قضايا إقليمية

ظاهرة التسلّل إلى اسرائيل: الواقع والتداعيات
إعداد: إحسان مرتضى
باحث في الشؤون الإسرائيلية

تعتبر ظاهرة التسلّل عبر الحدود إلى إسرائيل ظاهرة قديمة، إلا أنها باتت في الآونة الأخيرة تتركز بشكل اساسي على تسلّل الهاربين من دول إفريقية مختلفة. الغالبية العظمى من الهاربين تأتي من دارفور السودانية، ويضاف إلى هؤلاء العديد من الأثيوبيين والأريتيريين الذين يهربون من جحيم بلدانهم، حيث الموت جوعًا وعطشًا، أو الموت في الحروب القبلية الشرسة. وقد شهدت شبه جزيرة سيناء تطورًا سريعًا في تهريب الأفارقة إلى إسرائيل عبر عصابات تهريب متخصصة تجني من وراء ذلك ارباحًا طائلة وعبر شبكات تهريب مافياوية موجودة داخل إسرائيل، وأخرى في إفريقيا وأوروبا. لكن لا بد هنا من الإشارة إلى أنه بعد ثورة 25 كانون الثاني 2011 في مصر، أصبح من الصعب تسلّل الأفارقة إلى إسرائيل بسبب التشديد الأمني المصري؛ ما أدى إلى تشرد الكثير من هؤلاء في الصحراء الشاسعة.


مخططات اسرائيل في إفريقيا
من الواضح أن دعاية إسرائيل المُروجة لنفسها بأنها الديموقراطية الوحيدة في المنطقة، قد أسهمت بشكل كبير في دفع العديد من الشباب الإفريقي للهجرة إليها، يضاف إلى ذلك عمق التمدد والتغلغل الإسرائيلي في إفريقيا والسيطرة على كثير من المشاريع الاقتصادية والصناعية، واستغلال البعد الإنساني في تمرير مخططات اسرائيل هناك. فهي ترعى مكافحة كثير من الأمراض المنتشرة في إفريقيا، وتعمل على مشاريع محو الأمية وتطوير الزراعة وتدريب الأيدي العاملة؛ وهذه المشاريع قد ساعدت على ما يبدو في تغيير الصورة النمطية التي تكونت عنها كدولة احتلال واغتصاب، لتصبح محط اهتمام وهجرة كثير من الشباب الإفريقي. لكن هذه الصورة تغيرت بمجرد وصول المهاجرين إليها، حيث عانى هؤلاء معاملة عنصرية دفعت بكثير من المنظمات الدولية والحقوقية للتدخل.
 

التضييق على المهاجرين
لقد عمدت إسرائيل إلى التضييق على هؤلاء المهاجرين، حيث تقدم حزب الليكود الحاكم بمشروع قانون يقضي بمعاقبة كلّ من يؤوي مهاجرًا إفريقيًا أو يشغله أو يؤمّن له وسيلة نقل. يضاف إلى ذلك الانتهاكات التي يتعرض لها هؤلاء خلال احتجازهم، خصوصًا بعد تمرير قانون مكافحة التسلل السنة الماضية، والذي يتم بموجبه اعتقال أيّ متسلل لمدة ثلاث سنوات بدون محاكمة، وهو ما يحصل بالفعل في معتقلات صحراء النقب.
وفي الإطار نفسه شارك العديد من أعضاء الكنيست بحملات تحريض ضدّ المتسللين، حيث صرحت عضوة حزب الليكود ميري ريجيف في خطاب تحريضي لها، بأن الأفارقة هم سرطان في جسد إسرائيل. كما رفعت شعارات عنصرية ضدهم، وصفوا فيها بالقاذورات، ونسبت إليهم أعمال السطو والجريمة، حيث زعم التلفزيون الإسرائيلي بأن معدلات الجريمة ارتفعت بنسبة 40% في المناطق التي يوجد فيها اللاجئون الأفارقة، وعقب ذلك تعرّض هؤلاء لأعمال عنف واستهداف من قبل المستوطنين. وقد وصل استهدافهم إلى حدّ عبرت فيه الأمم المتحدة وجمعيات حقوق الإنسان عن قلقها على حياة اللاجئين الأفارقة في إسرائيل وأوضاعهم. ولعل ما يزيد المشكلة تعقيدًا على الجانب الصهيوني، التحذيرات التي أطلقها عدد من الأمنيين الإسرائيليين من أن تقوم منظمات إرهابية كتنظيم القاعدة باختراق هؤلاء اللاجئين.

