مستوصفاتنا

عبرنا جسر التحديات بأمان
إعداد: جان دارك أبي ياغي

تُدرك الطبابة العسكرية أهمية مسؤولياتها خصوصًا في هذه المرحلة الصعبة، لذلك فإنّ الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وما رافقها من انهيارات، لم تمنعها من تقديم أفضل الخدمات الطبية لمن هم على عاتقها، بل على العكس من ذلك فعّلت خدماتها أكثر وعملت على تطويرها، مولية أهمية خاصة للمستوصفات البعيدة عن بيروت. وعلى مستوى منطقة البقاع يُشكل مستوصفا أبلح ورأس بعلبك أنموذجًا رائدًا يبيّن كيف استطاعت الطبابة عبور جسر التحديات لتؤمّن الخدمات للمستفيدين منها.

 

يتميّز مستوصف أبلح (تأسس في العام ١٩٦٧) بكونه الوحيد، إلى جانب المستشفى العسكري المركزي، الذي جُهِّز بقسمٍ للاستشفاء يضم اثني عشر سريرًا تلبي حاجة العسكريين (في الخدمة الفعلية) إلى دخول مستشفى للمعالجة من عوارض لا تتطلب عملًا جراحيًا (مثل معالجة عوارض الإنفلونزا، الحرارة المرتفعة، وجع البطن، إسهال، فيروس...).

 

دعم مطلق

أثمرت الجهود التي قامت بها طبابة البقاع في ظل الأزمة الراهنة، وبدعمٍ مطلق من قائد الجيش الذي جعل الطبابة في صلب أولوياته منذ تسلّمه منصبه، أمانًا صحيًا يتمتع به العسكريون وعائلاتهم بعد تفاقم الوضع الطبي في القطاع الخاص. ووفق رئيس طبابة منطقة البقاع العقيد الطبيب زياد بو مخايل، يبلغ عدد المستفيدين من خدمات مستوصف أبلح حوالى ١٠٠ ألف، أي ما يوازي تقريبًا ربع العدد الإجمالي للمستفيدين من الطبابة العسكرية. أما طاقمه فيتألف من حوالى ٨٠ طبيبًا، و٢٥٠ عسكريًا و١٠٠ موظف مدني، وهو يعمل بدوامٍ كامل.

 

التطوير مستمر

يؤمّن مستوصف أبلح كل الخدمات الطبية الخارجية كالمعاينات في العيادات التي تتوزّع على مختلف الاختصاصات. وهو يضم مختبر الدم (دوام ٢٤/٢٤ ساعة وفيه جميع التحاليل المخبرية ما عدا تحليل الزرع)، وقسم التصوير الشعاعي (Echo, X-Ray) الذي تم تطويره وتزويده مستلزمات طبية حديثة تعمل رقميًا (DIGITAL)، وذلك بتمويلٍ من الطبابة العسكرية. كما يضم قسمًا للأسنان (٥ عيادات)، وآخر للطوارئ (يعمل ٢٤/٢٤ ساعة)، ومكتب الدخول الذي تم توسيعه لإنجاز معاملات أكبر عدد ممكن من الذين تستوجب حالتهم دخول مستشفى، بالإضافة إلى الصيدلية المجانية وصيدلية الشراء اللتين تمت توسعتهما لتشملا ثمانية شبابيك بدلاً من ثلاثة تسهيلًا لعملية تسليم الأدوية للمرضى.

تتوافر في المستوصف مجانًا اللقاحات الضرورية للأطفال والمقدَّمة من وزارة الصحة. وبينما تنصب الجهود حاليًا على إعادة ترميم طابق الاستشفاء وتجهيزه بآلات الأوكسيجين، تم تزويد المستوصف نظام طاقة شمسية بتمويلٍ من الاتحاد الأوروبي. 

 

المزيد على غرار النموذج

يلفت العقيد الطبيب بو مخايل إلى أنّ الاستشفاء والطبابة هما أولوية في حياة العسكري، وهما الخدمتان الوحيدتان اللتان ترافقانه عندما يُحال على التقاعد. لذلك يجري العمل على تطوير المستوصفات الفرعية في قطاع منطقة البقاع، وبناء أخرى أساسية. وهكذا تم وضع حجر الأساس لبناء مستوصف في معهد الرتباء (بعلبك)، وآخر في منطقة صغبين (البقاع الغربي)، ليكونا على غرار مستوصف رأس بعلبك الذي يُعد أنموذجًا ناجحًا جدًا، ومستوصف أبلح، وكلاهما يضطلعان بدورٍ مهم في مجال الطبابة. 

