تكريم

شهداء مدى العمر ويتابعون العطاء
إعداد: ندين البلعة

قيادة الجيش في تكريمهم
الأمانة تصونها عزائم الرجال

 

هم الشهداء الأحياء. هم الذين اختبروا معنى التضحية بالذات من أجل الوطن. عسكريون أصيبوا خلال قيامهم بواجبهم الوطني وتركت الإصابات الجسيمة علاماتها في أجسادهم. بعضهم ما زال في الخدمة الفعلية، وبعضهم بات في صفوف المتقاعدين.
نحو مئتي عسكري معوّق كرّمتهم قيادة الجيش بمناسبة عيد الجيش، في احتفال أقيم في نادي الرتباء المركزي، حضره رئيس النادي العقيد الركن بسام عيد ممثلاً قائد الجيش العماد جان قهوجي.

 

كلمة قيادة الجيش
بعد النشيد الوطني افتتاحاً، ألقى العقيد الركن عيد كلمة قائد الجيش ومما قاله:


أيها الأخوة الأعزاء
نلتقي اليوم في نادي الرتباء المركزي لنحتفي معاً بالذكرى الرابعة والستين لتأسيس الجيش. هذا العيد الذي يزداد تألقاً وإشراقاً عاماً بعد عام، بفضل جهود العسكريين وعطاءاتهم خلال عقود من الزمن، وتراكم إنجازات المؤسسة العسكرية على مساحة الوطن دفاعاً وأمناً وإنماء.
إن لقاءنا اليوم يكتسب سموّ المعاني، حضوراً ومضموناً، فأنتم الشهود الأحياء على عظمة جيشكم، وتاريخه المجيد الحافل بالإيثار والبطولات والتضحيات، مذ حمل عسكريوه الأوائل شعلة الشرف والتضحية والوفاء الى يومنا هذا، حيث الأمانة تنتقل من جيل الى جيل، تصونها عزائم رجال آمنوا بقدسية الرسالة، وانبروا الى ميادين العطاء يبذلون الغالي والنفيس، من أجل عزة لبنان وكرامة أبنائه.
ولقد كنتم منذ البداية في طليعة هؤلاء العسكريين، الذين وضعوا نصب أعينهم أن شرف الإنتماء الى الجيش، يتطلب الكثير من البذل والعرق والجهد وصولاً الى الشهادة، لكن القدر شاء أن تكونوا بين أهلكم ورفاقكم، وأن تشكلوا جزءاً حياً متجدداً في ذاكرة الجيش والوطن، يتدفق عزماً وإرادة وعنفواناً.
إنني إذ أقف أمامكم اليوم، يخالجني شعور عميق، بمدى التزامكم المبادئ والقيم التي حملتم لواءها في أثناء خدمتكم العسكرية، ونذرتم حياتكم في سبيلها. ولكن في الوقت عينه، أرى في بريق عيونكم وقسمات وجهكم، الإصرار على إرادة العطاء، والمشاركة الفعّالة في دورة الحياة، مهما كانت العقبات والصعاب، انطلاقاً من أن إصابة الفرد، وعلى الرغم من تأثيراتها على بعض نشاطاته المادية التي تتطلب جهداً جسدياً خاصاً، لا يمكن أن تحول دون إبداعه في نواحٍ أخرى. وهذا ما أثبتموه باستمرار عبر إنجازات العديد منكم في مجالات الفكر والثقافة والفنون وغيرها، والتي لاقت صدى إيجابياً وتقديراً عالياً من قيادة الجيش، ومن أبناء المجتمع اللبناني كافة، وأظهرت بصورة ساطعة مدى قدراتكم وكفاءتكم، واندفاعكم للإسهام في مسيرة نهوض شعبكم ووطنكم... إن قيادة الجيش تعاهدكم مجدداً البقاء على عادتها، وفية لكم حافظة لتضحياتكم، ساهرة على مستقبلكم ومستقبل عائلاتكم، وستكون دائماً الى جانبكم في كل ما تحتاجونه من مساعدات حياتية ومعيشية، وهي تدعوكم لمواصلة العطاء، كما كنتم في الماضي البعيد والقريب...

 

حتى آخر نقطة دم
بعدها انتقل الجميع الى حفل كوكتيل، أتيح خلاله لمجلة «الجيش» لقاء بعض العسكريين المكرّمين.
المؤهل جمال حيدر من فوج مغاوير البحر، أصيب خلال معركة الضنية ومن ثم في نهر البارد، وهو ما يزال في الفوج: «خلال دهمنا لآخر منزل كان فيه الإرهابيون في بلدة كفرحبو - الضنية، أصبتُ إصابة مباشرة في كتفي برصاص متفجر وشظايا. خضعتُ على أثر هذه الإصابة لثلاث عمليات أعقبتها إستراحة لمدة سنة عدتُ بعدها الى فوج مغاوير البحر لأتابع واجبي الوطني.
خلال معارك نهر البارد بقيتُ في البداية في مركز الفوج نظراً الى إصابتي. ولكنني لم أستطع أن أبقى هناك بينما يصاب ويستشهد رفاق أخوة لي. نزلتُ الى المعركة، أصبتُ من جديد في كتفي وظهري، خضعتُ لعملية، وبعد الإستراحة عدتُ الى المعركة مجدداً والحمد لله ها أنذا باقٍ في الفوج. تسلمتُ مهاماً إدارية في الوقت الحاضر، ولكنني أؤكد أنني مستعد للمشاركة في أي مهمة تطرأ وحتى آخر نقطة دم...


