نحن والقانون

ضحاياه في العالم أكثر من مليوني شخص
إعداد: د. نادر عبد العزيز شافي
محام بالإستئناف

الإتجار بالبشر من أخطر الجرائم بحق الأفراد والمجتمعات

 

عرفت الإنسانية، منذ فجر التاريخ، أشكالًا متعددة من العبودية، اختلفت مظاهرها بين مجتمع وآخر. ولطالما ظنَنّا أن العبودية انتهت إلى غير رجعة، لكنها تعود وتتسلَّل إلى مجتمعاتنا، بأشكال أقسى وأمر عبر جرائم الإتجار بالبشر.
فبعد ان استطاعت البشرية القضاء على ظاهرة العبودية، عادت لتطلّ من جديد مُتَّخذة صورًا وأشكالاً مختلفة، يجمع بينها استعباد بعض البشر بشرًا آخرين، عبر تجنيدهم أو نقلهم بواسطة التهديد بالقوة او استعمالهم واستغلالهم بطرق مختلفة.


الظاهرة
من بين ضحايا جرائم الإتجار بالبشر، أولئك الذين يتعرّضون للاستغلال الجنسي والاستغلال في العمل واستئصال الأعضاء. كما تشمل هذه الجرائم تجنيد الأطفال والزواج القسري والمبكر وزواج الصفقات المشبوهة. وتتميَّز هذه الظاهرة بأنها وطنية وعالمية ودولية، في آن معًا، حيث يتمّ الانتقال عبر الحدود بين الدول عن طريق عصابات الجريمة المنظّمة.
يُصنَّف الإتجار بالبشر في المرتبة الثالثة، بعد تجارة المخدرات والسلاح، من حيث المبالغ التي يحقّقها على صعيد الاقتصاد الخفي. ويعتبر شكلاً من أشكال الرق، وانتهاكاً لحقوق الانسان، ويشكل جريمة تجاه الفرد والدولة معًا، وجريمة تمس الأمن البشري وأمن الدولة على حد سواء. كما يمثّل تهديدًا لسيادة الدول وأمنها، ويعدّ خرقًا خطيرًا للاقتصاد العالمي، وهو يضرب القيم والمبادئ الانسانية ويدوس كرامة الانسان.
وقد أشار الممثل الإقليمي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا، الى وجود ما يزيد عن 2.4 مليون شخص في العالم ضحية في هذا المجال، مشيرًا إلى أن اجمالي القيمة السوقية للإتجار غير المشروع بالاشخاص في العالم يصل الى 32 مليون دولار أميركي سنويًا، بحسب تقديرات الأمم المتحدة. فالإتجار بالبشر من أبرز الجرائم وأكثرها ربحًا محليًا ودوليًا. وقد أظهرت الدراسات أن أعداد الضحايا في تزايد مستمر، ويتم إجبارهم على ممارسة أعمال مهينة، جسديًا وأخلاقيًا.

 

الإتجار بالبشر تحت أشكال مختلفة
تشير المصادر الرسمية اللبنانية، إلى وجود ما بين خمسة آلاف إلى ستة آلاف إمرأة يأتين من أوروبا الشرقية سنويًا، وتشكل الملاهي الليلية وقاعات التدليك وغيرها من نوادي البالغين «مسرحًا» لعملهن. وتبين دراسة أعدتها وزارة العدل العام 2008، بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة الدولية في بيروت، أن الفنانات الوافدات من أوروبا الشرقية يتحدرن إجمالاً من عائلات فقيرة ومفكّكة، لكن معظمهن من حملة الشهادات العالية، وهنّ يوقعن على عقود مزعومة لممارسة الرقص وعرض الأزياء، في مقابل بدل مادي يفوق ما يحلمن به في بلدهن الأم. ولكن العقد شيء وما يحصل في الواقع شيء آخر، إذ توقع «الفنانات» على عقود بلغة عربية لا يفهمنها، غالبًا ما تكون شروط العمل فيها مغايرة للعقد الذي تم توقيعه في بلادهن. وفي إطار الاستغلال الجنسي عينه، تتعرض نساء سودانيات وأثيوبيات اشتغلن كعاملات في المنازل، وهربن لأسباب عديدة، إلى الوقوع ضحايا عصابات ترغمهن على ممارسة الدعارة.

