اقتصاد ومال

عام صعب لكنّ الأمل موجود
إعداد: تريز منصور

العام ٢٠٢٢، عام الصعاب والتحديات بكل المعايير والمقاييس، وفق معظم الخبراء الاقتصاديين والمتابعين. فلبنان يعيش منذ العام ٢٠١٩ أزمة اقتصادية أدّت إلى انهيار شبه كلي للقطاعات المختلفة، وشملت تداعياتها معظم اللبنانيين الذين فقد قسم كبير منهم عمله، بينما يكافح الباقون للصمود متمسكين براتب متواضع أو حتى بنصف راتب وأقل! مع ذلك ثمة أمل، والقطاع الصناعي خير دليل.


يعتبر البنك الدولي أنّ الأزمة الاقتصادية اللبنانية هي الأخطر والأسوأ وإحدى أشدّ ثلاث أزمات شهدها العالم منذ العام ١٨٥٠، فقد أدّت إلى تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار بشكل دراماتيكي، وبات أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر. وطالت تداعيات الأزمة جميع القطاعات فأقفلت آلاف المؤسسات التجارية، ولامست نسب البطالة مستويات عالية بلغت الـ٦٠ في المئة، كما بات نحو ٧٠ في المئة من اللبنانيين معرَّضين لخطر المجاعة.
وفي الإطار عينه نشر صندوق النقد الدولي تقريره حول آفاق الاقتصاد الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والاقتصاد العالمي. وكان لافتًا أنّ التقرير وضع ملاحظة حول لبنان مفادها أنّه تمّ حذف كل التوقعات للعامين ٢٠٢١ و٢٠٢٢ نظرًا للارتفاع الاستثنائي في درجة عدم اليقين المحيط بأوضاعه.
 

حبيقة: الإصلاحات وإلا...
من جهته رأى الخبير الاقتصادي لويس حبيقة في حديث إلى «الجيش» أنّ لبنان سيواجه في العام ٢٠٢٢ صعوبات متعدّدة وعلى أكثر من صعيد. فهذا العام هو عام الاستحقاقات النيابية والرئاسية، كما أنّه عام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي والإصلاحات التي يأمل الجميع أن تحقق تغييرًا جذريًا في المشهدية اللبنانية، وإلا فإنّ الوضع سيكون كارثيًا.
فعلى الصعيد الاقتصادي، سيشمل النمو السلبي كل القطاعات، وستحقق معدلات البطالة ارتفاعًا كبيرًا وهي قد قاربت الخمسين في المئة وفق دراسة الدولية للمعلومات. وبالتالي، تحديات كبيرة ستواجهها الدولة اللبنانية، خصوصًا وأنّ مسألة البطالة خطرة جدًا وعلى أكثر من صعيد. كما أنّ التحدي الثاني الذي يتّسم بالخطورة نفسها هو مسألة النقل، في ظلّ غياب خطة للنقل العام.
وإذ توقّع حبيقة عامًا صعبًا لمعظم القطاعات الاقتصادية، أشار إلى أنّ الاعتماد على الصادرات الزراعية والصناعية سيكون كليًا، كما لفت إلى الحاجة لإيجاد أسواق جديدة في أفريقيا وآسيا على سبيل المثال، في ظل الأزمة الخليجية- اللبنانية المستجدة. كما شدّد على أنّ القطاع السياحي سيبقى معتمدًا على المغتربين إلى حدٍّ كبير، ولكن هذا لا يكفي، لأنّ السياح العرب والأجانب يشكلون الرافعة الأساسية لهذا القطاع.
وأكّد أخيرًا أنّ المشكلة الجوهرية التي تفاقمت إبّان هذا الانهيار هي الأخلاق العامة، فمع غيابها من الصعب جدًا إنجاز الترميم وإعادة بناء ما تهدّم في لبنان. ودعا اللبنانيين إلى شدّ الأحزمة وعدم الإنفاق إلا في حالات الضرورة القصوى، ولا سيّما أنّه لا سقف لسعر صرف الدولار، في ظلّ غياب الإصلاحات الاقتصادية البنيوية.
 

