ثقافة وفنون

عبدالله غانم شاعر التأمل والرؤيا المشعة

وفيق غريزي

"إن كانت الطبيعة عنده هي الإطار فالحب هو الجوهر. وإن كانت الطبيعة هي الدعوة فالحب هو الوليمة. وإن كانت الطبيعة عنده الهيكل فالوطن هو الإله. وإن كانت هي المسرح فالبعد والمدى هما التأمل في معاضل النفس والحياة. وإن كانت الطبيعة هي المنطلق فالماوراء هو الغاية...". هذا هو الخط الذي خطّه إبن بسكنتا الشاعر المفكّر عبدالله غانم. وقياساً على مبدأ التمييز بين الشعر الحكمي والشعر الفلسفي نقول إن عبدالله غانم هو من الإثنين وفيهما معاً.

 

شاعر الواقع والمأساة

من الهم اليومي الى الهم الوجودي، من المعاناة الفردية ­ الذاتية، الى المعاناة الإنسانية الشاملة. من المأساة مع البرهة الى المأساة مع الزمن. من التمرد والثورة على واقع اجتماعي أو أخلاقي متأزم الى التمرد والثورة على المدنية الآلية المتفسّخة، مدنية الحروب والخراب والإنهيارات واستلاب الإنسان، من الألم الموضعي الى الألم الكوني. هذا هو الخط الذي اتبعه الشاعر عبدالله غانم، الشاعر الواقعي ­ التراجيدي المنصهر بالفجيعة والثورة. "فالفواجع والمرارات في شعره تستحيل حقائق ذهنية وفكرية مجرّدة محورها الإنسان والقدر في جدلية، الوجود والعدم، الحياة والموت أو الفجيعة الكونية". وقد عبّر شاعرنا عن كل هذه العذابات باللغتين الفصحى والعامية، وفي كلا اللغتين كان من المحلقين المبدعين.

 

المناخ الشعري

 يميل النسق التعبيري في مجموعات شاعرنا الشعرية الى الوضوح والسلاسة، بالرغم من بعض اللُّمع الرمزية. فعباراته واضحة، ومقاصده وغاياته جلية، وصوره عميقة واضحة. وهناك اتجاهات نقدية متباينة رأى بعضها في الوضوح عالة على الأدب، ورأى فيها البعض الآخر سمة إيجابية بينما ميّز فريق بين التعبير عن الغامض بالواضح، وعن الغامض بالمبهم. فرأى في الطريقة الأولى وبالاً على الأدب وفي الطريقة الثانية إغناء له، ويقول أحد الباحثين: يُفترض في من يعتبر الشعر هماً من همومه الأساسية، أن يعرف أن الغموض في الشعر ليس بذاته، نقصاً، وأن الوضوح ليس بذاته، كمالاً. الغموض على العكس، دليل غنى وعمق..".

وفي هذا الصدد يقول ناسك الشخروب ميخائيل نعيمه في كتابه الغربال: "المجيد من الكتّاب والشعراء من إذا شاء الإفصاح عن عاطفة أو فكر جمع بين مفردات يتولّد من إرتباط معانيها معنى جليّ، ومن إندماج ألوانها صورة واضحة جميلة. ومن تآلف رنّاتها لحن رقيق شجي"، والإفصاح كما نلاحظ، يحتّم الوضوح. الشاعر الياس أبو شبكة ثار على غزو الغموض الشعر العربي المعاصر، وأسف لتلك الغارة الأجنبية على مجالنا الأدبي وتلك السيطرة على خيال الجيل الجديد، ولكنه إنتهى الى التفريق بين تصوير المبهم بالواضح وتصوير المبهم بالمبهم. في أي حال على الشعر أن يطرق أبواب المبهم والمجهول والماورائي حتى يكون شعراً حقيقياً، ولكن ˜عليه أن ينقل الزاد الذي جناه بطريقة واضحة، حتى ولو كان هذا الزاد ضحلاً حتى يكاد ينعدم".

 

