مئوية

شكري غانم وإعلان لبنان الكبير
إعداد: العريف أمير هليّل

من بين الشخصيات السياسية والأدباء والصحافيين والمفكّرين الذين ناضلوا لتحقيق ولادة وطن وكيان لبناني بين الأعوام ١٩٠٨ و١٩٢٠، شخصية يرتبط اسمها ارتباطًا وثيقًا بالجيش اللبناني من خلال ثكنة تحمل هذا الاسم: شكري غانم.

 

في مرحلة مفصلية من تاريخ لبنان، وفي وقت كانت تصاغ فيه خريطة الشرق في كواليس السياسات الدولية العاملة على تقاسم مناطق النفوذ على أنقاض السلطنة العثمانية المنهارة، تصارعت تيارات فكرية وسياسية مختلفة: تيار يدعو للقومية العربية والدولة العربية، تيار يدعو لسوريا الكبرى العربية، تيار يدعو لسوريا الكبرى الفرنسية، تيار لبنان الكبير تحت الإنتداب الفرنسي، تيار لبنان الكبير المستقل، وغيرها من الطروحات المتشعبة. وسط هذه التيارات المتصارعة، برز السياسي والأديب والصحافي شكري غانم في العام ١٩٠٨، وكان استنكاره لتبنّي مبادىء الدستور العثماني الجديد أول تحرك سياسي له. بعد سنتين كتب في جريدة le temps مقالاً هاجم فيه الحكومة العثمانية على المعاملة الظالمة للشعوب العربية، أما تحرّكه الأهم فكان في العام ١٩٢٠ مع تأسيس جمعية جديدة أقرّت مذكرة تم توجيهها إلى مختلف الدول الاوروبية.

ويقول المؤرخ الدكتور عصام خليفة الذي كتب بحثًا مهمًا عن دور شكري غانم في ولادة لبنان الكبير: «كان شكري غانم رئيسًا لغرفة التجارة العثمانية في باريس، وكانت له علاقات قوية مع القوى الاقتصادية، وفي أول حزيران ١٩١٢ اجتمع عدد من اللبنانيين في باريس وأسّسوا الرابطة اللبنانية في باريس، le commité libanais de paris وانتخبوا شكري غانم رئيسًا لها. وضعت هذه الجمعية ورقة مؤلفة من ثلاث نقاط: إصلاح متصرفية جبل لبنان، استعادة مرافىء طرابلس، صيدا، بيروت، وتوسيع حدود لبنان ليضم البقاع وعكار والجنوب».

اندلعت الحرب العالمية الاولى في العام ١٩١٤ وانقسم العالم إلى دول متصارعة. في ٢٩ حزيران ١٩١٥ ألقى شكري غانم خطابًا يقول فيه إنّه على الرغم من تمتّع لبنان بنوع من الاستقلال الذاتي إلاّ أنه يشكّل جزءًا من سوريا، وأمل في أن تصبح سوريا تحت الإنتداب الفرنسي. ويتابع الدكتور خليفة شرحه: «توقّف نشاط جمعية شكري غانم، الرابطة اللبنانية في باريس، وكان بدأ يظهر في وزارة الخارجية تيار غرف التجارة والجمعيات الاستعمارية الذي نادى بإنشاء سوريا الكبرى الفرنسية، فما كان من شكري غانم إلاّ أن اتخذ موقفًا داعماً لهذا التيار. وتم تأسيس اللجنة المركزية السورية لتقوم بتعبئة اللبنانيين والسوريين دعمًا لهذا المشروع ولإقناعهم بالوصاية الفرنسية على المنطقة، وتعبئتهم لقيام جيش من المتطوعين اللبنانيين يقاتل إلى جانب الحلفاء».

