بطولات وفائزون

صفحات من سجل الرياضة في الجيش

تميّز في ألعاب القوى وفريق المبارزة رفع عالياً اسم بلاده

تربع الجيش اللبناني على عرش بطولة ألعاب القوى في لبنان طوال سنوات خلت, وبرز رياضيوه في هذه الألعاب كأبطال مميزين. فقد أدت الجهود المبذولة لتعزيز الرياضة في الجيش منذ أوائل التسعينات الى نتائج جيدة على مستويات عدة, مع العلم أن الإمكانات المتاحة محدودة كما يعلم الجميع.
غير أن رصيد الجيش في الرياضة لا يقتصر بالطبع على ما يتحقق اليوم, بل هو يستند الى ماض عريق عرفت خلاله الرياضة العسكرية العز والتألق. ففي الفترة الممتدة بين أواسط الخمسينات وأواسط السبعينات من القرن المنصرم, شهدت الرياضة العسكرية تحقيق إنجازات مهمة, حيث كان أبطال الجيش أبطال لبنان وممثليه في الخارج, وهم رفعوا اسم وطنهم عالياً في ساحة الرياضة عربياً وعالمياً.
من الألعاب التي تميز فيها رياضيو الجيش في الفترة التي سبق ذكرها, ألعاب القوى وألعاب السلاح. ففي لعبة سيف المبارزة مثلاً, حقق أبطال الجيش نتائج مدهشة في بطولات ودورات عربية وعالمية, وتسببوا بخسارة أبطال عالميين في المبارزة لألقابهم... بل إن بعض هؤلاء كسر سيفه وبكى وبعضهم أقسم ألاّ يلعب مجدداً...
في ما يلي محاولة للإضاءة على مجالات تميز فيها رياضيو الجيش ولمعوا, وذلك من خلال مقابلة مع الرائد المتقاعد يوسف زيبارة وأخرى مع المعاون المتقاعد ميشال سيقلي (وكلاهما من أبطال الجيش في المبارزة), إضافة الى عرض لأرقام قياسية حققها عسكريون منذ العام 1959 وحتى اليوم.

