أسماء لامعة

شكـري أنيس فاخوري
إعداد: تريز منصور

ما قبل العاصفة ليس كما بعدها

قلم احترف الدراما مضيئاً على مشاكل المجتمع وأوجاعه

 

كاتب وروائي قادر على نقل واقعنا، وتسليط الضوء على مشكلاتنا، وتجسيدها أمامنا في حلقات تلفزيونية لا نملّ من متابعة أدق تفاصيلها، فهي لا تخلو من التشويق والحبكة الدرامية ومن تحويل القارئ إلى أسير لا يستطيع إبعاد نظره عن الشاشة، لمتابعة «العاصفة تهبّ مرتين» و«نساء في العاصفة» وغيرهما... إنه الأديب والكاتب الكبير شكري أنيس فاخوري، الذي امتاز قلمه بالدقة والحكمة والمنطق.

 

ولادة أديب
ولد الأديب شكري جورج فاخوري (المعروف بشكري أنيس فاخوري) في دمشق في 15 شباط 1953، وهو من أصل طرابلسي. والده الأديب والمفكر جورج أنيس فاخوري، ناشر كتاب «نسف الأضاليل مرحلة أساسية في إزالة إسرائيل»، وكان يعمل في مجال الرسم والحفر الفني. أما والدته السيدة لوريس مكرزل، فربة منزل وهي شقيقة أصحاب مجلة الدبور ميشال وفؤاد مكرزل.
نشأ فاخوري في بيروت وحيداً لوالديه، وتأثّر منذ طفولته بمثالية والده وانضباطه، وقد كان صديقه على الرغم من انه يكبره بأربعين عاماً، وكان طويل الأناة قوي الإرادة وصاحب منطق، وقد اعتبره كاتباً محترفاً منذ نعومة أظفاره. واكتسب من والدته القساوة والحنان، وهي التي اضطلعت بدور الأب والأم في أثناء غياب والده بداعي العمل، وبعد وفاته على أثر حادث سيارة مؤسف في دولة الكويت العام 1979.

 

التحصيل العلمي
تلقّى علومه الإبتدائية في مدرسة النهضة في الأشرفية، وحاز الشهادة المتوسطة «البروڤيه». أكثر ما كان يزعجه في تلك المرحلة ساعة الفنون اليدوية، أما حصة الإنشاء فكانت الأحب الى قلبه، لأن موهبته حمل القلم وكتابة كل ما يجول في خاطره، وما اكتنزه من القصص العربية والأجنبية، التي كانت ترويها له يومياً خالته (أليس مكرزل)، التي آمنت بموهبته الأدبية وشجّعته، وكانت تقرأ كل ما يكتب.
تأثر شكري بفن القصة ما جعله قريباً من الحرف والكلمة وأسلوب التعبير، كما تفاعل مع أبطالها، وذهب بمخيّلته الى البعيد.
عندما كتب أول مقطوعة كان في سن العاشرة وكانت «رسالة الى أمي» نشرت في مجلة «الدبور»، أما باكورة قصصه التي كتبها في سن الرابعة عشرة من عمره (1967) فكانت بعنوان «إنتصار الأبطال»، تلتها قصتان «أقوى من القدر» و»جسد وامرأة». وإلى جانب القصة كتب عدة قصائد، كما كتب في عطلة الصيف، العديد من المشاهد المسرحية الصغيرة «الإسكتشات» ومثّلها مع أولاد الحي أمام الأهالي في عطلة نهاية الأسبوع، مقابل ربع ليرة كثمن لبطاقة الحضور.
بعد الشهادة المتوسطة انتقل الى مدرسة الـ«سي. تي. أي» في منطقة الأشرفية وحاز شهادة الفلسفة العام 1971، ثم انتسب الى الجامعة اللبنانية - كلية الآداب، التي تخرّج فيها حاملاً إجازة في اللغة العربية وآدابها العام 1975 مع بداية الحرب اللبنانية. ونتيجة لتفوّقه الدائم نال منحة لمتابعة دراساته في جامعة السوربون، ولكن ثقافته الإنكليزية حالت دون الاستفادة من هذه المنحة.
العام 1976، تزوج من الآنسة يولاند أمين اسطفان من بلدة العيرون قضاء بكفيا، ورزقا ولدين، هشام (حائز ماستر بإدارة الأعمال من أميركا - متزوج ويعمل في دبي)، وعمر (طبيب متخصّص في جراحة العين).