تحديات أمنية واجتماعية وسياسية
تشير الصحافة الإسرائيلية إلى أن إسرائيل تجاهلت لسنوات عديدة اللاجئين الأفارقة، أكثر مما عملت على إيجاد إطار قانوني يحدد إجراءات لجوئهم السياسي إليها. وقد بلغ عدد اللاجئين الذين عبروا الحدود الإسرائيلية المصرية فى شهر حزيران من العام 2012 عدة آلاف، واستمر تدفّق هؤلاء في ظل أحداث ما سمي الربيع العربي، الأمر الذي وضع إسرائيل امام تحديات أمنية واجتماعية وسياسية معقدة.
بعد عبور المتسللين الحدود الإسرائيلية، يقع معظمهم في يد عصابات المافيا أو الجيش الإسرائيلي الذي يزج بهم في مراكز اعتقال سيئة في صحراء النقب، حيث كانت سلطات الاحتلال تسجنهم مع الأسرى السياسيين، او تعزلهم في أقسام خاصة، وتقوم بتشغيلهم في أعمال التنظيف والبناء والصيانة. ويشتكي هؤلاء المتسللون من جور حكومات بلادهم، وفي هذا السياق يقول أحد الفارين من السودان إنه يعرف، ويقرأ عن إسرائيل وعن الصراع العربي- الاسرائيلي، وإن إسرائيل دولة احتلال؛ لكن لم لا يسأل الحكام العرب أنفسهم: لماذا يهرب الإفريقي من بلده إلى إسرائيل، وماذا فعلوا لوقف هذه الظاهرة، أليسوا هم المسؤولين؟
 

طالبو اللجوء السياسي في «المنطقة الرمادية»
وفق تقديرات إسرائيلية رسمية، يصل 2000 لاجئ كل شهر إلى إسرائيل؛ ولهذا السبب فإنه لا يوجد متسع لهم في السجون، ويتم الإفراج عن بعضهم فيصلون إلى تل أبيب في معظم الأحيان. ويبلغ عددهم في أحياء جنوب تل أبيب الآن أكثر من 60 ألف لاجئ، يسكنون في الشوارع والحدائق العامة، الأمر الذي اغضب اليمين الإسرائيلي واليمين المتطرف؛ حيث قام الجانبان بتنظيم مظاهرة للتنديد بهذا الوضع والمطالبة برحيل المهاجرين غير الشرعيين المتهمين بارتفاع معدل الجريمة في مناطقهم. وانتقدت «جمعية حقوق الإنسان من أجل مساعدة العمال الأجانب»، سياسة الحكومة الإسرائيلية، واعتبرت أن الإجراءات الإسرائيلية تتناقض مع معاهدة الأمم المتحدة للاجئين. ويواجه طالبو اللجوء السياسي حتمية العيش في ما يسمى «المنطقة الرمادية» قانونيًا؛ فإسرائيل لا تطبق عليهم قانون اللجوء الدولي، وليس لديها إطار قانوني واضح للتعامل مع طالبي اللجوء السياسي منهم.
ازاء هذه الاوضاع المتردية وعد رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو باتخاذ مجموعة من القرارات للحد من هذه الظاهرة، كالتهديد بإغلاق المؤسسات التي تشغل المهاجرين غير الشرعيين، وبناء جدار فاصل يبلغ طوله 120 كيلومترًا، على الحدود الإسرائيلية- المصرية.
 

