الجيش والمجتمع

طوّافات الجيش تشارك في إنقاذ بيوتٍ تراثية
إعداد: باسكال معوّض بومارون

تشكّل البيوت القديمة الثلاثة القائمة في محمية جبل موسى نموذجًا لجماليات الهندسة اللبنانية التقليدية؛ عوامل الزمن والمناخ فعلت فعلها في هذه البيوت المهجورة منذ العام 1965، وباتت تحتاج إلى ترميم وتدعيم، لتبقى شاهدًا على الفن المعماري التراثي في لبنان.
لكن كيف السبيل إلى ذلك، إذا كان الوصول إلى الموقع يستلزم السير على الأقدام أكثر من ساعة على الدروب الجبلية؟ «جمعيّة حماية جبل موسى» طلبت المساعدة من قيادة الجيش، وعبر مديرية التعاون العسكري - المدني CIMIC، تكفّلت طوافات القوات الجوّية بمهمة إنقاذ هذا الإرث الحضاري...


أتت هذه العمليـة المشتـركة ضمن إطار مشـروع المشي عبـر الزمن في جبـل موسى «A walk through time in Jabal Moussa» الذي تنفّـذه «جمعيّة حماية جبل موسى» ويموّله «صندوق السفراء للحفـاظ على التراث الثقافي» Ambassador’s Fund for Cultural Preservation من خلال السفارة الأميركيّة في لبنان وبالتنسيـق مع المديريّـة العامّة للآثار في وزارة الثقافة.

 

تحدٍ كبير
تخبرنا الناطقة باسم الجمعية السيدة جويل بركات أنّ الجمعية واجهت لدى تخطيطها لتأهيل هذه البيوت وترميمها وتدعيمها، تحدّيًا كبيرًا يكمن في صعوبة نقل الموادّ إلى الموقع الذي يقع على ارتفاع 1400م عن سطح البحر، إذ لا يمكن الوصول إليه سوى مشيًا لمدّة ساعة على الأقلّ على دروب الجبل. التدهور في هياكل البيوت، استدعى التفتيش عن سُبُل لإنقاذها، وكان الحلّ الاستعانة بالطوافات العسكرية. فبدأ التواصل مع قيادة الجيش التي وافقت على المساعدة، فعقد مسيّر أعمال مديرية التعاون العسكري - المدني CIMIC العميد الركن إيلي أبي راشد اجتماعًا مع رئيس «جمعية حماية جبل موسى» بيار ضومط وحدّدت آلية التعاون.
درس الفنّيون والطيارون في قاعدة بيروت الجوية مهمة نقل المواد اللازمة إلى الموقع، ثمّ وُضعت الخطة، فنفّذت طوافات الجيش خلال ثلاثة أيام عملية نقل 20 طنًا من مواد البناء من مدرج ميروبا للطائرات الصغيرة إلى داخل المحمية. تضمّنت البضائع المنقولة جسورًا بطول 4 و6 أمتار و3 أطنان من الأخشاب، وطنّين من الدعائم الحديدية و13 طنًا من مواد البناء (رمل، كلس...). جرى توضيب المواد في قاعدة بيروت الجوية حيث تولّى العسكريون إعداد الرزم وربطها ووصلها إلى الطوافات بواسطة حبال خاصة بالنقل الجوّي، ليتم نقلها إلى الموقع.
يقدّر مسؤولون في الجمعية أنّ ورشة التأهيل والتدعيم ستستغرق 3 أشهر، وسيُستخدم الكلس والرمل في أعمال البناء، فالباطون ممنوع في المحمية، والترميم يجب أن يراعي التناسق مع بناء البيوت وتاريخها.

 

البيوت الثلاثة
تتميّز البيوت التي يُعمل على ترميمها بهندستها اللبنانية التقليدية التي تحمل طابع الزمن الجميل، وهي تمثّل فنّ البناء التراثيّ المحلّي وتطوّره عبر الزمن، إذ إنّ اثنين منها مؤلّفان من أقبية على طراز العقد، تعلوها طبقة ثانية مع قناطر تزيّن الواجهة، أمّا الثالث فهو من طبقة واحدة من الحجر الخام يعلوه سقف من الطين. يعود بناء هذه البيوت إلى 300 سنة، ورغم قساوة الطقس والأمطار والثلوج التي أفقدتها شيئًا من بريقها وتماسكها ظلّت قائمة، وَأَبَت رغم عمرها المديد إلّا أن تبقى شامخة في مواجهة البشر والطبيعة.