البطولة ملء الساحات

صائدو الخطر يعطلون افخاخ الارهابيين
إعداد: باسكال معوض بو مارون

ويهندسون خطوات العسكريين فـي الميدان


لأنهم في «بوز المدفع» اعتبرنا ان استطلاع الجبهة من خلال أقوالهم يشكل خطوة أقرب إلى واقع المواجهات. فوج الهندسة في الجيش هو الفوج الذي ارتبط إسمه بالخطر الدائم، يعمل في المقدمة جنباً إلى جنب مع الموت المتربّص خلف كل لحظة، مندفعاً إلى تأدية الواجب.
هو الفوج الذي «يهندس» خطوات جنودنا في ميدان المعركة: يرفع الألغام، يزيل العبوات الناسفة، يكشف ويعطّل الشراك المتفجرة التي يزرعها الإرهابيون في أي مكان. وهكذا فإن فوج الهندسة هو طليعة قواتنا العسكرية على الأرض، «يفتح» الطرقات أمام عمليات الهجوم، ويطهّر المواقع المفخخة بعد احتلالها.
زرناهم على الجبهة وسرقنا من وقتهم دقائق ثمينة احتسبوها «بدقة وحذر».

نسهل عمل جيشنا ونعرقل العدو
في ذروة الغبار ورائحة البارود التقينا الرائد بيار بومارون آمر السرية الأولى في فوج الهندسة الذي فاتحنا بافتخاره «بقدرة الجيش وكفاءاته العالية في مواجهة عصابة إرهابية تنمّ تدريباتها وأفعالها عن حقد دفين على الحياة، واندفاع أعمى إلى الإضرار بالانسان والحضارة والامان».
وعن مهمة السرية في هذه المعركة قال: «عملنا كفوج هندسة يقتضي تأمين الدعم الهندسي للقوات المقاتلة بحيث أننا نسهّل عمل جيشنا، ونعرقل عمل العدو ما أمكن من خلال تعطيل عبوات العدو وشراكه المتفجّرة، وتنظيف سبل تقدّمنا وفتح الطريق وتأمين سلامة عناصر الجيش المهاجمين، فضلاً عن إزالة العوائق وإقامة ممرات آمنة للعسكريين. كذلك نعمل على إقامة سواتر ترابية لإخفاء تحركات جيشنا، ومرابض محصّنة لحماية خطوطنا الدفاعية ومواقعنا وتثبيتها.
وعند سؤاله عن وتيرة العمل البطيء والدقيق في ميدان تفكيك الألغام عادة، في مقابل السرعة القياسية المطلوبة اليوم على الجبهة أجاب الرائد بومارون: «همّنا هو القيام بواجبنا على أكمل وجه، ومهما كانت الظروف المحيطة. يتمتع عناصر الفوج بمؤهلات عالية، تخوّلهم العمل تحت أي ضغط كان، ونحن نعمل بالسرعة الممكنة والتي اعتدنا على وتيرتها، كما أن الحذر ما زال ملازماً لعملنا الخطير، لا يمكن أن نفرّط به مهما حصل. والجدير بالذكر أن خسائرنا البشرية، من شهداء وجرحى لفوج الهندسة تعتبر «مقبولة» في الميزان العسكري مقارنة مع حجم العمل الذي قمنا به منذ اندلاع المعارك وحتى اليوم».

 

