رحلة في الإنسان

طلب المساعدة أو النصح ليس عيبًا


ولكن... لنتقيّد بأصوله
أحيانًا نحتاج إلى المساعدة لكنّنا نخجل من طلبها، وفي حال اضطررنا إلى ذلك، نشعر بأسى ومرارة لا ندرك سببها.
الإختصاصيون يرون أن التوجه إلى الغير في الأوقات الصعبة، يفجّر في اللّاوعي مشاعر الغيرة والنقص، كونه يضع طالب المساعدة في مستوى أدنى من مستوى المعني بتقديمها.
لكن هل يخدم هذا الشعور الفطري الناجم عن كبرياء مجروحة، مصالح أصحابه؟ وما هو رأي الإختصاصيين النفسيين، وماذا يقترحون؟

 

تجنّب المساعدة أو النصح خطأ فادح
أكّدت الأبحاث التي أجريت في هذا المجال، أن الإحجام عن طلب المساعدة ينبثق من شعور فطري ربما نما في ظروف بدائية لا تتماشى وواقع مجتمعاتنا المعاصرة، هذه المجتمعات التي باتت تحتّم التعاون وصولاً إلى تحقيق أهداف مشتركة. لذلك فإن الخوف من طلب المساعدة أو النصح هو خطأ فادح، ليس لأنه يحرم أصحابه من معلومات يحتاجونها فحسب، بل لأنه يحرمهم أيضًا من إيجابية الاستمتاع بفرح الأخذ والعطاء.

 

ماذا يحصل عندما نطلب المساعدة؟
عندما نطلب المساعدة أو النصح بشأن مشكلة عالقة من شخص آخر، فإنّ هذا الشخص، بحسب الباحثين، لا يعتبرنا أقل شأنًا، بل على العكس، أكثر ذكاء. فاختياره بشكل خاص، يشعره بالعزة من جهة، وبفائق تقديرنا من جهة ثانية. أما سبب ذلك، فيعود إلى اعتقاده الراسخ بأننا سلكنا الطريق الصحيح حين طلبنا نصحه، وهذا كفيل بدفعه إلى مساعدتنا بشفافية وصدق.
إنّ طلب مساعدة الغير ضمن حدود المعقول، يعزّز، بحسب الاختصاصيين، الشعور «بالأنا» لدى المعنيين بالطلب. وهذا الشعور بالذات يضمن تفجير قدراتهم الكامنة، ويمنحهم الرؤية السوية والمنطق السليم، وهي بمجملها مقومات تدفع بالطرفين معًا نحو اللقاء على دروب التواصل البنّاء والنجاح المؤكد.

 

كيف يحصل ذلك؟
بالعودة إلى ما سبق وأشرنا إليه، بإمكاننا القول إن إسداء النصح وتقبّله ينتج نوعًا من التعاون الذي يقوم على الشعور بالرفعة والامتنان معًا. وهذا الشعور بالذات يصبح كفيلاً بوضع كل من مسدي النصح ومتقبّله في بوتقة العمل المجدي والمنافسة البناءة.
فعندما نستقبل معلومة مجرّبة وناجحة، نكون قد حصلنا على المعرفة من دون عناء، واختزلنا الوقت والجهد العقلي وصولاً إلى تحقيق أهداف تخدم النفس والغير.
إن إسداء النصيحة والأخذ بها يقود لا شعوريًا إلى توحيد الطاقات العقلية والجسدية والنفسية. ومن أجل ذلك نحتاج إلى تواصل حقيقي يؤمّن عفوية التعاون البناء، وإلى التعايش بتوافق وحب، ما يخدم مصالحنا المتبادلة. ولا عجب، فالنصيحة كانت مهمّة الرسل والأنبياء، ومن بعدهم المصلحين الذين عملوا على إرساء قواعدها، وصولاً إلى تقديم المساعدة للبشرية كافّة.

