حسب الأب الهاشم.
 

روح المبادرة
أما في ما يتعلق بالانطباع الذي استخلصه الأب الهاشم بعد جولته في ثكنة الفوج وسوف ينقله بدوره إلى أساتذته وطلابه، فهو بدرجة أولى كيفية تحويل الأزمات إلى فرص من خلال تجربة هذا الفوج، وحماسة ضباطه وعناصره واندفاعهم وإيمانهم بما يفعلونه. فقد ابتكروا وبادروا لمواجهة الواقع الصعب وتلبية الحاجات الطارئة. وما لفت نظره أيضًا، التزام مبدأ الاستدامة والحفاظ على الموارد في الفوج، «شقفة حديد ما بِكبّ الفوج»، وسعيه إلى توظيف كل القدرات والطاقات والمهارات، وصولًا إلى الإنتاجية القصوى بالكلفة الأقل.
 

الخبرة والعلم والمشاريع المشتركة
بدوره شدد قائد الفوج العقيد الركن يوسف حيدر على أهمية هذا البروتوكول ومدّته ثلاث سنوات قابلة للتجديد، وأوضح أنّ الفوج سيتمكن بموجبه من فحص عينات منتجاته (حجارة ودهان وبلاط...) في مختبرات الجامعة للتأكد من جودتها ومطابقتها للمواصفات المحلية والعالمية. يضاف إلى ذلك، متابعة عناصره الدورات التي تنظمها الجامعة بما ينعكس إيجابًا على كافة وحدات الجيش. وفي الوقت عينه سيستفيد الفوج من مشاريع التخرّج التي سينفّذها طلاب الجامعة في مشاغله حيث يتم تدريبهم على الشق العملي من خلال ورش عمل تقنيّة في مختلف مجالات البناء، وبذلك نكون قد جمعنا الخبرة والعلم للوصول إلى أفضل النتائج.
نتائج التعاون بين الجيش والجامعات لا تقتصر على الفوائد المهنية والعملية المباشرة، وإنما تمتد لتصب في جوهر المصلحة الوطنية من خلال التفاعل بين الطرفين. وهي تبث في نفوس شبابنا روحية الأمل والإيمان بوطننا، رسالة طالما كانت الأساس الصلب للصمود في وجه التحديات.