فتح الثغرات
عن الوضع الميداني وطريقة مواجهته من قبل الفوج قال: «لأول مرة نشترك بهذه الكثافة في المعارك، حيث تواكب الهندسة الأعمال الهجومية كافة، إن من ناحية فتح الثغرات في الأماكن المسدودة، أو تعطيل العبوات المزروعة من قبل العدو. وقد وصل التفخيخ الى ذروته حين لم يكن بالإمكان دخول قواتنا المقاتلة الى أي مبنى أو التقدم داخل أي حي، من دون تأمين تغطية مسبقة من قبل فوج الهندسة، من خلال تفكيك العبوات والألغام المزروعة، وإزالة الشراك القاتلة.
وربما كان من الضروري أن يعلم الجميع أن عدونا يعمل على تفخيخ كل جسم أو آلة أو حجر وزرعه بالمتفجرات، إضافة الى أدوات المطبخ والمفروشات المنزلية والسيارات مروراً بالصناديق البلاستيكية والكرتونية والمعلبات والأبواب والنوافذ، وصولاً الى جثث القتلى والحيوانات الأليفة. لم يكن التحدي أمامنا سهلاً، لكننا استطعنا بفضل توجيهات القيادة الحكيمة وتدريباتنا ومؤهلتنا العالية أن نؤمن المستوى المطلوب من الجهوزية والكفاءة التي يتطلبها هذا الوضع».
ونسأله عن المعنويات، إذ لا شك أن المعركة تحتاج الى شحن معنوي كبير فيجيب:
ما سأخبرك به سيافجئ البعض خارج المؤسسة، فالواقع أنه فور اندلاع العدوان على الجيش تطوّع الفوج بأكمله للذهاب الى ساحة المعارك، حتى أننا وقعنا بحيرة أمام اندفاع وحماسة وشجاعة العناصر. وعلى الرغم من سقوط شهداء وجرحى من الفوج، إلاّ أن تصميم العناصر على المتابعة تضاعف بشكل كبير، وأصبحت معنوياتهم «نار»، وصمموا على الذهاب حتى النهاية، لأنه مهما غلا الثمن فالوطن يستحق التضحيات خصوصاً أننا نحارب جماعة إرهابية تحاول أن تعيث الخراب والفساد في وطننا.
وختم الرائد بيار بومارون قائلاً: «لم أرَ طفلتي المولودة حديثاً منذ عشرين يوماً ربما لم تعد تعرفني الآن، لكنني أراها في عيون كل جندي من حولي، نحن جيش لبنان نذرنا أنفسنا للوطن. ولئن كان الشوق مرّاً بعض الشيء إلا أنه يشكّل حافزاً إضافياً لحسم هذه المعركة المفروضة من قِبَل الإرهابيين على الدولة والشعب والجيش».

 

استراحة «المفككين»
خلال استراحة «المفككين» الذين حرروا أحد المباني من عبواتها وأشراكها المتفجرة، التقينا الملازم طوني ضايع وعدداً من العسكريين التابعين لفوج الهندسة.
بدت معنويات الملازم ضايع العالية واضحة على وجهه.
بادرنا بالقول «لي ملء الثقة بالقيادة الحكيمة التي تدير هذه العملية العسكرية.
ومن جهتي كضابط مسؤول عن مجموعة من العسكرييـن، يهمني تأمين سلامتهم، وفي الوقت عينه تنفيذهم المهمـة الموكلـة اليهـم والتي تقـضي تغطية الوحدات المحاربة خلال عمليات الدهم الهادفة للسيطرة تباعاً على أحياء المخيم كافة.
وتابع الملازم ضايع:
«مهمتنا ليست سهلة، عدونا حاقد وانتحاري، لذا فإن الظروف التي نعمل فيها دقيقة وحساسة. لقد بدأنا العمل في اليوم الأول حيث شعرنا بحرارة المعارك، ثم «دخلنا الجو» وها نحن «نخاوي» الشهادة ونعتلي صهوات المخاطر فداء للبنان. وعلى الأرض نعمل على تفكيك العبوات وإبطالها، وتأمين سلامة الدخول الى الأبنية والبيوت أمام الألوية والأفواج المقاتلة. ونحن اليوم في قمة اندفاعنا، وندرك أن لبنان كله يصلي لنا ويحمينا».
وفي الختام قال الملازم ضايع: «مسؤوليتي الأكبر هي الحفاظ على سلامة عناصري، وتأمين العمل المطلوب منا كفوج هندسة. لقد اكتسبنا خبرة وسرعة اضافيتين، خطونا بواسطتها خطوات كبيرة الى الأمام، وأصبحنا مستعدين أكثر فأكثر للدفاع ضد أي خطر يتهدد الوطن».


أقاتل من أجل كرامة وطني
الرقيب الأول محمد الحاج علي إلتقيناه جالساً ومغمضاً عينيه في استراحة قصيرة بادرنا بالقول: «أنا هنا من أجل كرامة وطني وحفاظاً على أهله من تغلغل الإرهابيين في دورات حياتهم اليومية، ولأكون جنباً الى جنب مع رفاقي في السلاح في هذه المعركة.
وتحدث الرقيب الأول الحاج علي عن الجو العام في أرض المعركة فقال: معنوياتنا عالية «في السما»، نحن نعمل يداً واحدة وروحاً واحدة، بكل اندفاع وتصميم.

ويضيف: لا مجال للتراجع سننهي المعركة بأي ثمن مهما كان غالياً، وتمنى ختاماً أن تنتهي المعركة بأسرع وقت حتى يعود لرؤية طفله الصغير وزوجته اللذين اشتاق لهما كثيراً، خصوصاً وأن «ولدي يسأل عني يومياً وأنا أتحرّق شوقاً لاحتضانه بعد انتهاء هذا كله على خير لمصلحة وطننا لبنان».
الرقيب الأول أحمد عامر قال: «سنقضي على عدو لبنان لا محالة، فهذا واجبنا كعسكريين أولاً وكمواطنين نسعى لتأمين الأفضل لأهلنا وشعبنا».
وأضاف قائلاً: «استشهد صديق لي خلال المعركة وكان حزني كبيراً، إلا أن الحافز دفعني للعمل بحماسة أكبر وتفكيك «العبوات» التي تركها هؤلاء الأشرار للوصول اليهم ودحرهم بسرعة».