الرائد المتقاعد يوسف زيبارة:
مسبّع الكارات الرياضية وفي سجله 23 مشاركة دولية

بطل من أبطال الجيش ولبنان في ألعاب القوى. ساهم في تأسيس مدرسة القتال المعروفة اليوم بـالمركز العالي للرياضة العسكرية, وبرز كلاعب ومدرب وحكم دولي فبرع في كل ما شغله. إنه الرائد المتقاعد يوسف زيبارة, مسبّع الكارات الرياضية كما يصفه زملاؤه, وقد شارك في 23 بطولة دولية للمبارزة ممثلاً الجيش ولبنان.
■  كيف بدأت مسيرتك الرياضية في الجيش؟
­ تطوعت في الجيش بصفة جندي في العام
1958. في هذه الأثناء, كان المدرب الفرنسي غي داريكو يبحث عن عناصر مؤهلة للتدريب على فن المبارزة, فتم اختياري من بين عناصر أخرى حيث خضعت لدورة تدريبية مدتها 19 شهراً صنفت في نهايتها الأول بين  0 5 عنصراً, وتم تشكيلي الى مدرسة القتال.
■ شاركت في عدد كبير من البطولات المحلية والدولية, فما هي أبرز النتائج التي حققتها؟
­ سنة 1960 اشتركت في بطولة لبنان للدرجة الثانية وفزت بها, ثم اشتركت بمباراة الدرجة الأولى وصنّفت ثانياً, وفي العام 1965 فزت ببطولة لبنان بالسيف الكهربائي. كما جرت في لبنان البطولة الدولية سنة 965  واشتركت فيها 13 دولة, حيث صنّفت ثانياً ببطولة الحسام بين 39 مشتركاً. وفي سنة 1966 سافرت الى الدانمارك مع منتخب لبنان حيث حل فريقنا خامساً بين 12 دولة. وفي بطولة العالم العسكرية التي جرت في العام 1967 مثّلت الجيش ولبنان وصنّفت ثالثاً, فيما حل الفريق خامساً في إيطاليا في مدينة بالرمو. وفي السنة ذاتها اشتركت بالبطولة الدولية في تركيا وصنّفت ثانياً بين 48 مشتركاً, واشتركت ببطولة حوض البحر الأبيض المتوسط في تونس وحللت في المركز الثالث.
أما في سنة 1970, فشاركت في الدورة الدولية في القاهرة والاسكندرية, وصنّفت أولاً كما حل لبنان أولاً كفريق. وسنة 1975 اشتركت في البطولة العالمية العسكرية في النمسا وحل فريقنا خامساً. ولعبت أيضاً في البطولة العالمية العسكرية في مدينة رين الفرنسية فصنفت ثالثاً فيما حل فريقنا خامساً.
■ ما هي المكافآت التي حصلت عليها بعد تحقيق هذه الانتصارات؟
­ لقد حصلت على تهان من وزير الدفاع وقائد الجيش, وهي تهان خطية اعتزّ بها. وقد اتت حاملة الطائرات الأميركية في العام 1962 الى لبنان في زيارة عادية, وطلب قائدها إقامة مباريات بين عناصره وعناصر الجيش اللبناني فتم ذلك, واستطعنا التغلب عليهم بمعظم الألعاب, وخصوصاً في المبارزة؛ وقد شملت اللقاءات المصارعة والملاكمة وكرة السلة وكرة القدم, وحظينا يومها بتهاني وزير الدفاع وقائد الجيش على هذه الانجازات.
■ هل من ألعاب أخرى برعت فيها الى جانب المبارزة؟
­ لقد سمحت لي خبرتي الطويلة في المجال الرياضي في الجيش أن أجيد ألعاباً عدة, ما جعلني من أبطال لبنان والجيش في ألعاب القوى ­ الألعاب العشرية التي تشمل القفز العالي, القفز العريض, القفز بالزانة, الجري السريع مسافة 100 متر, و200 متر, و400 متر, و110 أمتار حواجز, إضافة الى رمي الكرة الحديدية, ورمي القرص, ورمي الرمح. ومن النتائج التي حققتها في هذا المجال الفوز بالمرتبة الثانية في بطولة لبنان في لعبة رمي القرص في العام 1964, وقد كان الأول الرقيب عفيف بطرس.
وفي بطولة لبنان للعام 1965 في القفز العالي فزت بالمرتبة الثالثة على صعيد لبنان, وكان الأول العريف سامي الأحمر. وفي العام نفسه, حللت بالمرتبة الثالثة أيضاً في بطولة لبنان للقفز العريض, وفاز يومها بالمرتبة الأولى الرقيب نقولا شمعون.
وفي بطولة الكرة الحديدية, صنفت ثالثاً على صعيد الجيش ولبنان خلال فترة الستينات.
ومن الألعاب التي مارستها أيضاً كرة السلة إذ شاركت ضمن فريق المركز العالي للرياضة العسكرية من العام 1963 حتى العام 1975. كما شاركت ضمن فريق كرة اليد في المركز العالي أيضاً خلال الفترة الممتدة ما بين الأعوام 1965 و1970 حيث حلّ فريقنا في المراتب الثلاث الأولى على صعيد لبنان مرات عدة.
إضافة الى الألعاب المذكورة, كانت لي محطات هامة في مجالات أخرى, كمثل التسلّق على الحبال التي كنت من أبطالها منذ منتصف الستينات, كما حققت رقماً في جولة المقاتل 90 متراً وهو 33 ثانية.
■ أشرت خلال حديثك الى انتصارات محلية للجيش في مجالات عدة, فهل لنا بلمحة حول أبرز تلك الإنتصارات؟
­ الواقع أن الفترة الممتدة ما بين الخمسينات والسبعينات كانت ذهبية بالنسبة الى الرياضة في الجيش. فقد حافظ فريق الجيش على المركز الأول في الألعاب العشرية من سنة 1960 حتى سنة 1975.
وعلى صعيد ألعاب القوى, تمكن فريق الجيش من تحقيق 21 رقماً من أصل 22 على المستوى المحلي ما بين سنة 1955 وسنة 1979.
كذلك, احتفظ الجيش ببطولة لبنان في المبارزة نحو عشرين عاماً ما بين سنة 1955 وحتى سنة 1975 تقريباً.
■ المعروف أنك لم تكن لاعباً فحسب وإنما كنت مدرباً وحكماً أيضاً, فهل تابعت دورات معينة في المجالات المذكورة؟
­ نعم, تابعت دورات عدة من ضمنها دورة مدرب رياضة عامة ومبارزة في مدرسة القتال عامي 1959 و1960, ودورة تدريب على فنون القتال وجهاً لوجه والجيدو في العام 1963, كما حصلت على شهادة عليا فئة ثانية ­ مدرب عام في الرياضة بجميع أنواعها من المركز العالي للرياضة العسكرية سنة 1968.
على صعيد التحكيم, تابعت في العام 1960 دورة تحكيم ملاكمة ومصارعة في الجيش, وفي العام 1966 دورة حكم كرة يد في المدينة الرياضية, ونلت شهادة حكم كرة قدم في العام 1967, ثم تابعت دورة حكم ألعاب قوى في المعهد الوطني العام سنة 1970, ونلت شهادة حكم دولي في المبارزة العام نفسه في القاهرة, وتابعت دورة دولية في كرة اليد في المدينة الرياضية سنة 1974, ونلت شهادة حكم في ألعاب القوى العام 1975 في الدورة العربية المدرسية, كما تابعت دورة حكم في كرة اليد العام 1988 في المعهد الوطني.

