باختصار

شهداء السادس من أيار
إعداد: العميد الركن حسن أيوب
مدير التوجيه

يطلّ عيد الشهداء هذه السنة، والرياح العاتية تهبّ على الوطن من كلِّ اتجاه، فكأنّ الأبطال هؤلاء لم يقفلوا على أسمائهم الباب ولم يمنعوا عن أعدادهم أن تتراكم وتزداد.
محطات عديدة تتوالى فيها الأزمات وتشتدّ المواجهات وحريّة الوطن هي الهدف المكلَّل بالنّور، والذي لا تخطئ العين رؤيته، ولا يفشل القلب في الشعور به والوقوع تحت تأثيراته. يعلو الضجيج وتتوالى التحديّات، وتبقى الغاية جليّة ناصعة، تشير أنوارها إلى خريطة الوطن في شماله وجنوبه، وفي بقاعه وساحله، وعلى امتداد جباله. لقد توزّع الشهداء الأوائل بين حامل معول وحامل قلم، وهذا ما أشار إلى أنهم كانوا على دراية ببلادهم. يعرفون ماضيها ويطمحون إلى غد مشرق لأبنائها، ويتمنّون أن تكون حصّتها من الحضارة كبيرة وازنة، وهذا ما قدّموا الدليل عليه وهم يرفعون قاماتهم في مواجهة الأعواد التي فاضت أرواحهم عبر جفاف خشبها وظلم ناصبيها.
كان لكلّ نبي نصيب في قافلاتهم. تنوّعت مذاهبهم وتضامنت واتحدَّت عند الرّمق الأخير. قالوا إن الدّين بعد الله، والشهادة مقدّسة، مدوّنة بأحمر الدّم، ومزيّنة بأخضر النّبات، وموثّقة بزخم البطولة، وصارخة بالأفواه الملأى: حافظوا على هذا الوطن الغالي بعدنا، ولا تدعوا أحدًا يسرق سلاحكم الأمضى الذي به تتم المدافعة والمحافظة والانتصار: سلاح الوحدة الوطنية التي ليس بعدها سلاح.
قد يكون من الصّعب تحديد ما إذا كانت الرسالة محفوفة بالأخطار في فترة السادس من أيار، أكثر منها في أيّامنا هذه. وفي المقارنة، كان المطلوب آنذاك تأكيد حريّة الوطن وتحقيقها، أمّا المطلوب اليوم فهو الحفاظ على هذه الحريّة، ومنع براثن الفتنة من الوصول إليها. كانت المواجهة آنذاك تتم من قبل النّخب الوطنيّة والإجتماعيّة والفكريّة من دون وجود مؤسسات منظّمة تجمعها، أما اليوم فإنها تتم من قبل جيش منظّم، خبر الصعوبات، وترسّخت قدرته على التّصدي لها، إلى جانب قوى أمنيّة جاهزة هي الأخرى للبذل والعطاء.
لكنّ المهم في كلّ حال، هو أن يترك حاضرنا لأجيال الغد إنجازات تحتفل بذكراها وتفتخر بامتلاكها، تمامًا كما نحتفل اليوم بإنجازات شهداء السادس من أيار، والدّليل واضح في ما تقوم به وحداتنا في طول البلاد وعرضها، بعزم وتفانٍ وإخلاص.