التغني بالقرية والطبيعة

 لقد أفرد عبدالله غانم للقرية والطبيعة حيزاً كبيراً في شعره وفي ديوانه "العندليب" كانت اللغة العامية أداة التعبير التي عززت اتجاه الشاعر الى محاكاة أجواء الريف اللبناني وتصويرها بكلام كان لهذه الأجواء فضل بيّن في إطلاقه، وهذا لا يعني أن اللغة الفصحى غير مهيأة للإحاطة بالعالم الريفي، وأن اللغة العامية تقف عند حدود هذا العالم. وفي هذا المجال يقول الناقد الدكتور غالب غانم: "لقد نشأت بين الطبيعة والشعر، أي شعر، قرابة موغلة في القدم، وأصيلة في التلاحم، كأنها علاقة الصورة بالظل، والصوت بالصدى، والحياة بالنبض. فالطبيعة هي بوابة الشعر الرحيبة، ونقطة انطلاقه، ومحط رحاله، وأمام تغلغل هذا الموضوع في النتاج الأدبي على اختلاف بيئاته وأزمنته وأصحابه ومدارسه، ينبغي أن نركز اهتمامنا، ليس على ظاهرة حضور الطبيعة في نتاج شاعر معيّن، إنما على مدى هذا الحضور وأسبابه ونتائجه وكيفية التعبير عنه". ومن وحي طبيعة منطقة بسكنتا الراقدة في أحضان صنين يقول عبدالله غانم:

 

 "هنا!

 أمام وجه صنين الأبيض ­ ليل نهار، وصيف وشتاء بقرب "خيمة الناطور" معشوقة رشيد أيوب،

 في طريق النسمات الراكضة صعوداً الى شخروب مخائيل نعيمه،

 وبجانب "بقلوم" سليم لطف الله الشاعر الصيّاد!

 

 هنا!

على ضهر الحصين ­ جبل المردة... ضمن صخر يكوّن تجويفه "وكر العندليب".

 

 الشاعر والحب

لقد تنوعت أغراض شعر عبدالله غانم، فمنها الطبيعة كما سبق، والقرية، والوطنية، والتأمل في قضايا الإنسان والقضايا الكونية. وصور الحب الطالع من قلب الحياة الريفية، في قصّة "أستير" التي أذهلت القرويين بجمالها ودفعتهم الى الإشفاق على مركزها الإجتماعي:

 "ما شافها مخلوق حتى قال:

ضيعانها ترعى بقر بالحقل ضيعانها ما تكون سنيوره...

 ما شافها مخلوق حتى صاح

ضيعان قلبا تكون بنت فلاّح".

يتجلى الحب في الكثير من نصوص عبدالله غانم بوجهه العذري المثالي المتآلف مع تصورات أهل الريف، وبالطبع قبل أن تغزوه المدنية الحديثة. وقد "تصدى الشاعر لظاهرة التفاوت الطبقي مباشرة في حكاية "أستير".. البنت الفقيرة التي أحبت إبن غني. وأمها تحاول إقناع زوجها بهذا الحب الذي قد يؤدي الى الزواج وتطلب منه مسايرة الغني كي لا يتأثر بأمه التي ترفض هذا الحب":

 "ما عرفت أمو مركبّي الناضور، وعا صدرها بتدق تا تنفكس صارت كبيري كتير منثورة ...

 مش قابلي أستير كنّتها قال هي شريفي، ونحن فلاحين قال عندها بالبحر شختورة!".

 

التأملات

التأمل في القضايا الكبرى الفيزيقية والميتافيزيقية احتل حيزاً كبيراً في نصوص شاعرنا عبدالله غانم النثرية والشعرية، وأبرز هذه القضايا: الإنسان ومصيره، الموت، المعرفة، وغيرها من القضايا الإنسانية والكونية. وفي غمرة هذه التأملات الصابة في قنوات الذات والمجتمع والكون، السائرة مع الحكمة في كل إتجاه، الصادرة عن شخصية أدبية صقلها اختمار التجربة، وغذتها شفافية الرؤيا، "أليس من أسلاك جامعة تعكس وقفة الشاعر منها بموقف موحّد؟ النزعة الذاتية، أو حضور الـ"أنا" في كل مسألة وفي كل مجال، شكّلت، أحد أهم هذه الأسلاك. وثمة الى جانبها، ظاهرات مشتركة أخرى لا تقل عنها أثراً في إعادة اللحمة الى الدوائر التأملية. لا يقيم شاعرنا نظاماً معرفياً أو فلسفياً خاصاً وإنما عبر سعيه الى الحقيقة المطلقة يعوّل على تأكيد إيمانه بركنين أساسيين من أركان الفلسفة أو الفكر الفلسفي أو الفكر التأملي: الجبرية والحلولية. "الفكر الفلسفي المجرد له إشراقات في مناخات شعره غير أن الأساس فيها يبقى منزعه الصوفي ­ الروحاني"، وتميز شعره بالصورة الجمالية، والصورة العقلية، والصورة الرؤيوية التي تتسع للشبوبات الداخلية والمعاني الوجدانية أو الخيالية. فبـالرؤيا المشعة في كل اتجاه عبر عبدالله غانم من السطح الى الأعماق، وسبر حجب الظاهرة للوصول الى الأعماق والإتصال بالجوهر، جوهر الأشياء والوجود.

