حوار مع متقاعد

صدفـة بيضـاء على أرض الـخطر
إعداد: حا ورته : جان دارك ابي ياغي

المؤهل الأول يوسف الخوري

 

ثلاثة أشهر في الثكنة, تقابلها ثلاثة أخرى على الحدود, أما المأذونية فنادرة, وغالباً ما تأكل مسافة الطريق بين مركز الخدمة والبيت معظمها... هكذا يصف المؤهل الأول يوسف الخوري أحوال الخدمة في الجيش منذ عقود خلت, حاملاً من السنوات الـ36 التي أمضاها في المؤسسة العسكرية ذكريات كثيرة, والأهم, خصالاً رسختها في نفسه الجندية.
فهو يرى في الجندية عالماً آخر, تحده المبادئ والقيم وينتج أنماط حياة وسلوك قد تجعل من الصعب على الكثيرين أن يخرجوا من إطاره حتى وإن تقاعدوا.

تطوع المؤهل الأول الخوري في الجيش في نيسان من العام 1960, في ثكنة طرابلس. ارتدى بزته العسكرية وتلقى أول علومه العسكرية ليمضي بعد ذلك في مسيرة تعددت محطـاتها كما تعددت المهام التي اسندت اليه خلالها:
ثكنة شكري غانم في الفياضية, ثكنة حمانا, ثكنة الشيخ عبدالله في بعلبك, مديرية القضايا الإدارية والمالية في وزارة الدفاع, وأخيراً مديرية التعبئة التي منها أحيل الى التقاعد في العام 1997.
في الستينات لم يكن عديد الجيش على ما هو عليه اليوم, واتمام المهام الملقاة على عاتق المؤسسة كان يقتضي نمط خدمة قاسياً. ويذكر هنا المؤهل الأول الخوري أنه كان يصل الى مقر عمله في الخامسة صباحاً ولا يغادره قبل الخامسة مساءً.

التجوال من منطـقة الى أخرى, التعب والعرق وندرة المأذونيات ليست كل ما يحمله العسكري من ذكريات معه. فأخوّة السلاح ورائحة التراب وليالي السهر تأخـذ لها مكانـاً رحـباً في الوجدان. أما الأحداث الطريـفة التي تولـدها الصدفـة على أرض الخـطر فتحتـفظ دائماً بنضارتها ورونقها...
حدث مرة أن كان المؤهل الأول الخوري في مهمة تعقب لجماعة من المسلحين في منطقة نائية. وأثناء تنفيذ المهمة اشتدت العاصفة وتساقط الثلج بكثافة. ولما كان الوقت قد أصبح ليلاً, حفر مع رفاقه العسكريين مبيتاً لهم في كنف الثلج حيث باتوا ساعات الليل في انتظار ضوء الصباح وانحسار العاصفة.

ومع مجـيء الصباح استيقـظ العسكريون على وقـع أقدام حولهـم, فخرجوا من الثلج ليجـدوا المطلوبين أمامهـم... فكان تنفيذ المهمة تاماً بمساعدة بيضاء قدّمتها الصدفة على بساط الثلج.