 

جنباً الى جنب مع الخطر
وعند سؤاله عن أي تردد أو خوف يمكن أن يعتريه في خضم عمله في الصفوف الأمامية أجاب عامر: «لقد اخترت بنفسي أن أنضم الى صفوف المدافعين عن سلامة الوطن، ولو كان الخطر يرافق كل خطوة من خطواتنا. فأنا لست خائفاً البتة... عدونا جبان، وحتى لو أصبت في أثناء عملي في تفكيك العبوات، فشرف لي أن أقدم دمائي فداء عن وطني».
أما عن المقارنة بين عمله في حالة السلم واليوم خلال الحرب فيقول:
«نحن كاختصاصيين في تفكيك العبوات المتفجرة والألغام نعمل جنباً الى جنب مع الخطر دائماً.
لكن عملنا اليوم متنوع أكثر ويتطلب انتباهاً وحذراً في كل خطوة نخطوها. إنما الخطر يبقى دائماً هو هو، والموت ينتظرنا عند أية غلطة لكننا مصممون على القضاء على هؤلاء الإرهابيين وتحقيق النصر في النهاية».
المعاون عدنان عراجي تحدث بحماسة واندفاع كبيرين شارحاً أسباب تطوعه ليكون على الخطوط الأمامية في هذه المعركة:
«لقد اخترت أن أكون على الجبهة وأقاتل هذا العدو الجبان الذي غدر برفاقي واخوتي في السلاح.
قررت أن أتابـع عملي على الجبهــة وفاءً لصديقي الذي استشهـد نتيجـة لمعركـة غير متكافئـة شنّهـا إرهابيون على عناصر عزّل».

 

أمام المهام أنسى كل شيء
عن خوفه في ظل ظروف خطرة كهذه قال عراجي:
«الخوف موجود دائماً وهو وسيلة طبيعية للمحافظة على حياتنا، لكن عند وجودي في الداخل وأمام مهماتي العسكريــة، أنسى كل شيء وأركّز على عملي وكيفيــة تأمين سلامتي وسلامـة القوات المقاتلــة. وهذا الأمر ليس سهلاً بل يلقي على عاتقي مسؤوليـة كبيرة جداً كنت حتى اليوم «على قدّها»، وأرجو أن أظلّ كذلك حتى نهاية هذه المعركة.
ويضيف قائلاً: «الفرق بيننا وبين الارهابيين هو أن قضيتنا بحجم وطن، أما هم فعصابة تعمل لأهداف عدوانية.
لقد تدربنا من قبل على معالجة كل التفخيـخات التي صادفناها خلال عملنا هنا، وقد أصبحنا على علم بطريقة تفكيرهم في وقت قصير، وبذلك تفوقنـا عليهم من النواحي كافـة».
وختم المعاون عراجي حديثه قائلاً: «النصر للحق دائماً، وللبنان وجيشه الشجاع الذي يقاتل ويستبسل بعيداً عن الصراعات السياسية الجارية، همه الأول والأخير مصلحة البلاد وسلامة وأمن شعبه».
غادرنا المخيم وقلوبنا مع هؤلاء الضباط والجنود الواقفين على الجبهة مدافعين عن كرامة وطنهم لا يحنون جبينهم إلا للتركيز على تفكيك عبوة أو لغم زرعه الأعداء.

تصوير: العريف يحيى خضر  

 

بعض ما صنعته أياديهم المجرمة  
عمد الارهابيون الى ابتكار طرق لزرع الألغام والعبوات والافخاخ على نحو يستطيعون من خلاله إلحاق أكبر أذى ممكن بالعسكريين.
سلاح الهندسة اكتشف بسرعة أساليب الارهابيين وعمد الى معالجتها بالطرق المناسبة والتي تتضمن بمعظمها تفجير الألغام والعبوات والأفخاخ بواسطة الرمي عن بعد، أو بوضع متفجرات بمحاذاتها أو بطرق يدوية أخرى.
هنا نماذج من أعمال التفخيخ التي استعملها الإرهابيون.


  1- لغم مضاد للأشخاص ثابت مشظّي نوع POM 2. مفعوله: تشظّ قاتل حتى مسافة 8 أمتار.


2-  لغم مضاد للأشخاص ثابت مشظّي نوع 2 - POM 2 يفجّر عن بُعد سلكياً ويكون عادة مثبتاً بالأرض أو على جسم ثابت موصول الى جهاز إشعال كهربائي ويتم تفجيره عن بُعد.