 

زواج... ولكن!
من حالات الإتجار بالبشر الأكثر إثارة للإشمئزاز، حالة فتاة من منطقة شمال لبنان أجبرت على الزواج في سن الخامسة عشرة، ثم تم إحضارها إلى بيروت وإرغامها على ممارسة الدعارة، والإنجاب بهدف بيع أطفالها؛ وكانت الفتاة الضحية قد بلغت 24 عامًا من العمر، عندما أنجبت طفلها العاشر الذي بيع كما أطفالها الآخرون.
هذه الحالة تضاف إلى حالات أخرى تشمل الزواج القسري ورفض الطلاق. ولا يقتصر الأمر على النساء، فبعض العمال الأجانب يتقاضون أجرًا بخسًا ويسكنون في غرف تفتقر الى أبسط شروط الحياة الإنسانية اللائقة ويتعرضون للإساءة المعنوية والجسدية من رب العمل، من دون أن يكون بمقدورهم الاعتراض مخافة أن ينفذ تهديده بإبلاغ السلطات المعنية عن وضعهم غير القانوني بدخول البلاد خلسة. كذلك يتعرض عدد كبير من الأطفال إلى الاستغلال الجنسي والرق المنزلي والعمالة السخرة، كما يتم تهريبهم من دولة الى أخرى بهدف بيعهم أو استغلالهم في التسول والدعارة والتجارب الطبية والعمليات العسكرية والإرهابية...

 

مكافحة جرائم الإتجار بالبشر على صعيد التشريعات الدولية
في إطار مكافحة ظاهرة جرائم الاتجار بالبشر، اعتمدت الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في نيويورك بتاريخ 9/12/2002 البروتوكول المتعلق بمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، الملحق باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة (اتفاقية باليرمو - إيطاليا 5/11/2000).
حدّد هذا البروتوكول المعنى الدولي للاتجار بالأشخاص على أنه تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها، أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة استضعاف، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال. ويشمل الاستغلال، كحد أدنى، استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، أو السخرة أو الخدمة قسرًا، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء.
وفي ما يتعلق بمساعدة ضحايا الاتجار بالأشخاص وحمايتهم، أشار هذا البروتوكول الى أنه على كل دولة طرف أن تحرص على صون الحرمة الشخصية لضحايا الاتجار بالأشخاص وهويتهم، بوسائل قانونية وسرية، وأن توفّر للضحايا: معلومات عن الإجراءات القضائية والإدارية ذات الصلة، ومساعدات لتمكينهم من عرض آرائهم وشواغلهم ضد الجناة بما لا يمسّ بحقوق الدفاع، وإتاحة تدابير التعافي الجسدي والنفساني والاجتماعي، والتعاون مع المنظمات غير الحكومية وسائر المنظمات ذات الصلة وغيرها من عناصر المجتمع المدني، وتوفير السكن اللائق والمشورة والمعلومات وما يتعلق بحقوقهم القانونية، بلغة يمكنهم فهمها.
 كذلك فرض البروتوكول على الدول الأطراف السعي إلى وضع سياسات وبرامج وتدابير أخرى شاملة من أجل: منع الاتجار بالأشخاص ومكافحته، وحماية الضحايا، وبخاصة النساء والأطفال، من معاودة إيذائهم، والتعاون مع المنظمات غير الحكومية أو غيرها من المنظّمات ذات الصلة وسائر عناصر المجتمع المدني، واتخاذ التدابير لتخفيف وطأة العوامل التي تجعل الأشخاص مستضعفين أمام الاتجار، مثل الفقر والتخلف وانعدام تكافؤ الفرص، وتعزيز التدابير التشريعية أو التعليمية أو الاجتماعية أو الثقافية، وتبادل المعلومات حول عبور الأشخاص الحدود الدولية والأساليب التي تستخدمها الجماعات الإجرامية المنظَّمة لغرض الاتجار بالأشخاص، بما في ذلك تجنيد الضحايا ونقلهم، والدروب والصلات بين الأفراد والجماعات الضالعة في ذلك الاتجار، والتدابير الممكنة لكشفها...

