تربية وطفولة

طفلك إلى المدرسة: إنّها تجربة مهمة للعائلة
إعداد: ماري الأشقر - اختصاصية في علم النفس

دخول الطفل إلى المدرسة تجربة مهمة بالنسبة له، فهو ينتقل من محيط ضيّق يجد فيه عادة كلّ ما يرضيه، إلى محيط آخر فيه غرباء وتحكمه قواعد محدّدة... وهذه التجربة مهمة أيضًا للأهل والإخوة...

 

بعض الأطفال، ولأسباب شتى يروق لهم الاعتراض بطريقة البكاء لعدة أسابيع بعد بدء الدراسة، ولكن معظمهم يتأقلم مع هذه الحياة الجديدة بسهولة. فالباكون منهم والصارخون، والمعرّضون للكوابيس الليلية، يعودون إلى هدوئهم ويحبّون حياتهم الجديدة في مدة أقصاها نهاية الفصل الدراسي الأول. وفي حال حصل العكس، فلا بد أن يكون ثمة خطأ كبير في المدرسة أو في البيت، وليس في الطفل.

 

مواجهة حياة جديدة
لنأخذ طفلًا يستيقظ ليلًا وهو يصرخ «لا أريد أن أغنّي، لا أعرف الكلمات، سوف يهزأون مني»... في الحالات الطبيعية سنجد هذا الطفل بعد فترة يقف بثياب أرنب على خشبة مسرح المدرسة أمام حشد من الأهل والغرباء، يغنّي ويمثّل من دون أدنى شعور بالخوف... إنّه نوع من التنويم المغناطيسي للفكر الخائف، والاستعداد لمواجهة جديدة في حياة جديدة.
المهم في هذا كلّه والذي غالبًا ما يهمل، هو أن الطفل لا يعيش بمفرده، هذا التغيير الجذري في نمط الحياة، فالأم في المنزل تشعر فجأةً أنّها في فراغ، وليس هناك ما تملأ ساعاتها به.
بالنسبة إليها الحياة تغيرت وأصبحت أكثر وحشة، وفي اعتقادها أنّ ذلك ينطبق على طفلها أيضًا. وفي الوقت عينه، قد يجد الأب نفسه، وللمرة الأولى، موضع مقارنة برجل آخر. ومع أنّ الأساتذة الذكور غالبًا ما يكونون قلة في الصفوف الأولى، فإنّ لوجودهم تأثير مهم جدًّا على الطفل. مثلًا، قد نجد هذا الطفل، يواجه أباه للمرة الأولى بعد عجزه عن الإجابة عن سؤال ما. ويقول له: «الأستاذ» فلان يعرف كل شيء، مما يعني بالتالي أنّه أفضل.
المشكلة الحقيقية تكون على صعيد العلاقة بين الإخوة والأصدقاء. فالتفريق بين الأطفال الصغار والذين سيرتادون المدرسة للمرة الأولى يُظهر التغيير الأكبر في حياة الطفل، إذ لا يمكن مقارنة الوضع بذلك الذي ينشأ عن أي خطوة مهمة أخرى (كالمشي، والكلام وحتى اللعب مع الآخرين)، فدخول المدرسة مرحلة نهائية ويجب الاعتياد عليها.
يخضع الطفل في المدرسة، يومًا بعد يوم، وأسبوعًا بعد أسبوع ولسنوات طويلة، لاستيقاظ مبرمج ولنظام المدرسة والأصدقاء الذين يتعرف إليهم فيها، فالطفل في المدرسة يعيش في ظلّ نظام آخر لا بل أنظمة أخرى: الصمت لحظة يُطلب منه ذلك، وانتظار دوره لطرح الأسئلة، تعليق «جاكيتته» مثلًا بالشكل الصحيح، والاهتمام بمشروع معيّن من بدايته حتى النهاية من دون أن يفقد اهتمامه به... إذًا، بعد أن كان الطفل صغيرًا يتحكّم بخطواته ويتمتّع بحرية التنقل في أرجاء المنزل وفق ما يحلو له، تصدمه المدرسة رغم أنها مفرحة. أمّا الأصدقاء والإخوة الصغار الذين تركهم وراءه فلا يملكون أي فكرة عما يجري في المدرسة، مما يؤثّر بوضوح في علاقته بهم، وثمة عوامل متعدّدة تؤدي دورها في هذا المجال.