 

الصحافة منبره الأول
دخل شكري أنيس فاخوري معترك الحياة العملية، حيث مارس مهنة التعليم في مدرستي النهضة و«ال. اس.اي»، بدءاً من سنته الثامنة عشرة، وبعد حصوله على الإجازة، سافر الى الكويت للعمل مع والده في منظمة الدول العربية المصدّرة للبترول، كمشرف على المطبوعات والمنشورات الصادرة عن هذه المنظمة. وفي تلك الفترة، أي العام 1977 كتب رواية «الجائعون» التي تحدّثت عن جوع الجيل الجديد للعلاقات العاطفية، وتقع في ثلاثة أجزاء. كما كتب مجموعة من القصص الصغيرة نشرت في الصحف الكويتية كـ«الأنباء» و«القبس» و«الرأي العام» و«الوطن»...
العام 1981 عاد الى لبنان، الوطن الأحب الى قلبه، وأنشأ مطبعة تجارية «مركز لبنان الفني»، مخصّصاً وقته في تلك الفترة لعالم الطباعة، ولكنه لم يتخلّ عن كتاباته الخاصة به، فكتب في مرحلة الثمانينيات رواية «غبطته والشيخ».
ومنذ العام 1986، بدأ بكتابة الدراما التلفزيونية، وكان أول تيلي فيلم كتبه «اللوحة الأخيرة»، لتلفزيون لبنان وألحقه بمسلسل «مذنبون ولكن» وكرّت السبحة، وكتب العام 1993 «لا أمس بعد اليوم» للمؤسسة اللبنانية للإرسال...
العام 1994 عاد الى تلفزيون لبنان وكتب تيلي فيلم «الثلج الدافئ» ومسلسلات «ربيع الحب»، «العاصفة تهبّ مرتين»، «نساء في العاصفة»، و«اسمها لا» إلى حين إغلاق تلفزيون لبنان العام 2001.
بعد ذلك بدأ بكتابة المسلسلات لتلفزيون MTV فكان باكورة أعماله مسلسل «غداً يوم آخر» ومسلسل «السبيل» لتلفزيون الـSAT7. وبعدها انتقل الى المؤسسة اللبنانية للإرسال وكتب مجموعة «حكايات» ومن ضمنها «ابنتي»، «الغريبة»، «السجينة»، «ابني»، «قضية يوسف» و«خطوة حب»...
وكان قد كتب في تلك الفترة ايضاً لبرنامج «الحل بإيدك» الذي قدّمته رانيا بارود على شاشة تلفزيون الجديد NEW TV، كما كتب للتلفزيون عينه مسلسلين، الأول «امرأة من ضياع» والثاني «لأنه الحب».
وهو اليوم بصدد إكمال مسلسل «اسمها لا»، الذي بدأ عرضه على شاشة تلفزيون لبنان منذ نحو عشر سنوات، إضافة الى تحضير بعض المشاريع والأعمال المستقبلية.
ويرأس الكاتب شكري أنيس فاخوري منذ العام 2005 قسم المرئي والمسموع، في كلية العلوم السينمائية في جامعة الكفاءات - عين سعادة.