حاجات استخباراتية وأطماع استراتيجية
يعاني اللاجئون في إسرائيل- وخصوصًا السودانيون- وضعًا معقدًا؛ فالديمقراطية اليهودية لم تكن في يوم من الأيام ملجأ للاجئين غير اليهود؛ بل كانت ولا تزال وسيلة لطرد اللاجئين الفلسطينيين. في هذا السياق يقول مسؤولون سودانيون إن ثلاثة آلاف سوداني لجأوا إلى إسرائيل تسلّلًا عبر الأراضي المصرية، وإن 40% منهم من جنوب السودان و35% من دارفور و25% من النوبة. ويتهم هؤلاء المسؤولون إسرائيل، بالعمل عبر شركات تتعاطى تجارة البشر، وعلى التحريض على الحروب، لكي تجبر قطاعات واسعة من السكان على الهجرة من بلادهم ليكونوا فريسة رخيصة لمن يستثمرها ويشتريها. إلا أن السلطات الإسرائيلية تبدي تعاطفًا كبيرًا نحو المهاجرين السودانيين، خصوصًا أولئك القادمين من إقليم دارفور. فهي عمدت إلى تعديل قوانين الهجرة لديها، لتسمح باستقبال السودانيين، الذين كانت تصنفهم قوانينها – قبل التعديل – في خانة رعايا «دولة عدوة». ويرى العديد من المحللين أن التعاطف الإسرائيلي مع الوافدين من اقليم دارفور، على وجه الخصوص، إنما يرتبط بحاجات استخباراتية، وأطماع استراتيجية. وبالتالي فإسرائيل تعتقل الكثير من اللاجئين وتزج بهم في سجونها، في حين تقوم بإسكان آخرين في كيبوتسات تحت الإقامة الجبرية؛ وهنا لا يمكن إغفال دور الموساد في تجنيد جزء من هؤلاء كجواسيس وقتلة، إذ تقوم إسرائيل بتدريب الأفارقة في صحراء النقب على القيام بعمليات عسكرية ضد أنظمة بعض الدول الإفريقية لإحداث توتر فيها. فالموساد الإسرائيلى يدرّب مجموعات كبيرة من الأفارقة على أعمال التجسس والقتل واستخدام أحدث أنواع الأسلحة، ثم يتم إعادة هذه الميليشيات مرة أخرى إلى بلادها في الصومال والسودان وإثيوبيا وأوغندا...

زعزعة الاستقرار ونشر الفوضى والفتن
تحت وطأة هذه الممارسات، يتحول اللاجئون بعد عودتهم إلى أوطانهم لعملاء لإسرائيل ينفّذون الأجندة الصهيونية في دولهم، وهم يشكلون بذلك جزءًا من المخطط الصهيوني للسيطرة على دول القارة الإفريقية من خلال زعزعة الاستقرار ونشر الفوضى والفتن في تلك الدول. أما مقولة الخطر الديموغرافي وتهديد الهوية اليهودية الديمقراطية للدولة، فهي مجرد شعارات وذرائع استخدمها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وأركان حكومته لتمرير قرار ترحيل المهاجرين الأفارقة غير المرغوب فيهم من إسرائيل. وهذه المقولة ذاتها تستخدم لدى الحديث عن الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، بغية تأجيج دعوات التطهير العرقي ضد الفلسطينيين.
إن رحلة العذاب والهوان والموت التي يتحملها اللاجئون الأفارقة حتى يصلوا إلى إسرائيل بغية الحصول على فرصة عمل وعيش، تتقاطع مع هدف صهيوني آخر، وهو التحكم في أزمات دول هؤلاء المهاجرين والعمل على استثمارها خدمة للمصالح الصهيونية الأمنية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والاستراتيجية.