ورشة عمل

شو قصّتنا؟
إعداد: ندين البلعة خيرالله

«لا يهمّ أي جيش يربح بل أي قصة تربح»... تغيّرت موازين القوى وتبدّل معها مفهوم الحرب والصراع على السلطة، وباتت العمليات الإعلامية هي التي تتحكّم بمصير حتى أقوى الدول. ومع ما يواجهه لبنان اليوم من تحديات ضخمة وأزمات عديدة تنعكس على الرأي العام، برزت الحاجة إلى تواصل فاعل عبر المعلومات، وإلى نشر الرسالة المتمحورة حول ما يفعله الجيش اللبناني وبالتالي اعتماد سردية استراتيجية مقنعة، فالأهم ليس ما نقوم به، بل ما هي القصة التي نرويها عن أنفسنا ونقدّمها للعالم.

 

انطلاقًا من أهمية ثورة المعلومات في ظل التقدم التكنولوجي السريع، وما لها من انعكاسات على صورة الدول والجيوش، أُقيمت في كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان ورشة عمل حول «العمليات الإعلامية المتقدمة» - Information Operations And Media Practitioners Course تابعها ضباط من مختلف الوحدات العسكرية ومدنيون ذوو صلة.
«إنّ سمعتكم تتحدث عن نفسها، والمقاربة المحترفة التي اعتمدتموها خلال 4 أشهر من قطع الطرقات والاحتجاجات لقيت الإعجاب حول العالم... ستحتاجون أيضًا إلى تعزيز وسائلكم بالكلام والصور»، بهذه الكلمات عبّر السفير البريطاني في لبنان Chris Rampling عن أهمية ورشة العمل التي خاض خلالها المشاركون نقاشات حيوية حول السردية الاستراتيجية لدور الجيش في حماية الناس خلال فترات الاضطرابات. وفق السفير البريطاني، هذه السردية الاستراتيجية ستسمح بتحديد أهداف التواصل الأساسية.
ممثل قائد الجيش، قائد كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان العميد الركن حسن جوني، أكّد بدوره على «أهمية هذه الورشة انطلاقًا من تأثير وسائل الإعلام حاليًا في عدة مجالات، وهذا ما يستلزم منا كعسكريين إتقان التعامل مع هذه المنصّة الفعالة».
تضمّنت الورشة عروضًا وأمثلة وتمارين عملية، بمقاربة بريطانية قدّمها فريق تدريب مختص مؤلف من 4 ضباط هم: الروّاد Adam Warland، David Carey، وDominic Simonis- Law، والملازم أول Thomas Pinfold. وقد عبّروا عن فائق الاحترام والتقدير لضباط الجيش اللبناني إذ أثار إعجابهم ما يتحلّون به من تصميم واحترافية وثقافة ونظرة استراتيجية، فضلًا عن كفاءة عالية في مجال التخطيط العملاني وفهم واضح للمبادئ التي تعتمد عليها عملية إيصال الرسائل.
تخلّل الورشة أمثلة من العالم برزت من خلالها أهمية التواصل الإعلامي، كما نفّذ المتدرّبون تمارين تطبيقية استعملوا فيها كل التقنيات والمهارات والأدوات التي اكتسبوها، وطبّقوها على أمثلة محلية.

 

عملية المعلومات والتواصل
تمكّنت المملكة المتحدة على مرّ السنين، وبعد اختبارها الكثير من المواقف الصعبة والأزمات في مهماتها حول العالم، من تطوير تقنيات وأدوات فاعلة تبني الاستراتيجية التواصلية المُثلى، وتمكّن الدول من التعاطي مع المعلومات بالطرق المناسبة. وقد نظمت بريطانيا دورة تخطيط لعملية التواصل تحتّم بدايةً فهم بيئة المعلومات قبل وضع الخطة وتطبيقها، وصولًا إلى تقييم مدى نجاح الخطة وتأثيرها على سلوكيات الجمهور المُستهدف، مع الأخذ بعين الاعتبار التحديات والصعوبات التي يمكن أن تواجه الخطة الأساسية وبالتالي وضع خطط طوارئ.
وفي إطار مرحلة الفهم الأساسية لبيئة المعلومات، ولنجاح أي عملية تواصل، يجب بالدرجة الأولى تحديد الجمهور أو الفئات المُستهدفة وتقسيمها، ما يساعدنا في التأثير عليها وبلوغ هدفنا المنشود.
في المقابل، لفت المدرّبون إلى «أنّنا نحاول دائمًا دحض رسالة العدو ونتّخذ الموقف الدفاعي، في حين علينا النظر إلى قيم العدو والطرق التي يعتمدها لاجتذاب المؤيدين والتعامل معها بالوسائل المناسبة. من هنا أهمية إبعاد استراتيجية الخصم وتعزيز سرديتنا من خلال بناء خطة تواصل مدعومة بتخطيط إعلامي تندرج ضمنها الأهداف الواضحة والنتائج المتوخاة» .
أنهى الجميع الدورة حاملين في أذهانهم سؤالًا يحتّم عليهم مسؤوليات كبرى انطلاقًا من المعلومات التي باتت بحوزتهم عن وضع أسس لاستراتيجيات التواصل وبناء السرديات الاستراتيجية الخاصة بالجيش اللبناني.


