العوافي يا وطن

طرابلس لا تنقاد الى جلّاديها
إعداد: إلهام نصر تابت

تشبه المدن بعضها في كثير من النواحي، وتتمايز ايضًا في الكثير من النواحي. غير ان طرابلس قد تكون من بين مدن قليلة لم تعد تشبه حتى نفسها.
منذ سنوات تعمل رياح التفرقة على تأجيج الفتنة في تراكمات الأزمات. الأزمات السياسية بأوجهها المختلفة، المحلية والدولية، والأزمات الاقتصادية بأبعادها الموجعة وبالحرمان المزمن في معظم احيائها.
في الماضي -وليس الماضي البعيد- لم يحجب الفقر يومًا وجه طرابلس الجميل بوصفها منبتًا لأهل الثقافة والعلم والتسامح والتلاقي. في شوارع «أم الفقير»، لم يشعر يومًا أصحاب الياقات والسيارات الفارهة في غربة، او حتى بنظرات تشي بالحسد واشتهاء ما ليس لها. كان التآلف روحًا تسري في المدينة، وتتجلى في أوجه الحياة وفي سلوك الناس على اختلاف انتماءاتهم ومستوياتهم ومقاصدهم.
وكان صباح المدينة ينساب على الرغم من الزحمة والضجيج، أليفًا في الشوارع، يظلّله صوت فيروز آتيًا من محل او سيارة.
تغيرت طرابلس؟ قد يكون من السذاجة القول لا. لكن ربما من الظلم ايضًا القول نعم. فبين صورتيها في البال والتاريخ، وبين قساوة حاضرها، تجاهد المدينة وتناضل كي لا تفقد نفسها، كي لا تخسر وجهها الجميل لمصلحة قادة محاور وتجّار مصالح، يزجون بروحها في أتون النار والخراب.
الأكيد انّ رياح السموم فعلت فعلها في الكثير من النفوس والنواحي، في طرابلس، ربما أكثر من سواها. لكن الأكيد ايضًا ان المدينة لن تسلّم نفسها صاغرة، ولن تنقاد الى جلّاديها.
بعد الانفجارين الإرهابيين اللذين استهدفا المدينة قرب جامعي السلام والتقوى، نهضت طرابلس من الكابوس. استفاقت مرة جديدة على مرارة واقعها معلنة انها لن تستسلم للخراب والموت.
إرادة الحياة في هذه المدينة أعلنها أهلها المنتصرون على مآسيهم، وشبابها الذين يرفضون ان تغيّر مدينتهم وجهها وتتنكّر لتاريخها. والى جانب هؤلاء ثمة ارادة قوية واضحة تجسدها المؤسسة العسكرية في وقوفها بوجه الفتنة، وتصميمها على قطع أيادي المخربين.
عسكريونا الواقفون هناك، في احدى مدننا الجميلة، نشدّ على أياديكم ونقول: العوافي يا وطن.