 

رأس بعلبك: التفاتة مشكورة

يتبع مستوصف رأس بعلبك (افتُتح بتاريخ ٩ أيار ٢٠١٩) وظيفيًا لطبابة منطقة البقاع، وقد سُميَ على اسم الملازم أول الشهيد جورج بوصعب. لإقامة هذا المستوصف في رأس بعلبك أكثر من هدف فهو يُشكل من جهة التفاتة من قيادة الجيش إلى المنطقة التي طالما رفدت المؤسسة العسكرية بخيرة أبنائها، ومن بينهم الملازم الأول الشهيد بوصعب. ومن جهة ثانية يُشكل حلًا لمشكلة مشقة انتقال العسكريين وأفراد عائلاتهم من البقاع الشرقي إلى الطبابة في أبلح، أو إلى بيروت.

إضافة إلى ما سبق ذكره، يضيف الرائد طارق رزق رئيس المستوصف، أنّ إنشاءه استجاب لحاجة المنطقة خصوصًا بعدما استوجبت معركة «فجر الجرود» إقامة مستشفى ميداني تمركز في حينه داخل ثكنة فوج الحدود البرية الثاني لمعالجة الجرحى. وبعد انتهاء المعركة، تقرر إنشاء مستوصف في المنطقة نظرًا إلى حاجة محافظة بعلبك-الهرمل إلى مراكز للرعاية الصحية في ظل غياب المستشفيات داخل المحافظة وتمركزها في المدن. 

يشهد مستوصف رأس بعلبك إقبالًا كثيفًا يرده الأطباء الذين التقيناهم إلى توافر الخدمات وجودتها من جهة وإلى الضائقة الاقتصادية من جهة أخرى. وإذ يجمعون على حسن سير العمل، يشددون على التنويه بالمتابعة الدقيقة لكل ملف، وبحرص الجيش على التزام القانون والانضباط والمناقبية العسكرية. 

يبدأ المستوصف باستقبال المرضى عند الساعة الثامنة صباحًا، ويزوره يوميًا ما بين ١٢٠ و١٦٠ مريضًا من منطقة البقاع الشمالي (الهرمل، القاع، رأس بعلبك، الجديده، الفاكهة، العين، اللبوة، النبي عثمان، وشعث). ويتناوب على العمل فيه جهاز طبي مؤلف من ٢٣ طبيبًا مدنيًا من مختلف الاختصاصات، بالإضافة إلى رتباء وأفراد اختصاصيين في مجالات مختلفة وممرضين وتقنيين، وموظفين مدنيين يعملون في حقلَي التمريض والإدارة.

تبدو علامات الرضى واضحة على وجوه زوار المستوصف الذين ينتظرون دورهم لدخول العيادات، يلفتنا عدم وجود تأفف أو تذمر، كل بانتظار دوره بهدوءٍ تام، نقترب من أحد الأشخاص ونتحدث إليه، يعرفنا عن نفسه، بأنّه رقيب أول متقاعد قصد المستوصف آتيًا من عرسال ليحصل على الأدوية وإجراء فحوصات. يشيد بالخدمات التي يقدّمها المستوصف، ويوجّه التحية إلى جميع العاملين فيه منوهًا بحسن المعاملة. يصادق على كلامه الحاضرون، ويشكرون الله «على هذه النعمة». فالمستوصف وفّر عليهم مشقة الانتقال إلى أبلح خصوصًا في هذه الأيام الصعبة كما يقول أحد العسكريين في الخدمة الفعلية، وهو جاء من الهرمل مصطحبًا طفله المصاب بفيروس الإنفلونزا للمعالجة.

