من واقع الحال

صبر أيوب
إعداد: ندين البلعة خيرالله

ليس جديدًا على المؤسسة العسكرية أن تتعرّض للحملات التحريضية... فحين تكون مهمة الجيش التي تحمي المصلحة العامة، على قياس مصالح هذا وذاك، تجدهم يدعمونه ويلتمون حوله. وحين تهدّد مهمته منافعهم وأهدافهم الخاصة، يوجّهون أصابع الاتهام نحوه، ويحرضون على مواجهته.


جميعهم يشكّلون أوطانًا على قياساتهم الخاصة، أما الجيش فهو الوطن الحقيقي الجامع والنهائي لجميع أبنائه. تولّى مهمة حفظ الأمن في الداخل إلى جانب القوى الأمنية حفاظًا على السلم الأهلي، مع أنّ إعداده يرتكز أساسًا على بناء قدراته لمواجهة العدو وليس للتعامل مع المواطنين في الساحات والشوارع.
لبّيكَ أيها الواجب الوطني! نحن لها! يقولها جيشنا كلما دعاه الواجب. وفي تنشئته العسكرية وتدريباته، يتعلّم العسكري كيف يوازن بين الجسد والنفس والعقل، ويتحمّل الضغوط على هذه المحاور الثلاثة: جسديًا، خضع للتدريب والرياضة والعقوبات. نفسيًا، انقطع عن محيطه، ترك مجتمعه المدني، ابتعد عن أهله وباتت المؤسسة هي منزله. وفكريًا، ترافقت الضغوطات النفسية والجسدية مع التنشئة الفكرية والعلوم العسكرية والاختبارات... فاستطاع الموازنة في ما بين هذه المحاور، حتى استحق ارتداء البزّة المرقطة. وفي أوقات استراحته من المهمات الميدانية، يقيّم أداءه وأخطاءه، يتعلّم منها ويتدرّب على تفاديها.
نزل إلى الشارع، صَبَر صبْر أيوب على المشقات، تحمّل الحجز والتعب، والوقوف لساعات على الطرقات في صقيع الشتاء وتحت أشعة الشمس الحارقة... تلقّى الورود هنا، وعومل كأنّه عدو هناك، لكنّه في الحالات كلّها بقي ملتزمًا توجيهات قيادته، فلم تُفقده الاستفزازات انضباطه، ولم تؤثّر في أدائه واجبه الوطني.
صَمَدَ، صَمَتَ... وقف يحمي أهل وطنه، أهله، متسلّحًا بالمهارات التي اكتسبها ليتحمّل أقسى الضغوط في أصعب المواقف. ولكن أي مواقف؟ هناك على الحدود في مواجهة العدو، وحيثما يحاول الإرهاب العبث بأمن الوطن والمواطن، وليس في وجه أهله. في الموقع الأخير يواجه العسكري ما هو أصعب من الصعب. عليه أن يواجه الاستفزازات بضبط النفس، وقد فعل ذلك ملتزمًا مناقبيته، مدركًا خطورة الأوضاع التي يمر بها الوطن.
على الرغم من كل ما تعرّضوا له، ومن ارتفاع عدد الإصابات في صفوفهم، فإنّ ما أظهره العسكريون من صبر وطول أناة، يستحق أن تُرفع له القبعات، ولكن الأهم هو أن يدرك الجميع أنّ للصبر حدودًا.