عبارة

شهادة احتراف
إعداد: العميد علي قانصو
مدير التوجيه

لقد أصبح الجيش اللبناني وبكلّ ما للكلمة من معنى جيشًا محترفًا في الدفاع عن وطنه، في مواجهة الأخطار الجسيمة التي تتهدده. وأداؤه في ذلك هو أداء الجيوش الكبيرة في الدول المتطوّرة، إذا ما أخذنا بالاعتبار الفارق الكبير لمصلحة هذه الجيوش، عديدًا وتجهيزًا وتسليحًا. هذا ما أعلنته القيادة بثقة ووضوح، والكلام في القاموس العسكري قليل، في كلّ حرف من حروفه عبرة، وخلف كلّ معنى من معانيه دلالة تثبت، وإيحاء يشير.
ليس القصد من الاحتراف هنا، أنّنا كنّا في ما سبق، في مرحلة التدريب والتحضير والإعداد، ولا رماة في طور التجربة والانتظار، إنما القصد أنّ الأعباء التي نتصدّى لها بلغت حدًا كبيرًا، بحيث بات مصير الوطن برمّته في مهبّ العواصف، من سلامة مؤسساته إلى أمان مواطنيه إلى ثبات ميثاقه، وبات في التغلّب على ذلك شهادة كبيرة تحكي بنفسها عن نفسها. إنّ الجيش ومنذ نشأته الأولى، يحتفظ باليد على الزّناد، وبالخوذة فوق الرأس، وبالضمّادة في الجيب، لوقف النزف الطارئ في الجسد الفردي، وفي هيكل الوطن معًا، وعلى وجه الخصوص منذ ظهور الكيان الإسرائيلي الغاصب في جوار جنوب البلاد، ذلك الكيان الذي لم يكتفِ بالتعدي عند الحدود، إنّما احتلّ أجزاء غالية من أرضنا لفترة غير قصيرة، ولم يوفّر فرصة إلاّ واستخدمها للتدخل في شؤون الوطن. وقد أضيف إلى ذلك الكيان العدوّ، عدوّ جديد هو الإرهاب، الذي أتى أيضًا بأسلحة متطورة وأفكار متطرّفة وإجرام لا مثيل له، وقد زاد في خطره استفادته القصوى من الظروف الاقليمية المتفجّرة، والتي تؤثّر في أوضاعنا بشكل أو بآخر.
مواجهة هذه الأمور مجتمعة، بنجاح وانتصار، وإبقاء الوطن بعيدًا عن الانهيار على الرغم من كلّ ما يحكى ويشاع، والحفاظ على الوحدة الوطنية سليمة معافاة، وإفشال مخططات التفرقة والفتنة بالعرق والدم والاستشهاد، هي ما تثبت احترافية الجيش، والبرهان هو في التجارب العديدة والقاسية، والامتحان هو في الساحات، أمّا الخلاصة فهي أنّه من غير الجائز أن نسمح للماضي بالعودة إلى الظهور، لقد تلمّسنا ناره، وتلمّسها أهلنا، ولن ندعه يقترب من أصابع أبنائنا.
لقد سقطنا في تلك التجربة المحرقة منذ وقت غير بعيد، حين ضربت المعارك الدّاخلية بلادنا، أمّا اليوم، فلن نستعيد المجرَّب.