 

 العميد المتقاعد بهيج بحليس يوقّع موسوعة أحداث القرن العشرين

  برعاية قائد الجيش العماد ميشال سليمان ممثلاً باللواء الركن رمزي أبو حمزة رئيس الأركان، جرى في نادي الضباط في اليرزة حفل توقيع موسوعة "أحداث القرن العشرين" الصادرة عن دار نوبيليس للعميد المتقاعد بهيج بحليس، وذلك بحضور عدد من الشخصيات السياسية والديبلوماسية والحقوقية والاجتماعية والإعلامية، ورئس رابطة المحاربين القدامى العماد اسكندر غانم. بعد النشيد الوطني وكلمة تعريف للعميد المتقاعد جوزيف روكز، ألقى مدير الوكالة الوطنية للإعلام الأستاذ خليل الخوري كلمة تحدث فيها عن مزايا المؤلف، ومما قاله: "بهيج بحليس جاء الى المؤسسة الوطنية الأولى، يحلم بالوطن الآمن ويطمح الى الوطن المنيع، وكلا الأمن والمناعة يتوافران في الجيش... جاء بهيج بحليس الى المؤسسة العسكرية تلميذ ضابط، وفي بُرديه علم وأدب منطلقاً من بيت الى كل مكرمة سبّاق، ومن أسرة قدرها أن ترفد الوطن بالرجال الرجال: رجال للسيف ورجال للقلم وكلهم لمكارم الأخلاق"... وألقى كلمة رابطة قدامى القوى المسلحة اللبنانية نيابة عن رئيسها العماد المتقاعد اسكندر غانم، العميد الركن المتقاعد جوزيف روكز فقال: "خمسة وثلاثون عاماً من عمر الزمان قضاها في خدمة العلم والبلاد، عرفناه فيها متنقلاً مع البواسل في ظلال أرز الرب، مستلماً الوظائف المميزة الواحدة تلو الأخرى...". وأضاف قائلاً: تحليت بالرأي السديد والعقل الرشيد حتى تقاعدت في هالة من ضياء ومهرجان من عبير، لأن ماضيك حافل بالتضحيات وحاضرك حافل بالعطاء ومستقبلك يتطلع نحو المجد والعنفوان... وتابع قائلاً: "رغم مرّ السنوات وكرّ المكرمات على عمر الثمانينات جاء عمله معجزة من المعجزات". بدوره ألقى صاحب دار نوبيليس الأستاذ نبيل عبد الحق كلمة قال فيها: "كنت أعرف دائماً أن في جيشنا الغالي، كما في شعبنا الأبي طاقات فكرية وإبداعية هي فخر لنا وثروة لأجيالنا الطالعة، والعميد بحليس هو نموذج لكثيرين من ضباط جيشنا الذين أتقنوا صناعة الفكر والكلمة... إن جيشاً كجيشناً لا يجسّد درعاً للأمن والسيادة، والاستقلال فقط، إنما هو ينبوع فكر وعلم وثقافة ومناقبية تحت قيادة العماد ميشال سليمان. وفي الختام كانت كلمة للعميد المؤلف بهيج بحليس أكد فيها إنه لم يكن يتصوّر عندما باشر في أوائل التسعينات من القرن العشـرين بجمع معلومات لوضع موسوعة عن أهـم أحداث هذا القرن بأن إنجازها سيتـطلب سنـوات طويلة وجهوداً مضنية...

 وأضاف "إن الشعوب لا يمكنها أن تنسى الماضي، ولا يمكنها أن تعيش الحاضر دون الرجوع الى التاريخ، ولا يمكن لأي بلد أن يقطع علاقاته نهائياً مع الماضي". وخـتم قائلاً: "آمل أن تنال هذه الموسوعة إعجـابكم وإنني أعاهدكم ومهما تقدّم بي السـن بمتابـعة مسيرتي الأدبية، لأنـنا نحن العسـكريين، لا نرمي سلاحـنا بسـهولة".

 وبعد حفل التوقيع أقيم حفل كوكتيل للمناسبة تبادل فيه الجميع الأنخاب.

 

"النفوس الكبيرة" جديد جان سالمه

نفسٌ كبيرة... لنفوس كثيرة

 "من كـان هذا شأن نتاجه، حريّ به أن يُقراأ نتاجه ويعتزّ بشخصه جيوش قارئيه وجموع محبيه وعارفي مآثره الأدبية المميزة، إن من يتصفّح روايته هذه يعرف قميـتها. فيا حبذا لو وضعت في أيدي شبابنا على الخصوص واختيرت صفحات منها لتدريسها في معاهدنا العربية. فهي على جانب من الرقيّ، وعلى قدر من الإبداع. وهي تشبع نَهَم القارئ لأن صاحبها غزير المادة، ونتاجه مزهوّ بحلل الوصف الطريف الشـائق، يرسم دقائق الحياة بما وهبه الله من قدرة على التعبير عن كل ما يريد أن يعـبّر عنه من مـشاعر وانطباعات وشؤون". هذا ما جاء في مقدمة الدكتور جهاد نعمان لقصة الأديب جان سالمه الجديدة "النفوس الكبيرة". ويقول الشاعر موريس وديع النجار في مقدمة الغلاف: "قرأت النفوس الكبيرة فوجدتني أمام قاص ماهر، يعرف أصول اللعبة ودقائقها"...