 

مكافحة ظاهرة جرائم الاتجار بالبشر في القانون اللبناني
كما في غيره من الدول، صدرت في لبنان عدة تشريعات لمكافحة ظاهرة الاتجار بالبشر، منها القوانين 408/2002 و474/2002 و682/2005 و739/2006، والمرسوم الرقم 3631/2010 وأيضًا المرسوم الرقم 4986/2010، وجميعها تتعلق بإبرام اتفاقيات مع عدة دول من أجل منع مكافحتها الجريمة بجميع أشكالها، وخصوصًا في مجالات الإتجار بالبشر.
وفي 14/8/2011 صدر القانون الرقم 164/2011، الذي أضاف إلى الباب الثامن من الكتاب الثاني من قانون العقوبات فصلاً جديدًا هو الفصل الثالث، عنوانه «الاتجار بالأشخاص»، وقد تضمَّن ما يلي:


• تعريف القانون اللبناني لجريمة الاتجار بالأشخاص:
نصت المادة 586 (1) عقوبات على أن «الاتجار بالأشخاص» هو:
 اجتذاب شخص أو نقله أو استقباله أو احتجازه أو إيجاد مأوى له، بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها، أو الاختطاف أو الخداع، أو استغلال السلطة أو استغلال حالة الضعف، أو إعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا، أو استعمال هذه الوسائل على من له سلطة على شخص آخر وذلك بهدف استغلاله أو تسهيل استغلاله من الغير. ولا يعتدّ بموافقة المجني عليه في حال استعمال أي من الوسائل المبيَّنة أعلاه.
ويعتبر ضحية للإتجار أي شخص طبيعي ممن كان موضوع اتجار بالأشخاص أو ممّن تعتبر السلطات المختصة على نحو معقول بأنه كذلك، وبصرف النظر عن معرفة هوية مرتكب الجرم أو القبِضَ عليه أو محاكمته وإدانته.ويعتبر استغلالًا إرغام شخص على الاشتراك في أي من الأفعال التي يعاقب عليها القانون وهي: الدعارة، أو استغلال دعارة الغير، الاستغلال الجنسي، التسوّل، الاسترقاق، أو الممارسات الشبيهة بالرق، العمل القسري أو الإلزامي، بما في ذلك تجنيد الأطفال القسري أو الإلزامي لاستخدامهم في النزاعات المسلَّحة، التورط القسري في الأعمال الإرهابية، نزع أعضاء أو أنسجة من جسم المجنى عليه.
ولا تُؤخذ بالاعتبار موافقة المجني عليه أو أحد أصوله أو وصيّه القانوني أو أي شخص آخر يمارس عليه سلطة شرعية أو فعلية على الاستغلال المنوي ارتكابه، كما يعتبر اجتذاب المجني عليه أو نقله أو استقباله أو احتجازه أو تقديم المأوى له، لغرض الاستغلال بالنسبة الى من هم دون سن الثامنة عشرة، اتجارًا بالأشخاص، حتى في حال لم يترافق ذلك مع استعمال أي من الوسائل المبينة آنفًا.