 

ما الذي حصل؟
الفارق في السنّ، مثلًا هو من هذه العوامل، فحين يكون الأخ الصغير في سنته الأولى وما دون، تكون للأخ الأكبر دائمًا بعض الواجبات القيادية. ما يسهّل له الانتقال من البيت إلى المدرسة، وكلّما كان الفارق في السنّ أكبر، كلّما كان الانتقال أسهل. أمّا الأطفال المتقاربون في السن فهم الأصعب في التأقلم مع هذا التغيير. لكن لماذا؟
يعود طفلك من المدرسة مرهقًا ويحتاج إلى أمه التي لا يشغلها سواه، أمّا الصغير فيشعر بالغيرة ولا يفهم شيئًا ممّا يدور حوله. من الممكن معالجة هذا الأمر من خلال إقناع الأكبر سنًّا باللعب مع الأصغر لعبة المدرسة، فبذلك يدخل الصغير في جوّ اللعبة، ويعزّز الكبير ثقته بنفسه، وهو يحتاج بشدّة إلى تعزيز هذه الثقة. فمهما يكن المعلم أو المعلمة لطيفين في السنوات الأولى، فإنّ الطفل ذا الأربع سنوات يعتبر نفسه صغيرًا جدًّا. إنّه لشعور مزعج حقًا...
عامل آخر يمثّل صعوبة أكثر من الأول، وهو طريقة تصرف الأخ العائد من المدرسة مع أخيه (أو إخوته الصغار). أحيانًا يصطحب الأخ الأكبر سنًا رفيقه إلى المنزل ويتصرف بطريقة سيئة، كأن ينصب الفخاخ مع رفيقه لأخيه الصغير. هذا التصرف لا يكون بقصد الإساءة طبعًا وإنّما تسبّبه رغبة الطفل في الإعلان عن نفسه، وفي التخلّص من الشعور المزعج بالوحدة والضعف (عضّي على أسنانك فسيهدأ الأمر بعد لحظات).
الأصدقاء المتروكون أيضًا مشكلة. فطفلك الذي يكبر إبنة الجيران بتسعة أشهر مثلًا، اعتاد أن يلعب معها طوال الوقت، وعندما حان موعد دخول المدرسة كان من الطبيعي أن يسبقها، فبقيت من دون رفيق. والطفل الذي أمضى نهاره وحيدًا يبدو «رفقة ممّلة» لطفل آخر قضى نهاره في المدرسة منذ الصباح الباكر. هي تريد اللعب والعودة إلى ما كانا يفعلانه، أمّا هو فيحتاج إلى الجلوس على ركبة أمه والاستكانة، والنتيجة: بؤس في كل مكان.
يبقى الوقت هو العلاج الوحيد، فبعد الأسابيع الأولى سيعتاد الاثنان على طبيعتهما الجديدة ويعودان صديقين من جديد مع كل ما تتطلبه حالة كل منهما.

 

الحدود...
في هذا الوقت الدقيق، يجب أن تتراجعي إلى حدود معيّنة، فطفلك اليوم هو غيره في البارحة. المدرسة تقدّم له الأصدقاء الكثر وسيختار هو من يناسبه. سيبدأ باتّخاذ قرارات خاصة به من دون العودة إليكِ. لكن انتبهي: لا تقفلي الأبواب أبدًا على علاقتكما القديمة: فجزء منها سيبقى على الرغم من كل شيء.