"الـنـفوس الكـبيرة" قصـة كل فتاة أحبّت، وأصيـبت بالخـيبة في أعزّ أمانيها! قصـة الهوى، والعاطفـة الجيّاشة، والآمـال الضائعة! قصة الزوجة التي تفكّر بالخيانة، وتراود صـديق زوجها عن نفسه... إنها قصة حب جارف تتكرر فصول حوادثه في كل يوم، وتأخذ القارئ الى أجوائها المحمومة.

 

 أضواء جديدة على بعلبك في محاضرة للدكتور إبراهيم كوكباني

 اختتمت محاضرات "مركز التراث اللبناني" في الجامعة اللبنانية ­ الأميركية، لهذا الموسم الأكاديمي، بمحاضرة لعالم الآثار اللبناني الدكتور إبرهيم كوكباني، عنوانها: "بعلبك مدينة الشمس: من تونيب الفرعونية الى هليوبوليس اليونانية". تقدّم المحاضرة أضواء جديدة تنكشف للمرة الأولى عن مدينتنا الخالدة، وقد رافقها عرض 30 صورة جديدة من المكتشفات الأخيرة في الهياكل التاريخية.

 تابع المحاضرة العقيد الركن عبد الرحمن أسعد ممثلاً العماد قائد الجيش وحشد كبير من رجال الفكر والأدب والثقافة والمهتمين بالتراث. وقد سبقها تقديم من مدير المركز الشاعر هنري زغيب. تناول كوكباني في محاضرته تسمية بعلبك الكنعانية المركّبة من "بعل" و"بقاع" (أي بعل السهل) والآتية من موقعها المشرف على السهل. وقال إنها حملت اسم الإله البابلي ­ الأشوري: "بعل حدد"، والإله اليوناني زوس، والروماني جوبيتر، كما حملت كذلك اسم هليوبوليس. وقال إن اسم تونيب Tunip)) ورد للمرة الأولى في رسائل تل العمارنة (مصر العليا) وكانت متداولة (بالمسمارية) بين فرعون ومصر وملوك البلدان والمقاطعات الخاضعة للاحتلال الفرعوني (ومنها فينيقيا) . وكانت تل العمارنة عاصمة الفرعون عمينوفيس الرابع أو أخناتون.

 

وأضاف قائلاً:

 فكّ العلماء رموز تلك الرسائل فحددوا أسماء مدن ومواقع فيها، إلا 12 اسماً بينها "تونيب" التي رجحوا موقعها في سوريا الشمالية، غير مستندين الى قرينة أثرية، بل الى تقارب اسمها واسم تل الدنيب (قرب سد الرستن على العاصي جنوبي حمص) . وبقيت هذه المعلومات نظرية بدون مستند علمي، حتى أجرينا في العام 1967 حفرية أثرية داخل البهو الكبير لكشف معالم سبقت بناء الهياكل الرومانية، حيث عثرنا تحت البلاط الروماني مباشرة على مجمّع سكني قديم من زقاق وغرف، يعود تاريخه الى القرن 16 ق. م.، ما يدل على أن هياكل بعلبك ­ قبل تشييد المعابد الرومانية ­ كانت تلاً أثرياً تكوّن من تعاقب الحضارات القديمة على مرّ العصور. ولكي يتمكن الرومان من توسيع رقعة البناء، جرفوا قسماً من التل بعدما دعموا جوانبه بقبوين ضخمين يجمع بينهما قبوٌ ثالث يشكّل معهما حرف H رمزاً الى هليوبوليس (Heliopolis) . وتبيّن بعد التحليلات والمقارنة أن "بعل تونيب" هي بعلبك (تون إيب) ، فـ"تون" مختصر "آتون"، إله الشمس في الكون، و"إيب" تعني مسكن، فتصبح التسمية "مسكن الشمس"، تقابلها "مدينة الشمس" هليوبوليس المصرية (رع = إله الشمس عند المصريين) . ويخلص كوكباني في محاضرته الى القول إن الأخير إله قومي مصري، بينما الأول إله كوني شامل.