• عقوبة جريمة الاتجار بالأشخاص:
نصت المادة 586 (2) عقوبات على أنه يعاقب على هذه الجريمة كما يلي:
- بالاعتقال لمدة خمس سنوات، وبالغرامة من مئة ضعف إلى مئتي ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور، في حال تمَّت هذه الأفعال لقاء منح مبالغ مالية أو أي منافع أخرى أو الوعد بمنحها أو تلقّيها.
- بالاعتقال لمدة سبع سنوات، وبالغرامة من مئة وخمسين ضعفًا إلى ثلاثمائة ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور، في حال تمّت هذه الأفعال باستعمال الخداع أو العنف أو أعمال الشدة أو التهديد أو صرف النفوذ على المجنى عليه أو أحد أفراد عائلته.
ونصت المادة 586 (3) عقوبات على أنه: يعاقب بالاعتقال لمدة عشر سنوات، وبالغرامة من مئتي ضعف إلى أربعمائة ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور، في حال كان فاعل هذه الجريمة أو الشريك أو المتدخل فيها أو المحرّض عليها:
 - موظفًا عامًا أو شخصًا مكلفًا بخدمة عامة أو مدير مكتب استخدام أو عاملاً فيه.
 - أحد أصول المجني عليه، شرعيًا كان أو غير شرعي، أو أحد أفراد عائلته أو أي شخص يمارس عليه سلطة شرعية أو فعلية مباشرة أو غير مباشرة.
ونصت المادة 586 (4) عقوبات على أنه: يعاقب بالاعتقال لمدة خمس عشرة سنة، وبالغرامة من ثلاثمائة ضعف إلى ستمائة ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور، إذا ارتُكبت هذه الجريمة:
- بفعل جماعة، من شخصين أو أكثر، ترتكب أفعالاً جرمية سواء في لبنان أو في أكثر من دولة.
- إذا تناولت الجريمة أكثر من مجنى عليه.
ونصت المادة 586 (5) عقوبات على أنه: يُعاقب على الأفعال الجرمية الواردة في المادة 586 (1) بالحبس من عشر سنوات إلى اثنتي عشرة سنة وبالغرامة من مئتي ضعف إلى أربعمائة ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور في حال توافر أي من الظروف الآتي ذكرها:
- انطواء الجرم على أذى خطير للضحية أو لشخص آخر، أو على وفاة الضحية أو شخص آخر، بما في ذلك الوفاة الناتجة عن الانتحار.
 - تعلّق الجرم بشخص في حالة استضعاف بصفة خاصة، بما في ذلك المرأة الحامل.
- إصابة الضحية نتيجة للجرم بمرض يهدد حياتها، بما في ذلك الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية (الايدز).
 - حين يكون الضحية معوّقًا جسديًا أو عقليًا.
 - حين يكون الضحية دون الثامنة عشرة من عمره.


• الإعفاء من العقوبة:
نصت المادة 586 (6) عقوبات على أنه: يعفى من العقوبات كل من بادر إلى إبلاغ السلطة الإدارية أو القضائية عن الجرائم المنصوص عنها في هذا الفصل وزوّدها بمعلومات أتاحت إما كشف الجريمة قبل وقوعها وإما القبض على مرتكبيها أو شركاء أو متدخلين فيها أو محرّضين عليها، إذا لم يكن الشخص الذي يقوم بالتبليغ مسؤولاً بصفته مرتكب هذه الجريمة.
ونصت المادة 586 (8) عقوبات على أنه: يعفى من العقاب المجني عليه الذي يثبت أنه أُرغم على ارتكاب أفعال معاقب عنها في القانون أو خالف شروط الإقامة أو العمل. ويجوز لقاضي التحقيق أو القاضي الناظر في ملف الدعوى، بموجب قرار يصدره، أن يجيز للمجنى عليه الإقامة في لبنان خلال المدة التي تقتضيها إجراءات التحقيق.


• تخفيف العقوبة:
نصت المادة 586 (7) على أنه: يستفيد من العذر المخفّف من زوّد السلطات المختصَّة، بعد اقتراف الجرائم المنصوص عليها في هذا الفصل معلومات أتاحت منع تماديها.


• مصادرة المبالغ المالية:
تصادر المبالغ المتأتية عن الجرائم المذكورة، وتودع في حساب خاص في وزارة الشؤون الاجتماعية لمساعدة ضحايا هذه الجرائم. وتحدَّد بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، بناء على اقتراح وزير الشؤون الاجتماعية، الأنظمة العائدة للحساب، سنداً للمادة 586 (10) عقوبات.


• عقد الاتفاقات للمساعدة:
لوزير العدل أن يعقد اتفاقات مع مؤسسات أو جمعيات متخصّصة لتقديم المساعدة والحماية لضحايا هذه الجرائم. وتحدَّد الشروط الواجب توافرها في هذه المؤسسات والجمعيات وأصول تقديم المساعدة والحماية بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير العدل، سنداً الى المادة 586 (9) عقوبات.


• اختصاص المحاكم اللبنانية:
تكون المحاكم اللبنانية مختصّة في حال ارتكاب أي من الأفعال المكونة للجريمة على الأراضي اللبنانية، سنداً الى المادة 586 (11) عقوبات.

