أولادنا

صعوبات التعلّم لا تمنع التلامذة من التقدّم المهم الكشف المبكر والعلاج الملائم
إعداد: ريما سليم ضوميط

تعاني فئة غير قليلة من التلامذة صعوبات في التعلّم، هؤلاء لا يقلّون ذكاءً عن غيرهم، لكنهم يختلفون عنهم من حيث قدرتهم على اكتساب المهارات الأكاديمية، ممّا يؤخّر تقدّمهم ونجاحهم ما لم يتم تحديد نوع الصعوبة ومتابعتها من قبل الإختصاصيين في مرحلة مبكرة. فما هي أبرز هذه الصعوبات وكيف يتم تحديدها؟


مؤشرات الصعوبات
تشير الإختصاصيّة في تقويم النطق واللغة السيّدة رنا عوكر فارس، إلى أن المقصود بالصعوبات التعلّمية هو، تلك الاضطرابات في عملية التعلّم التي تواجه الأطفال الأسوياء الذين يعيشون في بيئة طبيعية. ويمكننا أن نحدد هذه الصعوبات وفق المجال الذي تقع فيه. فهناك عسر القراءة (الصعوبات في عملية تفكيك الرموز المكتوبة، والتهجئة وربط الأحرف بعضها ببعض) وعسر الكتابة (التحوير في كتابة الأحرف والكلمات وفي صياغة الجمل)، وعسر الرياضيّات (صعوبة في الأرقام والعمليات الحسابية التحليلية). ويعود ذلك بشكل أساسي إلى مشكلة نيورولوجية في تركيبة الدماغ أو عمله. ونورد في ما يلي أبرز مؤشرات هذه الصعوبات.
 

الصعوبة في القراءة
القراءة هي عمليّة فك رموز المعلومات المكتوبة وفهمها. ويتوصّل الطفل في سن السادسة إلى أن يفك رموز الكلمات والجمل، ويصبح بالتالي قادرًا على وعي الأصوات وتحليلها وإعادة تنظيمها. في هذه المرحلة، تبدأ صعوبات القراءة بالظهور، إلا أن عملية التشخيص تحتاج إلى اختصاصي يستند إلى اختبارات وروائز يقيّم عبرها المهارات الذهنية العليا الأساسية (كالذاكرة والإدراك والانتباه والتنظيم والتركيز) لتأكيد وجود صعوبة تعلمية واستبعاد احتمال وجود الكسل.
• من أبرز مؤشرات عسر القراءة:

1) في مرحلة الروضة:
ـ استخدام كلام غير مفهوم.
ـ التأخر في تركيب الجمل.
ـ الخلط بين الأصوات المتقاربة (صوت خروف / معزاة).
ـ عدم التمكن من الترميز (عدم القدرة على الرسم مثلًا).
ـ مشاكل في التخطيط (كتكرار حركة معينة لإنجاز رسمته).

2) في مرحلة التعليم الأساسي:
- عدم القدرة على تهجئة الكلمات أو ربط الاحرف ببعضها.
- عدم القدرة على التفريق بين الاحرف المتشابهة (ق/ك، ث/س....).
- انعكاس حرف أو عدة أحرف داخل الكلمة خلال القراءة، كاستخدام كلمة «غفرة» بدلًا من «غرفة».
 

الصعوبة في الكتابة
تعود أهم اضطرابات الكتابة إلى نقص التمكّن في مقابلة الحرف مع صوته، إلى جانب نقص التمكّن من قواعد الإملاء أو الأصول النحويّة، ومن مظاهر هذا النقص:
- مخالفة المقاطع أو الحروف أو كتابتها بشكل مقلوب («بيت» تكتب «تيب»).
- الالتباس أو الخلط السمعي- الإدراكي («شمعة» تكتب «سمعة»).
- الالتباس أو الخلط البصري- الإدراكي («باب» تكتب «نان»).
- حذف أو إضافة أصوات إلى الكلمات («مدرسة» تكتب «مدسة»، «درج» تكتب «دررج».
 