المعاون المتقاعد ميشال سيقلي: خصمه كسر سيفه وأقسم ألاّ يلعب مجدداً

رياضي من الدرجة الأولى, وبطل لبناني يُعتدّ به. واجه أبطالاً عالميين في غير مبارزة فخرج متفوقاً رافعاً اسم لبنان وجيشه عالياً على الصعيدين العربي والدولي. إنه أحد أبطال المبارزة في فريق الجيش خلال الفترة الممتدة بين الخمسينات والسبعينات, ميشال سيقلي.
بداية تحدث سيقلي عن نشوء لعبة المبارزة في الجيش, فأشار الى أنها عرفت في لبنان منذ الاربعينات كهواية. وفي بداية الخمسينات, اقترح أحد هواة اللعبة الزعيم عزيز غازي الذي كان مفتشاً عاماً في الجيش في تلك الفترة, أن تستقدم القيادة المدرب الفرنسي العالمي غي داريكو لإنشاء فريق للجيش في المبارزة وألعاب القوى. فكان أن أخذ باقتراحه وتم اختيار عدد من العناصر ذوي المؤهلات اللازمة وأخضعوا لتدريب مكثف لمدة سنتين, ليصبح بعدها للجيش في العام 1953 لاعبون محترفون.
■ ما هي أبرز البطولات العربية والدولية التي شاركت فيها, وما النتائج التي حصدتها؟
­ كانت المشاركة الأولى لفريق الجيش في المبارزة وألعاب القوى خلال الدورة العربية الأولى التي أقيمت في مصر خلال العام 1953, فاحتل لبنان المرتبة الثانية على صعيد الفرق, وحللت بدوري في المرتبة الثانية على الصعيد الإفرادي. بعدها شاركنا في بطولة العالم العسكرية التي جرت في القاهرة عام 1955 بمشاركة 14 دولة فحللت خامساً في لعبة الشيش. وفي الدورة العربية الثانية التي جرت في المدينة الرياضية في لبنان سنة 1957, احتل الجيش المرتبة الأولى في لعبة الشيش.
كذلك شاركنا في بطولة العالم العسكرية التي جرت في لوكسمبورغ سنة 1959 بمشاركة 13 دولة, فاحتل الجيش المرتبة الخامسة في سيف المبارزة وحللت بدوري في المرتبة السادسة على الصعيد الإفرادي.
وفي العام 1960, شاركنا في الدورة الأولمبية التي جرت في روما فوصلت مع زميلي حسن السيد الى المرحلة نصف النهائية. وفي العام نفسه, جرت بطولة العالم العسكرية في لبنان فحل الجيش رابعاًً على صعيد الفرق وفزت على الصعيد الإفرادي بالمرتبة الرابعة أيضاً.
وفي البطولة ذاتها التي جرت في امستردام سنة 1961, فاز لبنان بالمرتبة الخامسة على صعيد الفرق, وحللت بدوري في المرتبة السادسة. وفي العام نفسه, فزت بالمرتبة الأولى في الدورة الدولية الأولى التي جرت في لبنان, ثم حققت الفوز نفسه في الدورة الدولية الثانية التي جرت بعد عام في لبنان أيضاً.
في العام 1962 شاركنا في بطولة العالم العسكرية فحل الجيش في المرتبة الثالثة على صعيد الفرق, وحللت ثانياً على الصعيد الإفرادي. وفي العام نفسه, حققت فوزاً مميزاً في مهرجان تونس الخامس فكنت بطل المهرجان.
في العام 1963, شاركت في بطولتين, الأولى بطولة العالم العسكرية في النمسا وقد حللت في المرتبة السادسة, بعدها كانت البطولة الدولية الثالثة التي جرت في لبنان وفزت خلالها بالمرتبة الثالثة.
