نحن وأولادنا

ضغط الرفاق وتأثيراته المختلفة على أولادنا
إعداد: روجينا خليل الشختورة

”سيجارة واحدة… جرِّبها معنا، أم أنّك ما زلت طفلًا؟!“ بهذه الكلمات يستعيد جاد تجربته مع أول سيجارة دخَّنها في سنّ الثانية عشرة، تحت تأثير زملائه. دفعته إليها آنذاك، رغبته في الاندماج ضمن مجموعة الأصدقاء، وكان المحرّك الرئيسي خوفه من الاستبعاد من ”الشلّة“ ووصمه بالجبن لمجرد رفضه تجربة التدخين. ظاهرة ضغط الرفاق تشكّل قضية اجتماعية تُقلق العديد من الأهالي بسبب وقوع أولادهم تحت تأثيرها، عاجزين عن اتخاذ قرارات مستقلّة ترسم مسارهم الصحيح.

في هذا السياق، تشرح الاختصاصية في علم النفس والشاعرة مارينا ميشال جحا أبعاد هذه الظاهرة، تأثيراتها، وسُبل التعامل معها، للحدّ من أضرارها على الجيل الناشئ.

 

تُعرّف جحا ضغط الأقران (Peer Pressure) بأنه الضغط الاجتماعي الذي تمارسه الفئات الاجتماعية المحيطة بالفرد، ويدفعه إلى تغيير سلوكياته أو تبنّي تصرفات قد تخالف رغبته وقناعاته الحقيقية، بغية أن يحظى بالقبول والشعور بالانتماء. هذا التأثير لا يقتصر على الأصدقاء فحسب، بل يمتدّ ليشمل الأقارب وزملاء العمل، وحتى البيئة المحيطة بشكلٍ عام.

وتوضح أنّه عندما يقضي الفرد معظم وقته مع أقرانه، فإنّه يتعرّف على شخصياتهم، ويصغي إلى أفكارهم ومُعتقداتهم، ويشهد سلوكيّاتهم ورُدود أفعالهم. ومن الطبيعي، نتيجة الاتصال المستمر، أن يتأثّر ببعض ممارساتهم وأفكارهم، إلّا أنّ المشكلة تكمن في نوعية التأثير وسببه؛ هل هو تقليد أعمى من دون هدف؟ أم حاجة إلى القبول والانتماء؟ أم شعور بعدم الرضا عن النفس مقارنةً بهم؟

 

إيجابيات وسلبيات

قد يؤدي ضغط الرفاق إلى سلوكيات إيجابية مُحفِّزة وداعمة تصقل شخصية الفرد وتُنمّي مهاراته، وترتقي به نحو الأفضل عندما يحذو حذو أقرانه الصالحين. والعكس صحيح، عندما يكون محاطًا بمعشرٍ سيّئ، إذ يشكل الضغط حينها بوّابة لسلوكيات سلبية مثل التدخين، التنمّر، أو حتى الانخراط في سلوكياتٍ خطرة ومؤذية ينبغي الحذر منها وتجنُّبها.

يختلف تأثير الرفاق باختلاف الفئات العمرية. وتوضح جحا أنّه في مرحلة الطفولة، يتحكَّم الوالدان بشكلٍ أو بآخر في اختيار أصدقاء أولادهم، عن طريق تنظيم مواعيد اللعب مع أطفال معينين، وتطبيق رقابة شبه صارمة على المحيط الذي يتعامل فيه الطفل. وشيئًا فشيئًا، يصبح الأبناء أكثر استقلالية، ويقضون وقتًا أطول مع أقرانهم، مما يجعلهم أكثر عرضة للتأثر.

يظهر تأثير الأقران في سلوكيات الطفل وأفعاله؛ فإن كان الضغط سلبيًّا، يصبح أكثر عُدوانية، أو مَيلًا إلى التنمُّر على الآخرين. وقد يُفضِّل بعض الأولاد الانطوائية والجلوس بعيدًا عن باقي الأطفال، وقد ينعكس الأمر على تحصيلهم العلمي، وصولًا إلى تدنّي مستوياتهم الدراسية، أو حتى يرفض البعض منهم ارتياد المدرسة. أمّا إذا كان الضغط إيجابيًا، فقد تتحسّن مستوياتهم الدراسية، وتظهر سلوكياتهم الحسنة وأخلاقهم النبيلة، عندما يقتدون بأقرانهم المتميّزين والمهذَّبين.

وتختلف هذه التأثيرات لدى الشباب والمراهقين، إذ ينتج عنها مشاعر سلبية ومؤذية تتمثَّل بالأنانية، والمَيل إلى العزلة، وتجنُّب الجلوس مع الأسرة، والاكتئاب، وانعدام الثقة بالنفس، ونَبْذ الذات وعدم الرضا عنها. وقد يمارس الشاب أو المُراهق سلوكيات خطيرة؛ كإيذاء النفس، أو التدخين، أو تعمّد الشجار مع الآخرين، أو المبالغة في الاهتمام بالمظهر وتصنُّع الغرور، وغيرها.