الصعوبة في الرياضيات
يتجلى العسر في الرياضيات لدى الطفل من خلال محدودية قدرته على اكتساب مهارات في الأرقام والحساب، وصعوبة فهم المعادلات الحسابية، ويحدث من دون أن يكون هناك مرض عضوي أو ذهني. من مؤشراته:

1) في مرحلة الروضة:
- ارتكاب الكثير من الأخطاء في عملية العدّ.
- عدم القدرة على التعبير عن الفكرة من خلال الرسم.
-  الصعوبة في تعداد مجموعة من الأشياء والإشارة إليها في الوقت نفسه.

2) في مرحلة التعليم الأساسي:
- محدودية القدرة على تخزين الوقائع الحسابية.
- صعوبة تعلّم جداول الضرب.
- صعوبة فك رموز الأرقام.
- صعوبة فهم المسائل الحسابية.
 

التشخيص
متى تبدأ مؤشرات صعوبات التعلم في الظهور وكيف يمكن التأكد منها؟
تؤكّد السيدة عوكر أن إضطرابات التعلّم تظهر بوضوح عند البدء بالكتابة والقراءة والحساب (في عمر السادسة) ويمكننا ان نميز مؤشرات لهذه الصعوبات حتى في مرحلة الروضات. لكن ذلك لا يعني النظر إلى أخطاء صف الحضانة كمؤشر على وجود خلل أو اضطراب، وإنما الدليل هو تراكم المؤشرات السلبية التي سبق ذكرها واستمرارها الزمني، مما يستدعي عرض المشكلة على الاختصاصيين حيث يتم التشخيص عادة في عمر السابعة من قبل اختصاصي في النطق واللغة، فيحدّد المشكلة ويحصرها ويضع خطة علاج مناسبة لها.

 
دور الأهل والمدرسة
تشير السيدة عوكر إلى أن علاج النّطق واللّغة، يتيح للطفل، في معظم الحالات، أن يستعيد ثقته بنفسه، وخصوصًا عندما يتم التشخيص في مرحلة مبكرة. وتشيرإلى ضرورة تقيّد الأهل بإرشادات المعالج للحصول على النتائج المرجوّة، وإلى ضرورة مساهمتهم ومشاركتهم مع المدرسة في دعم الولد الذي يعاني صعوبة في التعلّم ومساعدته، وتقدّم في هذا السياق بعض الارشادات التي ينبغي اتباعها في كل من الصف والبيت.

• في الصف:
- وضع الطفل المتعسّر في المكان المواجه لوسط اللوح بدلاً من وضعه في أيّ من أطراف الصف، مع مراعاة وجود طفل منضبط وغير ثرثارالى جانبه.
- التقليل من كميّة الكلمات المطلوب منه حفظها (مثلا نبدأ بخمس مفردات في الأسبوع، ثمّ نزيد العدد بالتدرج وفق وتيرة الطفل في التعلّم والتقدم الذي يحققه). فالاكثار من المفردات في هذه الحالة يشعر الطفل بالإحباط لعدم قدرته على حفظها.
- تكييف المفاهيم التي تعطى للطفل المتعسّر من خلال التركيز على التقدم المنجز، حتى ولو كان ضئيلًا، بدلًا من التركيز على الصّعوبات التي ما زالت موجودة. وهكذا يتجاوب الطفل لأنه يشعر بالاعتزاز لتقدّمه ويبذل مجهودًا اضافيًا لتحقيق مزيد من التقدم وللحصول على الثناء والمديح أكثر فأكثر.
- عدم إعطاء علامة على كتابة الإملاء خارج نشاط الإملاء، إذ يجب تحديد سلم أولويات للحكم على تقدم الولد ووضع أهداف قصيرة المدى ممكن بلوغها وقياسها.
- الثناء على ما أنجزه الطفل عندما تنخفض أخطاؤه من 25 خطأ إلى 15 خطأ مثلًا، حتى لو كانت علامته صفرًا على الإملاء. وتقبّل علامات المحو والتشطيب في ورقته (التي تدلّ على أنه يقوم بعمليّة تصحيح ذاتي) حتى ولو كان شكل هذه الورقة قذرًا أو متّسخًا. وفي المقابل ينبغي تشجيعه على إنتاج النصوص الشّخصية الصغيرة والتأكيد له بأن أخطاء التهجئة أو الإملاء لن تؤخذ بعين الاعتبار، كأن يطلب إليه، على سبيل المثال، أن يؤلف قصة من أربعة أسطر.