«فما هي هذه السردية الاستراتيجية التي تُعَنون أي نشاط للجيش؟».
سؤال يحثّنا على التفكير حقًا في ترجمة الرسالة والواجب الذي لطالما التزمه الجيش، بقصة مكتوبة ومصوّرة، تُظهر بوضوح أفعاله التي لا تتحكم بها إلّا مصلحة الشعب والوطن وأمنهما.

 

يقول المؤلف والخبير الاستراتيجي Dr. David Kilcullen في كتابه الشهير The Accidental Guerilla «إنّنا عادةً نستخدم المعلومات لشرح ما نقوم به على الأرض، في حين أنّ العدو يقوم بالعكس، يقرّر ما هو الهدف والرسالة التي يريد إرسالها، وبعدها يصمّم العملية المناسبة لإرسال هذه الرسالة».

 

الملحق العسكري
أشار الملحق العسكري Col. Hilton، في حديث له على هامش احتفال التخريج، إلى أنّ «الجيش اللبناني لديه قصة مذهلة يمكن أن يرويها. لذلك أعتقد أنّ مثل هذا التمرين يمنح المشاركين المهارة والثقة لنشر الرسالة المتمحورة حول ما يفعله الجيش اللبناني لحماية البلاد، ويتمّ تقديمه لكل الجيش اللبناني وليس للقيادة فقط، ولذلك أعتقد أنّه سيكون الأساس لإحراز تقدم فعلي في المستقبل.
كذلك عبّر الملحق عن فخره بالعمل مع الجيش اللبناني خلال العامين الماضيين وخاصة في ظل هذه الظروف الصعبة بعد بدء الاحتجاجات. الناس من كل أرجاء العالم يتابعون ما يفعله الجيش اللبناني ويبدون إعجابهم بسلوك عناصره متسلّحين بمعايير عالية واحترافية، ليس فقط في هذا المجال بل في كل المجالات. فهم يدافعون عن الحدود حاليًا في وجه المتطرفين العائدين من النزاع في سوريا، ومن خلال مهمات مكافحة الإرهاب التي ينفّذونها في أرجاء البلاد. نحن فخورون جدًا لأنّنا نعمل معكم ولأنّه لدينا شريك محترف وفعال في خضم كل هذه المشكلات.
وفي ما يتعلّق بالمشاريع المستقبلية يؤكد Hilton «سنكمل كل المشاريع التي بدأناها. سنواصل التركيز على أمن الحدود، ونأمل أن نتمكن من تأمين عدد إضافي من الآليات الخاصة من أجل الدوريات على الحدود لمصلحة أفواج الحدود البرية ما يسمح لها بسدّ الثغرات. نحن نعمل أيضًا بشكل يومي مع العديد من وحدات مكافحة الإرهاب وسنواصل القيام بذلك لتطوير العلاقة. وقد بدأنا مؤخّرًا بتطوير علاقة أقوى بكثير مع القوات الجوية لأنّنا نتشارك عددًا من المروحيات، ولذلك فنحن نتبادل الخبرات بشأن مروحيات Puma وسنبدأ بتطوير تبادل المعلومات في ما يتعلق بمروحيات Gazelles أيضًا.
كذلك، نأمل أن يتواصل التعاون في مجال العمليات الإعلامية ومكافحة الفساد».
وما هي رسالتكم إلى الشعب البريطاني انطلاقًا من تجربتكم في لبنان؟
«ندعو الشعب البريطاني إلى الاستمرار في دعم لبنان الذي هو شريك مهم جدًا للمملكة المتحدة. يجدر بنا الوقوف جنبًا إلى جنب لمواجهة التحديات التي تواجهونها».