 

قبل العاصفة وبعدها
تأثر الأديب شكري أنيس فاخوري بأدباء عرب عالميين أمثال إحسان عبد القدوس، ولا سيما بعد قراءة أول رواية له «لا تطفئ الشمس». قراءات ودراسات عديدة تفاعلت مع موهبة فذّة تمظهرت بأسلوب خاص، تفاعل معه الجمهور في العديد من المسلسلات الدرامية التي كتبها، معالجاً فيها مختلف مشاكل المجتمع وآفاقه، من مخدرات وإعاقة وحب بين ديانتين مختلفتين...
برزت قدرات فاخوري الكتابية وإبداعه في مسلسل «العاصفة تهّب مرتين» الذي كتب منه سبع حلقات لتلفزيون لبنان، إثر انتهاء الحرب اللبنانية العام 1994، حيث برزت الحاجة الى تفعيل المؤسسات على أنواعها، ولا سيما الإعلامية منها التي هي واجهة المجتمع  وصمّام الأمان في التثقيف والتوجيه. وهكذا طلب الزميل جان خوري (مذيع أخبار في تلفزيون لبنان) من الكاتب والمؤلف شكري أنيس فاخوري، كتابة مسلسل لبناني يعالج قضايا الزواج، العائلة، والحب ويحاكي الشباب، مؤلف من سبع حلقات، ووفق كلفة إنتاج معقولة، وتمّت كتابة «العاصفة تهّب مرتين».
ولكن بعد عرض أربع حلقات من المسلسل العام 1994، طلب مدير التلفزيون السيد فؤاد نعيم من الكاتب شكري أنيس فاخوري، كتابة مائة حلقة لهذا المسلسل، الذي بدأ باستقطاب شريحة واسعة من المجتمع اللبناني، إن لم نقل الشعب بأكمله. وقد أخرجه ميلاد الهاشم، كما ضمّّ نخبة كبيرة من الممثلين اللبنانيين وأبرزهم رلى حمادة (جمال سالم)، فادي إبراهيم (نادر صباغ)، ورد الخال (غوى ربّاط)، جان قسيس، جوزف نانو، أنطوانيت عقيقي، وغيرهم...
بدأ الكاتب فاخوري بالتأليف، وتتالت الحلقات من عشرة إلى عشرين فثلاثين... وعندما وصل الى التسع والأربعين، أصبح هذا المسلسل حديث الناس، وبدأوا بالتماهي مع شخصيات المسلسل، حيث بدأ الرجال يقلّدون نادر صبّاغ (الرجل الجغل «زير نساء»)، وكذلك جمال سالم (الزوجة المتمرّدة التي لا تخضع ولا تنكسر أمام رياء زوجها وهفواته)، غوى رباط، وغيرهم من الشخصيات الذين انطبعوا بأذهان الناس.
بعد تفاعل المجتمع مع هذا المسلسل، طبع مدير تلفزيون لبنان فؤاد نعيم الملصقات للممثلين، ونظّم لقاءات شعبية معهم في قاعة «الفيتيرو سكوب» سابقاً، للتعرّف عليهم وأخذ تواقيعهم.
والنتيجة كانت المزيد من عرض الحلقات أسبوعياً (حلقتان في الأسبوع)، كما دخل الإغراء المادي بحيث ارتفع سعر الحلقة من 600 دولار إلى 1000 دولار، وبالتالي أصبحت المهمة أصعب وخصوصاً على الكاتب، حيث لا عودة الى الوراء. وسار الجميع إلى الأمام فرحين بالنصر المحقّق في هذا المسلسل، الذي بلغ عدد حلقاته 177، ليحتل بذلك المرتبة الأولى في تاريخ الدراما اللبنانية، وليكون الأول عربياًَ من ناحية عدد الحلقات ولمؤلف واحد، علماً أن المسلسل المصري «ليالي الحلمية» المؤلف من ثلاثة أجزاء والذي يعتبر الأكبر عربياً، لم يتجاوز التسعين حلقة.
أعاد مسلسل «العاصفة تهبّ مرتين»، إلى الدراما اللبنانية قيمتها وهيبتها، في ظل أجواء سيطرت فيها الدراما المصرية والمكسيكية على شاشات التلفزة اللبنانية. لقد تمكّن هذا المسلسل من البقاء في ضمير الناس ووجدانهم، وتغلغل الى أحاديثهم، ولا سيما الشباب منهم. واعتُبر «العاصفة تهّب مرتين»، تاريخاً مفصلياً للدراما اللبنانية، بحيث أصبح النقاد يقولون، «ما بعد العاصفة، وما قبل العاصفة».
بات الموعد الإثنين الساعة الثامنة والنصف مقدّساً لكثيرين من اللبنانيين، وتغلغلت شخصيات المسلسل إلى اللاوعي وسكنت فيه. وهنا تكمن خطورة الدراما التي يمكنها بناء المجتمع أو تدميره.
«الدراما ليست تاريخاً، يقول فاخوري، بل هي محاكاة للحياة وواجبها المقدس عدم تكسير قيم المجتمع».

