إكتشافات

عاصي الحدث لبنان
إعداد: ريما سليم ضوميط

تاريخ مغارة


وادي قاديشا، أو وادي القديسين، هو بقعة غنيّة بالكهوف والمغاور التي يصعب بلوغ معظمها، والتي تخبىء بين دهاليزها أسرارًا وحكايات عن تاريخ لبنان. من بين هذه المغاور، «عاصي الحدث» وهي مغارة طبيعية تقع في منطقة «حدث الجبة» على ارتفاع 1300 متر عن سطح البحر. تم اكتشافها العام 1990 من قبل مجموعة من المستغورين الهواة، فشكّلت إكتشافاتهم دليلًا مادّيًا لأحداث تاريخية شهدتها المنطقة في القرن الثالث عشر.
هذه الإكتشافات الغنيّة بالدلالات التاريخية باتت اليوم موثّقة في كتاب بعنوان «عاصي الحدث» لبنان - تاريخ مغارة»، صادر عن مركز فينيكس للدراسات اللبنانية التابع لجامعة الروح القدس - الكسليك، تأليف فادي بارودي، عبدو بدوي، بولس خواجه، وجوزف مكرزل.وقد تم الإحتفال بتوقيعه في 23 أيلول الماضي في حرم جامعة الروح القدس- الكسليك.


رحلة في الزمن الغابر
في كتابه «تاريخ الأزمنة» ذكر البطريرك إسطفان الدويهي في القرن السابع عشر، أن مغارة «عاصي الحدث» كانت الحصن المنيع الذي لجأ اليه أهالي حدث الجبّة خلال حرب المماليك والصليبيين في المنطقة العام 1283.
وبعد مضي سبعمئة عام على الحرب المذكورة، قرّرت مجموعة من المستغورين من الجمعية اللبنانية للأبحاث الجوفية إستكشاف مغارة «عاصي الحدث»، وإيقاظ التاريخ الراقد في عتمتها.
قائد بعثة الإستكشاف، رئيس الجمعية السيد فادي بارودي أشار في حديث إلى مجلة «الجيش» أن الجمعية اللبنانية للأبحاث الجوفية التي تأسست العام 1988، وضعت في أولوية اهتماماتها المغاور ذات القيمة التاريخية، ومن هنا كان قرار استكشاف مغارة «عاصي الحدث» إستنادًا الى المعلومات التاريخية المذكورة في كتاب البطريرك الدويهي.
وأضاف بارودي: بدأ البحث العام 1988، وانتهى بعد ثلاثة أعوام، باكتشافات مذهلة أثبتت الأهمية التاريخية للمغارة.

 

تاريخ في ظلمة مغارة
أولى الإكتشافات كانت جثّة محنّطة تعود لطفلة تبلغ من العمر أربعة أشهر، أطلقنا عليها إسم «ياسمين» إستنادًا إلى كتابات وجدناها إلى جانب الجثّة يطلب كاتبها من اللّه شفاء الطفلة «ياسمين» من الحمّى.
كانت «ياسمين» ترقد في قبر مطمور على عمق أربعين سنتمترًا فقط من أرض المغارة. وقد ألبست تحت الكفن ثلاثة فساتين. أما عنقها فكان مزيّنًا بعقد مرصّع بقطع الخرز الزجاجية، وقطعتين من النقود المعدنية التي يعود تاريخها إلى عهد السلطان المملوك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري، وهو قائد الحملة المملوكية على «حدث الجبة» العام 1283.
لم تكن «ياسمين» المومياء الوحيدة التي اكتشفت في مغارة «عاصي الحدث»، وإنما وجد فريق البحث سبع مومياءات أخرى تعود أربع منها إلى فتيات في مرحلة الطفولة، وثلاث لنساء ناضجات. وقد أوضح بارودي أنهم اكتشفوا في المغارة 293 قطعة أثرية، من بينها أدوات حربية، وملاعق خشبية، وأوان خزفية، إضافة الى بقايا أطعمة من بينها الجوز واللوز وقشر الرمّان، وسنابل القمح المجدولة.
من الإكتشافات البارزة أيضًا، كتابات ورسائل مسيحية وإسلاميّة، وعملة صليبية وأخرى مملوكيّة، تعود جميعها الى القرن الثالث عشر.

 

إكتشافات فريدة من نوعها
عن أهمية هذه الإكتشافات وقيمتها التاريخية قال بارودي: أعطت اكتشافاتنا صدقية كبيرة لكتاب «تاريخ الأزمنة» للبطريرك الدويهي، حيث قدّمت رؤية واضحة عن الأحداث التاريخية التي رواها الكتاب.
من جهة أخرى، تعتبر مغارة عاصي الحدث من بين الإكتشافات التي وضعت وادي قاديشا على لائحة التراث العالمي. بالإضافة إلى ذلك هناك أهمية للمكتشفات بحد ذاتها فالمومياءات التي حفظت طبيعيًا في المغارة مدة سبعمئة عام شكّلت ظاهرة فريدة استدعت اهتمام الخبراء والمهتمين بالآثار في عدة دول من العالم.
عن مصير المومياءات قال بارودي أنها نقلت الى المتحف الوطني بعد ترميمه العام 1995.