أسود ورمادي
وضع القطاع المصرفي السيئ، كما وضع القطاع التجاري الذي كان أكثر المتضررين من الأزمة يتلاقى مع تحديات كبيرة في القطاع الزراعي الذي يعاني منذ فترة طويلة عدة مشكلات، أبرزها ارتفاع تكاليف الإنتاج، وانخفاض قيمة المخرجات، والبنية التحتية المتداعية، ونقص السيولة بسبب آليات الرقابة المصرفية. أما القطاع السياحي الذي طالما كان رافعة للاقتصاد اللبناني فليس أفضل حالًا، لكنه ما زال يقدم جرعة أمل، خصوصًا أنّه يستطيع النهوض بسرعة. ويؤكد رئيس اتحاد النقابات السياحية، نقيب أصحاب الفنادق، بيار الأشقر، أنّ السياحة الداخلية نشطت في الصيف، إذ إنّ ٦٥٠ ألف لبناني كانوا يزورون قبرص وتركيا سنويًا، حوّلوا وجهتهم إلى السياحة الداخلية نظرًا إلى ارتفاع تكاليف السفر والأخطار الصحية. وهكذا ازدهرت كثيرًا الاستثمارت في ما يسمى «بيوت الضيافة»، إلا أنّ الوضع حاليًا تراجع بشكل كبير، وما زالت هناك ٢٠٠٠ غرفة في فنادق بيروت مقفلة منذ انفجار الرابع من آب ٢٠٢٠، أي ما نسبته ٢٥٪ منها. كما أنّ عدد العاملين في هذا القطاع قد أصبح اليوم ٢٥ ألف عامل فندقي ومطعمي، بعد أن كان ٤٥ ألفًا، وذلك بسبب الصرف والهجرة إلى الخارج التي بلغت نحو ٤٥٪.
وأضاف: على الرغم من تلبية المغتربين النداء والتعويل على قدومهم خلال موسم التزلج، إلّا أنّ فترة الأعياد لم تعطِ النتيجة المرتجاة، فنسبة إشغال الفنادق في بيروت لم تتخطَّ الـ٥٠٪ وفي المناطق ٣٠٪، أما النسبة في مناطق التزلج فبلغت ٧٠٪. وما شهده البلد الصيف الماضي عبارة عن طفرة سياحية، مقوماتها السائح اللبناني مع المغتربين ورجال الأعمال.
 

ويبقى الأمل في العمل!
يوضح نائب رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين زياد بكداش أنّه على الرغم من أنّ العام ٢٠٢١ كان من أصعب السنوات اقتصاديًا على لبنان، فإنّ القطاع الصناعي ظل الأقل تضرّرًا من الأزمة، إذ إنّه قائم على أرض صلبة. فقد أتاحت الأزمة الحالية لهذا القطاع فرصة تغيير المشهدية السائدة في القطاعات الأخرى وذلك بعد تنامي الطلب على المنتجات الوطنية وتراجع الاستيراد. أكثر من ذلك، ثمّة مصانع كانت قد أغلقت أبوابها قبل سنوات، بسبب عدم القدرة على المنافسة مع المنتج الأجنبي الرخيص مقارنة بالمحلّي عادت تنتج لتغطية حاجات السوق المحلّي، وتصدّر إلى الخارج.
وكشف بكداش عن إنشاء مصانع متطوّرة وحديثة في لبنان خلال العام ٢٠٢١، كما جرى استحداث خطوط إنتاج جديدة من بينها مصانع لأجهزة التنفّس وأخرى للمعقّمات وأقنعة الوجه، والأهم إنشاء مصنعَين لتجميع سيارات على الكهرباء، وباكورة الإنتاج في هذا المجال سيارة تتسع لثلاثة أشخاص وثمنها ٧ آلاف دولار.
لكن ما سبق لا يعني أنّ الصناعة باتت بخير، فارتفاع أسعار المازوت والبنزين يُثقل كاهل الصناعيين.
وأوضح بكداش أنّ الضربة الموجعة التي تلقّاها القطاع الصناعي بسبب حظر عدّة دول خليجية الاستيراد من لبنان، دفع بنحو ٢٥٪ من المصانع إلى البحث عن أسواق جديدة ضمن عدّة سيناريوهات.
واعتبر أنّ لبنان بشكل عام والقطاع الصناعي بشكل خاص يواجه تحدّيات جمّة، منها إبقاء الصناعة بابًا للتوظيف لخفض وتيرة ارتفاع معدلات الهجرة والسعي لاستعادة ثقة الخليج العربي وخلق فرص عمل وفتح أسواق جديدة.
أخيرًا، يبقى الأمل في العمل بجدية على إجراء الإصلاحات التي تتيح للقطاعات المنتجة أن تنهض من جديد، فاللبناني أثبت عبر تاريخه أنّه قادر على الوقوف مجددًا، والحلول دائمًا موجودة، المهمّ وجود الإرادة والقرار عند أهل السلطة.

الأزمة والهجرة
من تداعيات الأزمة الاقتصادية، دخول لبنان في موجة هجرة جديدة وصفها «مرصد الأزمة» التابع للجامعة الأميركية في بيروت في تقريره بـ«موجة الهجرة الثالثة»، والتي تُعتبر الأسوأ في تاريخه، والتي ستكون عواقبها طويلة الأمد على مصير لبنان ومستقبله، والأكثر تعقيدًا عالميًا وفق ما يؤكد البنك الدولي في تقاريره.