 

لطلب المساعدة حدود وأصول
بالعودة إلى الخجل من طلب المساعدة، بإمكاننا القول إن هذا الخجل قد ينجم عن الخوف المسبق من الرفض. لكن الرفض بحسب الاختصاصيين، لا يحصل عمومًا إلّا في حال عجز المعنيون بطلب المساعدة عن تقديمها، أو إذا كان طلبها يحمل ضمنًا شكلًا من أشكال الاستفزاز. ومن هنا التشديد على ضرورة تقيّد هذا الطلب بحدود ومقاييس لا بد من احترامها. فالمساعدة التي تقف عند حدود التعاون وتبادل المعلومات، هي غير تلك التي تتعدى الضوابط وتثير الحساسيات. والأمثلة على ذلك كثيرة. هناك مثلاً أشخاص يخجلون ضمنًا بضعفهم في مجالات معينة، ويحاولون إخفاء هذا الضعف الذي يتسبب عمومًا بقلقهم. لذلك، فإن طلب المساعدة من هؤلاء في أحد هذه المجالات يعتبر بمثابة تحدٍّ، وسيقابل حتمًا بالرفض. إلى ذلك فإن طلب المساعدة كما تقديمها بطرق غير سليمة، أو بعيدة عن اللياقة، قد يثير مشاعر سلبية تعرقل التعاون بدلاً من تسهيله. لذلك فإن لطلب المساعدة، كما لتقديمها، أصولًا من الواجب اتباعها، وصولاً إلى النتيجة المرجوة.

 

كيف نطلب المساعدة وكيف نقدّمها؟
في هذا السيّاق، يورد الاختصاصيون إرشادات من شأنها تقوية صلات التعاون ومنحها المكانة اللّائقة بها.
بالنسبة إلى طلب المساعدة أو النصح، يوصى بالتقّيد بما يلي:
- عندما نتقدّم بطلب المساعدة، من المفترض أن نكون على علم مسبق بمقدرة الشخص المعني على تقديمها. والأهم أن يتّسم الطلب بالتواضع والبساطة. فالتواضع ليس عيبًا، وكلّنا يحتاج إلى مساعدة من وقت إلى آخر.
- إذا كان الشخص المقصود غريبًا لا نعرفه، من الأفضل التعريف بأنفسنا أولاً، وبعدها نشرح المشكلة بطريقة لبقة تسهّل حصول التعاون. أما إذا كان الشخص صديقًا أو قريبًا، فالمساعدة أمر متعارف عليه بين الأصدقاء والأقارب.
- المهم أن نصغي جيدًا لمن نطلب مساعدته، وفي حال عدم فهم نقطة معيّنة، فليس عيبًا أن نعيد السؤال.
في المقابل لإسداء النصح أو تقديم المساعدة، أيضًا ضوابط، وهي:
- إحترام صاحب الطلب واعتماد اللطف واللياقة لعدم خدش شعوره.
- إبقاء النصيحة أو المساعدة سرًا بين الشخصين المعنيين، فكتمان المعلومات يوطّد علاقات الصداقة.
- عدم المبالغة بالنصح وإعطاء وقت للاستماع، فطالب النصيحة يحتاج إلى الكلام بقدر حاجته إلى السمع.
- التوجّه إلى قلب من نساعده وعقله معًا، وعدم تخطي حدود الطلب بإسداء النصح في أمر لا نعرفه.

 

تفريغ الشحنات المكبوتة
يلفت الاختصاصيون إلى أن النقطة الأساسية في عمليتي النصح والمساعدة وتلقّيهما، تكمن في الدور المحوري الذي يقوم به المساعد أو الناصح. إنه الدور الذي يؤمّن تفريغ الشحنات المكبوتة لدى طالب المساعدة، ويسهّل عليه عرض مشكلته بطريقة توصل إلى حلّها.
أخيرًا، إنّ نجاح عملية الأخذ والعطاء يحتاج إلى تضافر جهود الطرفين معًا: فالمعلومات التي يقدّمها المساعد أو الناصح، يجب أن تكون دقيقة وصادقة، وفي المقابل على المتلقي الإصغاء والتقبل.
إنها في الواقع عملية التقاء بشري يؤمّن إنصهار الطاقات وتسخيرهــا لحياة أفضل.