 

ملاحظات على القانون الرقم 164/2011 (الاتجار بالأشخاص)
يمثل إقرار قانون الاتجار بالبشر خطوة إلى الأمام، ولكنها غير مكتملة المعالم، فالقانون وإن كان يعاقب مرتكبي جرم الاتجار بالبشر، فهو لا يوفر الحماية المطلوبة لضحايا هذا الجرم، كما انه يلقي على الضحية مسؤولية إثبات تعرّضها للاستغلال. ويرى بعض الباحثين أنه كان على القانون أن يلحظ حق منح الإقامة لضحية الاتجار بالبشر لكي لا يحول ترحيلها دون الاستفادة من حقها في المحاكمة العادلة، وتقديم معلومات تساعد على مكافحة هذا الجرم بشكل فعَّال. ولم يتطرَّق القانون إلى آلية الوقاية من جرم الاتجار بالبشر، ولم يأت على ذكر الأسباب الجذرية المؤدية إليه، خلافًا لبروتوكول الأمم المتحدة الذي وقَّع عليه لبنان، والذي يوصي الدول الموقعة بضرورة البحث عن أسباب هذه الظاهرة في بلدانها.
كما يرى البعض أن صدور قانون يُجرّم الاتجار بالأشخاص هو أمر إلزامي ولكنه غير كاف، إذ على التشريعات الخاصة بمكافحة الاتجار أن تعترف أيضًا بالأشخاص المتاجر بهم باعتبارهم ضحايا يستحقون التماس الحماية لحقوقهم الانسانية وسن قوانين لذلك، كما أنه يجب إعادة النظر في قوانين العمل وحماية حقوق الأطفال والصحة والهجرة لكي تستوعب جميع جوانب عملية الاتجار. ويتوجب على الدولة استحداث بدائل تقي من الاستغلال الذي يكون أحيانًا متأصلًا في صلب الطلب على اليد العاملة الرخيصة.
إن تنفيذ القوانين في هذه المسألة ليس أمرًا هينًا، فهي تستلزم تدريبًا صارمًا، والتزامًا راسخًا من جانب أجهزة إنفاذ القوانين والسلطات القضائية، حتى لا يؤدي بعض الممارسات الفاسدة إلى عرقلة عملها. ولا بد من إنشاء وحدات متخصَّصة في مكافحة الاتجار بالاشخاص، وتعيين مدع عام خاص لمعالجة قضايا الاتجار.
ويدعو آخرون إلى وضع استراتيجيات حديثة ترمي إلى تعزيز الملاحقة القضائية لمرتكبي جرم الاتجار بالبشر، كتحديث أساليب التحري والتحقيق من أجل زيادة فعالية كشف الجرم، وتشجيع ضحاياه على الإدلاء بشهاداتهم، وذلك عبر حماية سلامتهم وأمنهم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الشهود.
أخيرًا إن قضية الإتجار بالبشر هي مأساة إنسانية حقيقية وجريمة بحق الإنسان، وعلى الدول والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني التعاون في محاربتها وسنّ قوانين واضحة وصريحة للحدّ منها ووضع استراتيجيات وخطط لكشفها وملاحقتها ومحاكمة ومعاقبة مرتكبيها؛ إذ إن صعوبة مواجهة هذا النوع من الجرائم المنظَّمة تكمن في كونها عابرةً للحدود الوطنية، مما يستوجب تضافر الجهود المحلية والدولية للقضاء عليها، واستنهاض كل القوى لتأليف جبهة واحدة متراصة ضد الإرهاب بجميع صوره وأشكاله، حتى لا يكون لبنان أو غيره «جزيرة» او منطقة حرة للإجرام المنظَّم بحق الانسان والحريات الأساسية.


المراجع:
- وزير العدل الأسبق الدكتور بهيج طبارة.
- كلمتا نقيبة المحامين في بيروت الأستاذة أمل حداد وعميدة كلية الحقوق د. حفيظة الحداد في مؤتمر «مكافحة الإتجار بالبشر في لبنان: الشراكة بين الدولة والمجتمع»، في كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة بيروت العربية، بيروت، 11/1/2012.
- كلمة رئيس معهد الدروس القضائية القاضي د. سامي منصور في ورشة «جرائم الاتجار بالبشر» الذي نظمته جمعية كاريتاس لبنان بتاريخ 6/5/2011.
- الباحثة في منظمة «كفى عنف وإستغلال» غادة جبور.
- قائد الشرطة القضائية الأسبق العميد المتقاعد أنور يحيى.