باختصار

شهيدان
إعداد: العميد الركن حسن أيوب
مدير التوجيه

قد يقول قائل: جبالنا وقرانا وأحياؤنا ليست أجزاء من كيان العدوّ الإسرائيلي، حتّى يتم فيها رفع الجهوزيّة، وإعلان الاستنفار، وتكثيف الدوريات. والردّ هو أنّ الوحدات العسكريّة المنتشرة هنا ليست فريقًا من جيش العدو أيضًا، وهي لم تحضر إلى المكان بهدف الاعتداء على النّاس، وبثّ الرعب بين أطفالهم، وعرقلة أعمالهم، وإقفال مدارسهم. الوحدات هذه، مكلّفة الحفاظ على سلامة المواطنين، وحماية مؤسّسات الدّولة، ومن بينها هيئات العدالة وأجهزة القضاء، وتأكيد الصّورة النّاصعة عن لبنان بلدًا يصون الحريّات، ويضمن العيش المشترك، ويحرص على حسن الجوار، ويصون العلاقة النّديّة مع مجتمعات العالم كافة.
هذه الدّورية أو تلك، مكلّفة حفظ الأمن، ونشر مظاهر الأمان بين أبناء المجتمع، وهي في سبيل ذلك، تستدعي الجهود وتجري التّدريبات وتستحضر السّلاح، وتدرس القوانين وتراجع الحسابات، لكي يأتي إنجازها صحيحًا، فتفاخر به ولا تخفيه، وتعلنه وترفع رايته ولا تُعرض عنه ولا تسحب اليد من تفاصيله وأخباره وأنبائه، وتهنأ بمواقف الناس والمجتمع، في الداخل وفي الخارج، منه، وتدوّنه في سجلاّت عملياتها فتطَّلع الأجيال عليه، ويعود إليه الدارسون والمؤرخون، فكيف لفلان أو فلان من المواطنين أن يقيم الكمائن ويتحيّن الفرص ويستدعي المفاجآت ويغدر بعسكريينا، فيكون بينهم شهيد وشهيدان، وجرحى وخسائر؟ أتكون تلك الوحدات عدوّة في نظر البعض؟ وهل انّ استدعاء المطلوبين إلى القضاء المختصّ، أمر مخالف للشّرائع والأحكام؟ والمواطن، مجرمًا كان أو بريئًا، أين تتم محاكمته، أو على الأقلّ، أين يتم التّأكّد من براءته؟ أين تتمّ إتاحة الفرصة أمامه لكي يعلن ما لديه، ويدافع عن نفسه؟ أليس من وسيلة للدفاع لدى تلك القلّة سوى الحديد والنّار، وزنادات البنادق.؟
لو كانت هذه القلّة القليلة تصدّت للعدو الحقيقي، في وقت من الأوقات، وخاضت المعارك مع أبالسته وشياطينه، لبات من السّهل لديها أن تميّز بين وحداته ووحدات جيش بلادها، ولأدركت أنّ جنود هذا الجيش هم أبناء قراها ومدنها، وقد نشأوا على حب الوطن، والاستعداد للتّضحية في سبيله، والعمل في ظل أحكام دستوره وأنظمته. وحدات الجيش مكلّفة من قبل السلطات المختصّة تنفيذ المهمّات واتّخاذ الإجراءات، فبأيّ إطار تعمل تلك القلّة القليلة يا ترى؟ وما هي الجهة التي تدفعها إلى التّجاوزات والاعتداءات، وما هي قوانينها المرعيّة؟ وإذا كان الجندي اللّبناني مطلوبًا لعدالة تلك القلّة القليلة، فتحتَ أقواس أيّ محكمة سوف تتم محاكمته لإثبات جرم دفاعه عن وطنه، وإخلاصه لعلم بلاده، ومؤازرته لمواطنيه، وانتمائه لنظامه الديموقراطي؟
الرائد بيار بشعلاني، والمعاون إبراهيم زهرمان، شهيدان جديدان يلوّنان قافلة شهداء الجيش. شهيدان يرفعان العلم من فوق تلك القافلة، يلتحقان بها، يدوّن كلّ منهما إسمه في سجلاّتها الخالدة، ثمّ يعيدان العلم إلى حيث كان، حفاظًا على نبل الإستشهاد، وتأكيدًا لهيبة الموت وقسوة الغياب.