في المقابل، تكون التأثيرات جيّدة وفي صالح الشخص إن كان الضغط إيجابيًا، مثل: الدراسة، والعمل بجدّ، والرغبة في النجاح، وتبنّي الأهداف الطموحة، والسعي إلى تحقيقها، واحترام الآخرين، والتسامح معهم، وغيرها من القِيم الحَسنة. من هنا، ثمة إجراءات مهمة يساعد اتّباعها على محاربة ظاهرة ضغط الأقران السلبية، والحدّ منها، وأبرزها ما يأتي:

 

الرقابة الأبوية

تقع على عاتق الوالدين بالدرجة الأولى مسؤولية الاهتمام بسلوكيات أبنائهم، ومراقبة علاقاتهم، ونوعية أقرانهم؛ فإن لاحظوا أي سلوك مشبوه، أو أشخاص سلبيّين في محيط أبنائهم، فلا بدّ لهما من توعيتهم، وإسداء النصيحة لهم، ودعم شخصيّاتهم لتكون أفضل، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، وحُبّهم لذواتهم وتقديرها.

ولا بدّ أيضًا من منح الأبناء الثقة، وإفساح المجال لهم للحوار المفتوح، والتعبير عن أفكارهم واحتياجاتهم، وعدم الضغط عليهم، وإنما توجيههم لتقييم أنفسهم، وتصويب سلوكياتهم، واختيار الأقران الصالحين، والابتعاد عن أصدقاء السوء. كما ينبغي تعليمهم مهارة الرفض بأسلوبٍ لائق، مثل قول: «أنا أفضّل أن أكون مختلفًا» أو «هذا لا يناسبني، لكن يمكننا فعل شيء آخر معًا».

 

نشر الوعي المجتمعي

يؤدّي الإعلام والتربية دورًا بارزًا في ترسيخ القيم الإيجابية، وحثّ الأطفال والشباب على الاقتداء بالقدوة الحَسنة، وتعزيز الوعي بمخاطر التقليد الأعمى، بالإضافة إلى تقدير الذات، والتفرُّد بشخصية مثالية مميزة ذات طابع خاص لا تقلّد أحدًا، ولا تكون نسخة عن غيرها. يمكن تحقيق ذلك عبر عدة وسائل أبرزها البرامج التوعوية، والمحاضرات التي تُعقد في المدارس والمؤسسات التعليمية.

كما يمكن الاستفادة من مِنصّات التواصل الاجتماعي وسرعتها في نقل المعلومة لنشر محتوى هادف، مثل الفيديوهات والصور التي تُظهر عواقب التقليد الأعمى للأقران، والتأثُّر بسلوكياتهم وشخصياتهم، من دون وعيٍ وتفكير، كإظهار آثار التدخين، وتعاطي المواد المخدّرة، وكيف أنّها تقود المرء إلى طريقٍ مسدود ومحفوف بالمخاطر، وكيف أنّ التنمُّر على الآخرين يُلحق الأذى بهم، ويحطّ أيضًا من قيمة الفرد ومكانته في مجتمعه، وغيرها.

 

الثقة بالنفس وتقدير الذات

تمثّل الصداقات في مرحلة المراهقة مصدر دعمٍ أساسي لاكتشاف الذات والتعامل مع تحدّيات الحياة. ففي تلك المرحلة، يكتشف الفرد نفسه ومكانته في المجتمع، ومن المريح مواجهة هذه التحدّيات مع أصدقاءٍ وأقران يجد بينهم القبول والدعم والتعاطف. ولكن بغض النظر عن مدى حسن اختياره لأصدقائه، سيكون على المراهق من وقت لآخر اتخاذ قراراتٍ صعبة، قد لا تحظى بالشعبية بين أقرانه. هذه القرارات، رغم صعوبتها، تُشكّل وعيه وتحدّد هويته الحقيقية.

لا يوجد حلّ سحري لهذه المواقف، لكنّ الجرأة في التمسّك بالمبادئ، والثقة في الحدس الشخصي، والدعم العائلي، تبقى أهم الركائز لعبور هذه المرحلة بسلام. وفي الختام، من الضروري اللجوء إلى مختصّ نفسي، في حال أصبح تأثير الأقران سلبيًا إلى حدّ يُفقد الفرد هويته أو يدفعه إلى سلوكيات مؤذية لنفسه أو لمجتمعه، وبخاصةٍ عند ظهور مؤشرات خطرة تستدعي التدخّل الفوري.