وفي لبنان أيضاً شاركت ضمن بطولتين في العام 1965, إحداهما بطولة العالم العسكرية التي حللت فيها رابعاً, والثانية البطولة الدولية التي فزت خلالها بالمرتبة الأولى مع زميلي علي شكر.
في العامين 1966 و1967 شاركت في بطولة العالم العسكرية في كل من الدانمارك وصقليا, فحللت في المرتبة السابعة ثم في المرتبة السادسة.
أما آخر مباريات شاركت فيها فكانت بطولة البلاد العربية التي جرت في لبنان, وقد فزت خلالها بالمرتبة الأولى لأعتزل بعدها رياضة المبارزة.
■ لكل لاعب محطات بارزة في تاريخه الرياضي, فهل نتوقف عند أبرزها لديك؟
­ من المحطات التي أحب التوقف عندها بطولة العالم في السويد سنة 1962, حيث كنت في مواجهة بطل العالم السويدي لا غروار, وكان أن الخاسر سيحل في المرتبة الخامسة في حين يفوز الرابح بالمرتبة الثانية.
في الدقائق الخمس الأولى من المباراة ربح لا غروار أربع نقاط من دون أن أفوز ولو بنقطة واحدة, ما جعل المباراة محسومة تقريباً لصالحه إذ لم يبق من الوقت سوى دقيقتين. عند هذا الحد شعرت بضرورة تحسين موقفي والتعويض ولو قليلاً عن الخسارة التي منيت بها, فاندفعت ألعب بكل مهارتي لاستعادة ماء الوجه, وكان أن أحرزت في الدقيقة الأخيرة من اللعبة خمس نقاط متغلباً بذلك على البطل الدولي وسط دهشة المتفرجين واستغرابهم الشديد لما حدث.
ومن البطولات التي أعتز بها أيضاً, البطولة الدولية الثالثة التي جرت في لبنان سنة 1963, حيث لعبت في مواجهة البطل النمساوي العالمي لوران لوزير الذي كان يلقّب آنذاك بمعجزة القرن العشرين. وبالرغم من الرهبة التي تملكتني حين تم تعييني لمواجهة البطل العالمي, غير أني قررت إعطاء أفضل ما لدي وتقديم صورة مشرقة عن لبنان وجيشه, ولم تذهب جهودي سدىً بل حصدت من جرائها أكثر مما توقعت إذ ربحت البطولة بنتيجة خمسة ­ صفر, مذهلاً بذلك الحضور والحكام وجميع من كان يعرف مهارة لوزير وبراعته في اللعبة.
من المواقف المؤثرة التي لا أزال احتفظ بها في ذاكرتي مهرجان تونس الدولي الخامس الذي حضره الأمير فريد شهاب سفير لبنان في تونس وكان معروفاً جداً هناك. مع بداية المباراة ظهر اللاعب التونسي الدولي علي عنابي لمواجهتي في المبارزة الأولى. ولما كان الأمير شهاب مدركاً مدى براعة الشاب وتفوّقه في اللعبة فقد شك في نجاحي وسألني: رح نتجرّص؟؛ هذه العبارة جعلتني أفعل المستحيل كي لا أخيّب آمال أبناء وطني وكي أرفع إسم لبنان عالياً عربياً ودولياً, وكانت النتيجة أن ربحت المباراة بنتيجة خمسة ­ صفر, وبكى الأمير شهاب من شدة فرحه!
أذكر أيضاً موقفاً طريفاً حصل أثناء مقابلة دولية بين منتخب مصر الدولي ومنتخب لبنان الدولي جرت في مصر عام 1965, وكانت أول مواجهة لي مع أحد اللاعبين المصريين الدوليين ويدعى أحمد العلم.
في بداية المبارزة استقبل المصريون العلم بالهتاف والتشجيع معلنين وهاتفين بالنصر الأكيد. وبعد مضي دقيقة ونصف كنت قد درست شخصية العلم وعرفت نقاط ضعفه فحاربته بها وربحت المباراة بنتيجة خمسة ­ صفر, فما كان من العلم إلا أن كسر السيف وحلف يميناً بألا يلعب مجدداً!