• في البيت:
من الضروري أن يرافق الأهل مسيرة أولادهم التطورية والتعلّمية في مختلف مراحلها بما في ذلك مرحلة ما قبل المدرسة، لأن بعض صعوبات التعلّم يظهر في تلك الفترة. كذلك، يفترض بالأهل أن يسهموا في تنمية حس الإدراك والقدرة على الإستيعاب لدى أولادهم بدءًا من المراحل المدرسيّة الأولى، بتطبيق بعض الخطوات المساعدة:
- تدريب الولد على الإستقلاليّة في درسه وكتابة فروضه، فهو يحتاج إلى أن يتعلّم كيف ينظّم نفسه ومحيطه بطريقته الخاصة. ويمكن للإهل مساعدته في تصحيح واجباته المنزلية وفي قراراته عندما تقتضي الحاجة ذلك.
- الإستفادة من الوقت الذي يقضيه الولد في السيارة في تمارين ذهنيّة مسليّة تساعده على التركيز وسرعة الإنتباه، كأن يطلب منه مثلًا أن يقرأ اللافتات التي تشير إلى أسماء المناطق، أو تحديد ألوان السيارات المارّة. كما يمكن أن يعطى ثلاثة أحرف ويطلب إليه تركيب كلمة من هذه الأحرف.
- تنفيذ بعض الألعاب الحسابية المسلية كأن يلعب الأهل مع الأولاد لعبة الحساب السريع، بمعنى أن يعطى الولد عملية جمع بسيطة لحلّها شفهيًّا، فهذه التمارين تنشّط الذهن وتعوّد الدماغ على الإستجابة السريعة.
- تخصيص وقت يوميّ للقراءة. وبالنسبة الى الأطفال الذين لم يبلغوا بعد مرحلة القراءة، يمكن تصفّح الصور والتحدّث عن مضمونها، ومن ثم تقرأ الأم المفردات لكي تصبح عبر التكرار مألوفة لدى الطفل، ما يساعده لاحقًا في التعبير الكتابي. أما الأولاد الأكبر سنًّا فيطلب منهم القراءة مع الأم أو الأب مداورة، حيث يقرأ كل من الطرفين مقطعًا من النص، وبذلك يشعر الولد بمتعة القراءة.
 

ممنوعات
في مقابل الإجراءات المذكورة، تشير السيدة عوكر إلى خطوات لا يجب القيام بها من قبل الإهل، أبرزها ما يلي:
- لا يجوز المساومة على الدرس لأي سبب كان، فلا يقال للولد مثلًا، «سأسمح لك باللعب على الكمبيوتر إذا أنهيت دروسك من دون تذمّر». فالولد يجب أن يفهم أن لديه واجبات يجب أن يقوم بها من دون شروط. كما عليه أن يدرك أن تنظيم الوقت بالأسلوب الصحيح يمنحه مجالًا كافيًا للهو واللعب.
- لا يصح أن يصير الدرس قصاصًا، كأن يقال للولد «بما أنك لم تلتزم تعليماتي، فيجب أن تنصرف الآن إلى الدرس».
- لا يجوز أبدًا إهانة الولد عندما يفشل، حتى ولو شعر الأهل بالإحباط نتيجة فشله. يمكن القول له إن بمقدوره أن يعطي أكثر، ويجب أن يرافق هذه العبارة الثناء على الجهود والمحاولات السابقة التي قام بها.