كلمتي

عار العمالة
إعداد: العميد الركن صالح حاج سليمان
مدير التوجيه

لم يتأخّر لبنان، شعباً ومؤسسات، في مكافحة العملاء، باكتشاف شبكاتهم وتفكيكها، ووضع حدّ لخيانتهم وحصر مفاعليها، وتبرئة عائلاتهم وأحيائهم وقراهم وبلداتهم من العار الفردي الذي التصق بهم، مع استيعاب كامل للآثار التي ترتّبت على الانحرافات الوطنية التي ساقوا نفوسهم اليها، والتي استغربها الجميع، تماماً كما استغربوا، واطمأنوا، الى طرق اكتشافها ووسائل كبح جماحها واستئصال أخطارها.
ونحن لم نكن نتوقّع أن يكون بيننا مثل هؤلاء، ولم نكن نحبّ أن نسمع شيئاً عنهم، تماماً كما ينفر أي كائن حي من مرض ما يحلّ به، أما وقد حلّ المرض فالخبر المفرح هو ملاحقة أخباره، ومعرفة تفاصيله، ومتابعة مراحل تحركه في الجسم، وصولاً الى التأكّد من معالجة مشكلته واقتلاعها من الجذور. إن الكيان السليم يلفظ ويرفض ويفصل كل جسم غريب. ففي اللون الناصع تظهر كل بقعة سوداء، وفي الحقل الخصيب تبرز الشوكة الملعونة ولا يمكن لها أن تختفي بين السنابل، أما في الماء الصافية فأنّى للحصاة أن تختفي؟
إن شرح هذه الظاهرة الخبيثة يحتمل الكثير من التفسيرات: حالة مادية، حالة عاطفية، انقلاب في الشخصية، انحراف فكري طارئ، عودة الى ظروف عائلية قديمة، ردة فعل عمياء على أمر ما... لكنها في الخلاصة عمل أرعن مرفوض، ومذموم وملعون، لا صفح عنه، ولا نسيان، ولا زوال أثر.
لقد عرف التاريخ البشري الكثير من تلك الحالات، وكان معروفاً أن العدو نفسه يحتقر مَن يأتيه بالأخبار من الطرف الآخر، يمنحه وزنات الذهب ثم يصرفه الى البعيد، فكيف لإبن أرضه وبلده ووطنه أن يقبل وجوده وينسى ما فعل؟  ماذا تقول أرواح الشهداء، وما موقف أبنائهم؟ ما الموقف المعنوي لعَلم البلاد، وهو يرفرف فوق تراب الوطن؟ وماذا تقول الرياح العاتية وهي تعبر وهادنا وتعصف في غاباتنا؟ إن إسرائيل هي عدونا الواضح والمعروف والمؤكد وكم من المرات التي يصادف فيها أن يلتقي مواطنونا عناصر من ذاك الكيان في مناسبات دولية، مباريات الرياضة، ولقاءات الجمال في العالم، والدورات الدراسية على أنواعها، والمؤتمرات العلمية، والنشاطات الإقتصادية والتجارية، والمهمات الدبلوماسية، فلا يصافح الواحد الآخر، ولا يتكلم اليه، ولا يقترب منه، وهذا هو الأسلوب الطبيعي المتّبع بين الأعداء.
بعد كل ذلك، كيف لنا أن نفسّر العمالة لذلك العدو، وهل من نعوت قبيحة تكفي للتعبير عنها؟