 

خدمات طبية شاملة

يقدّم المستوصف خدمات طبية في كل المجالات، ويتميز بحداثة تجهيزاته وتطورها. وهو ينقسم إلى عدة عيادات: قسم الطوارئ الكامل التجهيز، قسم الأسنان (معدات حديثة مع تصوير بانوراميك وXRAY)، مختبر الدم (مجانًا للعسكريين ومقابل طابع رمزي لعائلاتهم وللمدنيين)، صحة عامة، عيادة القلب والشرايين (مع إمكان الاستفادة من تخطيط القلب والصور الصوتية)، الغدد والسكري، النساء، العين (معدات هذا القسم متطورة)، النطق، العظم، الجهاز الهضمي، طب الأطفال، والمسالك البولية، وقريبًا سيُفتتح قسما الأنف والأذن والحنجرة، والجراحة ليومٍ واحد. 

إلى جانب ذلك، يؤمّن المستوصف مجانًا حليب الأطفال (لعمر سنتَين) وحفاضات (لعمر ١٨ شهرًا)، وهي تقدمة منظمة فرسان مالطا وتوزّع وفق لوائح اسمية على العسكريين والمدنيين، كما يؤمّن لقاحات الأطفال. وأخيرًا تم تجهيزه بثلاث سيارات إسعاف مزوّدة أحدث التقنيات والمعدات.

ويشير رئيس المستوصف إلى أنّ المرضى يدفعون رسمًا رمزيًا لقاء الحصول على الخدمات الطبية والفحوصات المخبرية والمعاينات التي تغطيها منظمة فرسان مالطا.

 

التعاون مع فرسان مالطا

تُشيد السيدة كارولين منصور من منظمة فرسان مالطا بالتنسيق القائم بين الجيش والجمعية في الأمور الإدارية، وأكدت جودة الخدمات التي يقدّمها المستوصف، وهذا ما تحتاج إليه منطقة البقاع الشمالي بشدةٍ في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة بعد أن باتت كلفة الفحوصات والتحاليل في المختبرات باهظة الثمن. وأشارت إلى أنّ التعاون بين الجيش وفرسان مالطا محصور فحسب في مركزَين هما: مستوصف رأس بعلبك ومستوصف رميش.

مستوصف رأس بعلبك أنموذج رائد للمراكز الطبية التي تقدّم الخدمات في المناطق النائية، وذلك على مستوى التجهيز كما على مستوى أداء الطاقم الطبي والإداري. وهو إذ يلبي حاجات أساسية لأبناء المنطقة، يؤكد أنّ المؤسسة العسكرية حاضرة دومًا لخدمة أبنائها وأهلها.

 

مستوصفات البقاع

بالإضافة إلى مستوصف أبلح، تتبع طبابة منطقة البقاع المستوصفات الآتية: معهد الرتباء (بعلبك)، رأس بعلبك، الهرمل، دورس، خربة قنافار، وراشيا. وهي مستوصفات صغيرة (ما عدا مستوصف رأس بعلبك). لم تسمح الظروف بعد لتطوير الخدمة الطبية فيها، إنّما تؤمّن حتى الآن خدمة الرعاية الصحية الأولية (صحة عامة وأدوية مجانية). 

 

اتفاقية تعاون

تم توقيع بروتوكول تعاون بين قيادة الجيش اللبناني وجمعية فرسان مالطا بتاريخ ٢٩/٦/٢٠٢١، وتقدّم الجمعية بموجبه معدات وأدوات طبية وأدوية لمستوصف الملازم أول الشهيد جورج بو صعب-رأس بعلبك بالإضافة إلى تأمين الجهاز البشري لإدارة عمل المستوصف وتشغيله. على أن يستفيد من هذه الخدمات عسكريو الخدمة الفعلية والمتقاعدون وعائلاتهم الذين هم على عاتقهم والمواطنون اللبنانيون المقيمون في جوار المركز، وفق برامج الرعاية الصحية الأولية المعتمدة في وزارة الصحة.

 

خمس صيدليات

يضم مستوصف رأس بعلبك خمس صيدليات هي: الصيدلية المجانية وصيدلية الشراء (للعسكريين في الخدمة الفعلية والمتقاعدين وعائلاتهم)، صيدلية فرسان مالطا (للمدنيين من دون العسكريين)، صيدلية وزارة الصحة (للعسكريين والمدنيين)، وصيدلية جمعية الشبان المسيحية YMCA (للمدنيين والعسكريين).