3- رمانة يدوية دفاعية نوع F1 موصولة بسلك عثار عند السحب وتكون بحالتين.
في الحالة الاولى، تكون مثبتة على جسم صلب ومموّهة وقد تمّ ربط خابور الحيطة بسلك عثار بحيث تنفجر الرمانة عند سحب الخابور.
وفي الحالة الثانية ينزع خابور الحيطة من الرمانة اليدوية وتركز تحت جسم ثقيل الوزن لمنع انفلات الملعقة، ولدى تعثر شخص بالسلك تتحرر الرمانة اليدوية من تحت الجسم الذي يثبّتها فتنفجر.
وغالباً ما تمّ العثور على الرمانة تحت قذيفة هاون أو قذيفة عيار 155 بحيث يؤدي انفجارها الى تفجير القذيفة وزيادة المفاعيل.

رمانة يدوية موضوعة داخل مستوعب بعد نزع خابور الحيطة وسلك السحب مربوط بها أو بالمستوعب بحيث تنفجر بعد انفلاتها من المستوعب بعد سحب السلك

 

4- عبوة على جانب الطريق (لغم م/د) وهذا اللغم غالباً ما يكون من نوع TM46 معلقاً من الداخل على حيطان الدعم بمحاذاة الطريق أو داخل فجوة في الحائط، وموصولاً الى جهاز اشعال كهربائي، ويتم تفجيره سلكياً وهو ذو مفعول موجّه.

 

5- عبوات وقوارير غاز:
• حشوة من المتفجرات مثبتة على قارورة غاز لزيادة مفاعيل الانفجار ومذخّرة بواسطة صاعق كهربائي.
• قذيفة هاون عيار 120 ملم أو قذيفة عيار 155 ملم مذخّرة في أعلاها بواسطـة صاعق كهربائي وموضوعة بجانب قارورة غاز.
• قارورة غاز معبأة بمادتي الأسيتيلين والأوكسيجين ويتم تفجيرها عن بُعد سلكياً عند وصول التيار الكهربائي الى سلك معدني رفيع (Resistance) واشتعال البارود الموضوع على ساعة القارورة.
وفـي بعــض الحـالات، عثـر على هذه القـوارير معبـأة ومركّــزة الـى جانـب الطريق حيـث يتـم تفجيـرها عن بُعـد بالرمـي عليهـا بواسطـة قنّاص.

 

6- عبوة ملاصقة لجدار مبنى من الخارج وهو عبارة عن كمية من المتفجرات أو قذيفة عيار 120 ملم أو 155 ملم مركزة بملاصقة جدار مبنى من الخارج موصولة الى جهاز اشعال كهربائي ويتم تفجيرها سلكياً عن بُعد.

 

7- عبوة داخل مبنى تعمل بواسطة التماس الكهربائي على الضغط. وهذه الحشوة من المتفجرات، مموّهة داخل غرفة أو مبنى وموصولة بجهاز تفخيخ يعمل بواسطة التماس الكهربائي على الضغط.

عبوة مركزة على جانب الطريق موجهة نحو الهدف: وهي عبارة عن حشوتين مجوّفتين مركّزتين الى جانب الطريق، واحدتها بارتفاع مختلف عن الأخرى، وموضوعة داخل مستوعب معدني مربع الشكل، ومذخّرة بصاعق كهربائي موصول الى بطارية 9 فولت وجهاز اطلاق كهربائي يعمل بالتماس الكهربائي.


8-ذخائر وحشوات مختلفة:
• قذيفة هاون عيار 81 ملم أو 120 ملم غير منفجرة مخبأة وراء قطعة من أثاث المنزل موصولة الى جهاز اشعال كهربائي ويتم تفجيرها عن بُعد سلكياً.
• حشوة من المتفجرات مخبأة داخل جارور خزانة أو مكتب بطريقة الصب بحيث يخرج السلك الكهربائي بطريقة مخفية الى خارج المنزل وصولاً الى مصدر التفجير السلكي.
• حشوات وذخائر مخبأة داخل أدوات كهربائية ومذخّرة بواسطة جهاز إشعال كهربائي بالاستعانة بالسلك الخاص بالجهاز الكهربائي نفسه.

 

9- عبوة تعمل على قطع ووصل الكهرباء (Relais): يستعمل الـ«Relais» في العبوات غير النظامية لزيادة صعوبة التعطيل والمعالجة يدوياً، بحيث تنفجر العبوة لدى فصل احدى البطاريتين عن الجهاز، وتعتبر هذه العبوات من الأفخاخ.