 

فاخوري والسينما
لفاخوري فيلمان سينمائيان روائيان، الأول كتبه لمصلحة صفوت غطاس وهو فيلم لبناني مصري بعنوان «صرخة حب»، أما الفيلم الثاني فكــان لمصلحة شركة «روتانا» تحـت عنوان «الجمعة 7.30»، وهو من بطولة سيرين عبد النور، إخراج سعيـد الماروق.
وكان قد بدأ بكتابته بين العامين 2005 - 2006 وأرسل قسماً منه إلى مصر، لكنه علم من روتانا أنه لم يتم البدء بالتنفيذ بحجة أن فكرة «خطف إبنة وزير الداخلية المصري لم ترق للرقابة المصرية التي تحفظت عنها».
يكتب المؤلف من وحي الزمن الذي يعيشه، ومن الطبيعي أن يشعر بالخوف، لذا يحرص فاخوري على تقديم حدث جديد، ولو بسيط، تدور حوله وقائع الحلقة بأسلوب مشوّق ما يجعل الحلقات مختلفة الواحدة عن الأخرى.
ويسعى من خلال «الفلاش باك» الى توضيح موقف غير متوقع لشخصية معينة يثير تساؤلات لدى المشاهد. الأهمية تكمن في سيطرة الكاتب على القصة كاملة في ذهنه، واستخدام هذا الأسلوب في الوقت المناسب، وإلا فقدت الأحداث ترابطها الصحيح، وشعر المشاهد بعدم القدرة على فهم تفاصيل القصة.
يتبع في كتاباته تقنيات السيناريو التي تفرض تقديم المشهد مع إبراز أدق التفاصيل، كحركات الممثل في أثناء أدائه دوره (نظراته، تعابير وجهه، انفعالاته...) هذا ما يقوم به غالباً في قصصه، حيث يكتب على الورق ما يودّ رؤيته على الشاشة.
هدفه من الكتابة تسليط الضوء على مشكلة أو واقع إجتماعي معين، ويقول:
«ما يميزنا ككتّاب لبنانيين معالجتنا هذا الواقع بتفاصيله وجرأته، مع المحافظة على الأخلاقيات واحترام المشاهد. هذه الجرأة، في الواقع والمعالجة، هي سبب تحفّظ العرب عن شراء إنتاجنا».

 

جوائز وتقدير
نال شكري أنيس فاخوري العديد من الدروع والجوائز وكان آخرها جائزة الـ«موركس دور» لأفضل كاتب لثلاث سنوات كان آخرها العام 2007. كما كرّمته جامعات ومؤسسات عديدة.

 

أول نص

أول نص كتبه شكري أنيس فاخوري كان بعنوان رسالة إلى أمي، وقد نشرته مجلة الدبور (1963) في زاوية «بريد الوكر» تحت عنوان صحافي المستقبل.
وقال محرر الصفحة: «صباح يوم عيد الأم كتب الطفل شكري فاخوري لأمه هذه الكلمة... «بريد الوكر» يسعده أن يسجّل هذه الومضة الخيّرة لقلم شاب... يبشر بمستقبل زاهر في دنيا القلم...».

 

مؤلفاته

إضافة إلى الكتابة الدرامية والمسلسلات، نشر للكاتب شكري أنيس فاخوري العديد من المؤلفات وهي:
- العصفور وقفص النار (مجموعة قصصية).
- يوم سجن أبي (مجموعة قصصية).
- جدي والأرض (مجموعة قصصية).
- الصيد الثمين (قصة).
- اقطع وعداً (قصة).
- وحدها المحبة (قصة).