هدفت اللجنة المركزية السورية le comité central syrien إلى ضم المهاجرين السوريين واللبنانيين إلى فرق الشرق، وبث الدعاية المؤيدة لفرنسا، وتأمين الوحدة السورية وإدارتها بنظام فدرالي ديموقراطي تحت الوصاية الفرنسية. وعمل شكري غانم ولجنته على تحقيق هذه الأهداف بمختلف الاساليب السياسية والديبلوماسية والإعلامية. وفي العام ١٩٢٠ كتب غانم مقالًا في جريدة l’éclair يعارض فيه فصل فلسطين عن سوريا وينتقد المشروع الصهيوني الذي برز خلال العام ١٩١٧ مع وعد بلفور. شكّل هذا الأمر تحولًا استراتيجيًا في موقف غانم، وبخاصةً أنّه تماهى مع تحول استراتيجي في السياسة الفرنسية من دعم مشروع سوريا الكبرى الفرنسية الى دعم للبنان الكبير.

في شباط ١٩٢٠، يكتب المطران عبد الله خوري، رئيس الوفد اللبناني الثالث الى مؤتمر الصلح وممثل البطريرك الياس الحويك أنّ شكري غانم «غيّر مبدأه المطالب بوحدة سورية، وهو مستعد لدعم مطالب وفدنا بخصوص لبنان، أي استقلاله التام عن سوريا وتوسيعه الى حدوده القديمة». ويضيف المؤرخ الدكتور عصام خليفة: «تمتّع شكري غانم بنفوذ كبير على السياسة الفرنسية تجاه المنطقة، وتمتّع ايضًا بشبكة علاقات قوية مع معظم السياسيين الفرنسيين، وتم طرح اسمه ليكون أول رئيس للبنان الكبير».

في ٤ آب ١٩٢٠ يرسل الجنرال غورو رسالة الى شكري غانم يبلغه فيها أنه ضم في الثالث من آب أقضية بعلبك حتى حاصبيا وراشيا إلى لبنان. يردّ شكري غانم على الرسالة بإعلان سروره، ويرسل له غورو رسالة ثانية يشيد فيها بوطنيته ودوره بتحقيق هذا الهدف: توسيع المتصرفية وولادة كيان عُرف بلبنان الكبير.

إبّان انتدابهم على لبنان أنشأ الفرنسيون في العام ١٩٣٠ ثكنة عسكرية في منطقة الفياضية، وأطلقوا عليها اسم «ثكنة شكري غانم» تكريمًا لغانم السياسي والأديب والصحافي. وتُعتبر ثكنة شكري غانم من أعرق ثكنات الجيش لاحتضان ملعبها سنويًا حفل تخريج الضباط في عيد الجيش، وهي الثكنة الوحيدة في لبنان التي تحمل اسم شخصية مدنية.

في المئوية الأولى لولادة لبنان الكبير، ومرور ٧٥ عامًا من عمر المؤسسة العسكرية، وفي منطقة ملتهبة عسكريًا وسياسيًا، ما زال الكيان اللبناني موجودًا على الخريطة العالمية بفضل جهود أبنائه أمثال شكري غانم، وبفضل جهود الجيش اللبناني الذي روى بدماء شهدائه شريان حدود هذا الكيان.

 

شكري غانم في سطور

- مواليد بيروت في العام ١٨٦١ من عائلة تعود أصولها إلى بلدة لحفد في بلاد جبيل.

- في العام ١٩٠٨ أصبح مسؤولًا مع جورج سمنه عن صدور مجلة correspondences d’orient.

- ترأس اللجنة اللبنانية في باريس في العام ١٩١٢ ثم عُيّن نائبًا لرئيس المؤتمر العربي الاول في باريس خلال العام ١٩١٣

- في العام ١٩١٦ استقال من الرابطة اللبنانية في باريس وأسّس اللجنة المركزية السورية كما أصدر جريدة المستقبل التي استمرت بالصدور لمدة ثلاث سنوات.

- في العام ١٩١٨ مثّل سوريا ولبنان في احتفال أقيم في السوربون على نيّة الشعوب المضطهدة.

- توفي في العام ١٩٢٩ ودفن في الـ antibes وقامت الجالية اللبنانية بعدها بنقل رفاته إلى batignolles

- أبرز مؤلفاته باللغة الفرنسية: ronces et fleurs، da’ad، ومسرحية «عنتر». بالإضافة إلى مئات الرسائل والخطب والمقالات والمذكرات السياسية.