«ليش شو بِني!؟»
في 17 تموز العام 2000 أصيب الرقيب لحود لحود في الجمهور خلال قصف العدو الإسرائيلي ثكنة فوج الأشغال: «كنتُ ملماً بالدفاع المدني والإنقاذ، ما دفعني الى مساعدة المصابين في الثكنة. وفي طريقنا لإحضار مضخات المياه لإطفاء حريق، سقط صاروخ أمامي فبُترت رجلي الأولى، وكانت الثانية على وشك البتر ولكن أنقِذت. أصيب وجهي وجسمي بشظايا وخضعتُ لعمليات عديدة واسترحتُ خلال فترة العلاج نحو سنة وثلاثة أشهر. عدتُ بعدها الى الجيش وتمّ تشكيلي الى مديرية الهندسة في كفرشيما حيث تسلّمتُ مركزاً إدارياً».  
• هل تعتقد أنك قادر على تقديم المزيد من التضحيات؟
- «ليش شو بني»!؟.... ركّبت رجلاً وها أنا أتابع حياتي الطبيعية ومستعد للمتابعة والتضحية، وكأنني لم أصب. لقد أمّنت لي قيادة الجيش كل ما أحتاجه كمصاب والحمد لله.

 

يعتمرون الواجب تاجاً
خلال عدوان تموز 2006، داس على لغم أرضي، يذكر أنه كان يوم خميس، حصل ذلك في منطقة صدّيقين فوق قانا، كانت منطقة متضررة جداً من العدوان، والتنقّل فيها شبه مستحيل.
طلب العريف جمال عبد الناصر عياش من زملائه الإنكفاء الى مكان آمن حتى لا يصيبهم أذى. أدّت إصابته الى بتر رجله اليمنى وتكسّر في العظم، بالإضافة الى شلل في رجله اليسرى.
كان حينها في اللواء السادس (الكتيبة 62 السرية 623)، خضع لأكثر من 21 عملية جراحية قبل أن يعود الى الخدمة الفعلية وهو اليوم في مقر عام منطقة الجنوب - طبابة النبطية.
عياش كان رياضياً، هو من أبطال الجيش في القفز العالي وكرة اليد (منتخب الجنوب)، وحائز جوائز وتقديرات عديدة.
هل يندم اليوم على ما آلت اليه حاله؟ يقول: عند إصابتي ونقلي الى المستشفى، شعرتُ بنار تتصاعد مني ولكن هذا الشعور لم يقلّل من عزيمتي، كان في داخلي دافع قوي للمواجهة خصوصاً أنني عايشت العدوان خلال 33 يوماً.
العريف عياش هو اليوم في مركز إداري، يؤدي واجبه «رافع الرأس» مكرّماً ليس لأنه من عداد جرحى الحرب فحسب، بل لأنه واحد من أولئك الذين يعتمرون واجبهم تاجاً. هذا ما علمتنا إياه المؤسسة العسكرية يقول.

 

في إنفجار التل
العريف زياد عبد الكريم من اللواء الحادي عشر، أصيب خلال إنفجار التل الذي استهدف باصاً ينقل عسكريين الى مراكز خدمتهم.
يروي قصته:
«وصلنا الى طرابلس، وكان ذلك يوم 13/8/2008 وعند الساعة الثامنة إلا عشر دقائق تقريباً توقفنا في طرابلس، نزلت لأشتري كعكة ووقع الإنفجار. لم نعِ ما جرى سوى في المستشفى بعد ثلاثة أيام. فقدتُ نظري ثم استعدته ولكن عيني اليسرى ما زالت متضررة. أصبتُ بارتجاج في الدماغ، أعيقت رجلي اليسرى، كما أصبتُ بشظايا وكسور في كل أنحاء جسمي.
قبل الحادث، كنتُ نقاباً في سرية الهندسة 1106 (إختصاص ألغام) بالإضافة الى قيامي بعدة مهام في السرية من حدّاد فرنجي وكهرباء وأمين مخزن الصيانة. الآن ما زلتُ في السرية نفسها ولكن من دون المهام التي كنتُ مسؤولاً عنها قبل إصابتي، نظراً الى التأثيرات التي خلّفها الحادث على صحتي وحركتي».

 

دفاعاً عن وطننا
للجندي مصطفى الطنطاوي قصة أخرى، أصيب في نهر البارد وقد كان حينها في القوة الضاربة. كانوا ينفّدون مهمة في محيط مدارس الأونروا في المخيم، و«عند الساعة التاسعة والنصف، فجأة ضربنا الإرهابيون بالرصاص وكنتُ من بين الذين أصيبوا. أصبتُ برجلي ونقلتُ الى المستشفى العسكري المركزي في بيروت حيث ما زلتُ أتابع العلاج الفيزيائي حتى اليوم.
بعد المعركة، نُقلتُ الى فرع المكافحة. هذا الفرع يحتاج الى مجهود أكبر، ولكنني شخصياً لا أقوم بمهام مرهقة، بل أساعد في المهام الأمنية.
لقيتُ دعماً ومتابعة سليمة لوضعي، وأنا اليوم لا أتردد أبداً في الدفاع عن وطني، فقد لبسنا هذه البزة العسكرية لندفع دماً ونحن على أتمّ استعداد لذلك دفاعاً عن وطننا».
قصص أخرى كثيرة قرأناها في وجوه العشرات وفي أجسادهم. قصص أناس يحملون علامات فارقة لها عنوان واحد: دفاعاً عن لبنان.